أي حل سوري تريد روسيا؟
رندة تقي الدين/الحياة/16 آذار/16
إعلان فلاديمير بوتين عن سحب قواته من سورية جاء يوم بدأت مفاوضات جنيف بين ممثلي النظام السوري والمعارضة. وأيضاً عشية الذكرى الخامسة المؤلمة لبدء الحرب الوحشية التي يخوضها بشار الأسد على شعبه. وبعد تصريحات وليد المعلم أن منصب بشار الأسد كرئيس لسورية خط أحمر، وكأن الرئاسة ملك معلمه. إن توقيت إعلان القرار الذي كان بوتين قرره منذ فترة ليس مصادفة. فبوتين دخل الى سورية لحماية بشار الأسد وخصوصاً حماية موقع روسيا الوحيد على المتوسط في قاعدة طرطوس وتعزيز وجوده في منطقة كان الاتحاد السوفياتي يهيمن عليها. فهو فعلاً صدق بقوله انه حصل على أهداف دخوله. فقد أظهر للولايات المتحدة وإدارة اوباما الضعيفة ان في إمكان روسيا التدخل العسكري السريع في أماكن مهمة لمصالحها، لذا أصر على القول إن الجيش الروسي سيحتفظ بأحدث أنظمته للدفاع الجوي. وأن لروسيا رأياً في مستقبل هذه المنطقة وفي إمكانها أن تكون رغم مقاطعتها من الغرب صانعة السلام وعلى الغرب ان يعيد لها الاعتبار في اعطائها الرأي الأساسي في ما يخص الانتقال السياسي في سورية. ثم إن بوتين لا يريد إغراق قواته في مستنقع حرب أهلية مكلفة خصوصاً أن اقتصاده متدهور وهو يشعر بأنه حصل على ما يريده. وروسيا لم تدخل لمحاربة «داعش» كونها قصفت بقوة ووحشية قواعد الثوار والمعارضين. فبوتين لا يتحرك بعواطف او مشاعر انسانية. وترك قواته الجوية تقصف وتدمر وتقتل حتى اعتبر انه وصل الى ما يريده في وجه القوى العظمى المتخاذلة مثل الولايات المتحدة وحلفائها. فكما جاء ليحمي بشار الأسد سيكون هو الذي سيقول كلمته في المسار الانتقالي.
إن بوتين يدرك أن مستقبل سورية لن يكون مع الرئيس الذي حماه. فمنذ البداية كان الروس يرددون انهم لا يرتبطون بعلاقة دائمة مع الأسد، ولكن لم يجدوا غيره حتى الآن والمعارضة لم تقنعهم. ولكن قد تكون لدى بوتين فكرته بالنسبة الى التخلص من بشار الأسد. فحرب الأسد على شعبه منذ خمس سنوات أسقطت اكثر من ٣٥٠ الف قتيل ودمرت المدن العريقة من حلب الى إدلب وحمص واللائحة طويلة. وشردت خمسة ملايين سوري وأكثر من ٣٠٠ ألف من أطفال سورية ولدوا لاجئين وفق «اليونيسيف» وأكثر من 8 ملايين طفل هم في حاجة الى مساعدات انسانية. ففي ظل هذه الكارثة الانسانية تستمر الحرب طالما أن الأسد موجود وطالما جماعته مثل المعلم وبشار الجعفري متمسكون بسلطة مسؤولة عن هذه الكارثة. فالحرب بدأت قبل خمس سنوات في سورية بتظاهرات سلمية في درعا رد عليها الأسد وجماعته بقتل الأطفال وتعذيب أهلهم وأخرج من السجون العناصر التي انضمت الى «داعش» الى أن أصبح هذا التنظيم تهديداً له وللعالم. ولكنه استخدم «داعش» ليقول للعالم: إما أنا أو «داعش». وبدأ البعض في الغرب المتخاذل يقتنع بأن الأسد هو الخيار الأفضل لأنه يحمي الأقليات. مع أنه غير قادر على حماية أحد حتى جماعته. إن الانسحاب الروسي قد يكون ايضاً للضغط على الأسد كون بوتين أدرك كارثة قيادته وتعنته وأخطائه وانه غير قادر أن يقاتل إلا بواسطة قوات خارجية مثل الروس و «حزب الله» والايرانيين. والقرار الاساسي في المستقبل لن يكون لا لايران ولا لـ «حزب الله» ولا للأسد بل لروسيا. والسؤال سيكون كيف ستتعامل روسيا مع هذا المستقبل وكيف ستفرض رأيها على الولايات المتحدة وكيف ستتعامل مع المعارضة المعتدلة؟ا
أسئلة عديدة مطروحة في هذه المرحلة وغير مطمئنة لأنه سبق لروسيا ان فرضت وجوهاً سورية معارضة لا تدفع الى التفاؤل. ولكن مستقبل سورية لا يمكن أن يكون مع الأسد حتى لو دفعت روسيا ثمن حمايته وكان ذلك لعودتها بقوة في المعادلة الدولية، وهذا كان أهم أهداف بوتين في وجه إدارة أوباما التي انسحبت من المنطقة واستسلمت أمام روسيا.
