وتعود «شوكة» عرسال إلى عين «حزب الله»
علي رباح/المستقبل/04 شباط/16
ينشط «الإعلام الحربي» لـ»حزب الله» على جبهة عرسال وجرودها ومحيطها بشكل لافت. يضخّ سيلاً من الأخبار ويروّج لمعلومات تصبّ في اتجاه واحد: «داعش» يسيطر على جرود عرسال»! حتى انه ذهب الى حد استشراف مستقبل البلدة وجوارها، متحدّثاً تارة عن مخطّط «داعش» للسيطرة على عرسال، وطوراً عن سيناريو يعمل عليه التنظيم لوصل عرسال وجرودها بـ»تدمر»! طبعاً كل ذلك قبل ان يستهدف الجيش اللبناني امس خلية «داعشية» معيداً التأكيد على دوره في حماية البلدة وحدودها. هذا الدور الذي تجاهلته المنظومة الإعلامية لـ»حزب الله» عندما اخذت تسوّق لفرضية احتلال «داعش» لعرسال. فماذا يجري في البلدة؟ ولماذا يسعى «داعش» الى السيطرة على جرودها؟ وممَ يخشى العراسلة؟ قبل أسبوع، وقع اشتباك مسلّح بين تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» على الحدود بين جرود عرسال وجبال القلمون، اي على بعد 20 كلم عن بلدة عرسال. منظومة «حزب الله» الإعلامية تعاملت مع الخبر انطلاقاً من مبدأ «شفتوا؟ قلنالكم»، وسوّقت لسيطرة «داعش» على مواقع «النصرة» في منطقة الملاهي ووادي الخيل وقرية الحصن وجرود الجراجير وغيرها من المواقع. إلّا أن مصادر مطّلعة استغربت لـ»المستقبل» هذه «الضجّة» التي رافقت الاشتباكات، خاصة انها ليست الاولى من نوعها بين التنظيمين ولا الأضخم. وبحسب المعلومات، فإن «داعش» حاول التسلّل الى مواقع لـ»النصرة» يُعتقد انها تخزن فيها بعض المواد الغذائية، وقع على اثرها اشتباك افضى في نهاية المطاف الى تراجع التنظيم بعد تكبّده خسائر بشرية. هذا على الصعيد الميداني، أما إعلامياً، فلم تكتفِ بعض المواقع الاخبارية القريبة من «حزب الله» باستثمار الخبر للترويج لوجهة نظر الحزب، بل عملت على بث الرعب بين العراسلة من خلال نشر اخبار تتحدّث تارة عن اشتباكات بين «داعش» والجيش اللبناني في عرسال، وتارة اخرى عن نزوح لأهالي البلدة باتجاه القرى المجاورة!
مخاوف العراسلة من «فبركات» إعلام «حزب الله» والدائرين في فلكه، وصفتها مصادر عرسالية بـ»المشروعة». فالحزب الذي طرح «الترانسفير» المذهبي في سوريا وأعاد رسم الديموغرافيا لتعزيز الوجود الشيعي في المركز عبر الاستيطان وتهجير ما امكن من السنّة من ما يسمى «سوريا المفيدة» (الشريط الممتد من دمشق وصولا الى الساحل)، لا يمكن ان يقنع اهالي عرسال انه يخشى عليهم من «داعش» الذي لم يخدم إلّا النظام ولم يعمل إلّا حسب توقيت «الممانعة». طوال عامين، لم يخض «حزب الله» معركة واحدة ضد «داعش»، على الرغم من التماس بين مقاتليه ومقاتلي التنظيم في اكثر من جبهة. فيصدف- مجرّد مصادفة – ان يجد «حزب الله» نفسه في خندق واحد مع «داعش»، في حرب مشتركة على عدو واحد (الثوار) من دون ان تخرج من مقاتليه رصاصة طائشة في اتجاهه. ويصدف- مجرد صدفة ايضاً- ان يمر «داعش» على طريق خاضعة لسيطرة النظام و»حزب الله» ليصل الى مناطق الثوار التي لا يسمح النظام بدخول الماء والهواء اليها، في شرق حلب واليرموك وجبال القلمون، ولا يقع اي اشتباك. وتمتد المصادفات – مجرد مصادفات ايضاً وايضاً – فيشنّ «داعش» هجمات ارهابية في فرنسا (الدولة الاوروبية الوحيدة التي تجاهر برفضها للاسد) عشية مؤتمر «فيينا2». ويصدف – ولا داعي للتذكير هنا انها مجرد مصادفة – ان يشنّ «داعش» هجوماً ارهابياً في منطقة السيّدة زينب في دمشق صبيحة مؤتمر «جنيف3»، لتكريس المطالبة بحماية الاقليات من خلال دعم الاسد في حرب يقول انه يخوضها بوجه الارهاب.
