ريفي-الحريري:قراءة مغايرة
محمد علي مقلد/المدن/السبت 13/02/2016
حيث تسود أنظمة الاستبداد، على أنواعها، وتضيق حدود الحرية، ينحصر الاختيار دائما بين اثنين، ويتحول إلى اصطفاف. مع أو ضد. تأييد أو اعتراض. ثم يتشخصن الاصطفاف ويتحول إلى التحاق وتبعية . هكذا هي الحال في القضايا الكبرى وفي الأحزاب. عبد الناصر اختصر القضية القومية بشخصه، وتجسدت القضية الفلسطينية ومقاومتها بياسر عرفات. حتى الاحزاب كانت تربط أمجادها بأشخاص، فإن هم انطفأت جذوتهم ماتت أحزابهم.
كل الاصطفافات الحديثة في لبنان مشتقة من الأنقسام الأصلي 14آذار أو 8آذار. الباقي كله تفاصيل. أما القديم منها فيرقى إلى الاختيار بين قومي ووطني، دستوري أو كتلوي( انقسام حزبي)، نهج أو حلف(مرحلة الرئيس فؤاد شهاب)، حركة وطنية أو جبهة لبنانية( بداية الحرب الأهلية).
بلية هذه الانقسامات شخصانيتها،إذ يصير الشخص هو رمز الاصطفاف لا القضية، و تستبدل القضايا الكبرى برموزها، وتبلغ حماسة الأتباع ذروتها ويتحول انحيازهم إلى تعصب للزعيم فيحيطونه بهالة من القداسة، وتختفي خلف هذا الحب الأعمى كل المثالب والسلبيات والنواقص، ويتحول الرمز إلى أيقونة أو ملاك وخصمه إلى شيطان، وينتفي، إذذاك، أي احتمال لتسوية ممكنة، ثم لا تلبث أن تتفاقم الخصومة ويأخذ الخلاف أو الاختلاف، أياً تكن درجته، شكل الحرب الأهلية، ولو من غير دماء.
رفيق الحريري لم يكن مجرد شخص عبر في تاريخ لبنان. بل هو سرعان ما تحول إلى ظاهرة، عنوانها النهوض الاقتصادي وإعادة البناء، ثم انقسم اللبنانيون غداة اغتياله، رأى فيه بعضهم رمزاً للسيادة الوطنية بأعمق معانيها، بينما راح بعضهم الآخر يعمق العداوة مع ضريحه ومع تاريخه، وكان من الطبيعي أن يشكل إرثه السياسي مادة انقسام هي الأخرى، واختلاف على كيفية الحفاظ على النهج والاستمرار به، ربما كانت حرب التغريدات آخر تعبير انقسامي بين نهج تسووي يقوده سعد الحريري ويؤيده آخرون ونهج مبدئي يقوده، على نحو خاص، أشرف ريفي، ويتعاطف معه معظم جمهور تيار المستقبل.
منطق النهج التسووي متماسك حول نقطة واحدة هي العمل على استبعاد خيار الانفجار العسكري، لكنه لم يحسن تقديم التنازلات ولا اختيار اللحظة المناسبة، فهو يبدو كأنه ينشد السلم بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ. فضلا عن أن التضحيات التي حالت دون انفجار الحرب الأهلية، بما هي مواجهة بين تنظيمات مسلحة، بدت كأنها استسلام من غير مواجهة.
بدءا من زيارة لسعد الحريري إلى دمشق حل فيها ضيفاً على النظام المتهم بقتل والده، إلى إرغام الأغلبية على الرضوخ لمنطق الأقلية في تشكيل الحكومة، إلى ترشيح ميشال عون ثم سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية وكلاهما من فريق الثامن من آذار، كلها مواقف ومبادرات لم تكن مقنعة لجمهور كان في كل مرة يرتضيها على مضض، ولم تكن تلك المبادرات لتمر من غير خسائر داخلية. بعض هذه الخسائر كان ضروريا ليؤكد تيار المستقبل دوره الاعتدالي( التخلي عن خالد الظاهر مثلا)، لكنها غير قابلة للتعويض داخل الطائفة السنية التي تشعر بقهر يمارسه عليها حزب الله ومن خلفه إيران.
إخلاء ميشال سماحة بقرار قضائي من المحكمة العسكرية لم يكن حدثاً عادياً. بل هو بمثابة الفضيحة. المتضامنون مع ريفي أكثر عددا من المغتبطين بتغريدة سعد الحريري. لكن التضامن و الغبطة المستندان إلى عصبية سنية ضد حزب الله أو إلى عصبية حزبية لزعيم تيار المستقبل يسيئان للقضية، لأنهما تعبير نموذجي عن الثنائيات المغلوطة والاصطفافات والانقسامات والعصبيات.
