المأزق التركي
خيرالله خيرالله/العرب/22 شباط/16
أكّد رئيس النظام السوري بشار الأسد في لقاء مع مجموعة من الموالين له في دمشق عدم الرغبة في وقف للنار بأيّ شكل. لا يدرك الرجل، الذي يعيش في عالم خاص به لا علاقة له بالعالم الحقيقي، أنّ القرار في دمشق لم يعد قراره. لا يدرك خصوصا أنّه ليس سوى أداة تستخدم غطاء للحرب التي تشنّها إيران على العرب، على العرب السنّة تحديدا، من جهة وللتدخل العسكري الروسي الذي يخدم أغراضا محدّدة لموسكو من جهة أخرى. لدى موسكو حسابات خاصة بها تقررها بنفسها وذلك من منطلق أن سوريا أرض روسية. لا قيمة تذكر لأي كلام يصدر عن الأسد باستثناء أنّه يسعى إلى فرض وجهة نظره على الذين يمسكون به هذه الأيّام، أي على روسيا وإيران. هذان الطرفان يتحكّمان بقراره ومصيره ويبقيانه موجودا في دمشق، لكن حساباتهما لا تتفق بالضرورة مع حساباته. من ينظر إلى الصورة الكاملة يرى أن كلّ ما في الأمر أنّ روسيا غير راغبة في وقف حربها على الشعب السوري بمشاركة إيران وبغطاء من النظام. كلّ ما عدا ذلك كلام بكلام عن مفاوضات ووقف لإطلاق النار يفسّره كل طرف على طريقته. حتّى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، يمتلك تفسيره الخاص لما جرى في المؤتمر الذي انعقد في ميونيخ والذي تحدّث على هامشه وزيرا الخارجية الروسي والأميركي عن وقف النار في غضون أسبوع. بالنسبة إلى دي ميستورا، لا يوجد وقف للنار، بل “وقف للأعمال العدائية”! كلّ يغنّي على ليلاه في سوريا. الواضح، أقلّه إلى الآن، أنّ روسيا مصرّة على متابعة حملتها العسكرية التي بدأت في أيلول – سبتمبر الماضي، وذلك بالتنسيق مع إيران التي أرسلت الميليشيات المذهبية التابعة لها إلى حيث استطاعت. لجأت إلى ذلك في غياب أي قدرة لدى النظام على تجييش قوات قادرة على شغل المواقع التي ينسحب منها مقاتلو المعارضة تحت ضغط الغارات الروسية. استطاعت قاذفات “سوخوي” تحقيق نتائج جيّدة على الأرض باستهدافها المعارضة المعتدلة والمدنيين السوريين وتوفيرها “داعش”.
يتبيّن كلّ يوم أن “داعش” هو الحليف الأوّل للنظام السوري ولكلّ من روسيا وإيران. إنّه العذر المفضل من أجل متابعة الحرب على الشعب السوري من جهة، وتهجير أكبر عدد ممكن من السوريين من جهة أخرى. فوق ذلك كلّه، هناك رغبة في تطويق حلب وليس في السيطرة على المدينة من الداخل. المهمّ قطع طرق الإمداد الذي يربط بين الأراضي التركية وحلب. وهذا يطرح سؤالا بديهيا فحواه؛ ما الذي تنوي تركيا عمله؟ هل ترضخ للإملاءات الروسية والإيرانية، خصوصا بعد التفجير الذي استهدف قافلة عسكرية في أنقرة؟
هل تخشى تركيا إلى هذا الحدّ من الورقة الكردية التي تبدو موسكو قادرة على تحريكها ضدّهها؟ أم أن ما تخشاه حقيقة هو ذلك التواطؤ الأميركي مع روسيا في شأن كلّ ما له علاقة بسوريا، بما في ذلك استخدام الورقة الكردية؟
في كلّ الأحوال، هناك عبارة واحدة صادقة في كلّ الحديث الذي أدلى به الأسد الابن إلى الوكالة الفرنسية قبل أيّام. هذه العبارة هي أن استعادة النظام لكلّ الأراضي السورية “ستأخذ وقتا طويلا”. اعتاد النظام على “الوقت الطويل”. خسر الجولان الذي احتلته إسرائيل في العام 1967، ولم يبذل يوما جهدا جدّيا لاستعادة تلك الأرض المحتلة، لا سلما ولا حربا. لم تكن حرب أكتوبر 1973 سوى ذريعة للتوصل إلى اتفاق لفصل القوّات مع إسرائيل في 1974 ونسيان شيء اسمه الجولان.
