الدخول السعودي البري إلى سوريا: حماية الاعتدال في الشرق
علي الأمين/العرب/09 شباط/16
أعلنت المملكة العربية السعودية قبل أيام استعدادها للتدخل العسكري بريّا في سوريا من أجل مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. جاء الموقف السعودي غداة تأجيل أو فشل مفاوضات جنيف 3 بين النظام السوري والمعارضة السورية، بسبب إصرار النظام، وحلفائه الروس والإيرانيين، على عدم وقف الضربات الجوية التي تستهدف المدنيين في أكثر من منطقة. وتزامن الموقف السعودي مع التقدم الذي بدأ بتحقيقه النظام السوري وحلفاؤه في شمال سوريا، وفي ريف اللاذقية، وسط مؤشرات تؤكد بالملموس أنّ الهدف هو ضرب المعارضة المعتدلة وتدمير مناطق نفوذها وقتل وتهجير أكبر عدد من المدنيين السوريين، إلى جانب تهميش المواجهة مع المجموعات الموصوفة بالإرهاب وتحديدا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. الموقف السعودي الذي رحّبت به المعارضة السورية على لسان رئيس ائتلافها خالد خوجة، أبدت وزارة الدفاع الأميركية بدورها ترحيبها به، فيما حذرت إيران على لسان رئيس تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي، المملكة العربية السعودية منه، معتبرة أنّه في حال حصوله سيؤدي إلى “تفجير المنطقة وحتى السعودية”.
لكن يبقى سؤال أساسي: ما هي الأسباب التي دفعت السعودية إلى إطلاق مثل هذا الموقف؟ وما هي الأهداف التي تسعى إليها؟ وهل هي مجرد رسالة تحذيرية موجّهة إلى إيران وسوريا أم تنطوي على خطوة فعلية يجري التمهيد لها دوليا في سياق الحرب على داعش؟
بداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ السياسة السعودية لم تتخذ موقفا ضد التدخل الروسي الجوي في سوريا، بل تعاملت مع هذا التدخل بحيادية منذ انطلق خلال صيف العام الماضي. وسبقت هذا التدخل ورافقته اتصالات بين الدولتين على أعلى المستويات، من بينها زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا التي توّجها بلقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. على أنّ قُرّاء الموقف السعودي من التدخل الروسي في ذلك الحين، بدا لهم أنّه ظنّ الدخول الروسي العسكري سيكون على حساب النفوذ الإيراني. وربما قدّرت السياسة السعودية أنّ سبل التفاهم مع الروس تبقى متاحة أكثر ممّا هي مع القيادة الإيرانية التي تخوض سلسلة مواجهات غير مباشرة مع السعودية سواء في اليمن أو العراق وحتى في لبنان.
كما أنّ روسيا، التي طالما أبدت حرصا وتمسكا شديدين بنفوذها ونافذتها السورية على المتوسط، لم تشكل بذلك مصدر قلق كبير للسعودية ولا للمعارضة السورية عموما، في مقابل الدور الإيراني الذي تشكل سوريا حلقة من حلقاته عبر الأسد، تمتد من إيران إلى اليمن والعراق ولبنان. وبالتالي راهنت السعودية على أن يوفر الروسي أرضيةً لحوار داخلي، ويمهد لانتقال السلطة بشرط الرعاية الروسية وبتهميش الدور الإيراني. لكن المفارقة برزت من واشنطن حين ألحت الأخيرة على أن تكون إيران طرفا في أي مباحثات دولية وإقليمية بشأن سوريا.
الغارات الجوية الروسية التي ترافقت مع تنسيق صريح ومعلن مع إسرائيل قام على أساس حماية الاستقرار على الحدود الجنوبية لسوريا مع إسرائيل، ومنع حزب الله من القيام بأيّ عمل عدائي ضد إسرائيل من جنوب سوريا، ترافق أيضاً مع تنسيق روسي – إيراني على الأرض. إذ وفّر الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، إلى جانب قوات النظام السوري، القوة البرية التي تمددت في أكثر من منطقة سورية. ومعركة حلب وأريافها مؤخرا شكّلت النموذج لهذا التنسيق، فضلا عن مناطق ريف اللاذقية التي شهدت نموذجا للتنسيق داخل محور النظام وحلفائه. لكن هل السعودية جادّة في تدخلها البري؟
ربما أدركت السعودية أنّ روسيا راغبة في القضاء على المعارضة المعتدلة والمعترف بها دوليا، وتركت تنظيم الدولة الإسلامية خارج أهدافها إلى حدّ بعيد، ودائما بسبب اعتبارها أنّ الصراع في سوريا هو بين نظام شرعي وجماعات إرهابية. وساهم المزيد من الانكفاء التركي عن الصراع السوري، بفرض تحديات جديدة على المملكة التي وجدت نفسها في موقع التحدي. إذ أنّ ما يقترحه الميدان عليها هو إما أن تكون شاهدة زور خلال عملية القضاء على المعارضة السورية المعتدلة بالنيران الروسية والإيرانية، وبالتالي زيادة نفوذ تنظيم داعش في سوريا، أو المبادرة إلى القيام بخطوات عسكرية تعيد الاعتبار من خلالها إلى الدور العربي في سوريا من خلال دعم خيار الاعتدال السوري الذي يرفض إرهاب الأسد وحلفائه من جهة، وإرهاب داعش من جهة ثانية.
