بعد الانسحاب الروسي… من شيطانك الاكبر يا «سيد حسن»
بتول الحسيني/جنوبية/ 15 مارس، 2016
لم تكن المفاجأة التي أعلنها يوم أمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متوقعة، لا بالنسبة للخصوم ولا الحلفاء، فقرار الإنسحاب من سوريا شكّل حدثاً سريعاً قلب الأوراق وبدّل كل الاستراتيجيات المطروحة. ولكن وبعيداً عن الساحة السورية وتطوراتها لا بد لنا من التساؤل لبنانياً: متى سيطل السيد حسن نصر الله؟ ممّا لا شكّ به أنّ حزب الله كما النظام السوري فوجئ بالقرار الروسي الذي ما زالت التحليلات السياسية تدرس أبعاده حتى اللحظة، والتي يشير البعض منها إلى تقارب روسي – سعودي، فيما يؤكد البعض الآخر على قرب نهاية بشار الأسد، وفي حين هناك شبه إجماع على أنّ سقوط النظام أصبح وشيكاً، لا بد لنا من العودة للداخل ولحزب الله الذي هو طرف أساسي بالحرب السورية أولاً، واليمنية ثانياً وليس آخراً. من المؤكد أنّ اتصالاً جرى بين السيد حسن وبشار الأسد ليل أمس، لا سيما وأنّ الصحافة المتابعة للشأن السوري أكدت أنّ النظام لم يكن على علم مسبق بالإنسحاب، وأنّ إعلامه والإعلام الإيراني تدارسا كيفية نقل الخبر بصورة لا يظهر بها جلياً التخلي الروسي عن الأسد. حزب الله ليس بتاجر كما الروسي، وبالتالي لن يبيع بشار الأسد كما القيصر بوتين، يضاف إلى ذلك أنّ الحزب لم يعد يحظى لا بشرعية عربية ولا بحاضنة لبنانية “اللهم إلا المذهبية الشيعية”، فكيف سيعود إذا هو وعتاده وهزائمه إلى لبنان، وهو صاحب النصر الإلهي؟! بداية الخطوة الروسية تجعلنا نتوقف عند عدة نقاط شهدناها في المرحلة الأخيرة وهي، زيارة الحريري الخاطفة إلى السعودية، وتوجيهه دعوة إلى السيد حسن للعودة إلى لبنان، وإعلانه أنّ الانتخابات الرئاسية سوف تجري في نيسان، اضافة الى المعلومات الصحفية التي تشير إلى تقارب روسي – سعودي.
ترابط هذه الخيوط يوحي بدلالات مختلفة، أنّ التصعيد الخليجي ضد الحزب جاء مدروساً ومتزامناً مع استمالة الدب الروسي، وبينها أيضاً أنّ زيارة الحريري للسعودية لم تكن بالعائلية وإنّما للإضاءة على المرحلة القادمة، وهذا ما تشيره دعوة الحريري للحزب أن يعود إلى لبنان.
