هل بات لبنان “دولة حزب الله”؟ عوامل مقلقة في التخلي الخليجي عنه
روزانا بومنصف/النهار/17 شباط 2016
لا تنفي مصادر ديبلوماسية غربية ان المملكة العربية السعودية شجعت في الخريف المنصرم على انجاز الانتخابات الرئاسية في لبنان نتيجة المراجعات الكثيرة من جهة، ونتيجة اقتناعها بان المسألة الانتخابية تعود الى اللبنانيين من اجل اتمامها من جهة اخرى، بدليل عدم اعتراضها على دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية على رغم ما تركت هذه النقطة من علامات استفهام كبيرة للاسباب المعروفة. وتخشى هذه المصادر الا يكون سهلا اعادة اثارة الاهتمام السعودي بالوضع اللبناني مجددا في وقت يعتبر كثر ان المملكة فاقدة الحماسة لمتابعة الوضع اللبناني نتيجة اعتبارات متعددة من دون ان يعني ذلك عدم تشجيعها حصول الانتخابات الرئاسية. اول هذه الاعتبارات وجود انشغالات جديدة للمملكة برزت منذ تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم ومعه فريق جديد وبرزت معه اولويات مختلفة تتصل باليمن الى جانب المسائل الاقليمية الاخرى التي لا تقل اهمية. وسبق ان تكرر هذا التقويم او تم لمسه من زوار المملكة او حتى من خصومها في لبنان الذين اخذوا على حلفاء المملكة انهم متروكون او انهم استقووا عليهم لان حلفاءهم الاقليميين في مكان آخر على غير ما هي حالهم لجهة الدعم الايراني المتمثل في زيارات غير منقطعة لمسؤولين ايرانيين الى بيروت تظهر مدى رعاية ايران للوضع اللبناني او دورانه في فلك ايران، او لجهة استمرار الدعم خصوصا متى كان هناك استثمار لقدرات “حزب الله” في الحرب السورية.
الاعتبار الثاني هو الانطباع الذي يخلّفه عدم وجود لبنان على رادار او شاشة الاهتمام السعودي كليا خصوصا لدى زوار من الديبلوماسيين الغربيين. فثمة اعتقاد قد يكون وراءه ان الدولة اللبنانية اضحت في ظل استرهان “حزب الله” الرئاسة اللبنانية وتعطيل حصولها منذ سنتين حتى الان، الى جانب السياسة الخارجية واقحام لبنان في الحرب السورية على رغم تبني الحكومة في بيانها الوزاري سياسة النأي بالنفس،هي دولة “حزب الله”. وهو الامر الذي يخشى انه لم يعد مشجعا لدول الخليج العربية على “الاستثمار” في لبنان سياسيا او غير ذلك من المستويات في ظل هذه المعادلة القائمة راهنا. فليس الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله وحده بات يدرج ايران والدفاع عنها في كل اطلالة له على نحو يجعلها قسرا جزءا من المشهد السياسي اللبناني في مقابل حملات انفعالية قاسية ضد المملكة السعودية من دون ايلاء اي اعتبار لا لعلاقة لبنان بالمملكة او بالدول الخليجية او احتراما لتاريخ طويل من الدعم السعودي للبنان او لاستقبالها آلاف اللبنانيين. بل ان المواقف التي اطلقها وزير الخارجية جبران باسيل في اجتماعين اخيرين للجامعة العربية يتصلان بموقف يخص التضامن مع المملكة السعودية بعد حرق سفارتها وقنصليتها في طهران ومشهد، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير باعتبارها ابرز دليل اخير على استرهان لبنان