السعودية معنية بحماية خيار الاعتدال والوسطية، وذلك لأنّها تدرك أنّ التطرف الذي يطلقه إرهاب النظام السوري على شعبه، هو سيف مسلط على المنطقة العربية عموما. فإرهاب داعش لا يشكل خطرا داهما في البيئة الشيعية ولا على النظام السوري، لأنّ تنظيم الدولة الإسلامية يضع في سلم أولوياته البيئة السنية، تلك التي يسعى إلى السيطرة عليها والتحكم بخياراتها. لذا لم يغير هذا التنظيم من برنامج أهدافه حين ركّز عملياته العسكرية داخل هذه البيئة سواء في العراق أو في سوريا، وفي المملكة العربية السعودية التي تعرضت للعدد الأكبر من العمليات الإرهابية من قبل هذا التنظيم، بخلاف إيران التي لم يُظهر تنظيم داعش وأقرانه أيّ إشارة إلى أنّها، أو إسرائيل وحتى روسيا، تشكّل أهدافا حيوية له. لذا ذهب الموقف السعودي مباشرة إلى عنوان الإرهاب، الذي بدا ثانويا في الأهداف الروسية والإيرانية في سوريا. وهو موقف يستهدف التأكيد على أولوية ضرب الإرهاب، وتوجيه رسالة دعم إلى الاعتدال وخياراته في سوريا، ومحاولة توجيه رسالة للأميركيين، لا سيما الرئيس باراك أوباما، تذكّره بما قاله عشية الدخول الأميركي إلى العراق لمواجهة داعش، حين قال إنّ إنهاء داعش يتطلب عملية سياسية تنهي الأسباب التي توفّر البيئة الحاضنة لهذا التنظيم. وقال أوباما حينها، في لقاء شهير مع الصحافي الأميركي توماس فريدمان، إنّ “القوات الأميركية يمكن أن تنهي تنظيم داعش خلال أسابيع لكن من سيستلم وراءنا؟”. بمعنى أنّه لا بدّ من تسوية سياسية تشكل حاضنة لخيار مواجهة الإرهاب وأسبابه التي هي بالدرجة الأولى تتصل بفشل العملية السياسية في الدولة الوطنية. خيار الاعتدال هو خيار الوسطية وهو أصعب الخيارات، وليس كما قد يفهم البعض أنّه خيار الهروب أو سبيل الضعيف… على العكس تماما. ذلك أنّ الوسطية هي رسالة الإسلام في جوهرها، تلك الفضيلة التي تنبذ من جانبيها رذيلتيْن: الوسطية هي كما فضيلة الشجاعة، بين رذيلتي التهور والجبن، وكما فضيلة الكرم، بين رذيلتي البخل والإسراف. الوسطية هي الخيار الصعب. من هنا فإنّ معركة تثبيت خيار الاعتدال في المنطقة العربية تحتاج إلى مواجهة التطرف بوجهيه، الاستبدادي الذي تمثله أنظمة القهر والاستبداد والإقصاء، كما هو الحال في نموذج النظام السوري. ومواجهة التطرف الديني والمذهبي بوجهيه، السني والشيعي، الذي يصادر المجتمع الدين والمذهب من أجل النفوذ والسلطة ولو على ركام الدولة والمجتمع والدين.
