خميس السكارى وأحد المرفع
الكولونيل شربل بركات
07 شباط/16
في تراثنا الموروث تقاليد ومناسبات لا نزال نتبعها وهي محطات اجتماعية نحتفل بها بكل بساطة وتبقى لنا مثالا على ما في الحياة من ملذات وصعوبات، أفراح نستغلها، وأحزان نتحملها، بكل أيمان واتكال على الله الذي بارك كل شيء وسمح بأن نتعرف على الخير والشر فنختبر هذا وذاك ونتأمل بالفارق بينهما لنقدّر العطاء في حينه ونتحمّل الشقاء الذي لا يمكن التهرب منه أحيانا كثيرة.
هذا الأسبوع هو اسبوع المرفع وهو الأسبوع الأخير قبل بداية الصوم الكبير الذي يبدأ باثنين الرماد ليذكّرنا بأننا “من التراب وإليه نعود”. وخلال هذا الصوم نمتنع عن كثير من الملذات في المأكل والمشرب، ونحاول التقشف ما استطعنا للتكفير عن الخطايا والذنوب التي اقترفنا. وفيه نتأمل بالدنيا ومشاكلها ونحاول اتبّاع قواعد الإيمان في علاقاتنا بالقريب فنسهم، على قدر الامكان، برفع المعاناة عن من حولنا؛ إن بالعطاء للمحتاج أو بتفقّد المريض والمعاني تيمنا بما قاله لنا الرب “عدتموني وأنا مريض أطعمتموني وأنا جائع…”
ولكن وقبل أن نبدأ رحلة التأمل بالمآسي نودّع في هذا الأسبوع الملذات ومنها المآكل التي سننقطع عنها والمشروب الذي سيرتفع عن الموائد، ومن هنا وبما أن يوم الخميس كان يوما يجتمع فيه الكبار ويسهرون في أحد بيوت “الشلة”حيث تزين المائدة ببعض أصناف اللحوم وبالطبع يحضر كل واحد “بطحته” للمشاركة بشرب كأس ينسي هموم الأسبوع، يعتبر خميس المرفع “خميس السكارى” أي آخر خميس تجتمع فيه “الشلة” ويشرب فيه الخمر قبل أن ينتهي زمن الصوم بقيامة المسيح وتجديد الحياة بجميع حوانبها. وليس من المعيب ابدا أن يسمي هذا اليوم “خميس السكارى” ولا هو من تراثنا أن نشرب حتى السكر فنحن نعرف كيف نشرب للتمتع بلذة الشرب ولكننا لا نكثر منه لألا نفقد سيطرتنا على الأمور فمن يكون حرم الخمر قد لا يعرف الكمية التي يمكنه تناولها والمشروب ليس بحد ذاته لذة ولا هدف ولكنه يسهم بعض الشيء في خلق جو من الفرح أما الاكثار منه فيخلق جوا مكدرا ينتهي دوما بالتصرف الغير موزون وأحيانا الغير لائق وهو لم يكن مرة من شيمنا. ونحن هنا لا ندعو الناس إلى الشرب ولكننا نفسر تقليدا من تقاليدنا نفتخر به ونتعجب ممن يحاول بذمية تغيير الأسم إلى “خميس الذكارى” أو ما شابه وكأنه يخاف أن ينسب إليه شرب المسكر وهو حر ولكننا لا نتنكر لتراثنا ولا لتقاليدنا ولا نستحي بما نقوم به لأننا نعرف حدود اللياقة والمسؤولية المترتبة على كل تصرف. فحانات الشرب والبارات ليست من تراثنا ولا الشرب حتى الثمالة من عوائدنا فنحن نحضر العرق والنبيذ في بيوتنا ونشرب منه في المناسبات ما يكفي لخلق جو من الفرح ولكننا لا نفرط فمثلنا العامي يقول “كل ما زاد عن حده نقص”.
