متى يعلنون وفاة «القاعدة»؟
سمير السعداوي/الحياة/15 أيلول/15
كادت ذكرى 11 أيلول أن تمر من دون «تسجيل حضور» لتنظيم «القاعدة»، لولا ان احداً ما في مكان ما، تنبه للأمر وسحب من أرشيف مؤسسة «السحاب» التابعة للتنظيم شريطاً مسجلاً لزعيمه ايمن الظواهري، وبثه على الانترنت ولو متأخراً بيومين عن موعد الذكرى الـ14 للهجمات في نيويورك وواشنطن. وكان في الإمكان أخذ ما قاله زعيم «القاعدة» على محمل الجد لجهة دعوة «شباب المسلمين» الى نقل «الهجمات لعقر دار الغرب الصليبي وعلى رأسه اميركا»، لولا ما فهم من كلام الظواهري بأن زعيم حركة «طالبان» ما زال حياً، ما يعني ان الشريط سجل قبل إعلان الاستخبارات الافغانية في 30 تموز (يوليو) الماضي ان الملا عمر متوفٍ منذ سنتين وتأكيد «طالبان» لاحقاً ان نبأ الوفاة ظل سراً مكتوماً طيلة تلك الفترة. وفي اسوأ الاحوال، قد يكون الشريط سجل حتى قبل وفاة الملا عمر، ما يعني ان تاريخه يعود الى أكثر من سنتين. وهذا بدوره يثير تساؤلات حول مصير الظواهري نفسه، وايضاً حول التدهور المطرد في قدرات «القاعدة» منذ تصفية مؤسسها أسامة بن لادن في أيار (مايو) 2011، ذلك ان دعوة الظواهري «شباب المسلمين» الى المبادرة بشن هجمات فردية، تنم عن انعدام الحيلة في تدبير عمليات منظمة ضد أهداف في الغرب. وقد يكون العجز مردّه حال الاستنفار القصوى للاجهزة الأمنية الغربية، وإن كان المرجح ان التنظيم بات يفتقد عناصر مدربة قادرة على الوصول إلى أهداف ذات قيمة، مع ملاحقة الطائرات الأميركية من دون طيار عناصر «القاعدة» في مخابئها، وأيضاً مع نجاح تنظيم «داعش» في استقطاب عدد لا بأس به من المتشددين بعد عرض كل انواع المغريات عليهم. واذا كانت الضربات الجوية هي السياسة المعلنة للرئيس باراك اوباما في التعاطي مع «القاعدة»، فمما لا شك فيه أن ظهور «داعش» كان العامل الأهم في سحب البساط من تحت أقدام الظواهري الذي لم يخف امتعاضه من تنظيم «الدولة» بوصفها «امارة استيلاء بلا شورى ليس لزاماً على المسلمين مبايعتها» وتشديده على انه «لا يرى أبا بكر البغدادي اهلاً للخلافة». وبتحريضه شباب المسلمين في الغرب على الاقتداء بالأخوين الشيشانيين الذين فجرا قنابل في بوسطن الأميركية قبل أكثر من سنة، بدا الظواهري وكأنه يتبنى هذا الهجوم، وايضاً الاعتداء على مجلة «تشارلي ايبدو» في باريس العام الماضي، لكنه تبنٍ ينمّ عن محاولة تحويل «القاعدة» الى مظلة او مرجعية، من دون ان تكون قادرة على اختيار الأهداف والتخطيط لضربها. غير انه في مناخ منافسة قاسية ووحشية فرضها «داعش» على التنظيمات المتشددة، بات تراجع «القاعدة» ينبئ باتجاهها الى الاضمحلال، تماماً كما حصل حين فرضت «طالبان» نفسها في المعادلة الافغانية بديلاً من احزاب المجاهدين اثر صراعهم الدموي على ابواب كابول «المحررة» عام 1992. قلما شهد العالم تنافساً على تبني عمليات ارهابية، وحتى «المنظمات الثورية» التي ترعرعت في ظل الاسقطاب العالمي إبان الحرب الباردة، كانت تحرص على إرفاق تبنيها لهجمات، ببيانات استباقية او اشرطة مسجلة تحدد اهدافاً ومطالب في اطار برنامج واضح المعالم بغض النظر عن أحقيته او مشروعيته. وبخلاف ذلك، فإن دعوة عامة الناس الى شن اعتداءت، لمجرد اثبات وجود هذا التنظيم او ذاك وتأكيد مرجعيته، لا تشكل سوى تحريض عبثي على ارتكابات تؤذي المسلمين أكثر مما تنفعهم.
