حزب الله وسياسة التسبب بقطع الأرزاق
مصطفى علوش/المستقبل/22 شباط/16
«ألا أيها الظالم المستبد حبيب الظلام عدو الحياة» (أبو القاسم الشابي)
لا داعي لشرح تداعيات قطع أرزاق الناس، فقد شبّهه البعض بقطع الأعناق، لأنه بتداعياته يؤدي إلى كوارث اجتماعية وأمنية كبرى لدرجة شبهته بقتل الأنفس، وهو الشر المطلق بحد ذاته. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟ فحزب ولاية الفقيه في لبنان يتخذ من قطع الأعناق عقيدة ومبدأ وقيمة وجودية له، فكيف يكون له قطع الأرزاق؟ فقد يعتبره حقا مطلقا له طالما أنه يمارسه على «الأغيار» الذين لا يتبعون عقيدته. الواقع هو أنني لم أسمع على مدى العقود الثلاثة الماضية كلمة واحدة من حزب ولاية الفقيه بخصوص مصالح الناس الإقتصادية، فقيادته تعترف على كل الأحوال بأنها لا تملك أصلاً تصوراً اقتصادياً للبنان حتى ضمن منظومة المقاومة! يعني أن أمور الناس ومعيشتهم لا تعني الحزب المقاوم، في حين أنه أمّن اقتصاداً ريعياً لجمهوره أساسه المال النظيف الآتي من الولي الفقيه مع المال الملوث بالجريمة المنظمة مؤيداً بفتوى من الولي الفقيه، والمال الحرام الآتي من ابتزاز الدولة بتهريب البضائع من الجمارك وبيعها بأسعار لا تنافس في السوق المحلية. في إحدى المناظرات مع أحد المتحدثين بإسم حزب الولي الفقيه في لبنان، وهو عسكري متقاعد، قلت له أن أهم ركن من أركان الإقتصاد اللبناني هو الإستثمارات الآتية من الخارج والسياحة والتحويلات المالية من المغتربين، وهذا كله تقوّضه سياسات «حزب الله«. فأجاب «لتذهب كلها إلى الجحيم لأن الكرامة أهم من الرزق«. وعندما أتاني أحد قياديي الحزب في يوم تعاظمت انتقاداتي لسياسته منذ عشر سنوات، سألته عن مسألة تخريب أرزاق الناس والدمار التي هي نتيجة مباشرة لنهج الحزب في ما يسمّيه مقاومة. فأجاب بكل ثقة بما يلي» إن حكوماتنا معتادة على التسول، فليذهب رئيس الوزراء ويأتي بالأموال من الدول العربية للتعويض على الناس!«.اليوم لقد تمكن حزب الولي الفقيه من إقفال باب التسول على الحكومة اللبنانية بعد أن دفع النزق «الباسيلي» الامور إلى حافة الهاوية بالمواقف الطائشة الأخيرة بخصوص قضايا بديهية، لم تكن لتقدم أو تؤخر، في موضوع أجمع عليه الكل بخصوص الإعتداء على البعثات الديبلوماسية السعودية في إيران. لقد ظننا أن الدلع اللبناني في حضن الرعاية السعودية سيستمر اعتماداً على «صبر وحكمة وحنان» المملكة وقيادتها التي لم تتوقف على مدى ستة عقود عن رعاية لبنان واللبنانيين، إلى أن أتى القرار الأخير وأعاد الجميع إلى الواقع وهو أن لكل شيء ثمناً وبأنه على أقل تقدير لا يمكن أن نرمي حجرا في بئر نشرب منه الماء!. قد يظن البعض أن حزب ولاية الفقيه كان هو أيضاً يراهن على هذه الرعاية، ولكن الواقع هو غير ذلك بالكامل. فمن الواضح من تمادي هذا الحزب، وحتى المزايدة على أركان الحرس الثوري، في سباب وشتم العرب بالإجمال، والمملكة العربية السعودية بالذات، بأنه يسعى بشكل حثيث لدفع دول الخليج إلى اتخاذ إجراءات منطقية للرد على الإعتداء المتمادي عليها في لبنان، وذلك بمختلف الوسائل. ما يحققه الحزب بهذه السياسة متعدد الجوانب. فمن جهة يدفع، بالإقتصاد ، وهو آخر ركن من وجود دولة لبنان، بعد تعطيل المؤسسات الدستورية والأمنية، إلى حدود الإنهيار السريع وصولاً إلى الفوضى المطلقة التي ستسهل له مسألة قلب الطاولة والدفع نحو منظومة سياسية جديدة تتناسب مع رؤيا الولي الفقيه للبنان، أو جزء من لبنان، كولاية تابعة لحكمته ورعايته، وبهذا تستكمل فصول الإمبراطورية الفارسية الجديدة تحت قيادة شاه مقدس. من جهة ثانية، فإن هذا التدهور إن حصل فسيتم تحميله للمملكة العربية السعودية، وبما أن جمهور «حزب الله« مشمول بالرعاية الريعية للولي الفقيه بجزءيها النظيف وغير النظيف، فإن الجزء الأكثر تأثراً سيكون بالطبع الفئات اللبنانية من خارج جمهور الحزب وأتباعه. هذا بالطبع سيؤدي إلى زيادة ردود الفعل على السعودية ومحورها وعلى السياسة المتحالفين معها محلياً. وبالتالي فقد يؤدي ذلك إما إلى الإستسلام والرضوخ لخيارات الحزب، أو الجنوح نحو التطرف الاعمى الذي يخدم أيضاً سياسة شيطنة أعداء ولاية الفقيه. لذلك فمع تفهم قرار السعودية، ولربما الإستغراب لتأخر ردة الفعل هذه حتى اليوم، لكن بالمقابل فمن المنطقي والحكيم أن تستمر الرعاية المباشرة للبنانيين الذين يقفون في الصفوف الأمامية أمام تمدد مشروع «حزب الله« وأمثاله في لبنان وسوريا وغيرها، والا فستكون خسارة هذه المواقع أمراً محتوماً. ويكون الولي الفقيه حقق ما أراده.