لبنان الكبير أم لبنان سوريا المفيدة؟
أنطوان قربان/النهار/18 شباط/16
انعقد مجلس النواب للمرة الألف من أجل منح الجمهورية اللبنانية ركنها المؤسسي والدستوري، أي انتخاب رئيس للجمهورية. انعقد المجلس للمرة الألف من دون جدوى. لا شك في أن مطلقي الجِن، أي النواب الذين يرفضون النهوض بواجبهم ولا يؤمّنون النصاب، يتحمّلون المسؤولية الجرمية الثقيلة للعبتهم الوضيعة، لعبة الخداع المبتذلة، التي تقوم على السخرية من الخصم السياسي عبر القول له: “أنا أمسك بذقنك وأنت تمسك بذقني ولنرَ من يصمد أكثر”. منذ اجتاز رأس الحربة الإيراني في لبنان، “حزب الله”، الحدود لقتال الشعب السوري، إلى جانب طاغية دمشق، كان يجب أن نفهم بوضوح أنه في نظر الأمبراطورية الفارسية الصاعدة، لا وجود للبنان السيد والمستقل، وليست حدوده الدولية مع سوريا سوى ترسيم إداري على أبعد تقدير. فكّر النواب المسيحيون لا سيما الموارنة منهم، الذين هم أسرى نرجسيتهم، وشجاراتهم التافهة، وسعيهم الوضيع خلف النفوذ والسلطة، في أن يتذاكوا على الإيرانيين. لقد قبلوا طوعاً وعن سابق تصور وتصميم بأن يؤدّوا دور مطلقي الجِن. فقد غطّوا وساهموا إلى درجة كبيرة في التعطيل المؤسسي منذ عام 2006. اعتقدوا أنه بإمكانهم انتزاع بعض المنافع التي قد يتركها لهم سيد الرقصة، أي “حزب الله”، بدافع الشفقة أو الرحمة. فعلوا ذلك تحت ستار شعارات بائسة ومخادعة: حقوق المسيحيين أو حماية الأقليات. الهدف الوحيد وراء هذا الكم الهائل من خطاب الكراهية والانقسام هو تقويض الدستور المنبثق عن اتفاق الطائف، وهو الهدف الأساسي لإيران وسواها من القوى التي تريد إعادة رسم معالم المشرق والشرق الأوسط. مسخرة قيام الزعيمَين في فريق 14 آذار بترشيح المارونيَّين في فريق 8 آذار هي دعابة سمجة من أسوأ ما يكون، لأن كلَيهما يعلمان أن الفراغ هو الاستراتيجية المفضّلة في السياق الحالي.
يدرك أصحاب المنطق السليم أن الرهانات الحقيقية للفراغ اللبناني مرتبطة بالمصالح الاستراتيجية والمالية التي يؤمّنها منجم احتياطات الغاز والنفط في الحوض الشرقي للمتوسط. تشير بعض التقديرات إلى أن احتياطي الغاز اللبناني قد يؤمّن نحو 15 في المئة من احتياجات أوروبا. ليس للحقوق والامتيازات العائدة لمجموعة مسيحية – مارونية ما أو لشخصية معينة، غريبة الأطوار ومتقدّمة في السن، أي ثقل في مقابل هذه المصالح.
يتّضح أكثر فأكثر أن لبنان 1920 يواجه خطر الزوال في زوبعة النيران التي تُلهب المشرق. تحدّثت خرائط الشرق الأوسط الجديد التي نُشِرت عام 2004، عن “لبنان الموسّع” الذي يمتدّ من اللاذقية إلى الناقورة على واجهته البحرية. اليوم، مع التغييرات الجارية على الأرض، والنزوح الكثيف للسوريين، ودمار المدن السورية الأساسية، يجري الحديث أكثر فأكثر عن “سوريا مفيدة” تضم “لبنان الموسّع”، وشريطاً طويلاً من الأراضي السورية يحدّه، انطلاقاً من الحدود التركية، نهر العاصي، وسهل الغاب الكلسي، وحماه وحمص، ويمتد حتى سلسلة جبال لبنان الشرقية وصولاً إلى مرتفعات الجولان، ويشمل أيضاً دمشق والسويداء. هذا الكيان الذي يلوح في الأفق لا يشبه بشيء لبنان حيث استطاعت البنية المارونية – الدرزية التاريخية أن تتوسّع نحو ميثاق تعاقدي للتعايش المسيحي – الإسلامي. بل إنه جيب كونفيدرالي أو فيديرالي لتحالف الأقليات الذي نسمع عنه كثيراً منذ بداية أعمال العنف في سوريا.