روسيا تحاول إطالة حكم الأسد باشتراط القضاء على الإرهاب أولاً
اميل خوري/15 أيلول 2015/النهار
هل يتحوّل تدفق اللاجئين السوريين بكثافة على دول أوروبية مشكلة بل أزمة قد تعجل في إيجاد حل للحرب في سوريا، إذ أن الأعباء التي تترتب على هذه الدول لمواجهة اللجوء قد تفوق مع الوقت أعباء حرب حاسمة؟ لكن الخلاف بين الدول المعنية على التوصل إلى حل في سوريا جعل الحرب فيها تطول وتنتقل عدواها الى دول اخرى بحيث أصبحت منطقة الشرق الأوسط تواجه المصير المجهول، خصوصاً بعدما فشلت الثورات العربية في تحقيق أهدافها فكانت الفوضى والحروب الداخلية التي لا تنتهي، ولا تم التوصل الى قرار في مجلس الامن ينهي الحرب في سوريا، ولا توصلت الدول المعنية الى اتفاق على تنفيذ مقررات مؤتمر جنيف بسبب الخلاف على ان يكون الرئيس بشار الأسد جـــزءا من الحــــل او لا يكــــون جزءا منــــه، الى ان ظهــر خطـــر تنظيم “داعش” مهـــدداً كل المنطقة ويخيف الجميع، خصوصــا عندمـــا استطـاع ان يجتــاح خلال ساعات مناطق واسعة في العراق. واذا كان الخلاف على مصير الأسد هو الذي أدى إلى خلاف على مصير سوريا، فإن الخلاف يتجدد الآن بين الدول المعنية حول هل تكون الأولوية للقضاء على تنظيم “داعش” أم لتقرير مصير الرئيس الأسد؟ ثمة دول ترى أن تعطى الأولوية للقضاء على تنظيم “داعش” لأن أي حكم يتم الاتفاق على إقامته في أي دولة عربية مع استمرار نشاط “داعش” سوف يجعل هذا الحكم غير مستقر ومهدد في أي وقت بالسقوط بدليل ما يحصل في العراق. وثمة من يقول إن التوصل الى اتفاق على إقامة حكم تتمثل فيه كل القوى السياسية الاساسية سوف يكـــون قادرا عـلى التصـدي لتنظيم “داعش” والقضاء عليه لأن إقامة مثل هذا الحكم سوف تحول دون وجود بيئة حاضنة
له. ويبدو أن روسيا تعطي الأولوية لضرب تنظيم “داعش” والقضاء عليه قبل البحث في أي حل يقيم حكماً جديداً في سوريا. ويلاقي هذا الموقف تأييد دول أوروبية وعربية ضمناً، في حين ترى دول أخرى أن القضاء على “داعش” قبل الاتفاق على شكل الحكم الذي سيقوم بعد ذلك من شأنه أن يعيد الخلافات بين قوى الداخل ويجعل كل خارج معني يتدخل في هذه الخلافات، عدا أن أولوية القضاء على تنظيم “داعش” تطيل حكم الرئيس الأسد وتطيل أيضاً أمد الحرب التي لم تعد تحتمل مع استمرار موجات اللجوء السوري الواسعة إلى دول قريبة وبعيدة، وهو ما يهدد أمن هذه الدول واستقرارِها الاجتماعي. وثمة من يرى، حسماً للخلاف على ترتيب الاولويات بين القضاء على تنظيم “داعش” أو ترحيل الرئيس الأسد، السير بهما معاً وعلى خط واحد متوازٍ بحيث يتم ضرب “داعش” والقضاء عليه، وفي الوقت عينه العمل على تنفيذ مبادئ مؤتمر جنيف وذلك بجعل صلاحيات الرئيس الأسد تنتقل كاملة إلى حكومة ائتلافية موسعة، الأمر الذي يعجّل في القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” والتخلص في آن واحد من الرئيس الأسد. الواقع أن القضاء على تنظيم “داعش” يتطلب وجود وحدة وطنية متماسكة تجمع كل القوى السياسية الأساسية في سوريا لتكون قادرة على التخلص من هذا التنظيم وتاليا من حكم الأسد. فالقوى التي يهمها التخلص من النظام السوري ستعمل على التخلص بسرعة من تنظيم “داعش” ولا تشكل بيئة حاضنة له، لكنها تخشى إذا ما قضي على التنظيم أن يصبح من الصعب التخلص من حكم الأسد فيستمر وتستمر معه الحرب المدمرة لتقضي على آخر ما تبقى من سوريا بشراً وحجراً.
