على جعجع أن يختار
إيلـي فــواز/لبنان الآن/04/16
يبدو أننا نعيش موسم التنازلات في لبنان. فالتصرف السياسي لجماعة 14 آذار يشي بأن مركبهم يحترق، وأن القفز من فوقه هو الحل الأفضل. قد يكون هذا الأداء السياسي نتيجة قراءة لتطورات المنطقة، عسكرياً في سوريا أو سياسياً مع إيران التي انضمّت أخيراً إلى منظومة الدول العالمية بعد أن كانت قبل عام متّهمة بأنها دولة راعية للإرهاب قابعة تحت عقوبات اقتصادية نتيجة برنامج نووي ذات أبعاد عسكرية. أو هكذا ظنّ العالم. حتى في الضفة الثانية من آذار فيبدو ان الموارنة سلّموا مسألة تسمية رئيس الجمهورية للسيد حسن نصرالله. لا أحد يهتم بينهم لرأي سيد بكركي. كل الأنظار مشدوهة الى الضاحية حيث “سيد الكل”. من نافل القول أنه يحق لكل سياسي في لبنان أن يتخذ الخطوات التي يراها مناسبة لمصلحته أكانت عامة او خاصة جداً أو حتى مذهبية-طائفية. يحق لسمير جعجع مثلاً أن يتبنّى ترشيح ميشال عون وغم أن جعجع نفسه كان ذهب الى المملكة العربية السعودية قبل عام ليقنع مسؤوليها بإجبار الرئيس سعد الحريري الإقلاع عن محادثاته مع جنرال الرابية وعن فكرة تبنّي ترشيحه. لذلك لا يحق لجعجع انتقاد الحريري وتسويق ترشيح الأخير لسليمات فرنجية في إعلامه على أنه طعنة في الظهر، خاصة وأن فكرة الترشيح هذه كانت موضوع محادثات بين الطرفين – القوات والعونيين – لأكثر من عام كما أكد العماد عون نفسه، وهي سبقت محاولة تسويق المستقبل لفرنجية رئيساً. كما يحق للجمهور القواتي المتحمّس تفهّم قرار زعيمهم او رفضه، ولكن لا يحق له شتم الرئيس الحريري نتيجة خياراته السياسية (و العكس صحيح)، خاصة وأن القوات كانت في نقاش جاد مع فرنجية نفسه حول إمكانية دعمهم له. نقاش طاوَل دور القوات في العهد الآتي، كاستلام وزارة الداخلية، وهو ما لم ينفه بيان القوات. يستطيع جعجع أن يتقرّب من عون، طمعًا بجذب بعض من مناصريه، كما عون من جعجع طمعاً بالوصول إلى الرئاسة الأولى، لكنهما لا يستطيعان أن يلبّسا اجتماع المصالح الظرفي بينهما لباس المصالحة لحروب قتلت الآلاف ودمّرت ما دمرت. للمصالحة أصول تقوم أولاً على الاعتراف بالأخطاء صراحةً ثم الاعتذار من اللبنانيين عن كل نقطة دم سالت. المصالحة لا تتم بلقاء ورفع أنخاب وقطع قوالب حلوى.
لكن لندع جانباً كل تلك المناكدات السياسية، أو هذا التذاكي الذي يتجلى في الردود والردود المضادة التي تعبّئ فضاءنا تغريدات، فما يجري من حولنا أخطر من موال يصدح في معراب. نحن في الشرق الأوسط امام مرحلة غير مستقرة تقوم على اساسين اولها تفتيت المنطقة مذهبياً، كما في سوريا العراق او اليمن، وثانيها “فرسنتها” كما في لبنان مثلاً تمهيداً لإخضاعها لأمرة ولي الفقيه، او وكيله حيثما وجد. هذا هو تحديداً الصراع. حركة 14 آذار هي بالأساس محاولة لاستعادة استقلال هذا البلد من أيدي ايران اليوم، ومحاولة للحفاظ على التنوع الطائفي للبلد. أي عكس ما تخطط له جبهة الممانعة.