إيران: رفع العقوبات لم يحقق الكثير
مارك شامبيون/الشرق الأوسط/16 آذار/16
من المفترض أن يؤدي الاتفاق النووي المبرم مع إيران في وقت سابق من هذا العام إلى تدفق أكثر من مائة مليار دولار من الأصول المجمدة على البلاد – ما يعادل ربع إجمالي الناتج المحلي لها. في الوقت ذاته، تخوض إيران حروبًا في العراق وسوريا واليمن، وتمد «حزب الله» اللبناني بالسلاح، وكذلك «حماس» في غزة، وتجري اختبارات لصواريخها الباليستية القادرة على ضرب أهداف داخل إسرائيل. وبذلك يتضح أنه لا خير يمكن توقعه حال وصول ولو مجرد جزء من تلك الأموال، إلى فيالق الحرس الثوري الإيراني. إلا أن الأسبوع الذي قضيته في طهران، خلق لدي قناعة بأن الأموال التي ستنهال على إيران نتيجة رفع العقوبات، لن تكون كافية على الإطلاق لتعويض الخسائر السنوية التي تتكبدها البلاد جراء تراجع أسعار النفط. من ناحيتها، تشير التوقعات الحكومية للعام المقبل إلى أن عائدات النفط ستبلغ 23 مليار دولار فقط، مقارنة بالذروة التي وصلتها عام 2011، وبلغت مائة مليار دولار. وتبعًا لما صرح به سعيد لايلاز، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، فإنه حتى إذا عادت صادرات النفط إلى حجمها خلال فترة ما قبل العقوبات، عند مستوى 40 دولارًا للبرميل، فإن هذا سيجلب إلى الحكومة نصف العائدات التي حصدتها عام 2013، خلال ذروة العقوبات.
وعليه، فإن العائدات التي ستجنيها البلاد من وراء إلغاء تجميد الأصول الإيرانية بالخارج والبالغة مائة مليار دولار، ستفلح في إعادة الوضع المالي للحكومة لما كان عليه قبل فرض العقوبات لمدة عام واحد فقط تقريبًا. وبعد ذلك، تدخل الحكومة في معاناة جديدة.
من جهتها، قدرت الحكومة الأميركية قيمة الأصول غير المجمدة، التي ستجري إعادتها لإيران فيما بين 50 و55 مليار دولار. ونظرًا لأن إدارة أوباما لها مصلحة سياسية في الإبقاء على العائدات المالية التي تجنيها طهران من وراء الاتفاق منخفضة، فإن علينا النظر لهذه الأرقام باعتبارها أحد التقديرات المطروحة.
في المقابل، قال مستشار للرئيس الإيراني حسن روحاني إن الحكومة أصبحت قادرة على الوصول إلى مائة مليار دولار بالفعل. ورغم أن هذا قد يكون صحيحًا، فإنه لم تشرع بعد أي مصارف مقاصة في التعامل مع أموال إيرانية، وبالتالي لا يزال من المتعذر إعادتها لإيران. وبالنظر إلى أن الاتفاق النووي أثار داخل إيران لغطًا كبيرًا لا يقل عما أثاره داخل الولايات المتحدة، فإن لروحاني مصلحة في جعل الرقم يبدو في أكبر صورة ممكنة. وعليه، علينا النظر إلى هذا الرقم أيضًا كأحد التقديرات المطروحة. تأتي وجهة نظر أخرى من جانب أصحاب أعمال داخل طهران، والذين يعتقدون أن كلا الرقمين مرتفعان للغاية، وأبدوا تفضيلهم للتقدير الأقل الذي طرحته وزارة الخزانة الأميركية، والذي يعتبرونه الأقل واقعية. بعد ذلك، استقطعوا منه المبلغ الذي سحبته الحكومة من المصرف المركزي، وبالتالي ستضطر لإعادتها، بجانب مليارات أخرى تعهدت الحكومة بدفعها كضمان لمشروعات استثمارية جار تنفيذها بالفعل.
