الجنرال والحكيم بين مصلحةٍ جمعتهما ومُصالحةٍ جمّدتهما
ميرنا زخريا/النهار/18 آذار 2016
الثلثاء 2 حزيران 2015 بادر الحكيم بزيارة الجنرال في الرابية، وبعد سبعة أشهر ونصف زار الجنرال الحكيم في معراب الإثنين 18 كانون الثاني 2016، أي بعد مرور شهر على تقديم فرنجية ترشحه لرئاسة الجمهورية عبر برنامج “كلام الناس” الخميس 17 كانون الأول 2015.
إنّها تواريخ زاخرة بالترشيحات بعد نحو سنتين من الإصطفافات والصِدامات بين كلٍ من 8 و14 آذار حول ملف الرئاسيات؛ بل إنها تواريخ حافلة: من جهةٍ أولى بِدنوِّ الإختلافات، ومن جهةٍ ثانية بِمحوِ الخلافات. الخلاف هو أمر سلبي لا أحد يسلم منه، غير أنه حين يكون على مستوى الوطن فهو ساعتئذ تجده يستنزف كل المواطنين والمواطنات؛ تماماً مثلما يؤثر خلاف عائلي في جميع أفراد الأسرة. فيما المُصالحة هي أمر إيجابي؛ لذا من الأفضل أن تحصل ولوْ متأخرة من ألا تحصل أبداً.
أما في ما خصّ مُصالحة عون وجعجع، فهي من أصعب الحالات (الإجتماعية – السياسية)، ذلك أنها تحتوي على اعتبارات وجروحات متعددة الأوجه من شأنها أن تهزّ معايير الشفافية والإستمرارية. ولعل النقاط الآتية هي غيض من فيض:
1. هي مُصالحة مُترامية الأبعاد، ذلك أن المتضرِّر الأكبر من إقتتالهما هو فريق ثالث مُغيّب عن تفاهُمهما.
2. حرب الإلغاء إحتلت المركز الأثقل وزناً بينهما، ذلك أنه لا يمكن غضّ النظر عند سقوط دماء للأبرياء.
3. خلافهما إستمرَّ نحو 30 عاماً ما أدّى إلى إنتاج مشاعر احتقان مُزمنة لا يمكن شطبها فوراً من الذاكرة.
4. لا الأبرياء الذين عانوا من خلافهما تكلموا عن عفوٍ، ولا هُما تكلما عن ندمٍ، لكأنَّ المسؤول سامحَ نفسه.
5. التوقيت لم يكن مُقنعاً لينفيَ المَصالح، كونه ترافق مع تحضيرات للإنتخابات البلدية والنيابية والرئاسية.
6. ورقة التفاهم ضمّت جملة من التناقضات الإستراتيجية وعند أول استحقاق أخذ كل منهما يُغنّي في وادٍ.
7. ورُغم الأجواء ذات الطابع الإحتفالي، إلّا أنّ هالة أهالي الضحايا وأرواحهم بقيت ترفرف بين الحضور.
- نعم، “المَصلحة جمعتهما”، وهذا ليس بالأمر المُستغرب ولا المُستبعد بين السياسيين اللبنانيين من دون استثناء؛ لذا، لا يحقّ بتاتاً لأية جهة أن تنتفض وتنتقد رعايتهما مَصالحهما. إنما المُستنكَر هو حين يُبشّر حزب ما بمُصالحة وطنية، ويُكللها فقط بالمَصالح الثنائية التي تدور في فلك الزعيمين، ولا تمتّ بِصِلة لباقي الجهات في لبنان.
- ونعم، “المُصالحة جمّدتهما”، وها هُما حيال مسألة الفوز بالرئاسة أصبحا وحدهما؛ فلا المردة سحب مرشحه، ولا المستقبل أذعن للقوات، ولا الحزب ضغط على الحركة، ولا الكتائب حصلت على إجابات، ولا الإشتراكي سلّم بالثنائية، ولا المُستقلين إنجذبوا إليهما. وما تشبيه الوضع بأنه شيك من دون رصيد (اللواء جميل السيّد)، إلا الجماد بعينه.
وبين المَصالح التي جمعت حزبيهما والمُصالحة التي جمَّدت مشاريعهما… يبقى فرنجية مارداً يُقلقهما…
باحثة في علم الإجتماع السياسي
إلى قيادة “حزب الله” الكريمة
أحمد عصمت عثمان/النهار/18 آذار 2016
إسمي أحمد عصمت عثمان، من مواليد برج البراجنة 1986، لبناني الجنسية، كما أنني أقطن في شارع السانت تيريز، الحدت. وبالتحديد، فإن منزلي (أو بالأحرى منزل أهلي) هو داخل الضاحية، إنما على مرمى حجر من حاجز الجيش الذي يفصل الضاحية الجنوبية عن بقية بيروت الكبرى.
تركت منزلي صباحاً لأستقل “الفان” الى عملي، وكنت أمشي على الرصيف عندما مرّت بقربي دراجة نارية يستقلها رجلٌ وشاب يرتديان “جيليه” الحزب، توقفا قربي ومشى الأكبر سناً صوبي. ودار بيننا الحديث
الآتي:
- من وين الأخ؟
- ليش بدك تعرف؟
- “حزب الله”.
- وإذا “حزب الله”، ليش بدك تعرف؟
- بس بدنا نتعرّف.
- وليش أنا؟
- قصدك ليش عم نتسلط عليك؟
- ما تحط حكي بتمي. عم بسألك ليش أنا؟ رايحة والرب راعيها، ليش بتنقوني أنا؟
- نحنا بس بدنا نعرف إذا سوري ولّا لبناني.
- من لبنان.
