ماذا سيفعل «الشاطر» حسن؟
نديم قطيش/الشرق الأوسط/25 أيلول/15
قد يكون من المبكر بعض الشيء، ولكن ليس من المبالغة، القول إنه سيؤرَّخ بالدخول الروسي إلى سوريا لبداية خريف الميليشيات التي تتصارع في هذا البلد، لا سيما الميليشيات الدينية السنية والشيعية. الأكيد أكثر أن الميليشيات الشيعية ستسبق مثيلتها السنية إلى اضمحلال الدور والوظيفة والحضور. ليس خافيًا أن الميليشيات الشيعية العراقية تعاني من فقدان بيئتها الحاضنة اليوم في العراق لأسباب محلية صرفة أنتجت صحوة شيعية عربية مناهضة لإيران، ولدورها الاستغلالي للعراق ومقدراته والتلاعب بمكوناته الوطنية والسياسية والدستورية. أما الميليشيا الشيعية الأبرز، أي حزب الله، فهي تعاني من نتائج انهيار مشروعها في سوريا، ومن نزيف الأكلاف البشرية والمعنوية، رغم عدم القدرة على حماية النظام، دعك عن تغيير قواعد اللعبة! إذا كان من مؤشر على انهيار القدرة الإيرانية عبر حزب الله على حماية الـ«ستاتيكو»، فهو الدخول الروسي العسكري إلى سوريا بعد أن ناشد بشار الأسد حلفاءه قبل شهرين، عبر الاعتراف بأن جيشه يواجه نقصًا في العدد، وتقلصًا في القدرة على الانتشار، بحيث بات مجبرًا على الانسحاب من مواقع من أجل الدفاع عن أخرى! «أنا أسقط»، قال الأسد.. ليأتي الدخول الروسي ترجمة ميدانية لانهيار قدرة حزب الله بصفته الإيرانية على تحقيق أهداف حربه المكلفة في سوريا، وتحقيق النصر الذي دأب على تذكير جمهوره بأنه وعدهم به. وما تعثره في معركة الزبداني، بعد الكثير من الخطابات والتأكيدات بالنصر، إلا دليل آخر على عمق المأزق الذي يتخبط فيه حزب الله، مما بات يحتم عليه التفكير الجدي في الانسحاب من سوريا، تحت عنوان إعادة التموضع دفاعيًا، كما بات يتسرب في تقارير تنسب هذا الكلام إلى مسؤولين في الحزب.
ليس وضع حزب الله أفضل في حرب اليمن، التي أوكل إليه بأن يكون صوت إيران العربي في الحرب الدعائية فيها. ولا بد لحسن نصر الله أن يكون أحس ببالغ الحرج وهو يتابع على شاشات التلفزة اكتمال عودة الشرعية إلى عدن بوصول الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إليها. فنصر الله الذي سيبدأ حتمًا انسحابه السوري ململمًا خلفه الجراح والخيبة، وسيكون عليه أن يبرر الكلفة البشرية الهائلة، سيكون مطالبًا أيضًا بأن يبرر لجمهوره السقف اليمني الذي رفعه وفشل في بلوغه. فهو لم يتردد بالجزم والحسم أن «الأمل بعودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى اليمن انتهى»، أو كما استدل على فشل الرياض بقوله إن «(عاصفة الحزم) فشلت في إعادة عبد ربه منصور هادي إلى عدن أو صنعاء»!! فإذا كانت عودة هادي، وفق نصر الله، هي معيار الفشل والنجاح، فسيكون عليه أن يحدث قومه بالنتائج «الباهرة» التي وصل إليها.