في نهاية المطاف، لا يصبّ كلام بشّار الأسد سوى في اتجاه واحد. تختزل هذا الاتجاه رغبة في تفتيت سوريا وإبقاء النظام مجرّد صورة بحماية روسية وإيرانية. وهذا حاصل الآن.
إلى متى يمكن أن يستمرّ الوضع الراهن القائم على كذبة كبيرة بأنّ النظام السوري يقاتل “داعش”، وأنّ على العالم تصديق هذه الكذبة والعمل انطلاقا منها وبالاستناد إليها؟
يمكن للكذبة أن تستمرّ بعض الوقت، خصوصا في ظلّ إدارة أميركية لا تمتلك أي استراتيجية في الشرق الأوسط. كلّ ما تريده هذه الإدارة، التي لم يعد لديها سوى أحد عشر شهرا، استرضاء إيران من جهة، وتفادي أي مواجهة من أيّ نوع مع الكرملين من جهة أخرى.
عاجلا أم آجلا، ستكون هناك نهاية للكذبة. أي كذبة، مهما كانت محبوكة لا يمكن أن تعمّر إلى الأبد. ليس ضروريا الرهان على الإدارة الأميركية الجديدة التي ستخلف إدارة باراك أوباما. فهذه الإدارة الجديدة يمكن أن تكون في سوء الإدارة الحالية.
الرهان الوحيد يبقى على الشعب السوري، وذلك على الرغم من الخطر الذي يهدّد مستقبل الكيان الذي بات قابلا للتفتيت. لماذا يمكن الرهان على الشعب السوري؟
هناك سببان. الأوّل أن هذا الشعب لم يعد لديه ما يخسره بعد الحرب التي يتعرّض لها والتي ستمضي عليها قريبا خمسة أعوام. من صمد خمسة أعوام يستطيع أن يصمد عشرة أعوام. لم ينس مواطن سوري إلى اليوم مجزرة مدينة حماة التي ارتكبها النظام، على الرغم من مضيّ أربعة وثلاثين عاما عليها. لن ينسى الشعب السوري يوما ما الذي تعرّض له منذ بدء إقامة النظام الأمني إثر الوحدة مع مصر في العام 1958، وبعد الانقلاب البعثي في العام 1963 الذي سمّي “ثورة الثامن من آذار”. كان ذلك الانقلاب خطوة أولى على طريق قيام النظام العلوي الذي أوصل سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم.
