حرب الورقتين
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/23 كانون الثاني/16
باختصار، استطاعت معراب أن توقف “حرب الثلاثين” سنة بين الزعيمين، وتُطلق حرباً بين ورقتين تفصلهما عشر سنوات، من 6 شباط 2006 إلى 18 كانون الثاني 2016. قيل الكثير وكُتب أكثر عن خلفيّات الإعلان الاحتفالي لترشيح سمير جعجع لميشال عون ونتائجه. عن المصالحة التاريخيّة ووحدة المسيحيّين والخيار الرئاسي والانقلاب والضربة الذكيّة والقرار الشجاع “حيث لا يجرؤ الآخرون”، والربح الصافي لمعراب.. وكلّها توصيفات صحيحة أعادت حسابات جميع الأطراف، وأربكت الحلفاء قبل الخصوم على حدَّي الاصطفاف. وحدثت مقاربات ومقارنات مع نصوص واتفاقات وتفاهمات ووثائق أُخرى، ومن بينها اتفاق الطائف والدستور و”إعلان بعبدا” وأدبيّات “ثورة الأرز” والخطاب السياسي المركزي لـ”14 آذار”. لكنّ أحداً لم يُجرِ مقاربة أو مقارنة جديّة بين وثيقة “البنود العشرة” التي رشّح جعجع على أساسها عون، وبين الوثيقة الشهيرة المعروفة بـ”ورقة التفاهم” بين عون و”حزب الله”.
هذه الورقة التي تطوي بعد أيّام سنتها العاشرة، كانت أساساً لكلّ الانقلابات السياسيّة والأمنيّة التي حصلت (من انقلاب الدواليب والاعتصام في قلب بيروت، إلى غزوة 7 أيّار وإسقاط حكومة الحريري وانقلاب “القمصان السود”)، وشكّلت غطاء لكلّ الحروب من تمّوز 2006 إلى الانخراط في الحرب السوريّة ابتداء من 2012. لذلك، ليس تفصيلاً، أو ترفاً فكريّاً وسياسيّاً، إجراء مقارنة عامّة (ولو في عجالة مقال) بينها وبين “البنود العشرة”، لمعرفة حقيقة تناقضهما، بل تصادمهما، ومحاولة استشراف مصيرهما معاً. وللمفارقة، فإنّهما في الشكل، يتآلّفان من عشر نقاط. والفارق الشكلي يكمن في أنّ “بنود معراب” قدّم لها جعجع بتمهيد وحيثيّات، بينما خلت “ورقة مار مخايل” من أيّ مقدّمة أو ديباجة خلافاً لكلّ الوثائق السياسيّة، لا لشيء إلاّ لتفادي ذكر المواثيق التأسيسيّة التي تستند إليها الوثائق المماثلة، كشرعة الأمم المتحدة وحقوق الانسان والدستور و”وثيقة الوفاق الوطني”.
أمّا في المضمون، فيمكن اختصار التناقض بين النصَّيْن بنقطتين مركزيّتَيْن:
- الأولى، إثبات كلّ النصوص الأساسيّة التي يعتمدها لبنان كدولة في “بنود معراب” وتغييبها بالكامل عن نصّ “ورقة التفاهم”، وأهمّها قرارات الأُمم المتّحدة الخاصّة بلبنان، بما فيها قرار إنشاء المحكمة الدوليّة 1757، والقرارات 1559 و1680 و1701.. وثيقة جعجع ذكرت كلّ قرارات مجلس الأمن بدون تفضيل أو تمييز أو استثناء، بينما أغفل “التفاهم” كليّاً الشرعيّة الدوليّة وتجاهل وجود الأمم النتحدة ذاتها. كما أنّ “التفاهم” غيّب كليّاً وعمداً ذكر الدستور اللبناني واتفاق الطائف والشرعيّة العربيّة و”السياسة الخارجيّة المستقلّة” التي ركّزت عليها “بنود معراب”. وليس خافياً أنّ “حزب الله” ضدّ أيّ سياسة خارجيّة مستقلّة للبنان أو ما يُعرف بـ”النأي بالنفس”، وضدّ قرارات مجلس الأمن والشرعيّة العربيّة والطائف، وقد فرض تغييبها عن “ورقة 6 شباط”. كما فرض عبارة غريبة بل هجينة على أدبيّات عون وتيّاره هي وصف الاحتلال السوري للبنان على مدى 30 سنة بأنّه مجرّد “تجربة شابتها ثغرات”!
- الثانية، وهي الأعمق والأخطر، تكمن في التناقض بين مجمل بنود معراب والبند 10 من بنود “التفاهم”. وثيقة معراب تحدّثت عن ضبط الحدود في الاتجاهين (بما يعني كلّ التحرّك المسلّح من وإلى سوريّا)، ونشر الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة الشرعيّة وحدها على كلّ الأراضي اللبنانيّة ومرجعيّة الدولة (وهنا تضمين عن رفض بقاء السلاح غير الشرعي)، بينما نصّ “التفاهم” على أنّ سلاح “حزب الله” (ذكر “حزب الله” بالتحديد وليس سلاح المقاومة) هو وسيلة “مقدّسة”، وربط الاستغناء عنه بتوافر “الظروف الموضوعيّة” وزوال الخطر الإسرائيلي، فأطلقه إلى زمن مفتوح وغامض.