هل تكون الأشهر القليلة المقبلة كافية للاتفاق على ترتيب الاولويات، فيكون التخلص من حكم الأسد قبل التخلص من تنظيم “الدولة الاسلامية”، أم التخلص من هذا التنظيم والقضاء عليه أولاً كما ترى روسيا وبعض من يرى رأيها، ثم يصير البحث في مصير الأسد، أم يصير اتفاق على التخلص منهما معاً وفي وقت واحد، كما يرى بعض آخر؟
أيّهما يصحّ في التعزيزات العسكرية الروسية: تحفيز الحل أو تسعير الحرب الأهلية؟
روزانا بومنصف/النهار/15 أيلول 2015
يسود اعتقاد لدى مصادر مراقبة في بيروت أن تعزيز روسيا مواقعها في المنطقة الساحلية في سوريا قد يكون مرتبطا بطريقة أو بأخرى بتحفيز موسكو لحل للازمة السورية خلال ما تبقى من ولاية الرئيس الاميركي باراك اوباما استناداً الى أن الاخير الذي يظهر ابتعاداً ارادياً عن المنطقة قد يكون ميالا الى القبول ببنود في الحل النهائي المحتمل على غير ما يمكن أن تكون عليه الحال أمام من يخلفه. وذلك على رغم التخوف الذي يبديه ديبلوماسيون بأن يساهم تعزيز روسيا وجودها العسكري في تسعير الحرب الداخلية في سوريا على خلفية أن مساعدتها للنظام ستنسف جهودها السابقة للم شمل الجميع، كما سيؤدي الى استفزاز التنظيمات المعارضة وليس فقط تنظيم الدولة الاسلامية. لكن مع الاحتمال الاول الذي يبدو اكثر ترجيحاً بالنسبة الى المصادر المعنية، فإن الحل مع اوباما لا يزال اكثر سهولة من كل التوقعات المستقبلية. اذ لا يتوقع بالنسبة الى المرشح الديموقراطي الاكثر حظاً على غرار هيلاري كلينتون أن تتبنى المقاربة نفسها التي اعتمدها أوباما للوضع السوري وفق ما اعلنت كلينتون نفسها. والامر قد يكون اكثر حدة مع رئيس من الحزب الجمهوري في حال فوزه بحيث يتعذر على الرئيس الذي سيخلف اوباما اعتماد سياسة معاكسة تماما لسياسة الاخير على غرار رد الفعل العكسي الذي تبناه هو في سياسته رداً على سلفه جورج دبليو بوش، فذهب الى سياسة الانسحاب كليا من المنطقة في مقابل الانخراط القوي لبوش فيها، الى حد اعتبار اوباما مسؤولا عن انهاء تاريخ من المصالح الحيوية الاميركية في المنطقة. وحين كانت المفاوضات تجرى مع إيران على ملفها النووي كان ثمة اقتناع لدى هذه المصادر بأن إيران ستعمد في النهاية الى القبول باتفاق على ملفها النووي لاعتقادها بأن الظرف مثالي مع رئيس اميركي على غرار اوباما يطمح الى انجاز الاتفاق ومستعد لان يقدم الكثير في التفاوض من اجل تحقيق انجازه الاهم خلال ولايتيه. ومن هذه الزاوية، فان رغبة روسيا في انجاز اتفاق حول سوريا قد يكون مدفوعا برغبة قوية في الاستفادة من وجود اوباما، بحيث يمكن الحصول في المفاوضات على الموضوع السوري بما يمكن أن يصب في مصلحة روسيا وحلفائها وفي مقدم ذلك ضمان حليفها الرئيس السوري إن لجهة بقائه في السلطة اطول فترة ممكنة أو لجهة تحصيل ضمانات قصوى في التسوية المفترضة.