يضاف إلى ذلك أنّ السعودية ودول الخليج عموماً لا تتمحور مشكلتها مع حزب الله “كحزب” وإنّما كحليف للنظامين السوري والإيراني، وكمنابر شتّامة تهين العرب وتمسّ بهيبتهم وكرامتهم. ممّا يعني أنّه باللحظة التي يعود بها حزب الله ملبياً دعوة الحريري، ستعاود الخليج دراسة علاقتها مع الدولة اللبنانية كدولة مستقلة لا دولة خاضعة لدويلة الحزب. حزب الله أمام هذه التداعيات المتسارعة في موقف لا يحسد عليه، ولكن وفي المقابل ومع كل التضييق على وجوده، ما زال هناك من يطلب منه العودة إلى الشرعية اللبنانية، وهذا الخيط الواهي بينه وبين الدولة عليه ان يقوّيه ويبني عليه للمرحلة القادمة ليتحوّل الى حبل نجاة له وللبنانيين أجمعين. فهل يمتلك السيّد من الجرأة ما يكفي ليتخلى عن الأسد وعن المشروع الفارسي وعن الإيديولجيا الإيرانية، أم أنّ التكليف الشرعي للحرب السورية لا يتأثر لا بإنسحاب روسي ولا بهزيمة حتى، وهذا ما يجعل لبنان تحت خطر آخر، لأنّ الحزب- الإلهي صاحب “الوعد الصادق” لا يهزم ولا يتراجع، ممّا يعني أنّ الساحة متاحة لتكرار سيناريو 2006 وربما عبارة “لو كنت أعلم“. ففي هذه المرحلة، إن لم يتراجع حزب الله عن خطيئته، فذلك قد يعني أنّ حرباً قريبة مع اسرائيل سوف نشهدها، تمنح للحزب شرعية الخروج من سوريا، فالتكليف ضد الصهيوني أكثر شرعية من تكليف ضد الشعب السوري، مما يرغم اللبنانيين والعرب على الإعتراف مجدداً بأنّ حزب الله هو مقاومة لبنانية ضد العدو الإسرائيلي. في ظلّ كل هذا لا يسعنا سوى انتظار إطلالة قريبة للسيد حسن نصر الله، ولا نستبعد ان يعلن فيها بأنّ الروسي مشاركاً بالمؤامرة الكونية ضد المقاومة وبشار الأسد، ولربما تتحوّل عبارة الشيطان الأكبر التي انتقلت من أميركا إلى السعودية، فتنتقل مجددا للمحور الروسي!
آذار السوري بعد 14آذار اللبناني
خيرالله خيرالله/المستقبل/16 آذار/16
بدأ الانسحاب الروسي من سوريا أم لم يبدأ… هل هو مناورة ام انسحاب حقيقي؟ الاكيد ان شيئا حصل يؤكد انه لم يعد من أمل لدى موسكو في المراهنة على بشّار الاسد. ليس سرّا ان الاعلان الروسي عن بدء الانسحاب من سوريا في الرابع عشر من آذار 2016 ليس حدثا عاديا. هل صدفة انه يأتي بعد الرابع عشر من آذار اللبناني في العام 2005 الذي اخرج القوات السورية من لبنان؟ هل يخرج الرابع عشر من آذار السوري بشّار من سوريا بعدما اخرجه الرابع عشر من آذار 2005 من لبنان؟ في ايلول الماضي، بدأ التدخل الروسي المباشر في الحرب على الشعب السوري. تحدّثت موسكو، تحت غطاء محاربة «داعش«، عن ضرورة انقاذ بشّار الاسد الذي صار نظامه في حال «موت سريري«. هل كان فلاديمير بوتين يريد انقاذ بشّار الاسد ام المزايدة على رأسه من اجل ثمن تريد روسيا قبضه؟ استطاع فلاديمير بوتين توفير جرعة حياة جديدة لبشّار الاسد ونظامه وذلك بعدما تبيّن ان الميليشيات المذهبية التي ارسلتها ايران الى سوريا، في مقدّمها ميليشيا «حزب الله« اللبنانية، لم تعد قادرة على تنفيذ المطلوب منها. تحرّك بوتين في الوقت المناسب بتنسيق مباشر مع ايران واسرائيل في الوقت ذاته. من يتذكّر ان الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس« في «الحرس الثوري« الايراني زار موسكو قبيل التدخل العسكري المباشر لروسيا؟
كذلك، لم يتأخّر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن المجيء الى موسكو لتأكيد وجود تفاهم روسي ـ اسرائيلي في شأن كل ما له علاقة بالموضوع السوري من قريب او بعيد. فعندما اكتشفت اسرائيل ان هناك من يحضّر لعمليات تستهدفها تنطلق من الجولان، سارعت الى اغتيال سمير القنطار، وهو لبناني كان في سجونها اثر تنفيذه عملية استهدفت سكّان احدى المستوطنات الاسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية في سبعينات القرن الماضي. لم يكن سمير القنطار سوى وسيلة انتهى مفعولها عندما صار واضحاً ان لا شيء يعلو على التفاهم الروسي ـ الاسرائيلي في سوريا.
