حبيبتي 14 آذار
أحمد عدنان/العرب/13 آذار/16
نعم هي حبيبتي الدّائمة، فهي الجين الأساس والرئيس في تشكيل عقلي السياسي، مع العلم بأن علاقتي بها لا تخضع لقوانين العقل والسياسة، لأننا نتحدث هنا عن قصة عشق أكثر من أيّ شيء آخر. الصحافة اللبنانية وبعض الساسة ينعون ثورة الأرز وقوى 14 آذار، وهؤلاء هم أصحاب المصالح، يقيسون تحركاتهم وفق بوصلة الزعماء، لكننا شعب 14 آذار لا علاقة لنا بالزعماء، فالزعامة الوحيدة في شرعنا معقودة لساحة الشهداء، هناك ولدنا وهناك انتصرنا وهناك نموت. لا يهمنا أن وليد جنبلاط تموضع في الوسط، ولا يعنينا أن وقع خلاف بين د. سمير جعجع والشيخ سعد الحريري، لأنّ شعب 14 آذار لا يمثل الزعماء، بل إن الزعماء هم من يمثلوننا، ومن يخذلنا منهم فتلك مشكلته. تعرّضنا نحن معشر الآذاريين لمليون مؤامرة وانتصرنا عليها جميعا، بشار الأسد قال “أنا ربّكم الأعلى” فانتهى عبدا في قصر المهاجرين لسيّد إيراني ولسيّد روسي.
ما يسمّى بحزب الله الذي قتل شهداءنا واستباح دولتنا صنّفه العالم كتنظيم إرهابي، وإيران فقدت كل تعاطف او احترام على مستوى العرب والمسلمين، أما عمّن ظنوه حصان طروادة، الجنرال ميشال عون، فلم يدخل قصر بعبدا ولن يدخله بإذن الله. امتازت ثورة 14 آذار بأنها جسدت في لحظة واحدة التقاء نقيضين، لبنان الذاكرة ولبنان الواقع، لذلك كان مصدر قوة 14 آذار هو أنها عبّرت بذلك الالتقاء عن لبنان الحقيقة، المليونية التي عمرت قلب بيروت لم تتألف من مسلمين ومسيحيين، بل تشكلت من اللبنانيين حصرا، لم يقل أولئك اللبنانيون ما قاله رياض الصلح وبشارة الخوري “لا شرق ولا غرب”، ولم يقولوا ما قاله حافظ الأسد “لا شرق ولا غرب ولا لبنان”، لقد أعلنوها صريحة “نحن الشرق والغرب ولبنان”.
إنجازات 14 آذار لا لبس فيها، أنهت الوصاية السورية على لبنان، وأطلقت المحكمة الدولية، وانتزعت اعترافا عمليا من نظام البعث السوري بسفارة في بيروت، لكن هناك إنجاز أهم من ذلك كله لم يتحدث عنه أحد، بفضل 14 آذار سقطت كل أقنعة الزيف التي اختبأ خلفها ما يسمى بحزب الله
إنجازات 14 آذار لا لبس فيها، أنهت الوصاية السورية على لبنان، وأطلقت المحكمة الدولية، وانتزعت اعترافا عمليا من نظام البعث السوري بسفارة في بيروت، لكن هناك إنجاز أهم من ذلك كله لم يتحدث عنه أحد، بفضل 14 آذار سقطت كل أقنعة الزيف التي اختبأ خلفها ما يسمّى بحزب الله، لم تخل عاصمة عربية من صور أمين الحزب الإلهي السيد حسن نصرالله، اليوم تحوّلت الصور إلى شتائم، وكانت لحظة البداية في 7 أيار 2008 حين احتل بيروت وروّع الجبل، منذ ذلك التاريخ بدأ تدحرج الحزب الإلهي نحو الهاوية. ولعل أهم ما ميز 14 آذار كفكرة، هو تبصّرها قبل عقد من الربيع العربي بالشعار الترياق لعالم العرب: الدولة والاعتدال، وما مشكلاتنا اليوم إلا انهيار الدولة وسقوط الاعتدال، لذلك قد أفهم من يقول إن 14 آذار ولدت قبل أوانها، لكنّي أتعجب حقيقة من أولئك الذين يريدون دفنها قبل وفاتها.