ويكشف حكم الإعدام الذي صدر مؤخرًا بحق تاجر النفط باباك زنجاني، لاستيلائه خلال فترة العقوبات على 2.7 مليار دولار من الشركة الوطنية للنفط، أن هناك أموالا أخرى لن تعود لإيران.
إلا أنه داخل طهران، هناك شعور متزايد بالإحباط إزاء عدم تحقق أي تقدم ملموس بالبلاد حتى الآن. خلال مؤتمر نظمه مؤخرًا المصرف المركزي الإيراني وشركة «أوبن إيران» للمحاماة، خلصت جميع المناقشات تقريبًا إلى التساؤل ذاته: متى ستبدأ مصارف المقاصة البريطانية والألمانية والفرنسية الكبرى في تحويل أموال إيرانية بحيث يمكن الشروع في تنفيذ التعاقدات الأوروبية الموقعة خلال الشهور الأخيرة؟ من ناحيتها، ليس باستطاعة المصارف الأميركية تصفية الأموال الإيرانية، بسبب العقوبات السابقة للاتفاق النووي التي لا تزال سارية. وحتى الآن، لم تتحرك أي من المصارف الأوروبية الكبرى خوفًا من تعرضها لغرامات من جانب وزارة العدل الأميركية – إذا ما انهار الاتفاق النووي وعاودت العقوبات سريانها، أو إذا اتخذت الولايات المتحدة توجهًا متشددًا حيال التعامل مع الأموال الخاصة بشركات يتضح أن وراءها منتفعين لا يزالون على قائمة العقوبات. (هل تذكرون الـ9 مليارات دولار التي اضطر مصرف «بي إن بي باريباس» لدفعها عام 2014 لانتهاكه العقوبات الأميركية؟).
في تلك الأثناء، أخبرني مسؤولون ببعض المصارف الإيرانية الخاصة، مثل «ميدل إيست بانك» و«بانك ميلات»، أنهم اتخذوا بالفعل ترتيبات مع مؤسسات أوروبية أصغر لا تتعامل كثيرًا مع الولايات المتحدة. وسوف يكون باستطاعة تلك المؤسسات التعامل فقط مع الصفقات الأصغر حجمًا.
إلا أن القضية التي قد تكون أكثر إثارة للاهتمام عن القضايا العالقة المتعلقة بالعقوبات، أن أسعار النفط المنخفضة، قد تجبر الحكومة على الاعتماد بدرجة أكبر على الضرائب لتمويل خططها الاستثمارية. وأخبرني مسؤولون تنفيذيون بشركات إيرانية هنا أن مسؤولي الضرائب يعكفون بالفعل الآن على تفحص الإيصالات بعناية أكبر، على أمل زيادة العائدات الضريبية من خلال تقليص التكاليف القابلة للخصم من الضرائب.
وقد يحمل هذا التحول الاقتصادي في طياته تغييرًا أعمق. عن هذا، قال لايلاز: «لو كانت أسعار النفط لا تزال مرتفعة، لم يكن النظام ليحتاج إلى الضرائب. وإذا لم يحتاجوا للضرائب، فإن هذا يعني أنهم ليسوا بحاجة لأصوات المواطنين، وبالتالي بمقدورهم الضغط على المجتمع كيفما يحلو لهم. إنه ليس من قبيل المصادفة أن نجد أسوأ فترة في التاريخ الإيراني الحديث هي تلك السنوات الـ10 التي تولى خلالها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد رئاسة البلاد، وهي السنوات ذاتها التي وصلت أسعار النفط خلالها مستويات قياسية».