لماذا سيدخل السعوديون إلى سوريا
أحمد عدنان /العرب/09 شباط/16
قبل أسابيع قصيرة، في هذه الصحيفة، كتبت مقالة بعنوان “عام سلمان”، أطالب فيها بدخول الجيش السعودي إلى صنعاء وصعدة في اليمن، كما طالبت الجيش بالدخول إلى سوريا، وبعض النخبة السعودية لامني على هذه المقالة. حين كتبت في هذه الصحيفة قبل أشهر طوال “دقت طبول الحرب” انطلقت بعدها بفترة وجيزة عملية عاصفة الحزم، يبدو أن حدسي السياسي لم تنته صلاحيته، فقبل أيام صرح العميد أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع بأن صنعاء على الأبواب، وأكد على جاهزية الجيش السعودي للدخول إلى سوريا تحت مظلة التحالف الدولي لمحاربة داعش، وقد أطلقت دولة الإمارات تصريحا مشابها، وتبع ذلك شمال المملكة مناورات “رعد الشمال”. أستطيع القول الآن إن السياسة السعودية تسير في الطريق الصحيحة، لسنوات طوال تركنا إيران تعبث داخل المحيط العربي من بوابة الميليشيات، حصل ذلك في لبنان والعراق وسوريا واليمن، والنتائج كارثية، وما لجأت السعودية للتخلي عن نزعتها المحافظة إلا بعد أن طفح الكيل، وقد ثبت بحكم التجربة أن التعامل الأنجع مع إيران يعتمد على منطق القوة، ومن المهم هنا أن نتذكر مقولة نيكسون “يجب أن يدرك أعداؤنا أننا نتحول إلى مجانين حين تتعرض مصالحنا للخطر”. لماذا دخلنا اليمن؟ ميليشيا الحوثي استهدفت الدولة وأرادت خنق المملكة وغيرها من بوابة باب المندب، وما شهدته الحدود الجنوبية من مناوشات أثبتت صوابية الخيار العسكري السعودي، ودخول صنعاء المنتظر أو تسلمها سلما، يعزز أوراق التفاوض السياسي للدولة اليمنية كما يعزز أوراق التفاوض السعودية إقليميا، ودخول صعدة، الذي أتمناه، سيجعل عاصفة الحزم آخر الحروب في اليمن، فالتهاون مع وجود الجيب الحوثي الإيراني يعني أننا أمام احتمالات تصعيدية مستقبلا ضدنا وضد الدولة اليمنية، وهذا ما لا يريده أحد.
حالة سوريا تشابه حالة اليمن وربما أخطر، فبقاء الأسد يعني بالضرورة استحواذ إيران نهائيا على سوريا، وإضعاف المعارضة يعني قطعا تقوية داعش وليس القضاء عليه، ولو انتصرت إيران في سوريا فإن هدفها المقبل هو المملكة من الشمال بعد أن حاولت استهدافها من الجنوب، واستهداف المملكة إيرانيا هو ببساطة استهداف لدول الخليج كلها، إيران دخلت إلى اليمن وسوريا والعراق ولبنان فانصرف أهل هذه الدول لقتال بعضهم بعضا، والميليشيات الطائفية تكاثرت كالبكتيريا قاضمة المواطنة والدولة والسلم الأهلي وجوهر الأديان، تخيل أن ما جرى في هذه البلدان سيحصل في دول الخليج، إنها النهاية، وتحدي الوجود تتضاءل أمامه الخسائر وأعداد الضحايا.
ماذا لو انتصر داعش في سوريا؟ النتيجة أسوأ بكثير، لن تكون دول الخليج وحدها مهددة، ستصبح مصر كذلك في قلب الخطر، سيضع داعش نصب عينيه ثلاثة منابر، الأزهر والحرمين الشريفين، تخيل أن أبا بكر البغدادي سيلقي خطبة الجمعة في مكة أو في المدينة أو في جامع الأزهر، لن أقول إن الدول العربية والإسلامية ستغرق في الجحيم، بل إن الكرة الأرضية برمتها ستصبح نموذجا محاكيا لجهنم، وفي طريق داعش إلى المنابر الثلاثة ستزول الحدود، سيصبح وجود دول كالأردن ولبنان وما تبقى من سوريا والعراق جزءا من الماضي، فضلا عن أن الحدود بين دول الخليج ووجودها نفسه لا محل له في قاموس الدواعش، أي أن مشاهد الذبح والحرق والتهجير والسبي ستنتقل من تلفاز المواطن الخليجي إلى جوف منزله والعياذ بالله. قد يأتي من يقول فلنتحالف مع الروس للقضاء على داعش، وهذه نظرية بلهاء، فالروس بقصد أو بلا قصد يدعمون داعش، فالشعب السوري الذي مقت بشار الأسد وإيران وبغض حزب البعث، حين تلغي من خياراته المعارضة المعتدلة وعلى رأسها الجيش الحر، فأنت تدفعه قسرا إلى داعش، لك أن تتخيل كراهية السوريين لإيران وبشار وهم يفضلون داعش، أعداد اللاجئين والقتلى من الشعب السوري تغني عن كل حديث من الأساس.