السبب الآخر أن روسيا لن تكون قادرة على متابعة حملتها العسكرية مهما تبجّحت بقدراتها وبانتصاراتها العسكرية على شعب أعزل. روسيا ستستعيد حجمها الحقيقي قريبا لأنّ اقتصادها الهشّ لا يتحمّل بقاء سعر النفط والغاز على حالهما. ستدفع غاليا ثمن ما ارتكبته.. ورأس الأسد الابن لن يكون سوى دفعة أولى على الحساب! لا يمكن لأي سوري القبول بأقل من رحيل الأسد الابن الذي تبدو مهمّته محصورة بالانتهاء من الكيان السوري الذي عرفناه. إلى أن يثبت العكس، لا يبدو أن هناك هدفا آخر لإيران وروسيا غير تقسيم سوريا، علما وأن السؤال الكبير الذي سيبقى مطروحا في الأيام المقبلة هل لدى تركيا القدرة على التدخل؟
ربّما كان الأهم من القدرة التركية، وجود رأي موحّد لديها في هذا الشأن. هذا الرأي الموحّد هو الذي ينقص تركيا ويحرمها، أقلّه حتّى الآن، من مقعد إلى طاولة المفاوضات التي سيتقرّر فيها توزيع الحصص في سوريا مستقبلا. هل يمكن لتركيا، التي يتعمّق المأزق الذي وجدت نفسها فيه كلّ يوم، البقاء على هامش الحدث السوري الكبير وتفاعلاته المتوقّعة على الصعيد الإقليمي؟ هل يمكن أن يكون التفجير الذي وقع في أنقرة واستهدف عسكريين فرصة لإزالة تحفظات المؤسسة العسكرية عن عمل تركي ما في الداخل السوري؟
وفي كلّ الأحوال، جاء تحذير الرئيس فرنسوا هولاند من حرب روسية – تركية في سوريا في محلّه. خطر المواجهة جدّي، خصوصا في ظلّ الرغبة في تحويل تركيا دولة هامشية في سوريا.
أزمة أوباما مع «تانغو» المنطقة
إياد أبو شقرا/الشرق الأوسط/22 شباط/16
قرأت خلال الأسبوع المنصرم مقالة أعجبتني للكاتب الأميركي توم فريدمان عن أي شرق أوسط سيتعرّف إليه الرئيس الأميركي المقبل – أو الرئيسة المقبلة – وقبلها كان أحد الأصدقاء العرب من الباحثين في الشؤون الدولية بالولايات المتحدة قد أعطاني رأيه بمقالتي السابقة في «الشرق الأوسط» حول إرث هنري كيسنجر في المنطقة، ولقد ربطها الصديق بقلقه من «انسحاب» الإدارة الحالية كليًا من الشرق الأوسط واهتمامها بمناطق أخرى من العالم، أبرزها الصين. سواءً وافق المرء على كل طروحات فريدمان أم لا، فإن ثمة حقائق أوردها في مقاله، أزعم أنها لا تقبل الجدل، أهمها أولاً ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وثانيًا الصراع السنّي – الشيعي الذي طغى، للأسف، على الثورة السورية… وهي انتفاضة شعبية سلمية أطلقها شعب طحنته لأربعة عقود آفات الفساد والمحسوبية والدولة البوليسية الاستخباراتية. بالنسبة للقضية الفلسطينية، أزعم أن فريدمان أصاب في مقاربته التي تخلص إلى «نهاية حل الدولتين»، ولو كان للمرء الحق في ألا يجعل مسؤوليات كل من أنحى عليهم باللائمة متساوية. وحقًا، في ظل الواقع الحالي سيتعامل مَن يحتل البيت الأبيض اعتبارًا من يناير (كانون الثاني) المقبل مع واقع احتلال فعلي لكل الأراضي الفلسطينية من البحر إلى النهر. أما المتسببون بهذا الوضع، حسب فريدمان، فهم:
1 – جماعات المستوطنين التوسّعيين، المصرّين على توسيع الاستيطان في الضفة الغربية في وجه كل من يتصدّى لهم.
2 – أثرياء اليهود الأميركيين الذين استخدموا نفوذهم لحماية رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو من أي موقف سلبي يتخذه الكونغرس.
3 – بنيامين نتنياهو نفسه وشبقه إلى السلطة على حساب التسويات السياسية.
4 – حركة حماس، التي يتهمها الكاتب الأميركي أنها «بصواريخها» و«أنفاقها» في غزة أثارت خوف كل إسرائيلي، معتدلاً كان أم متطرّفًا، مما يمكن أن يحدث لو تسلّمت حكم الضفة الغربية.