تحركت روسيا في الايام الاخيرة لتعزيز موقعها العسكري في المنطقة الساحلية التي يسيطر عليها النظام مستفيدة من تصاعد موضوع اللاجئين السوريين وهربهم الى اوروبا التي تتخبط دولها في ازمة حقيقية ادت الى وقوع انقسامات كبيرة بينها حول كيفية مقاربة هذا الموضوع والحؤول دون تفاقمه مستقبلاً، علماً انها سارعت الى الاعلان عن برنامج لسنوات عن استقبال اللاجئين. لكن يمكن روسيا أن تجد آذاناً صاغية ايجابية لدى اوروبا في ضوء معاناتها الاخيرة. وقد برزت نقاط التقاء مع روسيا على غرار ما قاله الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مثلا في مؤتمره الصحافي الاخير في قصر الاليزيه حيث حمّل تنظيم الدولة الاسلامية مسؤولية الهجرة الكثيفة للاجئين على غرار ما تفعل روسيا، من دون الاشارة الى دور بشار الاسد في هذا الاطار. وكان لافتاً اعلان المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في عطلة الاسبوع الماضي، بعد اجتماع في برلين حول أوكرانيا حضره أيضاً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ضرورة التعاون مع روسيا في موضوع سوريا، وهو موقف لافت تزامن مع تعزيز روسيا قواتها العسكرية في سوريا، علماً أن الولايات المتحدة لا تغفل دور روسيا وسبق لمسؤوليها الكبار أن أعلنوا تعاونهم معها في الموضوع السوري وكان الموفد الاميركي الى سوريا مايكل راتني من بين اواخر من زاروا روسيا على اثر استقبالها مجموعة كبيرة من المعارضة السورية وزعماء المنطقة. كما يعتقد أن روسيا تحركت على خلفية الايحاء بأنها هي من يأخذ دور الدفاع عن الاقليات وهي التي تسعى الى حمايتهم في وجه تمدد تنظيم الدولة الاسلامية وتطمح لأن تؤمن لهم الدور الكبير في سوريا المستقبل. وهي تعني بالاقليات طائفة العلويين في الدرجة الاولى التي ينتمي اليها الاسد. وهي تتقدم بهذا الدور على إيران باعتبار أن ثمة حساسية مذهبية يثيرها التدخل الإيراني على هذا الصعيد في اطار دعم النظام العلوي ضد الاغلبية السنية في سوريا. ووجود روسيا في المنطقة الساحلية السورية يمكن أن يندرج أيضاً في اطار الرسائل التي تعزز شروطها من حيث اعلانها انها في سوريا اصلا لمساعدة النظام وامداده بالمعدات وتدريب العسكريين تحت طائل أن يكون وجودها للمحافظة على هذه المنطقة بحيث اذا رغبت الولايات المتحدة والغرب لاحقاً في توحيد سوريا فعليهم التفاوض مع روسيا، ويمكن أن يستخدم وجودها من اجل تطبيق المساعدة والحماية أو توظيفه كفزاعة أيضاً لخصومها في الموضوع السوري. ومن هذه الزاوية يبدو ما يحصل تعزيزاً لشروطها في الحل وموقعها في المنطقة اكثر منه ضماناً لاستمرار وديمومة الاسد خصوصا أن تجربة العراق ماثلة مع رئيس للوزراء يحظى بالدعم الدولي الكافي لكن من دون قدرة لا على توحيد بلاده ولا على الحكم في الوقت الذي لا يحمل مسؤولية مقتل اكثر من 300 الف مواطن أو تهجير الملايين أيضاً وتدمير بلاده