التسوية السورية: مبادئ جنيف 1.. أم تنازلات جنيف 2 وفيينا
إياد أبو شقرا / الشرق الأوسط/01 شباط/16
أحسب أنه لا يوجد مراقب سياسي عاقل يتوقع الكثير من «محادثات» مؤتمر جنيف3 لتسوية الأزمة السورية. وهذا فعلاً ما ذهب إليه أحد الدبلوماسيين الغربيين الكبار عندما شكك بتحقيق أي نجاح في المؤتمر عشية اتخاذ «الهيئة العليا للمفاوضات» ليل الجمعة الماضي قرارها بإرسال وفد يلتقي بالمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، ويطالب بتطبيق التعهدات الدولية، ولا سيما، إزاء الشق الإنساني. «الهيئة العليا للمفاوضات» المنبثقة عن مؤتمر الرياض، الذي شهد أوسع تمثيل للمعارضة السورية الحقيقية، كانت خلال الفترة الأخيرة تحت ضغوط هائلة للمشاركة في جنيف3. وهذه الضغوط كانت دولية إثر إعلان دي ميستورا عقد المؤتمر «بمن حضر»(!)، وأميركية بعد تهديد واشنطن بقطع الدعم (!) إذا ما رفضت المشاركة.. وطبعًا، روسية في ظل الحرب التي تشنها روسيا على السوريين. والغريب أن روسيا تريد أن تكون في آن معًا شريكًا كاملاً (سياسيا وعسكريًا) لنظام الأسد ومرجعية تختار ممثلي «معارضيه» في «المحادثات».
الواقع أننا إذا راجعنا المشهد العام لمساعي إنهاء القتال في سوريا منذ اختار بشار الأسد قمع انتفاضة شعبه بقوة السلاح – بالذات منذ صيف 2011 – نجد خطين بيانيين متعاكسي الاتجاه. فتماسك القوى التي أيّدت انتفاضة الشعب السوري بدأ يتراخى بالتوازي مع تقدّم المفاوضات الأميركية – الإيرانية على الملف النووي الإيراني. وفي المقابل، مع انكشاف عجز نظام الأسد بقدراته الذاتية على قهر شعبه، أخذت تتكشف «أوراقه» الاحتياطية وتنفضح أبعاد تحالفاته الإقليمية والدولية، ومن ثم طبيعة دوره الحقيقي في منطقة الشرق الأوسط.
القوى المؤيدة – في البداية – للانتفاضة اعتمدت مُسمّى «مجموعة أصدقاء سوريا» وعقدت خلال فبراير (شباط) 2012 أول لقاء لها لم تُدع إليه إيران وقاطعته روسيا والصين. ولكن على الرغم من الدعم الذي قدّمته الدول الغربية، التي ادعت «صداقة» سوريا، فإنه ظل دون مستوى الدعم الاستراتيجي والتسليحي النوعي الدفاعي الطابع الذي طالما طالبت به المعارضة مثل الملاذات الآمنة، ومناطق حظر الطيران، وأنظمة الدفاع الجوي لتحييد طيران النظام وردعه. وفي يونيو (حزيران) 2012 عقد مؤتمر «جنيف1» بمشاركة روسيا والصين هذه المرة. وكان تركيز «أصدقاء سوريا»، بمن فيهم الولايات المتحدة يومذاك، على إطلاق مرحلة انتقالية تمهد لـ«سوريا ما بعد الأسد». في حين تبنّت روسيا بدعم صيني ذرائع النظام وجعله الأولوية لمكافحة الإرهاب. وبالتالي، في هذه المرحلة كان ثمة خلاف معلن على تفسير مبادئ «جنيف1» بين واشنطن وموسكو.
وبعدها، واصل «أصدقاء سوريا» الغربيون رفضهم توفير الدعم النوعي للمعارضة، مقابل تنامي حضور «داعش»، في ظل إحجام النظام عن استهداف مواقع التنظيم المتطرف، بل عمله على استثماره لإنهاك «الجيش السوري الحر» وضربه… كما أقر صراحة أحد دمى أجهزة الاستخبارات السورية في لبنان.