ليست هذه «المصادفات» هامشية، لا للعراسلة ولا للفصائل المسلّحة في جرود القلمون. وبحسب مصادر المعارضة السورية لـ»المستقبل»، فإن تحرّك «داعش» في جرود عرسال والقلمون تزامناً مع إنهاء «حزب الله» معاركه في الزبداني ومحاصرته لـ»مضايا»، حتّم على الفصائل شنّ هجوم سريع على مواقع هذا التنظيم في وادي بردى، ما اسفر عن خسارته للعديد من مواقعه اضافة الى سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوفه. وباعتقاد المصادر، فإن «داعش» كان يعمل على إنهاء وجود المعارضة والفصائل المسلحة في جرود القلمون، ربما تمهيداً لتسليمها لاحقاً الى النظام السوري و»حزب الله» تماماً كمسرحية «التسلّم والتسليم» التي جرت امام اعين اهالي ريف حلب الجنوبي وحمص واليرموك وجنوب دمشق!
من شبه المؤكّد ان الانتكاسة التي تعرّض لها تنظيم «داعش» في اليومين الماضيين على السلسلة الشرقية، أبعدت الخطر عن عرسال ولو بشكل موقت. فمصادر دبلوماسية في بيروت تقول لـ»المستقبل»، ان «المنطقة كلها تُرسم من جديد، وهناك اعتقاد لدى «حزب الله» بأن الفرصة مناسبة لابتلاع عرسال مرة واحدة والى الابد». وتعزّز المصادر وجهة نظرها بالقول، «ان «حزب الله» نجح في سياسة القضم البطيء لجغرافية «سوريا المفيدة». دمّر القصير وهجّر أهلها الاصليين قبل ان يُفرغ قرى القلمون من ناسها. وها هو اليوم يُنهي عملياته العسكرية في الزبداني ويحاصر من تبقّى فيها الى جانب حصاره لـ»مضايا». وتتابع المصادر قائلة، ان «عرسال هي العقبة الوحيدة المتبقية على الشريط الممتد من دمشق وصولاً الى الساحل، ليس لأنها الخزان السني على هذا الشريط، بل لأن آلاف النازحين فيها هم بمعظمهم من القصير والقلمون». وعليه، تعرب المصادر عن اعتقادها بأن «إعلام الحزب يعمل على شيطنة عرسال، وسيبتكر لاحقاً العنوان المناسب لتهجير هؤلاء وابعادهم عن الشريط الحدودي، كما فعل في معظم القرى والمدن التي دخلها، كي لا يفكّر احد منهم بالعودة الى قراهم او باطلاق مقاومة مسلحة بوجه من هجّرهم من بيوتهم وارضهم».
وتختم المصادر الدبلوماسية حديثها الى «المستقبل» قائلة: «سيكتشف اللبنانيون لاحقاً انهم كانوا امام حزب يتلحّف بعلم فلسطين ليستر مشروعه الطائفي. شعاره المعلن «يا قدس إنّا قادمون»، وشعاره الفعلي لمحيطه المختلف سياسياً ومذهبياً، «إما ان تنخرطوا في مشروعنا وإما ان يكون مصيركم كمصير الزبداني ومضايا والمعضمية وداريا. ليست عرسال وسعدنايل ومجدل عنجر خارج هذه القاعدة. كل ما في الامر ان دورها لم يحن بعد».
