السعودية في حالة هجوم: محاصرة حزب الله ودعم خصومه
علي الأمين/العرب/01 آذار/16
تداعيات الإجراءات العقابية الخليجية، ولا سيما السعودية منها، لم تزل تشغل المشهد السياسي في لبنان، وتلقي بثقلها على المواقف السياسية اللبنانية، انطلاقا من الآثار السلبية التي جعلت الكثير من اللبنانيين يتساءلون عن أبعاد الموقف السعودي، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه في الإجراءات ضد الحكومة اللبنانية، ولبنان عموما. فقد شكل إعلان وقف الهبة السعودية للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، صدمة للبنانيين، وأربك الحكومة التي فوجئت، فحاولت تصحيح الموقف بإصدار بيان يلتزم بالتضامن العربي… لكن من دون أن تنجح في ترجمة البيان بطلب تعديل موقف لبنان “الملتزم بالإجماع العربي” بعد الموقف الذي اعتبرته السعودية مسيئا، من العدوان على ممثلياتها الدبلوماسية في إيران. علما أن الموقف الرسمي اللبناني هو حصيلة توازنات لا يمكن تفاديها داخل الحكومة التي يشكل حزب الله أحد أبرز مكوناتها، وبالتالي لا يمكن أن يصدر موقف رسمي لا يوافق عليه هذا الحزب.
لم تكتف القيادة السعودية بوقف الهبة بل أرفقت ذلك، إثر البيان الرسمي، بمواقف من معظم الدول الخليجية تدعو رعايها إلى مغادرة لبنان، كما حذرت ومنعت رعاياها من زيارة لبنان. وقامت بخطوات متفاوتة لجهة تخفيض التمثيل الدبلوماسي لها في لبنان. السؤال الذي يشغل اللبنانيين اليوم: ماذا بعد؟ وإلى أين ستذهب دول الخليج في التعامل مع لبنان؟ فهل يمكن أن تشهد العلاقات مزيدا من التراجع إلى حد البدء بإبعاد لبنانيين من هذه الدول؟ وقد تردد أن هناك نحو ألف لبناني مرشحون للإبعاد من المملكة، جرى عدم تجديد إقامات لتسعين منهم. المطلعون على خلفية الموقف السعودي الأخير، من خبراء خليجيين، يؤكدون أن المملكة اتخذت قرارا استراتيجيا تجاه لبنان، هو “الانسحاب في سياق الهجوم”. ذلك أنه ثمة قناعة خليجية ترسخت أخيرا بأن لبنان أصبح تحت سيطرة إيران من خلال حزب الله. وهي “أخرجت لبنان من ثلاجة التوافقات التي جرت بين إيران وفرنسا والسعودية”. تلك التي مهدت لتشكيل الحكومة الحالية قبل أكثر من عامين، والتي أدت بنظرها إلى المزيد من مصادرة القرار اللبناني لصالح إيران. وخلاصة هذا القرار أن السعودية قالت “سأخرج من لبنان”.
وبحسب قريبين من مركز القرار في السعودية، فإن المعركة، لمواجهة التمدد الإيراني، لن تتوقف قبل تسليم إيران بنظام المصالح العربي. ولبنان في صلب الأهداف بعدما تحول إلى قاعدة انطلاق لحزب الله في سياق ضرب المصالح العربية، والخليجية منها على وجه الخصوص. والمواجهة في سوريا ليست منفصلة عن لبنان، ولا هي منفصلة عن اليمن. فلبنان تحول إلى خلفية لإدارة الصراع في سوريا، والموقف الخليجي هو رد على استعداد إيران للسيطرة الكاملة على لبنان. ثمة سياق داخلي لبناني أيضا، بنظر القريبين من صانعي القرار في السعودية، هو خطر تحالف القيادات المسيحية مع حزب الله. ذلك أن أحد أبرز أسباب الغضب السعودي هو صمت أو وقوف قيادات مسيحية إلى جانب الخيار الإيراني، أو دعمه من خلال الوقوف على الحياد. “لقد بلغ السيل الزبى”، هذا ما يمكن تلمّسه من أوساط قريبة من القرار الخليجي حيال لبنان، لا سيما حيال التهديدات التي تنطلق من لبنان في مواجهة دول الخليج. ولبنان بنظرها أصبح بلدا مختطفا. وتعتبر أن القرار السعودي ليس هدفه معاقبة اللبنانيين، بل مطالبتهم وحثهم على فعل شيء في مواجهة الخطر الإيراني الذي يتهددهم، ويهدد العلاقة مع دول الخليج.