5 – الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نفسه، الذي أقصى رجل دولة مثل سلام فياض يكافح الفساد ويؤمن بالمؤسسات، بدلاً من المراهنة على قرارات الأمم المتحدة.
أما في موضوع الصراع السنّي – الشيعي فإنه اعتبر أن واشنطن في عهدها الجديد ستواجه «لا دولة» في سوريا و«دولة غير موجودة أصلاً» اسمها «داعش» و«دولة مارقة» اسمها إيران. وفي الحالات الثلاث أصاب في التشبيه، وأيضًا في قوله: إن إقدام روسيا على زرع الدمار في سوريا لا يخرج عن كونه حربًا حقيقية تشنّها روسيا على أوروبا بفتحها عليها بوابات طوفان لاجئين من المناطق التي يتعمّد فلاديمير بوتين تهجيرها.
هنا، أسمح لنفسي بأن أدلي بدلوي..
«اللادولة» في سوريا مسألة صارت محسومة.. مهما كانت التحرّكات الميدانية. وذلك لأن القرارات السياسية والعسكرية الخاصة بسوريا تتخذ اليوم في موسكو وطهران وليس في قصر المهاجرين بدمشق. فبشار الأسد أضحى «وكيل تفليسة» ووسيلة ابتزاز وتأجيج مذهبي لا غير. والدور الوهمي الذي تلعبه كل من موسكو وطهران في كذبة «محاربة داعش» تتحمّس إدارة باراك أوباما لتصديقه… ويتولّى وزير خارجيته جون كيري تسويقه والترويج له بلا رفة جفن.
إن ما لا تريد الإدارة الأميركية تقبّله – وهذا جانب تنبّه إليه فريدمان – وجود مصالح حيوية متبادلة بين «داعش» وإيران.. إذ يستفيد أحد الطرفين من تطرّف الآخر ويتحجّج به ويقنع مناصريه بأنه المبرّر الطبيعي والبديهي، بل والضروري، لخطه السياسي المتطرّف. وبالفعل، فإن التصدّي الجدّي لـ«داعش» في ضمير السنة، وبالذات العرب السنة، بات يستحيل تبريره بينما يعربد الحرس الثوري الإيراني على امتداد العالم العربي، ويتباهى قادته بأنهم عبر عملائهم يسيطرون على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
ولكن لماذا نذهب بعيدًا في التنظير؟ لنأخذ كمثالين تخلّي بشار الأسد وقاسم سليماني عن الرقّة، وتسليم حكم حزب الدعوة في بغداد مدينة مثل الموصل تسليم اليد تقريبًا.
ما هي حاجة نظام طائفي مثل نظام الأسد أسّس منذ عقود – حتى قبل تولّي الأسد الابن السلطة بالتوريث – البنى التحتية لدويلة علوية في الساحل، وكان طيلة العقود الثلاثة التي هيمن فيها على لبنان الحاضنة للوليد الإيراني المسمّى «حزب الله»، إلى مناطق قصيّة سنّية مثل الرقّة والحسكة؟ لماذا يكترث هذا النظام بعشائر طيء والجبور والعقيدات والشعيطات وغيرها على طول الفرات وفي منطقة الجزيرة، ويتدخّل بفضّ نزاعاتهم مع مكوّن كردي تعامل معه دائمًا بفوقية وتعصّب؟ أليس أجدى له التعاون مع إيران على خلق ميليشيا طائفية ترفد «القوات الخاصة» و«سرايا الدفاع» وغيرها من تشكيلات النخبة الموثوقة، ماضيًا وحاضرًا، عندما يحين وقت الفرز وتنتهي أكذوبة العلمانية والتقدّمية والوحدة والاشتراكية؟
أما عن العراق، فالقاصي والداني يعرف مقدار الحقد والرغبة بالانتقام والتشفّي من حكم البعث، واجتثاثه تحت حراب الاحتلال الأميركي، خلف كل المحاكمات التي أجريَت بحق صدام حسين ورجاله. تلك كانت محاكمات سياسية تفوح منها رائحة الانتقام المذهبي والعرقي من ماضٍ مؤلم وسيئ بدلاً من أن تمهّد لعراق متسامح منفتح بديل.