كنت أتساءل: كيف استمر الناصريون على ناصريّتهم بعد نكسة 1967؟ ولقد عرفت الجواب في زمن آخر ولحظة أخرى، الحكومة المصرية تقرّر اقتحام ميدان رابعة العدوية، ونتفاجأ باستقالة الرمز محمد البرادعي من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، عن نفسي استمرّيت برادعاويا رغم خطأ البرادعي كما استمر الناصريون بعد هزيمة عبدالناصر. تبدو السياسة للوهلة الأولى خالية من المشاعر، لكنّها في بعض اللحظات تصبح هي المشاعر كلها، وهذه هي حكايتي مع 14 آذار، إلى تاريخه لم تهزم ثورة الأرز، نستطيع أن نرصد خيبات أحزابها وانكساراتها، لكن أفكار 14 آذار صامدة وحية أكثر من أيّ وقت مضى، ما زال أغلب اللبنانيين ضد حزب الله وإيران وسوريا البعث، وما زال أغلب اللبنانيين مع الدولة والاعتدال ضد الإرهاب والميليشيا وولاية الفقيه، ولو تعلقنا ببعض الغرور قد نجد صورة مبهرة، 14 آذار باقية وتتمدد، بدأت في لبنان وانتقلت إلى سوريا ضد بشار الأسد، والجامعة العربية تبنّت موقفها من حزب الله واعتبرته إرهابيا. نعيش هذه الأيام ذكرى 14 آذار، الحدث الأجمل في تاريخ اللبنانيين، وكما حرّر أفراد عزّل بلادهم من وصاية نظام مستبد وطاغية، سيحررونها من الميليشيا المجرمة والعميلة، الأيام بيننا وستذكرون ما أقول، والعاقبة للمتقين.
سرقة 14 آذار
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/12 آذار/16
عشيّة ذكراها الحادية عشرة، تتجاذب “14 آذار” حالتان متعاكستان:
- من فوق، مواقف والتزامات و”تحالفات” متناقضة، على خلفيّة تقديرات وقراءات موضعيّة تكتيكيّة.
- ومن تحت، إرادة “أهل ثورة الأرز” المتشبّثة أكثر من أيّ عام مضى بأسس انطلاقتها وأهدافها، والناقمة على تشتّت قياداتها. وكأنّ المعادلة باتت: خلاف فوق في التكتيك، اتفاق تحت في الاستراتيجيا.
للمرّة الأُولى، يحدث هذا التناقض بين “السياسة الواقعيّة” التي تنتهجها القيادات، والمواقف المبدئيّة التي تلتزمها قواعد “انتفاضة الاستقلال”. والمشكلة التي باعدت بين القيادات محسومة: قضيّة الرئاسة الأُولى، وليس أيّ شيء آخر، بما في ذلك ملفّا الحكومة الراهنة وقانون الانتخاب وسائر الخلافات الفرعيّة القابلة للنقاش الهادىء والمعالجة. هذا لا يعني أنّ الرئاسة تندرج في إطار التكتيك وليس الاستراتيجيا. لكن، ما يؤكّد أنّ الخلاف محصور في بند الرئاسة وذيول ترشيحاته، هو تطابق مواقف جناحَي، أو أجنحة 14 آذار، في القضايا المحوريّة، كمسألة سلاح “حزب الله”، وتورّطه في حروب المنطقة، وتصنيفه إرهابيّاً، وأولويّة علاقات لبنان مع العرب، خصوصاً السعوديّة ودول الخليج، فضلاً عن التزام القرارت الدوليّة. في هذه القضايا، لا “حائط عمار” بين سعد الحريري ومرشّحه سليمان فرنجيّة، ولا بين سمير جعجع ومرشّحه ميشال عون. فالمرشِّحان في واد والمرشَّحان في وادٍ آخر، كخطّين متوازيين لا يلتقيان، ولو بإذن ربّ هنا أو هناك. وقد استمرّ مرشّح في التزام “تكامله الوجودي” مع نصرالله، والثاني اعتباره “سيّد الكلّ”. واتّضح بالملموس أنّ الترشيحّين يدوران في حلقة مفرغة رسمها حليفهما “حزب الله”، وورقة أحرقت أُخرى، والفراغ يتمدّد، والمؤسّسات تزداد تعطيلاً وانهياراً.