وعدم تمتعه بالكيان الاستقلالي العروبي الذي كان يحظى برعاية الدول العربية واهتمامها،خصوصا ان ضجة داخلية اثارها موقف اول لباسيل في هذا الاطار ما لبث ان كرره مجددا من دون ان يأخذ باي اعتبار موقف شركاء آخرين في البلد او مصلحة البلد متسببا بحرج لرئيس الحكومة ايضا في هذا الاطار. ومع ان لبنان سعى الى لملمة الاثار السلبية لمواقف باسيل ( وهو ما لا يشجع تاليا على التفكير بدعم العماد ميشال عون للرئاسة ) وكذلك الامر بالنسبة اليه شخصيا من خلال محاولة توجيه رسائل الى المملكة، تبريرية وما شابه، فان من اصيب في الواقع هو لبنان. ولا يزال بالنسبة الى المصادر الديبلوماسية الغربية صعبا ترميم هذا الواقع لجهة عدم اندفاع المملكة في شكل خاص لمساعدة لبنان في ظل الواقع الراهن او ما لم يتم التصدي له. وعلى وقع هذه المعطيات يفهم اندفاع الرئيس سعد الحريري في الخطاب الذي القاه في البيال في الذكرى الحادية عشرة لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري للتأكيد ان لبنان لا ولن يكون ولاية ايرانية بل هو عربي ونحن عرب. فهل لبنان دولة “حزب الله” يستمر حاجة للدول العربية،ومن هنا حتمية احتضانه ومساعدته ام لا؟ هذا الواقع يقول مراقبون انهم تلمّسوا انعكاساته على لبنان خلال الاشهر الاخيرة، وكانت مصاعب “تيار المستقبل” المالية والسياسية جزءا من التكهنات الكثيرة في هذا الاطار ولا تزال في ظل اقتناع كبير لدى خصوم الحزب بانه حتى لو صح تقويم المملكة والدول الخليجية في هذا الاتجاه، اي سيطرة الحزب على مقدرات الدولة اللبنانية وفق جملة المؤشرات المذكورة اعلاه وسواها، لكن هؤلاء يدفعون بضرورة التوجه الى الدول العربية من اجل المساعدة في مواجهة محاولة فرض او تكريس الامر الواقع المذكور، خصوصا ان هناك مقاومة فعلية داخلية لذلك وان كانت اصيبت بوهن نتيجة اعتبارات متعددة. ومع ان البعض يبرر التخلي العربي الخليجي عن لبنان راهنا بان المعركة مع ايران تتم في ميادين عربية اخرى من دون الحاجة الى خوضها في لبنان، ولان ما سترسو عليه معادلة الحرب القائمة في سوريا ستنعكس حكما عليه، فان منطق من يحض دول الخليج على عدم ترك لبنان من اجل تلقي الانعكاسات فحسب يدفع في اتجاه ان ثمة توازنا لا يزال قائما بنسب معينة، وان ثمة حاجة للحزب الى الاخرين بمعنى ان هناك اوراقا كثيرة يمكن استخدامها، الامر الذي يبرر عدم ترك لبنان يكون دولة “حزب الله” فحسب.
“كلام القرايا غير كلام السرايا” في الانتخابات البلدية
بيار عطاالله/النهار/17 شباط 2016
انتظار الانتخابات البلدية والاختيارية لتظهير التحالفات وترجمتها في المناطق ذات الغالبية المسيحية ليس دقيقاً تماماً، ذلك ان الانتخابات المحلية في مستوى المجالس البلدية والمختارين ليست صناعة حزبية ولا ملكاً لهذا الطرف ولا لذاك اياً يكن حجمه، على رغم التأثير الذي تمارسه الاحزاب والتيارات والهيئات في مسار هذه الانتخابات ونتائجها. هذا الكلام لا بد منه قبل ثلاثة أشهر من الموعد المفترض للانتخابات المحلية، فالاجتهادات كثيرة حول قدرة