للأسف حيث يمر خيال الحرس الثوري تهجّر الأقليات ويختفي التنوع. وهذا ليس بحاجة الى جهد للتدليل عليه. سوريا مثال. في هذه المعركة الكبيرة والشرسة هناك قطبان على صعيد الإقليم. إيران من جهة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى. وفي لبنان هناك تيار المستقبل وحزب الله مع كل ما يمثله الحزبان من قيم وأداء سياسي. أخطر ما يمكن ان يحدث اليوم هو محاولة التلهي بتفاصيل صغيرة كاستمالة بعض من جمهور الخصم – الحليف من اجل التزعم مستقبلاً على طائفة، فيما الخصم يقضم البلد لمصلحة حلفه. واستطراداً كل محاولات تزعّم المسيحيين من دون منازع باءت بالفشل في ثمانينات القرن الماضي. وهو أمر يعرفه جعجع تماماً. ثم ألا تؤمن حركة 14 آذار بالديمقراطية؟ أليس هذا نضالها على ما يخبرنا دائماً جعجع؟ فكيف لتلك الديمقراطية ان تتعايش مع هذا التعيين الذي يدعونا اليه مكوّنان مسيحيان بمجرد إعلانهما عن نوايا – ويا للمصادفة تسقط عند كل استحقاق- قافزَين فوق مبدأ الانتخاب ومتجاهلَين “اغلبية صامتة” ليست حتماً لا عند القوات ولا عند التيار ولا حتى في اجتماعهما معاً؟!
معركة إستعادة الصلاحيات.. توحد الساحة المسيحية!
نادين مهروسة/المدن/الأربعاء 03/02/2016
على الرغم من التباعد في المواقف من الملف الرئاسي بين الأحزاب والتيارات المسيحية، إلا أن معركة ما يسمونه “إستعادة الصلاحيات والمواقع في مؤسسات الدولة” جمعتهم بعد الحديث المتصاعد عن “تهميش وظيفي وإنمائي” يتعرضون له، بغطاء من بكركي، وعليه باتت إحدى الثوابت الجامعة والنادرة بين هذه التيارات، والتي قد تطبع المرحلة المقبلة بسماتها. بدأت تبرز معالم هذه المعركة الجامعة منذ جلسة تشريع الضرورة، إذ توحدت الكتل المسيحية الثلاث الكبرى، خلف ضرورة إقرار قانون استعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني، وبعدها إستمر التواصل بين الأفرقاء من أجل تكريس مبدأ الدفاع عن الحقوق المسيحية، بمسعى تحديداً من تكتل “التغيير والإصلاح” بدعم من “القوات اللبنانية” بموجب ورقة إعلان النوايا. في الأيام الأخيرة، انسحب التوافق بين التيارات المسيحية على أكثر من قضية تمس بنظرهم الوجود المسيحي، وهو ما برز بعد الإعراب عن المخاوف من توطين اللاجئين السوريين، عبر الضغط الدولي لتوفير فرص عمل لهم في أماكن اللجوء. ظهر في هذا الملف تضامن واضح بين وزراء حزب “الكتائب اللبنانية”، ووزراء “التيار الوطني الحر”، للوقوف سداً منيعاً في الحكومة، وتأكيد الرفض اللبناني في المؤتمرات الدولية، وخصوصاً لندن التي سافر اليها رئيس الحكومة تمام سلام. الملف الثاني، الذي جمع خصوم الأمس، حضر على طاولة مجلس الوزراء، بعد إنتقاد وزير العمل سجعان قزي مشاريعَ وزارة الأشغال، معتبراً أن هناك خللاً في توزيع الاعتمادات على مناطق لبنانية، وتضامن معه وزيرا تكتّل “التغيير والإصلاح” جبران باسيل والياس بوصعب، ما أثار نقاشاً مع وزير الأشغال العامّة غازي زعيتر. المعركة الثالثة، حضرت أيضاً على طاولة الحكومة كما خارجها، عقبَ تعيين وزير المال علي حسن خليل محمّد سليمان رئيساً لدائرة كبار المكلّفين في وزارة المالية مكان باسمة أنطونيوس، وهو ما دفع خليل الى عقد مؤتمر صحافي للرد وشرح الموقف،مشيراً إلى أنه لم يحصل أي تعيين في وزارة المال، وكاشفاً بالأرقام عدد الموظفين الذين ينتمون إلى الطوائف المسيحية. لكن يبدو بوضوح أن ملف وزارة المالية، ليس سوى حلقة في سياق أعم، خصوصاً أن بيان تكتل “التغيير والاصلاح” بعد اجتماعه الأخير، تحدث عنه في سياق تعداد الإثباتات التي تشير إلى ما يسميه “إجحافاً محقّقاً في الإنماء والإدارة”، منبهاً الى ان الامر وصل إلى حدّ لا يمكن لأحد معه أن يُطيق هذه الكيديّة أو هذه الاعتباطيّة في التعامل