وقد التقى طرفا 14 آذار، الحريري وجعجع، على حقيقة لعلّهما يُدركانها كلٌّ من موقعه، هي أنّ انتخاب الرئيس سيكون حكماً هذا الربيع. جعجع سبق إليها منذ 3 أسابيع، وأكّدها الحريري منذ يومين. وإذا أسندنا تفاؤلهما إلى معرفتهما ببلوغ الترشيحين الحائط المسدود، خارج بوانتجات الأرقام الباردة أو الساخنة، نصل إلى استنتاج بأنّ الكرسي الرئاسي تنتظر اسماً من غير مرشّحي التحدّي. وهذا هو الاتجاه الغالب الآن لدى طابخي الملفّ الرئاسي وتسويات المنطقة في لبنان والإقليم والعالم. ولذلك، يجب أن ننتظر مواقف سياسيّة تصعيديّة ممّن احترقت ورقتهم الأخيرة، قد تبلغ حدّ الحالة الشمشونيّة في محاولة جديدة لهدم الهيكل السياسي اللبناني على رؤوس الجميع. فحين يبلغ اليأس سنّه السياسي، وتبلغ الحشرة حدّ انهيار الحلم المزمن بالرئاسة، وحدّ التخبّط في الأزمة الداخليّة للعائلة والحزب، وحدّ الفشل في تقديم أيّ جديد للمسيحيّين في زمن “وحدتهم”، يصبح أيّ موقف متهوّر منتظراً، بما في ذلك إحياء فكرة التقسيم تحت عنوان الفيدراليّة، بعدما سقطت كلّ الأوراق الفارغة الأُخرى مثل انتخاب الرئيس من الشعب أو مجلس نوّاب مُبكر، وكان آخر “الإبداعات” المرتجلة انتخاب النوّاب في صندوق جانبي مع انتخاب البلديّات! ولا شكّ في أنّ الذهاب بعيداً في هذه المحاولة “الانقلابيّة” سيُحرج أكثر من طرف في صفّ الحلفاء السابقين أو اللاحقين، وسيكون من خارج السياق العام، أقلّه الآن، في لبنان والمنطقة. وليس سهلاً السير بلا ضوابط ولا بوصلة في العتمة التي تقود من جديد إلى نفق جرّبه المسيحيّون مراراً ودفعوا ثمنه غالياً، منذ 40 عاماً إلى الآن، تحت الشعار القاتل “حلف الأقليّات”. وقد كانوا “موحّدين” حينذاك أكثر من اليوم! وأسوأ ما في هذا “الانقلاب” المتوقّع قريباً، هو أنّه يستظلّ مناسبة “14 آذار” التي انقلب عليها قبل 11 عاماً، في محاولة سافرة لسرقتها بحجّة السبق إليها قبل 27 عاماً تحت مسمّى “حرب التحرير”. وهذا يقتضي حالة تنبّه واستنفار قصوى لدى قيادات “14 آذار” وكادراتها وقواعدها، كي تكون هناك فرصة لإعادة تركيزها على أسسها الثابتة، وتكون الانتخابات الرئاسيّة التي فرّقت، حافزاً للتضامن من جديد وتوحيد الموقف في “انتخابات نيسان”!. وعلى قاعدة “ربّ ضارّةٍ نافعة”، يكون التصعيد السياسي من خارج السياق العاقل، دافعاً لجلسة عصف فكري تُنتج مخارج وحلولاً من شأنها إنقاذ لبنان من المنحدر الأخير الذي يدفعونه إليه.