«أوضح الواضحات»، إذ ذاك، هي النكسات والنكبات الميدانية والسياسية التي يعانيها حزب الله في كل من اليمن وسوريا. وفوق هذا وذاك، يبدو حزب الله أسير ذوبان جبل الجليد الآيديولوجي والتعبوي الذي نهل منه خطابه لسنوات طويلة. فها هي روسيا، التي رفعها حزب الله إلى مصاف الحليف والركن في الحرب ضد الإمبريالية والصهيونية والاستكبار، تطمئن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو بأن «سياسة موسكو عاقلة، وأن سوريا ليست في وضع يسمح لها بمهاجمة إسرائيل». وما ينطبق على سوريا ينسحب على حزب الله! الأسوأ لنصر الله ما سيتمرن على سماعه من الساسة الإيرانيين. فإذا كانت «العقلانية» الروسية التي خاطب به بوتين نتنياهو لا تدعو لكثير من العجب، فستكون العقلانية الإيرانية المستجدة موضع إنهاك آيديولوجي له ولحزبه وللعقائديين بين ناسه! ها هو الرئيس الإيراني حسن روحاني يصرح بأن «العداء لأميركا يخف رغم استمرار الخلافات وتدني الثقة». خلافات؟! كلام أقرب إلى ما يمكن أن يقوله مسؤول ألماني أو فرنسي بعد أزمة تنصت واشنطن على حلفائها، من قربه لرئيس نظام الثورة ضد الشيطان الأكبر والاستكبار العالمي!! بل يذهب روحاني إلى حدود التصريح بأن شعار «الموت لأميركا» الذي عبأ الملايين، واختطف وقُتل، واغتيل، باسمه وعلى وقعه، الكثيرون، ليس سوى شعار، وكأنه يحيل لغة وعمارة خطابية كاملتين إلى التقاعد، ويؤكد أن القرار بالاتفاق مع الشيطان يتجاوز الطبيعة الإجرائية إلى تحول عميق في موقع وهوية وتكوين إيران. من سوريا إلى اليمن، مرورًا بالتحول العراقي الشيعي العميق، وصولاً إلى تخفف إيران من رطانة الآيديولوجيا، سيكون مفيدًا ترقب ماذا سيفعل «الشاطر» حسن.
إنها سورية أم أوكرانيا؟
وليد شقير/الحياة/25 أيلول/15
تستعد الأمم المتحدة لاستضافة أهم الاجتماعات الدولية التي قد تجعل من حدث الجمعية العمومية للدول الأعضاء فيها مناسبة مهمة هذه السنة، على غير عادتها في السنوات الماضية حيث كان الملل لا يلبث أن يتسلل إليها، فضلاً عن الرتابة التي تحكّمت بأعمالها بعد غياب القادة الكبار الذين شغلوا العالم في أواخر القرن الماضي. قد يضفي العيد السبعون لتأسيس المنظمة الدولية بعض الأهمية على اجتماعاتها. كذلك إلقاء البابا فرنسيس خطاباً فيها، والإعلان المرتقب عن طموح برنامجها للتنمية المستدامة وإزالة الفقر، للعام 2030. وقد تشهد حدثاً رمزياً وعاطفياً للعرب ومؤيدي القضية الفلسطينية برفع علم فلسطين عند مدخل مبناها. إلا أن القضية الأهم التي تؤرّق الغرب وبعض الدول العربية والآسيوية هي مشكلة تدفّق اللاجئين إلى العديد من الدول، التي فاقمتها الحروب العربية وجعلت من النازحين السوريين الجسم الأكبر من هؤلاء اللاجئين، فيما تتخبّط دول أوروبا بخلافاتها في معالجتها.
وإذا كان استمرار الحرب السورية مصدر تضخم لمشكلة اللاجئين إلى أوروبا، فإن أبرز الاجتماعات التي يمكن أن ترفع من أهمية الجمعية العمومية هو لقاء رئيسي أميركا باراك أوباما وروسيا فلاديمير بوتين، بعد مجاهرة الكرملين بتسليح نوعي لنظام بشار الأسد وزيادة تواجده العسكري على الأرض السورية لحماية الخبراء ومواقعهم. فالتحرّك الروسي يساهم حتماً في إطالة أمد الأزمة في بلاد الشام ويضيف على أسباب التوتّر الدولي عنصراً جديداً لا يسهّل البحث في خفضه بسبب الأزمة في أوكرانيا والعقوبات الغربية الضاغطة بشدة على موسكو.