وحتى عندما استغل تنظيم «القاعدة» الشعور السنّي بالغبن والتهميش فإن عشائر الأنبار هي التي رفضت التطرّف وعضّت على الجرح الذي فتحه نوري المالكي وخاضت بشجاعة انتفاضة «الصحوات». لكنها بدلاً من تكافأ وتُحترَم بالصورة التي تليق بها وتستحقها استمر التهميش بل تصاعد إلى حد الملاحقة والاضطهاد. وهكذا، بمزيج من مرارة الحاضنة وخبث أجهزة الاستخبارات الإقليمية وغير الإقليمية ولد تنظيم داعش، وفرّ «الدواعش» من سجن أبو غريب إلى سوريا، وسقطت الموصل… وها هو غرب العراق السنّي مهدد بكارثة تهجير مليونية «على المستوى السوري» إذا ما انهار سد الموصل.
واشنطن أوباما تقول: إنها لا تريد الغرق في مستنقع الشرق الأوسط. ولعلها أوهمت نفسها بأنها تستطيع ذلك من دون خسائر. إلا أنها كما يبدو نسيت عبارة «رقصة التانغو تحتاج لشريكين راضيين».. والواضح أن بوتين إما لا يجيد «التانغو» أو لا يحبها، ومثله أصحاب الكلمة الفصل في طهران.
السعودية وتجفيف منابع الإرهاب الإيراني في الشرق؟
داود البصري/السياسة/22 شباط/16
ليس سرا معرفة حقيقة أن إدارة المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي لملفات وأوراق الصراع السياسي في المنطقة مع النظام الإيراني، تتضمن مقاربات وتفاعلات صعبة وتفصيلات فرعية مهمة تعبر عن حقيقة الصراع الدائر، فالنظام الإيراني ومنذ أربعة عقود يمارس سياسة تحريض تخريبية مباشرة موجهة ضد دول المنطقة وبهدف مركزي محوره إسقاط الأنظمة القائمة والتبشير العلني بذلك، بل وتنظيم وتعبئة جيوش المعارضين والمؤيدين لذلك المشروع الشيطاني ووفق أسس وتوجهات طائفية محضة.
وبسبب تلك الرؤية والمنهج العدواني الإيراني فقد عاشت المنطقة أجواء حروب قاسية بعضها كان شديد الوقع والتأثير والدمار كالحرب العراقية – الإيرانية الشرسة الرهيبة (1980- 1988) والتي أدت لاحقا لنتائج مروعة ومدمرة على أمن الإقليم، وبقية أحداث التحرش الإيرانية وإثارة القلاقل الداخلية ودعم الإرهاب كما حصل في السعودية والبحرين والكويت التي كان لها السبق والأولوية والريادة في الاستهداف والتخريب منذ مراحل مبكرة.
الإيرانيون لا يخجلون أبدا من تأكيد نواياهم وإعلانها صراحة، وقد أعدوا لذلك عدتهم الآيديولوجية بعد أن نجحوا في ظل الفوضى القائمة وحالة الحروب الأهلية والضياع السلطوي في بعض الدول في بناء منظومتهم العقائدية والحزبية من الأنصار التي تحولت لاحقا لجيش عرمرمي عقائدي يمتلك من الإمكانات والقدرات ما يفوق إمكانيات الدول الصغيرة، كما هي الحال في لبنان والذي منذ خروجه من أجواء الحرب الأهلية الدموية الشرسة ( 1975-1990) شهدت أوضاعه الداخلية انعطافة مركزية وحادة ببروز تنظيم “حزب الله” المدعوم بالكامل والمطلق من النظام الإيراني، وتحوله لغول التهم الدولة اللبنانية وتحت شعار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو هدف تشترك به جميع القوى اللبنانية لكنه في الة “حزب الله” كان المدخل للهيمنة الكاملة على لبنان وتضييع هوية الدولة وفرض النموذج الإيراني لتدور السنوات وتجري تطورات مذهلة حصلت بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق وسقوطه لاحقا تحت أسر هيمنة إيرانية مباشرة من خلال مجاميع الأحزاب الطائفية العميلة التي هيمنت عليه، لتحيله ركاما ومستودعا رثا لأهل الإرهاب الإيراني القذر، ومنبعا للتآمر ضد الأمن القومي والوطني لدول المنطقة، وليتحول العراق مع جمهورية “حزب الله” اللبنانية لمستودع إيراني محض ولقاعدة وممر ومستقر لجماعات الإرهاب الإيرانية في المنطقة.