روح 14 آذار 2005 هي الروح المواطنية للبنان 1920، الحر السيد المستقل، حيث أرسى اتفاق الطائف السلم والهدوء عام 1989. لبنان الموسّع ليس لبنان الطائف حيث لا يرتدي الوزن الديموغرافي للمكوّنات المختلفة أي أهمية. هذا الكيان الجديد الذي ستكون عاصمته حكماً دمشق، هو مشروع حروب مستمرة. سوف يتقاتلون على أصغر جذع شجرة تحت ذريعة أنه جزء من حقوق هذه الفئة أو ذاك المذهب الديني. وسوف يذبحون بعضهم بعضاً للسيطرة على أصغر موقع، وللأسباب نفسها.
هل ما زال بالإمكان إنقاذ لبنان، لبنان حدود 1920، لبنان ميثاق 1943، ولبنان اتفاق الطائف؟ هل ما زال بالإمكان مواجهة المشروع الشيطاني للتقسيم على أساس الهوية؟ الجواب هو المسؤولية التاريخية للمسيحيين، لا سيما الموارنة منهم، الذين يقبلون اليوم بأن يؤدّوا دوراً غير مشرّف يجعل منهم أزلاماً تابعين للمشروع الإيراني-الأسدي-الروسي الذي يُفيد على ما يبدو من التواطؤ الغربي والعربي – التركي.
هل ما زال بالإمكان تجنّب الأسوأ؟ نعم. يكفي، كما قال مساء أمس (الأربعاء 10 شباط) الرئيس السابق ميشال سليمان لبولا يعقوبيان، أن يتحرّر النواب المسيحيون من وهم ميشال عون ويتوجّهوا إلى مجلس النواب لتأمين النصاب والتصويت بطريقة ديموقراطية. من سيكون الرئيس العتيد؟ ليست لهذا الأمر أية أهمية على الإطلاق. المهم هو أن يحصل لبنان على ركنه المؤسسي، حتى لو اضطُرّ الأمر إلى انتخاب البوّاب أو القندلفت في أقرب كنيسة. المهم هو إنقاذ لبنان في حدوده وصيغة العيش المشترك التي يتميّز بها. المهم هو منع تحوّل لبنان سلسلة من المحافظات في سوريا المفيدة أو لبنان الموسّع.
*استاذ جامعي وكاتب
لا قيادة للامن الداخلي قبل تفعيل جهاز امن الدولة
سيمون أبو فاضل/الديار/18 شباط/16
قرار ترشيح كل من رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري لرئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية وكذلك ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع لرئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون هو قرار لم يبق مفتوحا على الفراغ الرئاسي القائم، اذ لدى كل من الحريري وجعجع قناعة بأن «حزب الله» يريد الفراغ الرئاسي كخطوة نحو الجمهورية الثالثة، ولذلك كان تنافسهما على ترشيح أقطاب «8 آذار» لرئاسة الجمهورية، اذ ان قلق الحريري من تداعيات الفراغ هو الهاجس ذاته الذي يشاركه اياه جعجع، رغم ما ادى هذا الترشيح من خلاف تبعه تنقية العلاقة بينهما على انقاض «14 آذار» .
فكل من الحريري وجعجع أراد من موقعه أن يذهب الى أقصى الحدود في استدراج «حزب الله» ودفعه نحو انتخاب رئيس للجمهورية، فبادر رئيس المستقبل في اتجاه فرنجية فيما عمد رئيس القوات لترشيح عون، على قاعدة انه سيكون على حزب الله أن يحسم الأمر، بمعالجة الاشكال القائم بين حلفائه أي عون وفرنجية ليربح رئيسا للجمهورية حليف له فقاطع حزب الله في الجلسة الانتخابية الاخيرة كما دائما تضامنا مع عدم حضور عون وكذلك كان موقف فرنجية، بحيث لم يشكل ترشيح المستقبل والقوات للثنائي من الاقطاب الاربعة خرقا في المسار الرئاسي. ففي منطق الحريري، ان استحالة وصول عون الى بعبدا يفترض بحزب الله عدم خسارته لدخول حليفه فرنجية لتولي رئاسة البلاد، لكن الاخير لم يشارك في الجلسة السابقة، لكنه لن يفوت عليه حسب المعلومات المشاركة والاقتراع لذاته في هذه الجلسة.