جدير بالذكر أن إحدى الدراسات خلصت إلى أن الكيانات المملوكة للحرس الثوري تملك شركات مدرجة بسوق الأسهم بقيمة تفوق 20 في المائة من إجمالي سوق الأسهم الإيرانية. وتقدر دراسات أخرى نصيب الحرس الثوري في الاقتصاد بـ40 في المائة. كما جرى الربط بين المرشد الأعلى وإمبراطورية اقتصادية بقيمة تقدر بـ95 مليار دولار.ولا شك أن فرض ضرائب على هذه الشركات الخاضعة للحماية، وخلق اقتصاد تنافسي سيمثلان انتصارًا تاريخيًا لروحاني. وإذا تسبب الاضطرار في دفع ضرائب في فرض تكاليف دائمة على الحرس الثوري، فإن هذا سيعني تقلص نصيبه من الأصول الإيرانية المجمدة.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
هل نام الأسد ليلتها؟
طارق الحميد/الشرق الأوسط/16 آذار/16
مثلما فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم بتدخله عسكريا في سوريا، فاجأهم مرة أخرى بإعلانه الانسحاب جزئيا من هناك، والسؤال هنا ليس لماذا أعلن الروس هذا الانسحاب الجزئي، فمن المبكر معرفة التفاصيل، خصوصا أن العالم انتظر مطولا لفهم الأسباب الحقيقية للتدخل، وإنما السؤال هو: هل نام بشار الأسد ليلة ذاك القرار؟ القراءة المتأنية لبياني الكرملين والنظام الأسدي تظهر فروقا جوهرية، البيان الروسي يبدأ بعبارة مختلفة عن البيان الأسدي، حيث يقول الروس، وبحسب «روسيا اليوم» إن بوتين أجرى اتصالا بالأسد: «ليبحث معه سير تطبيق الإعلان الروسي الأميركي حول وقف الأعمال القتالية في سوريا»، وهذا ما لم يشر له البيان الأسدي! وذكر البيان الروسي أن بوتين «أقر بأن القوات المسلحة الروسية قد نفذت المهمات الرئيسية التي كلفت بها، وتم الاتفاق على سحب الجزء الأكبر من مجموعة الطيران الحربي الروسي من سوريا، مع إبقاء مركز مكلف بضمان تحليقات الطيران في سوريا، وذلك بهدف مراقبة تنفيذ شروط وقف الأعمال القتالية». ونقلت «روسيا اليوم»: «كما أشار بشار الأسد إلى استعداد دمشق لبدء العملية السياسية في البلاد، بأسرع ما يمكن». بينما استهل البيان الأسدي بالقول: «إن روسيا تعهدت بمواصلة دعم سوريا في مجال محاربة الإرهاب، وجاء ذلك بعيد إعلان موسكو عن بدء سحب القوات الرئيسية من هناك الثلاثاء». مضيفا أنه: «بعد النجاحات التي حققها الجيش العربي السوري بالتعاون مع سلاح الجو الروسي في محاربة الإرهاب، وعودة الأمن والأمان لمناطق كثيرة». اتفق الجانبان خلال اتصال بين الأسد وبوتين «على تخفيض عديد القوات الجوية الروسية»، مع تأكيد روسي على استمرار دعم سوريا. ومن خلال البيانين، يتضح أن الروس يتحدثون عن أنهم قرروا، بينما الأسد يتحدث عن اتفاق، وتعهد بالدعم، مما يظهر أن الأسد يحاول تفسير القرار الروسي لتطمين أتباعه، وإخفاء قلقه، ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن المتحدث باسم الكرملين قوله: إن بوتين «وبقرار من جانب واحد، ومن دون أي طلب من قبل الأسد» قرر سحب القوات، مضيفة، أي الصحيفة، أن قرار بوتين: «رسالة حادة مفادها أن دعم روسيا للأسد ليس بلا حدود». ولذا فإن القلق لن يلازم الأسد وحده، بل و«حزب الله» الإرهابي، وإيران، وقادم الأيام سيحمل مزيدا من التفاصيل، سواء كان الانسحاب الروسي حقيقيا أو مناورة، أما الأكيد فهو أن الأسد مذعور، ومثله «حزب الله». كما أن إعلان بوتين أن قواته «نفذت المهمات» سيذكرنا مطولا بإعلان جورج بوش الابن «بأن المهمة قد نفذت»، بينما الدمار متواصل من أفغانستان للعراق. وعليه فإن القادم سيكون أكثر تشويقا، خصوصا مع كثرة التصريحات لمحاولة تفسير الانسحاب الجزئي، إن صدق، بينما الحاضر يقول إن ليلة الأسد وحسن نصر الله كانت سوداء كأفعالهما.