بحلول 2013 كانت خطوات التقارب الأميركي – الإيراني أخذت تتضح، ولا سيما بعد الكشف عن المفاوضات السرّية التي أجريت بين الجانبين في مسقط، ثم فوز حسن روحاني بانتخابات الرئاسة الإيرانية في يونيو 2013. واعتبار واشنطن فوزه «انتصارًا» لنهج «الاعتدال» و«التعقل» ما يستوجب إيجابية أميركية جدّيّة تجاه طهران. وحقًا، خلال بضعة أشهر، بعد اطمئنان نظام الأسد إلى أنه لا وجود لـ«الخطوط الحمراء» التي هددته بها واشنطن، لجأ إلى استخدام السلاح الكيماوي في غوطة دمشق، مقابل تقبّله احتلال «داعش» مدينة الرقة. وسكتت واشنطن عن جريمة الغوطة مكتفية بتسليم ما قال: إنها «ترسانته» من السلاح الكيماوي. وفي يناير (كانون الثاني) 2014 عقد «مؤتمر جنيف2» لكنه انتهى عمليًا من دون نتيجة في ظل تشدّد موسكو وتراجع واشنطن عن مطالبها، بل اقترابها من التفسير الروسي لطبيعة الصراع في سوريا. ثم في مارس (آذار) وجّه الرئيس باراك أوباما، من خلال مقابلة صحافية مع الصحافي جيفري غولدبرغ، رسالة واضحة المعنى لمن يهمّه الأمر لمّح فيها إلى رهان واشنطن على إيران حليفًا موثوقًا في الشرق الأوسط، بجانب إسرائيل. وبالتوازي، أخذت لهجة واشنطن إزاء الأسد تَخفُت تدريجيًا، وصار كل الكلام على أنه «فقد شرعية بقائه في السلطة».. بينما أضحت الرقة «عاصمة» آمنة لـ«داعش» في قلب سوريا.
على أرض سوريا وخارجها، أدى خذلان الانتفاضة الشعبية خلال عام 2015 إلى تزايد عدد الجماعات المتشددة مقابل إحباط القوى المعتدلة وابتعاد بعضها شيئا فشيئًا عن المشهدين السياسي والعسكري. غير أن الوضع الميداني للنظام لم يتحسّن كثيرًا على الرغم من المساندة الفاعلة من «الحرس الثوري الإيراني» وميليشياته اللبنانية والعراقية والأفغانية. وفي ظل حالة «اللاحسم» واستمرار المجازر ومعاناة المدنيين وتهديد عدد من معاقل النظام، وكذلك تزايد ميل الغرب لجعل محاربة «داعش» أولوية تسبق إسقاط الأسد، دخلت روسيا الحرب فعليًا في أكتوبر (تشرين الأول) 2015 بحجة ضرب «داعش».
وبعد شهر من الحملة الروسية التي ركزت ضرباتها فعليًا على استهداف «الجيش السوري الحر» والمعارضة المعتدلة، اجتمع ممثلو 17 دولة كبرى ومتصلة بالوضع السوري في العاصمة النمساوية فيينا، بينها إيران، بغياب ممثلين عن المعارضة والنظام. وانتهى الاجتماع بإعلان العمل على «وقف إطلاق النار» و«وضع أطر انتقال سياسي» مع استمرار الخلاف على مصير الأسد. ثم في ديسمبر (كانون الأول) الفائت، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع قرارًا يحدّد «خريطة طريق» تبدأ بمفاوضات بين النظام والمعارضة على وقف لإطلاق النار وتشكيل «حكومة انتقالية» في غضون ستة أشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرًا، ومجددًا من دون الإشارة إلى مصير الأسد. بل، في ظل التقارب بين واشنطن وطهران، والتأثير الميداني للضربات الروسية، ظهرت تقارير تشير لتفاهم إيراني – أميركي على بقاء الأسد في منصبه حتى 2022! ماذا نتوقع الآن؟ واضح أنه لا بديل للمعارضة السورية عن الصمود، مهما كانت خيبة الأمل كبيرة. الصمود من دون أوهام. المعارضة تدرك اليوم أنها أمام «خصم وحَكَم في آن معًا».. لا يجوز منحه مبرّرات إضافية لكي يمعن أكثر في خذلانها، بل خيانتها.