وفي هذا السياق يمكن تلمّس أهداف سعودية وخليجية تتمثل في وضع أصدقائها اللبنانيين أمام تحدي فك الارتباط بين القوى السيادية وحزب الله، لا سيما أن دول الخليج ذاهبة نحو خطوة تجريم حزب الله إقليميا ودوليا، بعد تجميعها سلسلة ملفات تظهر تورط الحزب في تهديد أمنها، وهي متمسكة بإدراج حزب الله كمنظمة إرهابية في الجامعة العربية أو الأمم المتحدة. وفي الرد على مقولة أن الخطوة السعودية تجاه لبنان هي خطوة انفعالية تستفيد منها إيران وحزب الله، تشدد أوساط خليجية على أن الموقف من لبنان يأتي في سياق خطة استراتيجية هدفها إعادة لبنان إلى الحاضنة العربية، وتشير إلى أن رفع الغطاء عن لبنان هدفه تعزيز الخيار اللبناني المستقل وحسم هويته العربية، والعمل على تنشيط نظام مصالحه العربي في سياق المواجهة مع النفوذ الإيراني. كل هذا إزاء سعي رسمي لبناني خجول لاحتواء الأزمة من قبل الحكومة اللبنانية، الذي كشفه تصعيد الإجراءات الخليجية غداة إصدار الحكومة اللبنانية بيانها، بعدما قدّر العاملون على إصداره أنه يمكن أن يجمد الخطوات العقابية إن لم يوقفها. هكذا تبدو سيناريوهات الأزمة ذاهبة في ثلاثة اتجاهات:
أولا، مسار التأزم: وهو يتوقع قيام حزب الله بعملية أمنية سياسية تؤدي إلى تغيير في هرم السلطة، رئيس جمهورية جديد وحكومة جديدة بشروطه.
ثانيا، سيناريو الجمود: بقاء الأزمة في حدودها الراهنة وعدم تصعيد الموقف الخليجي بفرض المزيد من الإجراءات العقابية، وبقاء الوضع على ما هو عليه في هرم السلطة، مع استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان بانتظار تغييرات يمكن أن تشهدها المنطقة ولا سيما سوريا.
ثالثا، سيناريو التغيير: نجاح الضغوط الخليجية في فرض معادلة التوازن وتحييد لبنان، مع اقتناع حزب الله بأن معركته في سوريا والمنطقة بلا جدوى.
هذه السيناريوهات تترافق مع سلسلة تغييرات في السياسة الخليجية تجاه لبنان والمنطقة عموما، تشير إليها أوساط قريبة من مركز القرار السعودي والخليجي. وهي تتلخص في السعي إلى المزيد من محاصرة حزب الله إقليميا ودوليا، تزامنا مع الوقوف دون نجاح الاستراتيجية الإيرانية الروسية في سوريا، وإعادة تقييم خطة دعم القوى المحلية اللبنانية المناوئة لحزب الله وللنفوذ الإيراني من مختلف القوى والتيارات.
عندما يسقط القادة خارج أرض.. «الشهادة»
علي الحسيني/المستقبل/01 آذار/16
من الضاحية الجنوبية الى الجنوب فالبقاع، أخبار الموت تتوافد وتتوالى بشكل يومي عن شبّان في مقتبل العمر يسقطون خارج حدود الوطن والعقيدة فيتحوّلون الى «نجوم« موقتين بعد التداول بسيرتهم وصورهم من لسان الى لسان ومن هاتف الى آخر قبل أن يعود وهجهم وينطفئ ويصبحون مجرّد ذكرى، لتعود القصة وتتكرر لكن بأسماء وصور مُختلفة، فيعود الوجع مجدداً ليسكن قلوب عائلات وأبناء وأحبّة، وأم نذرت عمرها لقطعة من قلبها وصبرت كل تلك السنين لتراه عريساً، فإذا به يعود مُحمّلاً من بلاد تأبى منذ العام 2011، يوم بدأت الدعوات إلى «الواجب الجهادي»، أن تُرسل خبراً مفرحاً ولو من طريق الخطأ.