لبنان اليوم بات مصادرا ومحتلا بالكامل من النظام الإيراني من خلال عصابة “حزب الله” التي هيمنت بشكل إرهابي على الشارع اللبناني في مايو 2008 ومارست بلطجة فعلية، كما أن هذا الحزب ومنذ خمسة أعوام بعد إندلاع الثورة السورية تحول لعصابة مرتزقة إرهابيين تقاتل السوريين علنا، وتمارس إرهابا أسود يهدف لسيادة وهيمنة النظام الإرهابي الإيراني.
إنه باختصار خنجر إيراني مسموم في خاصرة المشرق العربي.
لقد أذل ذلك الحزب الإرهابي الفاشي العميل رقبة الدولة اللبنانية، وأصبح معطلا ومخربا لكل نشاطاتها ومارس بلطجة حقيقية منعت اللبنانيين حتى من اختيار رئيس للجمهورية منذ نحو عامين، وهو اليوم حالة عدوانية إيرانية رثة في المنطقة وهيمنته على الأمور اللبنانية باتت فضيحة إقليمية كبرى، حتى أن الدولة اللبنانية بمواقفها الوطنية والقومية أضحت أسيرة لتوجهات ذلك الحزب ومن خلفه إيران، فكانت سياسة الحزم والعزم والمواجهة السعودية الشجاعة مع أهل ذلك المشروع الفاشي من خلال تجفيف منابع دعمهم وهيمنتهم وإيقاف الدعم السعودي عن الدولة التي أضحت ملعبا مباشرا للإيرانيين وعملائهم أكثر من ضرورية لإيقاف التدهور، ولجم ذلك الحزب، ولمباشرة المملكة وأشقائها من دول “التعاون” الخليجية لسياسة حاسمة وقاصمة لمواجهة النظام الإيراني وعصاباته في المنطقة بعد أن تحولت معركة فرض الإرادة الإيرانية على المنطقة، وشعوبها، لمعركة مباشرة ومفتوحة من خلال وقاحة الإيرانيين وعملائهم في التآمر المباشر!
مواقف تاريخية شجاعة ومتصدية وحاسمة تظهرها السعودية وهي تواجه بشكل مباشر المشاريع الإيرانية التخريبية في الجنوب العربي (اليمن) وفي عمق الشرق القديم (سورية العراق) وفي الساحة الدولية من خلال دعم قوى الحرية والتحرر ومواجهة جيوش الظلام من العملاء والطائفيين والقتلة.
خطوات سعودية شجاعة ستغير بالكامل موازين إدارة الصراع الإقليمي، وستساهم في دحر الهجمة الفاشية الظلامية التخريبية المستهدفة للوجود العربي، وتجفيف منابع الخطر الإيرانية هي ستراتيجية سعودية هجومية متقدمة لحفظ أمن المنطقة ولتوجيه الضربات القاصمة التي ستجعل النظام الإيراني وعصاباته من عتاة القتلة والطائفيين ينزوون بعيدا نحو مزبلة التاريخ.
* كاتب عراقي