هل تغير الإخوان على إيران؟
مشاري الذايدي/ الشرق الأوسط/01 شباط/16
هناك سياسة سعودية منهجية لمحاصرة إيران سياسيا ومعنويا، ومحو أرصدتها الاستثمارية داخل الدول المسلمة، السنية طبعا، فهي ما تشكل غالب المسلمين. نقول ذلك انطلاقا من بعض الوقائع التي حصلت في غضون أيام، أهمها طبعا هو «التلاقي» السعودي التركي الواضح تجاه دعم المعارضة السورية التي تشكلت في الرياض بقيادة «المعتدل» رياض حجاب. ووقائع أخرى. رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو زار الرياض أمس، والتقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لبحث عدة ملفات في مقدمها تنسيق الموقفين السعودي والتركي تجاه الأزمة السورية. أيضا التقى وزير الخارجية السعودية عادل الجبير بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو، وعقدا مؤتمرا صحافيا كان لافتا فيه تناغم الموقف التركي مع السعودي ضد ما سمي العدوان الإيراني، وتحدث الوزير التركي عن الدعم السعودي التركي المشترك لوفد المعارضة السورية «الشرعية» في جنيف. هذا تحول كبير في المنطقة يعني نشوء قوة مسلمة كبيرة في الشرق الأوسط لحماية مصالح وأمن «السنة» أقلها في سوريا، هذا هو واقع الحال، بعدما قدمت إيران نفسها ومعها الحليف الروسي كرعاة للشيعة في الأساس، ودعما أيضا بقية الأقليات الدينية في المنطقة، خاصة بسوريا والعراق. هذا هو الحال، ويجب التعامل معه على هذا الأساس، رغم أن الاعتدال هو شعار هذا التحالف الجديد، فالأكثرية هي التي تصون الوحدة وتحمي الأقليات وتعزز الرابطة الوطنية، وليس دعاة «تحالف الأقليات» كما هو هدف تيار أقلوي موتور، تيار عون في لبنان، مثلا. ضع مع هذه الحقيقة، علامات أخرى دالة، منها «تسريب» حديث الرجل الثاني بحماس، موسى أبو مرزوق، في نفس التوقيت، التسريب الذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط»، يشن فيه أبو مرزوق هجوما حادا على النظام الإيراني ويتهمه بالكذب في دعم «الممانعة» ونشر الطائفية والباطنية والخراب. قبل ذلك قطع السودان، وهو صاحب الصبغة الإخوانية العتيدة، علاقاته مع إيران، وطرد البعثة الإيرانية، وانضم مع التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن لضرب المشروع الإيراني هناك. بنفس التوقيت أيضا حديث لأشهر مفتٍ إخواني د. يوسف القرضاوي، بمؤتمر لدعم المعارضة السورية بالدوحة، يشنع فيه بكذب النظام الإيراني وتابعه حزب الله ويسميه حزب الشيطان، وأنه كان مخدوعا بهم. طبعا، ما زال هناك خلافات بين السعودية وتركيا بالسياسة، لكن يبدو أن الملف السوري هو الأساس حاليا. قد يقال وهل كانت صفات النظام الخميني تخفى على أحد بالماضي؟ الجواب ليس مهما في ميدان السياسة «العملية» لأن المطلوب قطف العنب لا قتل الناطور!