قُتل. لم يُقتل. علي فيّاض القائد العسكري في «حزب الله» والمعروف بـ»علاء البوسنة»، تحوّل خلال اليومين الماضيين إلى نجم مؤقت هو الآخر بعدما جرى تداول اسمه على أنه من بين الجرحى أو المفقودين في وقت كانت تتم فيه مراسم تشييعه بين اهله وأقاربه في بلدة أنصار الجنوبية، لتتوقف عندها المراسم ريثما يتم التأكد من الخبر. لكن بعد اقل من أربع وعشرين ساعة جاء الخبر اليقين أن فيّاض بالإضافة إلى عدد من عناصر الحزب، هم في عداد القتلى الذين سقطوا جميعهم في ريف حلب الجنوب الشرقي، الأمر الذي ترك إنطباعاً بين الناس حول مدى التخبط الذي يُعانيه الحزب في سوريا خصوصاً أن الرجل المشكوك بمقتله ليس عنصراً عادياً، بل أحد أبرز القياديين العسكريين والمؤسسين في صفوف «حزب الله». يبقى الغرق في المستنقع السوري، الهاجس الأكبر الذي يُسيطر على «حزب الله« وقيادته وقادته في المرحلة الراهنة والذي بدأ ينعكس بشكل سلبي في نفوس مقاتليه بعدما أصبح الموت صفة يومية تلازمهم في حياتهم على الجبهات الغريبة، والسؤال عن جدوى تواجد هؤلاء في سوريا، لم يعد يُجدي نفعاً في اوساط القيادة منذ مقولة «مستعدون للتضحية بثلث الطائفة من أجل ان يعيش البقية بكرامة». وما العناصر الأربعة الذين وصلت جثامينهم مساء أمس من سوريا إلى مستشفى بهمن في الضاحية الجنوبية، سوى مؤشر واضح على أن قافلة السقوط مستمرة وأن الإنسياق وراء الأجندة الإيرانية مستمر هو الآخر من لبنان إلى سوريا واليمن فالعراق ودائماً تحت شعار «يا قدس اننا قادمون».
بين جمهور «حزب الله»، يتناقل بين الحين والأخر مقاطع فيديو عبر الهواتف لعدد من الشبان وهم يدلون بوصاياهم الأخيرة من داخل الأراضي السورية. يوجه هؤلاء رسالتهم الأخيرة إلى أمهاتهم وأقاربهم قبل ساعات من انتقالهم إلى جبهات الموت. بعضهم ينشد «الشهادة» وبعضهم الآخر يتوعد «التكفيريين» بشر هزيمة، فتتحقق الأنشودة الاولى، بينما تبقى الأخرى مجرد أمنية على الهواتف. في هذه اللحظات الأليمة تستعيد الذاكرة شريطاً مصوراً لأربعة عناصر كانوا ينشدون «الجنة» منذ أشهر قليلة من خلال أغنية «وداعا أمي.. وداعا أمي» قبل أن ينقطع التصوير بشكل مُفاجئ ليتم في اليوم التالي نعي الأصدقاء الأربعة دفعة واحدة بعد إصابة موقعهم في ريف دمشق بصاروخ موجّه من بعد.
ضربات مؤلمة يتلقّاها «حزب الله« في ظل غياب التنسيق بين وحداته وقيادته العسكرية وبين جيش النظام الذي بات يتّكل في حربه بشكل أكبر على غارات طائراته الحربية والمروحية. هذا ما يتداول به في مناطق الحزب. ومن المؤكد أن قيادة «حزب الله« تسير اليوم على منهج يقوم على طبيعة التأقلم مع الموت، مُستعيدة من التاريخ عبارات وشعارات نسجتها عقول بشريّة خدمة لمشاريع القتل من خلال روايات يُقتل أبطالها في سبيل «القضيّة«، وسوريا اليوم أصبحت هي القضية، ولهذا تحوّلت كل مجالس الحزب في مناطق نفوذه إلى حلقات وعظ وكلمات أشبه بالمُخدّر تُثمّن وتعُظّم معنى الاستشهاد« هناك. لكن خشية القيادة هي أن تستفيق البيئة ذات يوم على حالها وان تُدرك بأن «الشهادة» لا تصح ولا تقوم من خلال مواجهة الفقراء والمظلومين وأن العزة والكرامة لا تكونان بقتل أهالي «الزبداني» ولا «مضايا» ولا في غيرهما من القرى والبلدات في سوريا، إنما فقط في فلسطين المحتلة وعند الحدود اللبنانية – الاسرائيلية.