فحذارِ التمترس وراء المواقف الجامدة في الترشيحات. وحذارِ الانزلاق في المشاريع القاتلة للبنان وأقليّاته، ولو تحت يافطة التحالف المسيحي. وحذارِ سرقة “14 آذار” بشهدائها ورؤيتها الوطنيّة الصافية.
عن «خاتمة آذار»
سامر فرنجيّة/الحياة/13 آذار/16
في آذار (مارس) من كل سنة، نتذكّر حدثاً حصل قبل بضع سنوات، حوّل كل ما مسّه إلى مسوّدات له، مثلما تحوّلت أيام الأسبوع ودورانها مسوّدات لأيام الجمعة التصاعدية، لا تختلف واحدتها عن الأخرى إلا بمدى قربها أو بعدها من يوم التظاهر هذا.
في هذا الشهر، نتذكّر كيف، وللحظة قصيرة، وجدنا «خاتمة» وحّدت كل المقاطع والاقتباسات والصور في نصٍ واحدٍ لم يكتبه أحد. نتذكر كيف تخيّلنا أنّنا من وراء شاشاتنا نتشارك مع آخرين في صياغة هذا النص الذي وجد خاتمته في آذار ٢٠١١. وفي هذا الشهر، نتذكر أنفسنا عندما كانت لنا خاتمة وحوّلنا طوعياً ذاتنا إلى مسودات مختلفة لها، وبدأنا البحث عن هويات جديدة لعالم ما بعد الخاتمة.
غير أنّ الخاتمة لم تختم ولم يبق إلا استذكار هذا الشهر من ٢٠١١. فبآذار بعد آذار، بدأ الزمان الطبيعي يعود تدريجياً ويطالب بحقوقه، وثارت أيام الأسبوع على يوم الجمعة وسيطرته وأعادته إلى مكانه الطبيعي، أي اليوم الخامس من الأسبوع. وأصبح للحدث أعياد ميلاد لها طقوسها التي تقيس مدى سقوط العالم الذي منع خاتمتنا من أن تختم. وبآذار بعد آذار، بدأت الروايات تخشى خاتمتنا وتتحاشى أن تظهر معها أو وراءها، على رغم محاولاتنا العديدة لتلطيفها. فحملنا هذه الخاتمة، بعدما حملتنا هي لأشهر، ودرنا بها من مقالة إلى مهرجان، ومن وقفة سلمية إلى نقاش، باحثين عن جمهور ما زال يكترث، قبل أن نقتنع بأنّ مكانها قد يكون في متحف الخواتم التي لم تختم، وأصبحنا مسوّدات لنص لن يُكتب.
وبآذار بعد آذار، كانت السياسة تهجر الحدث تدريجياً. فبدأنا بالخروج من الشارع قبل الخروج من الميدان. وجاءت المفاوضات لكي تؤكد أن خاتمتنا لن تختم، ولو أن «الثورة مستمرة». وأصبح وفاؤنا لمن شاركنا هذه الخاـــتمة ومـــوقــــفنا الوحيد رفضاً مطلقاً لكل شيء. وأصبــــحت صرخة عمر قدور «لندعهم يـــفاوضون أنفســـــهـــم» («الــحيــــاة» ٢١/٢/٢٠١٦) مــلــخّصاً لمواقفنا كلها، وباتت الثورة عبئاً يضعنا دائماً خارج الواقع وخياراته. فتحوّل الوفاء لها امتحاناً نرفعه في وجه العالم لنكتشف كل مرة أن النتيجة واحدة، وهي رسوب العالم، بيمينه ويساره، في امتحان الثورة.
لم يعد ينتظم هذا الحدث في أي من الروايات السياسية التي تحاك من حولنا، وفقدنا قدرتنا على التعاطف مع أي قضية بعدما عزِلت قضيتنا.
بيد أنّ هذه ليست نهاية حتمية، أو بكلام أدّق، ليس على الخسارة السياسية أن تكون خسارة على كامل الأصعدة. فكما يذكّرنا المؤرخ الألماني راينهارت كوسيليك: «إذا كان التاريخ في المدى القصير يصنعه المنتصرون، فالكسب في الفهم التاريخي على المدى البعيد يأتي من المهزومين».