هذا الطرف او ذاك على التاثير في نتائج الانتخابات والاتيان بأنصاره الى المجالس البلدية والاختيارية، لكن المنطقي والطبيعي والمعروف لدى غالبية اللبنانيين، ان العائلات بكل تشكيلاتها التقليدية من “فروع” و “اجباب” و “افخاذ” أنما هي صاحبة الكلمة الفصل في الانتخابات، لا الماكينة الانتخابية لهذا الحزب ولا القدرات المالية لذاك. وعندما تحتدم المنافسة بين العائلات واصواتها تصبح الكلمة الفصل لشيوخ العائلات والمقتدرين فيها، وليس لرئيس الخلية الحزبية او القسم والفرع والمنطقة التنظيمية. وتكفي جردة لمسار الانتخابات البلدية في المدن والقرى والبلدات المسيحية من اقصى الشمال الى أقصى الجنوب، لكي يتبين للمرء أن كلام البلدات والقرى والساحات يختلف تماماً عن حسابات الزعماء والاحزاب، وخير دليل ما جرى في بلدات مارونية كبيرة حيث عجز القادة الحزبيون الموارنة عن ضبط قواعدهم الشعبية وكوادرهم ضمناً بعدما انصرف كل من المتنافسين المحليين الى ترتيب اوراقه بما يتناسب وحساباته المحلية والبلدية بعيداً من أي اعتبار حزبي – عدائي. ففي بلدة القبيات على سبيل المثال خاض الكتائبيون وقسم من “القواتيين” الانتخابات الأخيرة بالتحالف مع “العونيين” خلافاً لإرادة قياداتهم الحزبية التي لم تستطع الزامهم مواقفها. والأمر نفسه حدث في مناطق أخرى ولم يكن سراً، حيث “تمرد” الحزبيون بالمعنى المجازي للكلمة على اوامر احزابهم وسياساتها المعلنة سعياً وراء الفوز في البلديات والهيئات الاختيارية. لكن الاحزاب يمكنها ان تفاخر في مرحلة ما بعد الانتخابات البلدية والاختيارية بفوز محازبيها بهذا المركز او ذاك، وهي غالباً ما تبادر الى اعلان ذلك، والأكيد أنها لا تندفع في اعلان ترشيح محازبيها ولا في دعمهم خشية خسارة محازبيها المنافسين على اللوائح الاخرى، وفي إحدى القرى الجنوبية المسيحية لم يتردد محازبو تيار سياسي عريض في تقديم استقالتهم جماعيا وتسليم بطاقاتهم بعدما حاولت القيادة الحزبية فرض ارادتها ومرشحيها عليهم. يعني ذلك أن لا معيار سياسياً واحداً يمكن الركون إليه في انتخابات أيار المقبلة، ومن تجمعهم الشعارات الوطنية الكبيرة والطنانة في الانتخابات النيابية ليسوا بالضرورة حلفاء في الانتخابات البلدية والاختيارية، حيث تختلف المعايير وتنقلب الأمور، من العناوين الوطنية الى عناوين الوعود بالانماء والتطوير والتخلص من النفايات وتنظيم أوجه الحياة المحلية. وتالياً لا يمكن الركون كثيراً الى الكلام على اختبارات سياسية لقدرة هذا الطرف او ذاك في الانتخابات المقبلة، ولا تستطيع اكثر الاحزاب السياسية عراقة ونفوذاً تاريخياً تجاوز شبكة العلاقات المحلية والسياسات المتصلة بها والتي تتشعب الى مواضيع “لا تخطر على بال”. وهكذا سيكون على من يقدمون النظريات في هذا الشأن مراجعة حساباتهم الف مرة قبل الاندفاع في ادعاءات الانتصارات والفوز في هذه الناحية او تلك من القرى. الأكيد ان “حكي القرايا” يختلف تماماً عن “حكي السرايا” في الانتخابات البلدية. رحم الله كاتب الأدب الشعبي سلام الراسي.