أمس كان القائد العسكري فياض (علاء البوسنة) حديث بيئة «حزب الله». كم تمنى هؤلاء أن يكون خبر مقتله مجرد إشاعة، فهم العالمون بسيرة هذا الرجل الذي أنهك العدو الإسرائيلي لسنوات طويلة في جنوب لبنان مع مجموعة من أمثاله. تعددت الروايات حوله وكل طرف تناولها بحسب معلوماته «الخاصة»، لكن الكل أجمع على أن «علاء البوسنة» هو من بين مجموعة قادة ساهموا بشكل كبير في تحرير الجنوب قبل أن تنقلهم قيادتهم إلى سوريا حيث قُتل منهم هناك ما لا يقل عن مئتي قائد. والمفارقة أن الجميع توافقوا على سؤال واحد «إلى متى مقتل القادة في سوريا؟».
هذا ما ينقص
راشد فايد/النهار/1 آذار 2016
أن يخرج جمهور الأمين العام الى الشارع 3 مرات خلال 10 سنوات لـ”تأديب” من يخدش قدسيته المدعاة هو دليل قاطع الى ما يجب ان يفهمه هذا الجمهور، وهو ان لا مقدس في السياسة، وان اللبنانيين وغيرهم ليسوا مضطرين الى الاستسلام لمفاهيم يستسيغها طرف ويبجلها. لم يخرج الأمين العام عن هذا الإطار منذ انزاح الاحتلال الاسرائيلي عن الجنوب، وأخذ يستثمر ما حصدته “المقاومة” منذ “جمول” الى حزبه، ليدعي دور الولي المرشد في لبنان، ثم في المنطقة، ووصل الانتفاخ إلى ادعاء ملكية براءة الذمة لـ “الربيع العربي” حين يناسب طهران، ونزعها حين لا يناسبها، وما وصلت اليه اليوم العلاقات العربية مع لبنان يبرر ما استنتجه الأمين العام قبل 10 سنوات من مخاوف لدى اللبنانيين، من نتائج “لا هزيمة” حزبه في حرب تموز 2006: كان الخوف عميقاً لديهم من انقلاب سلاحه على الداخل، ثم على عروبة المنطقة، ومد مخالبه الإيرانية الى استقرار دولها، التي تتحمل، بطول أناتها، وبطء تحركها، الكثير من مسؤولية تماديه الفارسي. لا ينفي ذلك مسؤولية “انتفاضة الاستقلال”، تحديدا القيادات السياسية التي تنطحت لاحتكار قرارها. يكفي أنها راهنت، وببركة العرب والغرب، على عودته الى الدولة، وفيء سيادتها، مرة، واثنتين، وثلاثاً، ومع انه كذّب آمالها، فانها استمرت في رهان غير مجد، ساندته القيادات العربية الرئيسية. لذا يتساوى الطرفان في المسؤولية عما بلغه الحزب والأمين العام تحت غطاء تسويات ظالمة منذ 2006 سمحت بأنصاف حلول، وطاولات حوار بلا جدوى، أبقت السلاح وفائض قوته في يده.ليس ما وصل اليه الوضع اليوم مناسبة للندب، ولا لجلد الذات، بل مفترق لحسن التدبير وعمق التفكير: ليس في “14 آذار” من يريد حرباً داخلية، لكن ليس فيها من يريد استمرار العض على الجرح، وترك فريق يخرق التوازن الوطني، ويواصل استغباء اللبنانيين بادعاء التصدي لإسرائيل، بينما يحتمي بالقرار الدولي 1701، ليتفرغ بسلاحه للداخل، والمنطقة. ما أدى الى اتفاق الدوحة، وما استتبعه، ليس التواطؤ الغربي (الفرنسي) القطري – الإيراني لفرضه، لكن، أيضا، استعجال رفع الايدي استسلاما للسلاح وقيادته. كان يمكن “14 آذار” إعلان العصيان المدني وترك ميليشيا الحزب تحرس صمت الشارع لإفراغ انقلابها من هدفه. الوقت لم يفت، والبحث عن طريق مجابهة غير عنفية هو الرد على تعطيل بنية الدولة، وفي الطليعة الحؤول دون انتخاب رئيس للجمهورية.لقد أسقط غاندي باللاعنف الاستعمار البريطاني عن الهند. وليس حزب الأمين العام أمضى سلاحاً من بريطانيا، وليست هيمنة الولي الفقيه أصعب إزاحة، فما ينقص هو إرادة التصدي. ومن قاد معركة الاستقلال الثاني، السلمية، ضد الوصاية السورية، يستطيع خوض معركة الاستقلال الثالث بلا عنف ضد الهيمنة الإيرانية.