غطرسة نصرالله على حساب لبنان
رندة تقي الدين/الحياة/03 شباط/16
كلام الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أن الحزب انتصر لأن فريق ١٤ آذار اختار مرشحين للرئاسة من ٨ آذار يذكر بالغطرسة والأسلوب الإسرائيلي في التعامل مع الشعب الفلسطيني. فنصرالله يتباهى بأنه سجل انتصاراً. ولكن يجدر السؤال: كيف هو الانتصار في ايصال لبنان الى الحالة التي هو فيها؟ هل هو انتصار ان يبقى الفراغ الرئاسي مستمراً وأن تبقى الحكومات معطلة والاقتصاد مشلولاً والتدهور يأخذ البلد الى شفير الهاوية؟ هل هو انتصار ان يعطل اجراء انتخاب رئاسي وعدم فتح البرلمان لاختيار أحد المرشحين العماد ميشال عون او سليمان فرنجية ليتم انتخاب أحدهما ديموقراطياً؟ ما هو هذا الانتصار في بلد تعمه النفايات والفساد والبؤس الاجتماعي؟ هل هو انتصار ان يرسل نصرالله شباب لبنان للقتال في سورية وتجويع الشعب السوري والمساهمة في حصار مدن سورية باسلة وترك سكانها يموتون من الجوع؟ اي انتصار هو في المساهمة الى جانب النظام السوري في تدفق اكثر من مليون لاجئ سوري الى لبنان في حالة مزرية؟ وهل يرى انتصاراً في دفع ابناء الخليج الى مقاطعة زيارة لبنان؟ وما هذا الانتصار في تهديد عمل وإقامة الجاليات اللبنانية في الدول العربية؟ ان كلام نصرالله عن الانتصار على ١٤ آذار يندرج في الأسلوب الذي اعتمده الحزب في ٧ ايار (مايو) ٢٠٠٨ عندما هاجم بالسلاح ابناء بلده دافعاً الى فتنة طائفية شيعية سنية ما زالت عواقبها موجودة بقوة في بلد يعيش في ظل «انتصار حزب الله». وهل هو انتصار هيمنته قد تؤدي الى دفع الشارع السني الى التطرف «الداعشي» مثلاً؟ كلام نصرالله عن استمراره في تأييد مرشحه ميشال عون وأن سليمان فرنجية يحظى بتقديره وثقته يعكس واقع أن «حزب الله» يريد استمرار الفراغ الرئاسي. فلا يريد المخاطرة في اتاحة انتخاب رئيس يمكن في لحظة ما أن يحاول الحد من وضع يد «حزب الله» على المؤسسات اللبنانية. فالحزب الذي يسيطر على كل القرارات في لبنان اما بالهيمنة او بالتعطيل مثل ملف الرئاسة لا يريد المجازفة بحصول انتخاب رئاسي يجيء بشخصية مسيحية، ان كانت عون او فرنجية، قد تستاء من أحادية نفوذه في قرار الحرب والسلم مثلما يفعل في المدن اللبنانية الحدودية ومثلما خرب البلد في «انتصاره» في ٢٠٠٦ عندما انهالت الضربات الاسرائيلية على البلد ودمرته. «حزب الله» مرتاح الآن في «انتصاره» على فريق ١٤ آذار على حساب البلد وحساب اللبنانيين جميعهم وليس فقط ١٤ آذار بل ايضاً انصار الحزب والذين يقتلون ويصفهم نصرالله بالشهداء. وشهادة هؤلاء الشباب هي في سبيل الأمين العام لحزب يعمل لخدمة ايران و»الحرس الثوري» في سورية ولبنان وأينما كان في المنطقة. لذا فـ «حزب الله» يخشى من وصول اي لبناني الى سدة الرئاسة حتى لو كان مقرباً منه لأنه يريد التفرد بالسلطة ووضع اليد على المؤسسات في بلد يشهد المزيد من التردي الاقتصادي، ويريد حماية نظام الاسد لحساب النظام الإيراني الذي يعتبره قضية مصيرية في سياسته الأقليمية. فإن كان هذا «انتصار حزب الله » فهدفه القضاء على مستقبل لبنان السيد والديموقراطي والذي كان يمكن ان يكون بلداً واعداً للأجيال الصاعدة التي تبحث عن مغادرته عندما تتمكن من ذلك.