أما الأحد آخر ايام المرفع فقد كانت البلدة كلها تجتمع على البيادر بعد القداس أذا كان الطقس مقبول وتحضر كل عائلة ما لذّ وطاب من مآكل المرفع وخاصة قراص الكبة والسنبوسك وما تبقى من لحم المرفعية للشوي وغيرها ويفرح الصغار والكبار بالألعاب والدبكة وتدور حلقات الشعر والتباري بالقول وينتهي النهار بأن يلبس “ماعوص” ثيابا وكأنه شخص ثم يقوم الندابة بالنوح عليه وتودعه البلدة كلها كعزيز يغادر إلى السنة القادمة وينتهي كل ما يتعلق بالمرفع استعدادا لبدء الصوم الكبير. ومن الجدير بالذكر أن ما يقوم به جماعة اميركا اللاتينية ويسمونه “Carnival” هو مشابه نوعا ما لفكرة وداع المرفع ودفنه في عين إبل.
عيد دخول المسيح إلى الهيكل
الكولونيل شربل بركات
07 شباط/16
صادف أمس عيد دخول المسيح إلى الهيكل وهو من الأعياد المهمة في تراثنا حيث يرتبط الطقس في الأربعين يوم التي تلي بما يكون عليه في هذا اليوم. وهذه السنة كان الطقس في كندا مقبولا فهل يمكن الاعتماد على عيدنا أم أنه يصدق فقط في لبنان؟في كندا يخرج في هذه الفترة حيوان من القوارض من جحره ليستطلع الطقس، على ما يبدو، ويعود إلى الجحر وينتظر الناس خروجه وتتناقله وسائل الاعلام لأنه أيضا ينبئ بشكل ما عن الطقس فإذا ما راى خياله يعني أن الشتاء قصير هذه السنة. وتجدر المقارنة بين حال الطقس في كندا بالنسبة إلى الطريقتين ومعرفة إذا كان هناك من تناغم.
وبالعودة إلى لبنان وخاصة في قرانا الجبلية حيث يعتمد الفلاح كثيرا على حال الطقس في هذا العيد لأن شباط أصلا “كيف ما شبط ولبط ريحة الصيف فيه” فكم بالحري إذا كانت الأربعين يوم التي ستلي هذا العيد ستكون بالأغلب ناشفة مثلا؟ عندها يتوجب على الفلاح تحضير العدة للبدء بعملية الكسار لأن الأرض تحتاج إلى التهويئة ومخالفة الشقاق الذي جرى في الخريف تحضيرا لاستقبال أكبر كمية من المطر والمحافظة عليها داخل التربة أما بعد توقف المطر فيجب أن تغلق الأرض وينعّم التراب للمحافظة على الرطوبة ومنع التبخر بقدر الامكان. وإذا ما حسبنا الأربعين يوم بعد عيد دخول المسيح إلى الهيكل فإننا بدون شك سوف ندخل الربيع الذي يبدأ في 22 آذار ولا يعني أبدأ أنه لن يكون هناك أياما ماطرة أو باردة أو حتى مثلجة ولكن أغلبية الأيام تتبع عادة طقس هذا العيد.
وفي تراثنا اللبناني وخاصة الماروني هناك ثلاثة يمكن أن يبيضوا لحاهم أي أن يتساقط الثلج في أعيادهم وهم على التوالي أنطون وشمعون ومارون. الأول هو عيد ما أنطونيوس الكبير أب الرهبان ويكون أولهم ويقع عادة في كانون الثاني ثم يأتي عيد دخول المسيح إلى الهيكل وفيه يحمل سمعان الشيخ (شمعون) الطفل ويتنبأ بخلاص البشرية. وأخيرا عيد مار مارون الذي يقع في التاسع من شباط وهو يوم العطلة الوحيد بينهم. وكنا صغارا ننتظر بفارغ الصبر هذه الأعياد ونتمنى تساقط الثلج لنلعب ونأخذ يوم فرصة غير محسوبة ولكن لم يكن دوما حساب الحقلة على حساب البيدر فالثلج لا يحقق في كل مرة أماني الصغار.
في كندا وعلى غير عادة لم يتساقط الثلج بكثرة هذه السنة بعد وهذا لا يعني أننا لم نشهد عواصف ثلجية ولكنها كانت حتى الآن سنة مقبولة من ناحية كمية الثلوج ودرجات الحرارة. وشهد لبنان بعض الثلوج خلال هذه الفترة ولا نعلم كيف كان الطقس في يوم العيد فهل هناك المزيد من العواصف الثلجية وبالتالي المزيد من الخير والمياه الجوفية أم أن شمعون صيّف باكرا وقريء السلام على الأمل بموسم يغني عن الشح؟