وثمة اعتقاد بأنه سواء حصل اللقاء أم لم يحصل، فإن ما يمكن التعويل عليه من تفاهمات بين الدولتين حول الأزمات الدولية المتعددة ليس كثيراً. إلا أن حصول اللقاء يخفّف من وطأة الصراع المتصاعد بين الجانبين، لأن أياًّ منهما ليس في وارد التصادم المباشر، مكتفياً بالمواجهة بالواسطة التي يخوضها مع الآخر في العديد من الميادين من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط. وتبقى الحجّة الروسيّة لتصعيد موقفها في سورية، أي محاربة «داعش»، نقطة تقاطع مع واشنطن والدول الغربية. فنموّ التطرّف الإسلامي في الشرق الأوسط القريب جغرافياً من الاتحاد الروسي، واشتراك مسلمين روس مع «داعش» في الحرب القذرة، باتا يهددان بانتقال هؤلاء إلى الأراضي الروسية. وقلق موسكو الفعلي من هذا الاحتمال دفع بوتين إلى افتتاح المسجد الكبير في العاصمة الروسية بحضور رمزين إسلاميين لافتين لهما تأثيرهما في الرأي العام الإسلامي، هما الرئيسان الفلسطيني محمود عباس والتركي رجب طيب أردوغان.
لكن عباس وأردوغان وأوباما والأوروبيين يدركون جيداً أن ما يقوم به بوتين في سورية يتعدّى المصلحة المشتركة في مكافحة «داعش» والتطرّف الإسلامي، ويتجاوز ادّعاء الحرص على بقاء بشار الأسد في السلطة في أيّ حلٍ سياسي. فموسكو تمسك بالورقة السورية، من أجل تحقيق هدفين: الأول يتعلق بالاحتفاظ بنفوذها على المتوسط عبر القاعدة البحرية في طرطوس سواء بقي النظام السوري، أو تغيّر وتغيّرت معه سورية نفسها أو تقسّمت، فيحمي هو المنطقة الساحلية، والثاني هو اعتماد هذه الورقة للمقايضة في مواجهة الضغوط المتزايدة على موسكو بفعل الأزمة الأوكرانية. وإذا كان الغرب لا يمانع في تواجد روسي على المتوسط، فإن دوله لم تبدّل موقفها من ضمّ موسكو القرم في أوكرانيا وتدخّلها فيها، ومنعها الدول التي تدور في فلكها الجغرافي من الاستدارة نحو أوروبا الغربية. يصعب توقع نتائج من أي اجتماع بين بوتين وأوباما حول التأزم الأخير في سورية، طالما المواقف متباعدة حول أوكرانيا. والدليل أن الزعيمين يتجهان إلى ما يشبه تنظيم الاختلاف بحجة تجنّب الصدام المباشر في بلاد الشام أو عبر التفاهم على محاربة «داعش»، من دون أي تقارب حول الحلول في سورية. إنه تنظيم للتدخّلات في بلاد الشام التي أصبحت مسرحاً دولياً وإقليمياً مشرّع الأبواب، وصولاً إلى اتفاق موسكو مع تل أبيب على التعاون لتجنّب «حوادث الطرق» في الأجواء السورية نتيجة تدخلات الطيران الإسرائيلي والآن الطيران الروسي المرتقب أن يزداد نشاطه. أما قصّة السعي إلى حلول سياسية مع الإصرار على وجود الأسد في المرحلة الانتقالية، فإنه آخر هموم موسكو على رغم تأكيداتها العلنية في هذا الشأن. فتصعيد تدخّلها في سورية هو إلغاء للأسد نفسه الذي كانت تدّعي الاستناد إلى شعبيته لتبرير سياستها حيال المعارضة السورية، فإذا به يتحوّل إلى ببغاء يكرّر ما يصرّح به المسؤولون الروس. ما زال الطريق طويلاً أمام أي تفاهم روسيّ – أميركيّ حول سورية، طالما الخلاف حول تقاسم أوروبا باقٍ. ولربما سيكون لقاء أوباما مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، إذا حصل، أكثر تشويقاً، حول أزمات غير سورية