وفي حين، أتى ترشيح جعجع لعون تقوية لأوراق الأخير عند «حزب الله» بحسب منطق جعجع، بما قد يدفع حزب الله الى سحب فرنجية لصالح عون، لاعتبار محور الممانعة أن انتخاب عون رئيسا للجمهورية يترجم فوز هذا المحور، على وقع الاحداث السورية والاقليمية. وبذلك يكون الحزب استدرج عن غير رغبة لحماية النظام الحالي بانتخابه رئيسا للجمهورية.
الا ان بقاء الاستحقاق دائرا على الفراغ نتيجة موقف المرشحين عون وفرنجية. اذا ما تبع الجلسة الماضية سلسلة جلسات انتخابية لم توصل لإنتاج رئيس للبلاد، فان ذلك وبحسب المراقبين قد يدفع بكل من الحريري وجعجع وبعد اقتناعهما بان مبادرتيهما لم تؤد الى اسقاط الفراغ لان يكون لديهما مع عدة قوى سياسية خيارا موحدا بعد استنفاد الرهان على عون وفرنجية، لكون هاجس اسقاط الطائف لا يزال مخيما، بحيث أدت محاولات حمايته من خلال ترشيحات الحريري وجعجع لهذا الخلاف الواسع الذي ظهر الى العيان وشكل عشاء معراب وضعه في الثلاجة حتى يعود في محطات لاحقة تشكل تباينا واسعا بينهما.
وفي هذا الاطار، يبقى هاجس اسقاط النظام الحالي محور قلق مسيحي واسع، وأن القلق من نقل البلاد الى نظام جديد هو هاجس يجول في ذهن غير الموارنة. بحيث يكشف مصدر في المجلس الاعلى لطائفة الروم الكاثوليك بأن وفدا من هذه الهيئة برئاسة الوزير ميشال فرعون سيجول نهاية الاسبوع الحالي على الاقطاب الموارنة الاربعة حاملا تخوفه من تداعيات الفراغ الرئاسي خصوصا أن المثالثة في حال حصولها ستضيق الخناق على كل المسيحيين وتكون عندها حصة الطوائف الارمنية وكل من الارثوذكس والكاثوليك والاقليات من ضمن الثلث المسيحي، بما يعني ان المسيحيين سيتآكلون وفق صيغة ستؤدي الى اندثارهم ديموغرافيا واندحارهم سياسيا.
ويقول وزير مسيحي حزبي، بان لا مؤشرات لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لانعدام اية معطيات تدل على دخول حزب الله على تسوية الامر بين حليفيه عون وفرنجية، خصوصا ان كلام فرنجية بعد زيارته الحريري في بيت الوسط دل على مضيّه في الترشح وعدم الانسحاب امام عون بما يعني ان الافاق مغلقة حتى حينه لكون رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يدعو لانتخاب رئيس في ظل مقاطعة عون وحزب الله.
وكشف الوزير الحزبي، بان تفاهما توصل اليه الوزراء المسيحيين في الحكومة بعدم التوقيع على تعيينات مجلس قيادة قوى الامن الداخلي، قبل تفعيل جهاز امن الدولة، اذ كان جرى التفاهم ابان تعيينات اعضاء المجلس العسكري بان يقابل هذا الموقف عرقلة مدير عام جهاز امن الدولة اللواء جورج قرعة من قبل مساعده العميد محمد الطفيلي، وتعهد كل من بري ورئيس الحكومة تمام سلام والوزيرين نهاد المشنوق وعلي حسن خليل بمعالجة الأزمة التي نوقشت على طاولتي الحوار والحكومة لكن أيا من الوعود لم تطبق حتى حينه.
لذلك يتابع الوزير ان شُل جهاز امن الدولة يقابله تجميد تعيينات مجلس قيادة قوى الامن الداخلي، وانه بوجود الرئيس الحريري في لبنان مفترض ان يتم التوصل الى تسيير عمل الجهاز لا سيما ان الرئيس سلام يتعاطف مع بري، يضاف الى ذلك تحريضا يمارسه الأمين العام السابق لمحلس الوزراء سهيل بوجي نظرا لعلاقة «ما» تربطه بالطفيلي، بحيث يمارس بوجي التحريض على قرعة معطلا بذلك دور رئاسة الحكومة وهو امر لن يقبل به الحريري، لكونه يرفض ان تكون رئاسة الحكومة اسيرة حسابات خاصة على حساب الامن القومي ويتم تعطيل جهاز امني في هذه المرحلة.