عن المشروع الإيراني في لبنان
خيرالله خيرالله /العرب/03 شباط/16
بعد أيّام تمرّ الذكرى الحادية عشرة على اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. كلّما مرّت سنة على الفاجعة، يتبيّن أكثر أن الجريمة ليست معزولة عن المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة الذي يشمل لبنان، وهو المشروع الذي أخذ بعدا جديدا منذ الغزو الأميركي للعراق وإسقاط النظام القائم. أسقطت الدبابات الأميركية النظام من دون التفكير مسبقا بمرحلة ما بعد سقوطه، علما أن إيران كانت الشريك الإقليمي الوحيد والفاعل في عملية الاحتلال الأميركي للعراق في مارس 2003. حصل ذلك من خلال تنسيق سياسي وعسكري أميركي – إيراني ذي وجهيْن: الأول الإقرار نهائيا بالطبيعة المذهبية للنظام في العراق، والآخر تسلل الميليشيات المذهبية المدرّبة في إيران إلى الأراضي العراقية وتحكّمها بمفاصل السلطة في البلد، في موازاة الحملة العسكرية الأميركية. مع سقوط العراق، طرأ تطوّر نوعي على طبيعة المشروع التوسّعي الإيراني منذ تسليم إدارة جورج بوش الابن البلد على صحن من فضّة إلى إيران، على الرغم من التحذيرات التي تلقتها الإدارة الأميركية. على سبيل المثال وليس الحصر، كان الملك عبدالله الثاني، حاول في أغسطس من العام 2002 حمل بوش الابن على التفكير مليا في النتائج التي ستترتب على احتلال العراق ولكن من دون نتيجة. وجد نفسه أمام حائط. بعد ذلك، كان العاهل الأردني أوّل الذين تنبّهوا في المنطقة إلى خطورة وضع اليد الإيرانية على العراق. تحدّث صراحة عن “الهلال الشيعي”، بمعناه السياسي وليس المذهبي، في حديث صدر في “واشنطن بوست” في أكتوبر 2004، أي بعد سنة ونصف سنة من سقوط النظام العراقي. ما نشهده اليوم في لبنان يمثل حلقة أخرى من مسلسل بدأت فصوله تتبلور برفض “حزب الله”، بصفة كونه حزبا لبنانيا، الانخراط في الحياة السياسية في البلد بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، في مايو من العام 2000 تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مارس من العام 1978.
أقرّت الأمم المتحدة في تقرير رسمي بأن إسرائيل نفّذت القرار بحذافيره. لكنّ “حزب الله” تذرّع بمزارع شبعا، كي يرفض التخلي عن سلاحه. تبيّن، بكل بساطة، في تلك المرحلة خطأ من لديه أي وهم، حيال مشروع الحزب وما يمثّله حقيقة وطبيعة تبعيته لإيران من كلّ النواحي. من يعتقد أن “حزب الله” تخلى عن هدفه الإيراني، لا يريد التعاطي مع الواقع. فمنذ العام 1989، رفض الحزب اتفاق الطائف. أصرّ منذ أصبح لديه نوّاب في المجلس على عدم إعطاء الثقة لأيّ حكومة من حكومات رفيق الحريري. بقي خارج الحكومة، ما دام لبنان تحت الوصاية السورية. لم يدخل الحكومة إلّا بعد التأكد من اغتيال رفيق الحريري. شارك بطريقة غير مباشرة، بعضو محسوب عليه في الحكومة الأولى لنجيب ميقاتي في 2005. كان اسم الوزير طراد حمادة. بعد ذلك، صار شريكا في كلّ الحكومات عبر أعضاء فيه. انتقل إلى تكريس الثلث المعطّل في الحكومة، وصولا إلى ما وصلنا إليه اليوم من تعطيل لانتخاب رئيس الجمهورية. كان التخلص من رفيق الحريري نقطة