- من وين من لبنان؟
- وشو فرقت من وين من لبنان؟ أصلًا أنا ما بعترف بكم كسلطة شرعية لأنو مَنكم الأمن الداخلي ومَنكم الجيش.
وهنا سألني الشاب الذي كان يتابع حديثنا من على الدراجة النارية، وقد غلى دمه، “شو قلت؟”، وكان من حسن حظي أن أصرّ الأكبر سنًا على أن يحتفظ هو بزمام الأمور:
- نحنا عم نحميكن.
- وأنا ما طلبت هالحماية،
وما صوتلكم بالإنتخابات الماضية.
- إنت مش عارف كم سيارة مفخخة بدهن يفوتوها عالضاحية؟
- ما بيهمني، أنا ما وكلتكم تحموني، وبفضّل تفجرني “داعش” على إنو إنتو تحموني.
- خيي عم نحكيك بإحترام ولازم تتجاوب معنا بإحترام.
- عم تتعدوا على حقوقي القانونية والدستورية، وأنا حقي الدستوري والقانوني إمشي عالطريق وما حدا يتعرضلي، ونحنا جزء من لبنان، وما فينا نفتح عحسابنا.
- خيي نحنا السلطة هون، ورح تتجاوب معنا، وبكل الأحوال أنا بعرف شو أعمل…
وتوجه إلى الشاب الأصغر منه طالبًا منه الاتصال بفلان، فما كان مني إلّا أن قلت له: “أنا اللّي رح حكّيك مع حدا”، وتظاهرت أني اتصلت بشخصٍ ما وأني أشكو إليه الوضع، حتى أني أعطيته هاتفي، طالبًا منه الحديث معه، وكما توقعت، لم يكن ليقبل أن يتكلم مع واسطتي، رغم أني قلت له إنه “من عندكم من الحزب”، ولما صار واضحًا أنه بدأ بمراجعة نفسه، هرولت صوب حاجز الجيش وإلى خارج الضاحية.
اعرفوا، يا سادتي الكرام، أنّ دمي كان يغلي، ليس فقط لأني أدركت مدى سخافة الصدفة الجغرافية في إنقاذي، ولا لأني كذبت، بل لأنها المرة السادسة. وللمناسبة، فإنّ المرة الخامسة كانت منذ أربعة أسابيع لا أكثر. ما أقصد أن أقوله إنّ وتيرة هذه الحوادث آخذة في التزايد. في يومٍ من الأيام، كنت داعماً وفياً لـ”حزب الله” وفي المرتين الأوليين التي تم التحقيق فيهما معي كان ذلك على خلفية قيامي بأخذ صور فوتوغرافية في الضاحية، والغريب أنني لم أكن أمانع.
بحلول المرة الرابعة وعدت نفسي بحرارة أنه لن تكون مرة خامسة، وكانت الخامسة خلال خطبة الأمين العام لحزبكم السيد حسن نصرالله لمناسبة يوم الشهداء، وكنت أعود ماشيًا من منزل خالي في برج البراجنة إلى السانت تيريز، على أن عناصر حزبكم كانوا منتشرين في كل مكان، وأنا أصررت على حقي في ألّا يعرفوا من أين أكون، ولا في تفتيش حقيبتي، خصوصاً أنني كنت أمشي خارج محيط مجمع القائم الذي تحولونه منطقةً أمنية متى ما شئتم.
حتى يوم الشهداء، كنت – على تعارضي معكم – مصدقاً أنكم على درجة من الإحترافية يمكن معها أن أقول لكم “برفض تفتشولي شنطتي، وتسألوني أنا من وين، لأنو هيدا حقي الدستوري”، وأنا لن أروي روايتي كاملةً، لكن الحاصل أنّ المطاف انتهى بي محوطاً بحوالى عشرة من عناصركم أخذوا في
شدي إلى مدخل بناية بعيداً عن الطريق العام، وكانت نبرة حديثهم قد بدأت تتغير، وكذلك طريقة إمساكهم بي، وقررت يومها أنني لن أكون ضحية مبادئي لأن لي أهلًا يحبونني. يومها، خرقت الوعد الذي كنت قد قطعته على نفسي وسلمتهم حقيبتي وبطاقة هويتي.
وأنا أكتشف، تفتيشاً بعد آخر، مدى ازدراء شبانكم بمفهوم لبنان، ولبنانية الضاحية، كما أكتشف إلى أي حد أصبحنا، نحن في الضاحية، “دولة بوليسية”، يحق فيها لعناصركم أن يوقفوا أياً كان، في وضح النهار ولمجرد الاشتباه، وأن يفتشوه، و يسألوه “من وين من لبنان” (لأن لبنان لا يكفي)، وأن يحرق وقته وأعصابه دونما اعتبار لسنه أو عقيدته الوطنية أو بكل بساطة، كونه مستعجلاً للوصول إلى عمله.
يعزى إلى بنجامين فرانكلين قول أترجمه كالآتي:
“أولئك الذين يتخلون عن حريتهم من أجل الأمن لا يستحقون أياً منهما، ولسوف يخسرون كليهما،” وهو قول – للمناسبة – أكرره على عناصركم في كل تحقيق يتحفونني به (على من تتلو مزاميرك يا داوود؟).
أوجه إليكم هذه الرسالة المفتوحة لأقول لكم إنه لن تكون مرة سابعة. الضاحية مسقط رأسي، وهي جزء من الجمهورية اللبنانية الكريمة، ولي الحق أن أتجول فيها من دون أن يعترضني أحد. لا يعنيني ماذا تفعلون بحرية سواي في الضاحية، لكنني أنا أرفض أن تنتهك حقوقي القانونية والدستورية مرة سابعة، وأنا على استعداد لتحمل العواقب، لكنني أخط هذه السطور لأحملكم سلفاً مسؤولية ما سأتعرض له.
مع الشكر.