هذا لن ينقذ الخاتمة من قدرها السياسي، لكنه قد يسمح للمسوّدات بأن تجد خواتم أخرى، أقل تأثيراً في المدى القصير ولكنّها قد تفتح المجال لتحويل الذكرى إلى أكثر من مجرّد تمرين في تراجيديا مبتذلة.
ليس من أبطال بين المسوّدات، فقد احتكرتهم جميعاً أفلام هوليوود وخطابات حسن نصر الله. من ينتصر لا يؤرخ، لا يحتاج إلى فهم ما يجري لأنّه يتوهّم أنّه صنع ما جرى. التاريخ يحتاج إلى خاتمة لم تختم ليبدأ عمله، وعلى مسوّداتها تفسير مأزقها، ومن خلاله العالم الذي سمح به.
قد يبدو هذا الكلام نوعاً من الاستسلام يرى في «الثقافة» تعويضاً عن الفشل في السياسة قبل أن يصبح تعويضاً عن السياسة. وهو كذلك عندما يتمّ التعاطي مع الثقافة كفصيل من إنسانية مبتذلة أو تعبير لأخلقة بائسة، تحاول بناء على الفن والكتابة والفكر مؤهلات سياسة أخلاقية. ولكن هل يمكن ابتكار ثقافة مختلفة، أكثر «تسييساً» من دون أن تكون مجرّد غطاء لموقف سياسي، بما يؤمن ديمومة لخاتمة آذار؟ أو بكلام آخر، هل يمكن للقطيعة التي لم تحدث في السياسة أن تجد بديلها في الثقافة، ليكون هناك ما قبل آذار وما بعده، ليكون في مكان ما خطابات ومقاربات ختمها ذلك الآذار، وغيرها مكّنها من البروز؟ قد يحصل هذا في مجالات عدة، بيد أنّ الخطر هو الانزلاق نحو خطاب أخلاقي، يحوّل حدث الثورة إلى محطة في سيرورة مآسي عالمنا الساقط، لا تتميز عن غيرها إلا بمدى عنفها ومظلومية ضحاياها. وفي هذا التعميم النبيل خطورة تحويل ما كان خاتمة إلى مجرّد فصل إضافي في كتاب الخسارة أو غرفة إضافية في متحف الخواتم التي لم تختم. قد يصلح هذا كخطاب يطاول جمهوراً واسعاً ممن قبلوا بالثورة طالما حافظت على طهارتها، وبالتالي على دورها ككومبارس في تراجيديا مبتذلة، لكنّه لا يلتقط القطيعة والفصام اللذين أصابانا في آذار ٢٠١١.
الثقافة لن تفاوض في جنيف أو في أي مكان آخر، ولن تعيد المهجرين إلى ديارهم أو تسهّل شروط حياتهم في منفاهم، ولن تحرّر حلب أو أي منطقة أخرى، ولن تردع طائرات بوتين أو مقاومي نصر الله. لكنّها أيضاً ليست مجرّد خيار مَن فشل في إتمام هذه المهمات. هي اليوم المجال الذي ستخاض فيه معركة الثورة، وليس معركة ذكرى الثورة. فهذه الأخيرة ساحة الثقافة الإنسانية، حيث المطلوب صياغة خاتمة آذار بفعل الماضي، أي سجن الحدث في «جنة» ما قبل التسليح والتطييف والتحوير. أما معركة الثورة فتحتاج إلى ثقافة تقسم ولا توحد، تقطع ولا تبحث عن استمرارية، تهاجم ولا تتفهم، تختم ولا تستكمل.
الثورة حوّلتنا إلى مسوّدات ولم تستطع أن تختم، ولكن لا عودة إلى عالم ما قبل محاولة الختام. في ذلك الآذار، خرج النص عن السياق، وارتبط بخاتمة لم يضمنها أحد، وتحوّلت نصوصنا الرديئة، كهذا النص، إلى شيء أجمل. نحتاج اليوم إلى قطيعة، لا ذكرى، تجعلنا مسوّدات لخواتم جديدة.