لم يكن استهداف القنطار بتلك الدقة سوى نتيجة للتنسيق الروسي ـ الاسرائيلي الذي عكس رهانا، موقتا، على بشّار الاسد ونظامه في ظلّ شروط معيّنة. هذه الشروط لم تعد متوافرة حاليا في ضوء اكتشاف موسكو ان ثورة الشعب السوري حقيقية اكثر بكثير مما يعتقد وان لا شيء يمكن ان يوقفها.
يكمن جديد الاعلان الروسي عن بدء الانسحاب العسكري من سوريا في انّ هناك تطورا طرأ على الارض في وقت بدأت في جنيف جولة جديدة من المفاوضات بين النظام والمعارضة بإشراف الامم المتحدة. ليس سرّا انّ سوريا اكتشفت ان بشّار الاسد لم يعد يمتلك قوّات تستطيع الاستفادة من الغارات الجوية التي نفّذتها. وليس سرّا ايضا انّ روسيا تبحث عن ثمن لرأس بشّار الاسد. اكثر من ذلك، ليس سرّا ان ايران ما زالت متمسّكة ببشار الاسد وبإمكان اقامة دويلة تحت سيطرته، ذات امتداد في لبنان. مثل هذه الدويلة تؤمن لإيران جسرا الى «حزب الله« الذي يسيطر على مقدرات الدولة اللبنانية والذي يظلّ الى اشعار آخر كنزا ثمينا لا خيار آخر لدى طهران سوى المحافظة عليه. مثل هذا المشروع الايراني قائم على وهم اكثر من اي شيء آخر لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى ان ليس في الامكان اقامة دويلة في سوريا ليس فيها اكثرية سنّية مهما اشترت ايران اراضي ومهما قامت بعمليات تطهير ذات طابع مذهبي. هذا سبب اكثر من كاف لاقتناع موسكو بان ليس في الامكان الذهاب بعيدا في التنسيق مع ايران بدل جني مكاسب تصب في خدمة المصالح الروسية بالاتفاق مع الادارة الاميركية. في مقدّم هذه المصالح الروسية اغلاق الساحل السوري في وجه اي انابيب للغاز يمكن ان يكون مصدره الخليج العربي ووضع اليد على حقول الغاز السوري التي تشكّل ثروة كبيرة. انسحب الروس ام لم ينسحبوا، بات مصير بشّار محسوما. كلّ ما فعله الرجل انّه لعب الدور المطلوب منه ان يلعبه في تدمير سوريا وتفتيتها. مهما تحدّث النظام السوري عن تنسيق مع موسكو في شأن الانسحاب العسكري الروسي، يظلّ السؤال المطروح هل اقتنع بوتين بأن لا مفرّ من قبض ثمن رأس بشّار قبل فوات الاوان؟ في غياب الاجوبة الواضحة والحاسمة عن مثل هذا السؤال، ما لا بدّ من ملاحظته انّ هناك ارتفاعاً لأسعار النفط في الايام القليلة الماضية. مثل هذا الارتفاع للأسعار لا يمكن سوى ان يسرّ الرئيس الروسي الذي يمر بلده بأزمة اقتصادية عميقة، كما يعرف قبل غيره انّ روسيا ليست دولة عظمى، بل كل ما تستطيع عمله هو الاستفادة من تخاذل رئيس اميركي اسمه باراك اوباما يختزل مشاكل الشرق الاوسط وازماته بالملفّ النووي الايراني. ما ثمن رأس بشار الاسد؟ هل قبض بوتين الثمن او بعض الثمن سلفا؟ هل ارتفاع اسعار النفط دفعة اولى اقنعت بوتين بان الرهان على بشّار الاسد رهان خاسر… هذا اذا كان الرئيس الروسي قبل يوماً الدخول في مثل هذا الرهان!