تحوّل على الصعيدين اللبناني والإقليمي. بدأت، منذ لحظة الاغتيال، تتكشف حقيقة المشروع الإيراني الذي يعتبر التدخل العسكري لـ”حزب الله” في سوريا جزءا لا يتجزّأ منه في المدى الطويل، فيما الجزء الآخر يتعلّق بلبنان تحديدا. هل صدفة هذا الحلف القائم بين الفريقين الانقلابيين اللذين رفضا أصلا اتفاق الطائف وهما “حزب الله” والنائب المسيحي ميشال عون الذي أصرّ على البقاء في قصر بعبدا، كرئيس لحكومة مؤقتة ذات مهمّة محدّدة جدا، بعد توقيع وثيقة الوفاق الوطني وإقرار الدستور الجديد الذي انتخب بموجبه رينيه معوّض رئيسا. كلّ ما يفعله “حزب الله” منذ اغتيال رفيق الحريري يصبّ في التخلّص من اتفاق الطائف. كلّ الكلام الصادر عن الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله للاستهلاك المحلي. يعتقد حسن نصرالله أن الوقت يعمل لمصلحة المشروع الإيراني بدليل أن بشّار الأسد لم يسقط بعد على الرغم من اقتراب موعد الذكرى الخامسة لتفجير موكب رفيق الحريري، ومباشرة تنفيذ الفصل الجديد من المشروع.
هناك اعتقاد لدى “حزب الله” أن موازين القوى التي أدّت إلى ولادة اتفاق الطائف لم تعد قائمة. أكثر من ذلك، هناك إيمان لدى كثيرين في لبنان وخارجه أنّ الطائف يجب أن يذهب مع رفيق الحريري، ما دام لم يعد من وجود سوري على الأرض ينفّذ الاتفاق استنادا إلى مفهوم معيّن وضعت خطوطه العريضة في دمشق.
على دم رفيق الحريري، خرج النظام السوري من لبنان عسكريا وأمنيا. يكمن الفارق بين إيران والنظام السوري في أنّ إيران لا يمكن أن تكتفي بتنفيذ الطائف على طريقتها واستخدامه بما يخدم مصالحها. تريد الذهاب إلى أبعد من ذلك بكثير، أي إلى إدارة اللعبة السياسية في البلد والتحكّم فيها عبر المؤسسات الشرعية وإيجاد موطئ قدم ثابت لها في هذه المؤسسات، بما في ذلك النظام المصرفي اللبناني. تريد إيران خطف لبنان، تماما كما خطفت الطائفة الشيعية الكريمة وحوّلتها إلى رهينة لديها. تريد بديلا من اتفاق الطائف يجعل المثالثة بديلا من المناصفة، وتريد قانونا جديدا للانتخابات يعتمد النسبية بهدف إضعاف السنّة والمسيحيين. صحيح أنّ رفيق الحريري غائب. صحيح أنّ لا شيء يعمل في لبنان منذ رحيله. صحيح أنّ المؤسسات كلّها، أو ما بقي منها، مهدّدة. كلّ هذا صحيح، بما في ذلك أن “حزب الله” يتحكّم بالسلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأن وزير الخارجية اللبناني صار يلعب دور وزير الخارجية الإيراني في الاجتماعات العربية والإسلامية وكلّما دعت الحاجة إلى ذلك. لكنّ الصحيح أيضا وجود تساؤلات كثيرة مشروعة في شأن ما إذا كانت إيران ستكون قادرة على متابعة مشروعها، على الصعيد الداخلي اللبناني، وتغيير ميزان القوى في المنطقة لمصلحتها نهائيا. هل تستطيع ذلك، حتّى لو كانت في حلف مستتر مع إسرائيل يعتبر الوضع السائد في سوريا أفضل تعبير عنه؟ من الباكر إعطاء جواب عن مثل هذا النوع من التساؤلات، لكنّ الأكيد أن لبنان في وضع لا يحسد عليه. كلّما مرّت سنة على اغتيال رفيق الحريري، كلّما تكشّفت فصول جديدة من مشروع كبير لا يستهدف بلاد الأرز فحسب، بل تغيير طبيعة الشرق الأوسط أيضا.