هل الروس وبشار وإيران وحزب الله حاربوا داعش بالفعل؟ أتحدى رصد جبهة واحدة بين داعش وبين محور الممانعة وروسيا، بل على العكس، يعمل داعش كسد منيع بين الثورة السورية وبين نظام الأسد إلى حد الدفاع العسكري، وفي المقابل فإن روسيا ومحور الممانعة يدللان الدواعش باستهداف خصومهم، تدخل حزب الله في سوريا فتعاظم داعش، وتدخلت روسيا فاستقر الدواعش، ولنا في حلب، الخالية من داعش مطلقا، المثل الناصع، إنهم يدمرون حلب ويتركون المناطق التي يحكمها داعش من دون أن يقصفوها بحجر فضلا عن البراميل والصواريخ، وهذا غيض من فيض عن صلات مباشرة وغير مباشرة بين محور الممانعة والدواعش، انسحابات الجيش السوري لمصلحة داعش موثقة كما في الرقة مثلا، وشراء النظام السوري للنفط من داعش مثبت، ولا ننسى أن اضطهاد السنة المبرمج في العراق وفي لبنان من طرف إيران وحلفائها دعم الدواعش بصورة كبيرة، وأظن ذلك متعمدا، والملفت حقا أن داعش هدد السعودية عمليا غير مرة، ولم يزعج إيران، إذا أزعجها، بغير الخطب الرنانة.
بشار الأسد وإيران في موقع الأبوة للإرهاب من الأساس، قادة القاعدة يلجؤون إلى إيران، وبشار الأسد مارس الإرهاب عبر مخابراته أو عبر عملائه أو عبر القاعدة في لبنان وفي العراق، ولا أنسى ما يسمى بحزب الله الذي لم يوفر أي إرهاب ضد اللبنانيين والعرب ابتداء بتفجيرات الخبر واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وليس انتهاء بتعطيل الدولة اللبنانية وقتل السوريين واستهداف دول الخليج، والحرس الثوري والحشد الشعبي تفرغا لإبادة عرقية ضد السنة ولاستباحة سيادة الدول العربية. حين نتذكر هذه الحقائق نكتشف أن التدخل العسكري ليس مجرد ضرورة، بل قد يلومنا البعض على تأخر نسبي.
إن انتصار إيران في سوريا، يعني تحويل السنة جميعا إلى دواعش، وإذا سلمنا من ذلك، فإن تكاثر الميليشيات الشبيهة بالحوثي وحزب الله والحشد الشعبي لن يرحمنا، وإذا انتصر داعش لن يوفرنا أيضا، لذلك حين ندخل لمحاربة داعش فنحن نحارب أيضا بشار الأسد وحزب الله وإيران، ومواجهتنا مع إيران وأتباعها هي مواجهة مع الإرهاب أيضا، لأن ما تفعله ايران من استهداف السنة وضرب قيمة الدولة وتأجيج الغرائز الطائفية واستيلاد الميليشيات يشعل التطرف في حديقتنا الداخلية إلى حدود قصوى لن تبقي ولن تذر. ببساطة وبوضوح، الحرب على داعش هي كذلك حرب على بشار الأسد وإيران، فنصرة طرف على طرف ستقوي الطرفين مجتمعين بسبب علاقتهما الموضوعية والعضوية، أي أن الدخول إلى سوريا يعني ضرب الإرهاب والممانعة معا، وكلاهما وجهان لعملة واحدة تشكل خطرا صارخا على حاضرنا ومستقبلنا، بذلنا جهدنا بالسياسة، لكن المجتمع الدولي يبارك ضمنا إبادة السنة ودهس إيران للعرب ولدولهم، أصدر عادل الجبير تحذيره مرة تلو مرة “إما تنحي الأسد وإما العمل العسكري” ولم يصدق أحد، وقبله حذر الملك عبدالله من خطورة التهاون مع الإرهاب ولم يسمع أحد، والملك سلمان أعلنها بصراحة “لا نريد أن نتدخل في شؤون أحد ولا نريد أن يتدخل أحد في شؤوننا، وسندافع عن العرب والمسلمين”، وأتمنى أن يتوفر وقت متاح، لو راجع المجتمع الدولي قناعاته، لتنجز السياسة ما سيداويه الكي. الدخول إلى سوريا اليوم يغني عن سقوطنا دولا ومجتمعات في الغد، مواجهة مؤلمة يخوضها جيشك خارج الحدود بديل لمواجهة قاصمة في قلب الحدود، كلنا يكره الحرب لكننا أمام معركة وجود ومصير، وعلى الجميع تحمل المسؤولية، ومن ليس معي فهو ضدي، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.