وعليه، يشير عضو تكتل “التغيير والإصلاح” النائب غسان مخيبر لـ”المدن” إلى أن مساعيهم تصب في خانة “الحفاظ على الحقوق المسيحية، لأنه لم يعد مقبولاً التهميش بعد الآن، وإذا تطلب الأمر حملة مسيحية مشتركة ما بين القوى المسيحية فنحن أول المشاركين فيها”. وتقول مصادر مسيحية مطلعة لـ”المدن” أن “التنافس السياسي هو سيّد الساحة في الوقت الراهن، خصوصاً في الساحة المسيحية، وبالتالي كل حزب أو تيار يسعى لكسب رضا الشارع المسيحي، والتأكيد له أن مهمته الأساسية الحفاظ على الوجود المسيحي وحماية حقوقه”، وتؤكد المصادر أن “ما يحصل ليس بالضروري أن يشكل إجماعاً مسيحياً على حملة موحدة ضد التهميش وإنما هي مواقف فردية هدفها الأساسي الإستحواذ على أنظار الشارع المسيحي”، لكنها لا تستبعد أن يتحول الى نمط سياسي في الساحة المسيحية. لكن الأبرز أن كل هذه الحركة حصدت غطاءاً من بكركي، التي عقد فيها الإجتماع الشهري لمجلس المطارنة الموارنة، وطغى خلاله ملف التعيينات في إدارات الدولة، في حين شدد المجتمعون على ضرورة التنبيه لمغبة المس بموجبات الصيغة الوطنية في وظائف الدولة والمؤسسات العامة، كما أكدوا ضرورة الحفاظ على مشاركة الطوائف في الوظائف العامة مشاركة متوازنة. ويشير المطران سمير مظلوم لـ”المدن” أنه “لم يكن هناك رغبة في إثارة ملف التعيينات خلال الإجتماع بشكل علني، وذلك لعدم تحميله طابعاً طائفياً وإنما كان الإجماع حول أهمية الحرص على الميثاقية الوطنية والتوازن بين الجميع وذلك للحفاظ على التعايش السلمي”، لكن المطران بولس صياح يؤكد لـ”المدن” أن “المطالبة بالحقوق المسيحية لا تعني أن القوى المسيحية تسعى إلى إطلاق حملة مسيحية مشتركة بين الكنيسة والقوى السياسية المسيحية، من أجل ردع هذا التهميش، وإنما الهدف منها الحفاظ على التوازن والعيش المشترك”.
مافيا الفساد العراقي القاتل
داود البصري/السياسة/04 شباط/16
إمبراطورية الفساد العراقي تأصلت أطرها، وتعززت أركانها، وشيدت قلاعها في ظل حالة الخنوع الشعبي العراقي المثير للتعجب وما أعلنه صراحة النائب العراقي المثير للجدل مشعان ركاض الجبوري حول شمولية آفة الفساد في السلطة العراقية، يمثل اعترافا رهيبا لجريمة كبرى تجري فصولها علنا وبفضائحية غير مسبوقة تحت ستار الديمقراطية المزيفة التي اجتذبت كل قطط العراق السمان لتجهز على بقايا وطن هو اليوم يعيش تحت مظلة الإفلاس الشامل، والتدمير الممنهج، والإمعان في تمزيق نسيج الوحدة الوطنية في ظل كرنفالات ومهرجانات القتل الطائفي، والتهجير، والهجرة، والفشل في كل مناحي الحياة العراقية !