مواقف روسيا تحيي «حلم» الأسد بالسيطرة على سوريا
ربى كبّارة/المستقبل/04 شباط/16
تتقاطع المؤشرات لتوحي بان نظام بشار الاسد عاد، بعد ان تخلى في فترة سابقة، الى «حلم« الحسم العسكري مستفيدا من الغطاء الجوي الروسي الكثيف الذي يستخدم «داعش« مظلة لضرب كل الفصائل الاخرى، ومستغلا مؤتمر «جنيف 3« لتوسيع سيطرته كما بدا بوضوح عبر تصعيده، بالتزامن مع المؤتمر، هجماته خصوصا في ريف حلب بما يقطع طرق الامداد الرئيسية للمعارضة. فتعديل موازين القوى لمصلحة النظام، الذي انقذه التدخل الروسي العسكري قبل بضعة اشهر من احتمال فقدانه العاصمة دمشق، سمح له بان يكون اكثر تشددا في مواقفه خصوصا وان حليفته الاخرى ايران باتت تتمتع بهامش اوسع بعد رفع العقوبات عنها. فقد احيت هذه العوامل حلم استعادة السيطرة على كامل الاراضي السورية وهو ما يظهر من التشدق بالانتصارات الميدانية ومن عودة وفد النظام الى مقولة اولوية القضاء على الارهاب قبل الولوج في المفاوضات السياسية، وهو الموقف الذي كان سببا رئيسا في انهيار مفاوضات «جنيف 2« .
بالمقابل التحقت المعارضة المعتدلة بركب «جنيف 3» تحت ضغوط دولية قوية وحتى لا تتهم، مع حلفائها الاقليميين، بانها سبب الفشل في السعي لانجاز حل سياسي مزعوم. ومع ذلك بقيت متمسكة باولوية الشق الانساني لانخراطها الفعلي، بما يعني فك الحصار والتجويع واطلاق الاسرى خصوصا النساء ووقف الغارات الروسية على المدنيين، في ما تعتبره تطبيقا للبندين 12 و13 من القرار الدولي 2254. لكن روسيا، ورغم المطالبة الاميركية بلسان وزير الخارجية جون كيري بوقف غاراتها وإن كموقف «رفع عتب، وفق ناشط سوري معتدل معارض، فهي عاودت التاكيد بلسان النظير سرغي لافروف بانها لن تتوقف حتى تلحق «الهزيمة الفعلية« بـ«داعش« و«النصرة«. كما لم يؤثر في موقفها المتشدد الحذر الاوروبي من مخططاتها الغامضة في مقابل الاستكانة الاميركية. وقد وصل الامر حدّ اعراب وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند عن الخشية من ان تكون موافقة روسيا على السعي لتحقيق السلام في مؤتمر «جنيف 3« مجرد ورقة توت تغطي سعيها لنصر عسكري هدفه الاخير اقتطاع دولة علوية خصوصا مع استهداف غاراتها حتى المدنيين بما يستجر فرزا سكانيا. فروسيا وفق المصدر نفسه اكثر واقعية من الاسد وتعرف حق المعرفة ان استعادة النظام كامل الاراضي مستحيل، خصوصا اذا تم القضاء على «داعش»، بما يجعل المقاتلين المعتدلين في موقع افضل. بالتاكيد فإن التصعيد من قبل النظام وروسيا لا يصب في مصلحة انجاح «جنيف 3» خصوصا في ظل عوامل اخرى منها ان اميركا المتلكئة اصلا في دعم المعارضة دخلت مرحلة العد العكسي لانتخاباتها الرئاسية بما يجعلها اكثر انسحابا رغم تصريحات شفهية توحي بالعكس كمثل وصف كيري الاسد بانه جاذب للارهاب او دعوتها الروس لوقف غاراتهم في سبيل انطلاقة عملية لـ«جنيف 3« . كما وان القوى الاقليمية الداعمة للمعارضة تواجه ظروفا صعبة. فالسعودية تواجه الهيمنة الايرانية في اليمن وتركيا تتعرض للتهديدات الكردية على حدودها. وإذا لقي «جنيف 3« مصير سابقية «جنيف 1« و»جنيف 2«، فيبتعد الحل السياسي اكثر فاكثر. فهل تنتظر المعارضة متغيرات منها وصول الجمهوريين الاميركيين الى سدة الرئاسة مع رهان على انهم لن يقبلوا بالتسليم لروسيا في المنطقة ولاحقا على المستوى الدولي؟ لكن الصمود في فترة الانتظار له مخرج وحيد وفق المصدر نفسه، ويستند الى امكانية ان تنجح السعودية وتركيا خصوصا في توحيد جهودهما لتوفير دعم اوسع للمقاتلين المعتدلين، على اختلاف مشاربهم، بالمال وبالسلاح النوعي