بديلا عن ذلك لا بد من الوقوف إلى جانب القضية لا إلى جانب الشخص، ولا بد من التخلي عن الشحن المذهبي كما عن التنازلات المجانية، إذ لا تستقيم القضية إلا بالعمل على تكريس سلطة الدولة والقانون والقضاء بعيدا عن تدخل السياسيين، وعلى تحصين السلم الأهلي و وتعزيز نهج التهدئة والاعتدال.
اشتباك الحريري-ريفي: أوهام الانقسام
نذير رضا/المدن/الجمعة 12/02/2016
القراءة الهادئة للتجاذب بين الرئيس سعد الحريري، ووزير العدل أشرف ريفي في “تويتر”، تنفي كل الأوهام التي تتحدث عن صراع على زعامة الشارع الطرابلسي، او انقسام في البيت الواحد. خلفيات الاشتباك، سياسية صرف، مرتبطة بالموقف الذي سيعلنه الحريري في ذكرى استشهاد والده في 14 شباط المقبل، وهو ما بدا أنه احتجاج مسبق من وزير العدل، ينقذه من إحراج ربما سيشعر به بعد اعلان موقف الحريري.
غير أن مساحة التجاذب، حين تتخطى الاطر السياسية في البيت الواحد، وتعرج على فضاء إلكتروني عام، تتيح لكل رواد هذا الفضاء، الانخراط على مستوى التأييد، أو الرفض، بالبناء على الفعل، أو نقيضه، والمشاركة ليصبح المغردون جزءاً منه على مستوى الصناعة أو الدحض.
هذا ما تحقق فعلاً إثر تغريدة الحريري “الحاسمة”، والرد عليها من قبل ريفي. فلو بقي النقاش في اطاره السياسي، على شكل بيانات أو تصريحات، أو حتى تسريبات صحافية، لما فتح مجالاً للرد، والانقسام، والتدخل “غير الرسمي” من مناصرين وأحلاف ومنشقين، يمثلون أنفسهم بالشكل، ويعبرون عن مواقف ترصد المزاج السياسي العام.
في هذا التجاذب الإلكتروني، سقطة سياسية، تظهّر الخلاف الى السطح، وتفتح الباب للأسئلة والاحتمالات. هل انشق ريفي؟ هل تمرّد؟ هل انخرط الحريري في تسوية اقليمية؟ هل يساوم الحريري على دم وسام الحسن؟ أو على حرية ميشال سماحة؟
انتشرت تلك الاسئلة بسرعة، وفق ايقاع الانقسام الفوري، المستند الى حسابات غير واقعية. ظهرت تحت وسم (هاشتاغ) #اشرف_ريفي_يمثلني، وانخرط فيه مغردون عرب، لا يعرفون من ماهيات السياسة اللبنانية ودهاليزها إلا موقف المزايدة. وفُتحت شهية التلميحات الى انقسام في “المستقبل”، رغم أن التجاذب برز منذ ترشيح زعيم التيار، للوزير الاسبق سليمان فرنجية، وبقي ناراً تحت الرماد، إلى أن ظهر في موقف ريفي “غير المنسق مع باقي وزراء التيار”، ورد الحريري في “تويتر”، ليكشف أن قناة الاتصال الهاتفية بينهما باردة، ما دفعهما للتصعيد في المكان غير المناسب.
في الواقع، تبدو الاحتمالات المطروحة في “تويتر”، مجافية للحقيقة، وتقرب الى مستوى الاوهام، بما يتخطى كونها افتراضات حقيقية. فلا الحريري سيساوم على دم الحسن، ولا ريفي يزايد على زعيمه. لكنها تكشف حجم المناكفات على خلفيات سياسية، هي مرتبطة حصراً بموقف الحريري الذي سيعلنه في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الأحد المقبل. أكبر الترجيحات ستكون مرتبطة بالموقف من الملف الرئاسي، سواء لترشيح فرنجية، وهو المرجح، أو ترشيح ميشال عون، وكلاهما سبب في تصعيد ريفي الذي يرفض الترشيحين. وتُقرأ هذه الزاوية، في حجم التعاطف مع ريفي تحت الوشم نفسه من قبل جمهور قريب من حزب “القوات” اللبنانية الذي يُعد أبرز الرافضين لترشيح فرنجية.
حين يصف الحريري موقف ريفي بـ”المزايدة”، فإنه يقطع الطريق على أي استثمار لمواقف محتملة، ربما سيدلي بها ريفي كردٍّ على مواقف الحريري بعد يومين، لجهة علاقة فرنجية بالنظام السوري، او علاقة عون بإيران وحزب الله، وسط شبهة أمنية لدى ريفي بأن المسؤول عن اغتيال الحسن، ليس بعيداً عن المحور السياسي الخصم له، وأن اطلاق سراح سماحة، يعود الى ضغوط مارسها المحور نفسه.
لكن الاشتباك سيهدأ، بدليل إحجام جمهور “المستقبل” عن الاصطفاف، وتنتهي مفاعيله بعد ذكرى 14 شباط، بعودة ريفي من اعتكافه الحكومي.. لضرورات تسيير مصالح اللبنانيين.