، لقد تراكمت أسس وعوامل الفساد في المجتمع العراقي منذ إنهيار الدولة المركزية العام 2003 بعد الاحتلال التدميري الأميركي، وسيادة المنطلقات والأسس الطائفية والعشائرية الرثة التي تحولت لقانون يحكم ويسير المجتمع في ظل تكالب على السلطة من دون أي اعتبار للكفاءة أوالمقدرة أوالقدرة على التسيير والإدارة، فأضحى الدجل والإدعاء والمبالغة والتزوير من أهم أسس الحياة السياسية والمجتمعية في العراق! المثير للحزن حقا في الواقع هو حالة الإحباط الشامل التي أصابت المجتمع وجعلته للأسف أسيرا لطبقة سياسية فاسدة توارثت الفشل وأدمنته حتى تحول لقانون حياة ولمنهج سائد، كما أن حالة الإفلاس القيادية وخلو الساحة السياسية العراقية من قوى وطنية مبدعة وخلاقة قد جعل من الملعب السياسي ميدانا واسعا لكل الحواة والدجالين ورافعي الشعارات والبؤساء من الفاشلين الذين ركبوا الموجة، وعرفوا من أين تؤكل الكتف، وسايروا التيارات السائدة وهي في معظمها تيارات فكرية وطائفية رثة وسطحية وجاهلة لا تدغدغ سوى العواطف والمشاعر البدائية بعيدا عن أي عمق حقيقي. ضحالة الوسط السياسي العراقي أفرز طبقة فاسدة تمرغت في نعيم السلطة وهيلمانها وأستطاعت التقاط لحظات الهزيمة التاريخية لتنتعش في بيئتها السلبية ولتكون وتؤسس قلاعاً حصينة ومنيعة من الفساد الذي أضحى يمتلك ركائزاً وأسساً وقواعد، بل قلاع حصينة وعصابات خطيرة يمكنها مواجهة أي تيار تغييري أودعوة إصلاحية وإجهاضها. الفاسدون هم الطبقة السائدة في العراق اليوم، وماعداهم استثناء، فالقانون طوع بنانهم، ويخضع لأهوائهم، بل خائف منهم مرتعد الأوصال، فالمؤسسة العسكرية، وهي عماد الاستقرار في أي بلد أضحت مؤسسة هزيلة رثة بعد فقدان الضبط والربط وتطاول المرتزقة على الكفاءات العسكرية لدرجة أن الرتب العسكرية أضحت مهزلة حقيقية في جيوش الطوائف والعشائر العراقية المتصارعة. أما حالة الإفلاس التي يعيشها العراق والتي تسبب بها فساد حكومة نوري المالكي الكارثية بسنواته التسع العجاف التي حكم العراق خلالها وبدد أكثر من 320 مليار دولار في مشاريع وهمية كانت كافية لتحويل العراق لنسخة ثانية من كوريا الجنوبية، فإنها تلخص كل أساطير الفساد الرهيب!والعجيب المفجع أنه رغم وضع القضاء العراقي اليد على أغلبية ملفات الفساد فإنه بقي عاجزاً عن التصرف وتحول الجهاز القضائي لجهاز إحصائي لملفات الفساد فقط، فالسلطة والقول والفعل وتقرير المصير لكواتم الصوت أولفرق الإغتيال التي تتكفل بإغلاق أي ملف مزعج، حتى قادة النظام الفاشل أنفسهم لم يسلموا من تصفيات مافيا الفساد الرهيب، فها هو أحمد الجلبي أحد أبرز وجوه النظام العراقي الحالي قد تمت تصفيته بسموم الأفاعي لكونه هدد مجرد تهديد ان تحت يديه ملفات فساد تفضح رؤوس كبيرة ونافذة في السلطة العراقية! فجاءته السكتة الدماغية قبل أن يرتد له طرفه أويغمض له جفن، وهو الأمر الذي أشار إليه النائب مشعان الجبوري صراحة وبشجاعة يحسد عليها حين أعترف بأنه تلقى رشاوى مليونية لإغلاق ملفات فساد، لكنه أخذ الرشوة ولم يفعل شيئا، كما أعرب عن مخاوفه العلنية من الاغتيال في الشارع العام وفي لحظات تجلي وانشراح نادرة!، كيف يعترف مسؤول وبرلماني بتلقي رشوة من دون أن يجد عقوبة بإنتظاره؟ ورغم أن الطبقة الحاكمة تدعي التزامها بالمنهج الإسلامي الذي ينص صراحة على « لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم» مهازل وتناقضات الساحة العراقية، وسيادة أباطرة الفساد والإفساد من أهل البطون التي جاعت ثم لم تعد تشبع من النهب، حول العراق الحالي لأكبر أسطورة فساد عالمية وبما أسس ( إمبراطورية علي بابا والمليون حرامي )!… أوضاع رثة كتلك التي يعيشها العراق لايمكن إلا أن تنتج رداءة وتهاوي وصعود مستمر نحو الهاوية!…