والدليل أنّ مسألة مزارع شبعا والخطر الإسرائيلي لم يعودا وحدهما حجّة السلاح، بل أيضاً الحرب ضدّ التكفيريّين، والدفاع عن مشروع إيران وشيعتها في العالم، ووظيفة السلاح “حيث يجب أن يكون”! والمفارقة اللافتة، أنّه في حين تتحدّث “بنود معراب” عن الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة الشرعيّة، تعمّد بند السلاح في “التفاهم” تغييب كل إشارة للجيش وهذه القوى في حماية لبنان. وبالطبع، لم يكن سقوط ذكر الجيش سهواً، أو خطأ مطبعيّاً. إذ، ليس من الطبيعي أن يخلو بند الدفاع عن لبنان من أيّ ذكر للجيش! وفي تقدير أوّلي، لم يكن إلغاء “حزب الله” اجتماع كتلته النيابيّة نتيجة ارتباكه في تحديد موقفه من ترشيح جعجع عون، فقط، بل دليل ارتباك أعمق ناتج عن قراءته التناقض الكبير بين ما وقّع عليه عون في معراب وما وقّع عليه في مار مخايل قبل 10 سنوات. إذاً، لا يقتصر حرج “حزب الله” الآن على إعلان موقفه من ترشيح “حليفه” في معراب، بل يتجاوزه إلى القلق من مصير الحلف في حدّ ذاته. ولا شكّ في أنّ صراعاً بدأ بين الحلفين القديم والجديد. فهل يستطيع عون الخروج منه وكيف؟ هل يذهب إلى القول إنّ نصّ معراب عام وغير ملزِم ولا يتناقض مع “ورقة التفاهم”، كما بدأ يتشاطر ناطقون باسمه؟ أي، محاولة هروب إلى الأمام والرقص على حبلَيْن. وهل يقبل “حزب الله” هذا الرقص؟ كيف يستطيع “حليفا مار مخايل” تفادي التناقض المستجدّ، ومواجهة “حرب الورقتين” قبل أن تتحوّل إلى حرب إلغاء؟ وهل يكفي الصمت؟ تلك هي المسألة.
نجح الدكتور سمير جعجع
عمـاد مـوسـى/لبنان الآن/23 كانون الثاني/16
نجح الدكتور سمير جعجع بترشيحه خصمه “المسيحي” اللدود لرئاسة الجمهورية المتهالكة، في إصابة “رفّ” عصافير بخرطوشة واحدة، وإنْ كانت صفة الصيّاد الماهر إرتبطت باسم الرئيس الراحل كميل شمعون. نجح في توقيت “انسحابه” من السباق الرئاسي بعدما صار نزول نواب 14 آذار وكتلة التنمية والتحرير إلى جلسات انتخاب رئيس للبلاد من المشاهد السياسية المملة جداً. نجح في الرد على “فكرة” حليفه الرئيس سعد الحريري بتبنّي خيار سليمان فرنجيه والتي لم ترقَ إلى مستوى “الترشيح” العلني، بترشيح عون وفق تصوّر مكتوب قرأه في معراب وإلى جانبه الجنرال يقابل الكلام بابتسامات ووجه منشرح وإيماءات بالرأس توحي بالموافقة على البنود المكتوبة. نجح كرجل دولة لا تتأثر خياراته بحسابات الدول الشقيقة، الصغرى والكبرى، وتمنياتها. نجح في المزاوجة بين المصلحة “المسيحية” المُطالب بها، وبين المصلحة “الوطنية” العليا المؤمن بها وفق أدبيات “14 آذار” وخياراته الإستراتيجية. نجح الدكتور سمير جعجع، بطريقة ما، في تصويب العلاقة “الندية” مع الشيخ سعد الحريري، ونجح في إفهام من يعنيهم الأمر، أن الحلف مع تيار المستقبل و”جمهوره” ثابت وأن ما يجمع القوات والمستقبل نظرة واحدة للدولة واتفاق تام على الخط الإستراتيجي. نجح الدكتور سمير جعجع في انتزاع اعتراف أعتى الخصوم بحنكته وتمرّسه بأنه في طليعة اللاعبين المحنكين. ويتقاسم المرتبة الأولى مع “الإستيذ” نبيه بري. نجح في إعادة خلط الأوراق السياسية وتحريك الركود وإرباك فريق” 8 آذار” بمرشحه وليس بأي مرشح آخر. فهل ينزع حزب الله الألغام من طريق عون (مرشح “الحزب” الحصري) أو يزرعها على كل الطرق المؤدية بالجنرال إلى بعبدا؟ والحزب المقاوم خبير ضليع متمرّس في زرع المتفجرات السياسية وغير السياسية؟ نجح ـ من دون قصد ـ في تذكير نواب الحسابات والبوانتاجات. أن المرشح النائب هنري حلو أيضاً يُحسب له حساب. فلا تستغيبونه. نجح الدكتور جعجع في تبريد الساحة المسيحية والبيئة القواتية ـ العونية بشكل رئيس، فحلّت خفة الظل بدل التشنج. لبس “القواتيون” (على صفحات التواصل الإجتماعي) تيشرتات وقبعات الأورانج، بدوا في حال من السعادة والحبور وهم يستعملون “هلأتني” كظرف زمان مستقى من القاموس العوني. ونجح سمير جعحع باستعادة لقب “الدكتور” بعدما دأبت الـ”أورانج تي في” منذ نشأتها الميمونة على الإكتفاء، وبكل لؤم، بصفة السيد سمير جعجع. “بيقولوا ما تحب الـ otv… ليه فيه أحلى من الـOTV؟” هذا آخر ما قرأته على فايسبوك بقلم قواتي حتى العظم. نجح جعجع في تحديد ملامح الوريث “الرئاسي”. نجح في تحديد الأحجام. نجح في أمور كثيرة. فهل ينجح أخيراً في دفع الجنرال ميشال عون للتفكير ملياً في التخلي عن “حلم الرئاسة” على مشارف الإحتفال بعيد مولده الحادي والثمانين والتنازل لمصلحة مرشح يتفق عليه هو والدكتور جعجع. نحن في بلد العجائب وتنقصنا هذه.