إيران تنتخب 35 مرة ولبنان «ينتحب» 35 جلسة
جورج بكاسيني/المستقبل/17 شباط/16
أهمّ ما تضمّنه خطاب الرئيس سعد الحريري أول من أمس في ذكرى 14 شباط أنه أثبت بالوقائع كيف سعى على مدى سنة وثمانية أشهر الى طرق كل الأبواب من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، تماماً كما أثبت بالوقائع كيف أن «حزب الله» أوصد كل الأبواب في وجه السعي الى انتخاب رئيس، حتى بلغ به الأمر حدود رفض تأمين النصاب لأي من مرشَّحَيْ 8 آذار. هذا في الوقائع، أما في الدلالات فإن تحويل «حزب الله» الاستحقاق الرئاسي في لبنان الى رهينة «من أجل التفاوض» في بازار المساومات الإقليمية والدولية، إنما يعني أول ما يعني أنه يحقّ لإيران ما لا يحقّ لغيرها، تماماً كحقبة الوصاية السورية على لبنان حيث كان «يحقّ» لها ترك حدود الجولان مستقرّة وآمنة لا تؤثّر على اقتصاد سوريا وسياحتها، فيما تحوّل جنوب لبنان الى ساحة مفتوحة للرسائل السورية في أكثر من اتجاه. فصحيح أن إيران، كما تباهى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله في آخر إطلالة له، شهدت منذ قيام الجمهورية الإسلامية العام 1979 خمسة وثلاثين انتخاباً، لكن الصحيح، والمبكي أيضاً، أن لبنان وبسبب موقف السيد أو إيران لا فرق شهد خمساً وثلاثين جلسة انتخابية، منذ سنة وتسعة أشهر، ولم يُنتخب رئيس للجمهورية. هذا هو معنى «الديمقراطية الإيرانية» كما سمّاها رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، وهذا معنى أنه يحقّ لإيران ما لا يحقّ لغيرها، رغم أن العكس يفترض أن يكون صحيحاً، باعتبار أن لبنان يحكمه نظام ديمقراطي يفترض تداول السلطة وإجراء انتخابات بصورة دورية. فيما يُجمع العالم على اعتبار النظام الإيراني نظاماً توتاليتارياً يمارس ديمقراطية صورية لا تعدو كونها «ديكوراً» لقرار معلّب ومتّخذ سلفاً.
أما المفارقة التي تثبت هذه المقاربة قولاً وفعلاً فهي إمعان «حزب الله» في خوض حرب شعواء ضد الشعب السوري من أجل حماية «رئيس الجمهورية» السورية، مقابل إمعانه في حرمان الشعب اللبناني من انتخاب رئيس في لبنان. وفي ذلك إشارة واضحة لمحاولة استنساخ النظام الإيراني في لبنان، تماماً كالمحاولات السابقة لاستنساخ النظام السوري في لبنان (في عهد الرئيس إميل لحود)، من خلال السعي المعلن والصريح لـ»تعيين» رئيس للجمهورية اللبنانية بدلاً من انتخابه، عن طريق رفض تأمين النصاب لجلسة الانتخاب إلا في حال ضمان وصول المرشح الذي يريده الحزب، على طريقة «مجلس صيانة الدستور» الإيراني الذي يوافق أو يعترض على أسماء المرشحين في إيران. في كل الأحوال فإن خطاب الرئيس الحريري أول من أمس أكّد المؤكد، لكن بالوقائع المقرونة بسرد لمسلسل الأحداث بشأن الاستحقاق، ووضع الكرة في مكانها الصحيح، أي في ملعب «حزب الله»، قاطعاً الطريق على محاولات البعض رمي الكرة في ملعبه، من خلال دعوته الى الموافقة على مرشّح محدّد لتأمين النصاب، عن طريق دعوة الكتل النيابية من جديد للحضور الى مجلس النواب وانتخاب من تريد. وهذا حرص على ديمقراطية الانتخابات الرئاسية مقابل الإمعان في السعي الى تعليبها أو حسمها قبل الوصول الى صندوق الاقتراع، كما ينمّ عن محاولة جديدة لفتح باب الاستحقاق مقابل السعي الحثيث لإقفاله. ومعنى ذلك أن استمرار «حزب الله» في منع الاستحقاق الرئاسي من الوصول الى خواتيمه إنما يدلّ على أن الحزب لا يريد انتخاب رئيس للبنان حتى إشعار آخر، وأن المسألة بالنسبة إليه ليست اعتراضاً على هذه المرشّح أو ذاك، وكلاهما حليفان له، وإنما اعتراضاً على إتمام الاستحقاق من أساسه حتى لو كان الأوفر حظاً حليفه رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون.
ألم تكن دعوة السيد نصرالله للرئيس الحريري الى «مقاطعة» الانتخابات، في حال كان عون الأوفر حظاً، إشارة واضحة في هذا الاتجاه؟