الاستعدادات المتبادلة للقاء تمهِّد الأجواء هل يقبل الحزب الحوار في “ممنوعات” خطابه؟
روزانا بومنصف/النهار/23 آذار 2016
الاستعداد الذي أبداه الرئيس سعد الحريري قبل أسابيع قليلة للقاء الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، والاستعداد المقابل لهذا الاخير للقاء مماثل، وجد صدى تفاعليا لدى الأوساط السياسية انطلاقا من أن ما حصل يمهّد للقاعدة الشعبية والسياسية حصول لقاء فعلا أو عدم استبعاده، على الأقل في المدى المنظور، إذ تطوي استعدادات إعلامية من هنا وهناك عادة اتصالات تجرى او تسمح بالرهان على ان التحضير لأمر مماثل لن يكون مستغربا. وحتى الآن لمس أكثر من فريق سياسي وديبلوماسي أنه في كل اللقاءات والمساعي التي حصلت من أجل تأمين انتخاب رئيس للجمهورية، فان ما بقي ناقصا من المشهد السياسي هو لقاء الحريري – نصرالله، على رغم أن الأخير رمى الكرة أكثر من مرة في خانة التحاور مع حليفه المسيحي، إلا أنه تبين من الغطاء الذي أخذه النائب سليمان فرنجية للتحاور مع الرئيس السابق للحكومة ظل معلقا ما دام لم يتوج بلقاء بين زعيم “المستقبل” والامين العام للحزب. ويدفع سياسيون منذ بعض الوقت في هذا الاتجاه على قاعدة أن الأمور متى أظهرت بعض النضج في الدول المجاورة، فإن هذه المسألة قد تغدو أسهل في لبنان. يضاف الى ذلك اقتناع سياسي بأنه لا بد من حوار بين “المستقبل” والحزب على غير المستوى الذي يجري فيه راهنا، لأنه لن يتاح انتخاب رئيس للجمهورية من دون هذا الحوار. لكن أي حوار محتمل؟ وتحت أي سقف؟
ثمة خشية سياسية من أكثر من فريق أن يكون الحوار مع الحزب ليس حوارا في غالب الأحيان، في ظل الفوقية التي يمارسها، والتي تجعله يضع نفسه في مصاف مختلف عن السياسيين او عن القوى السياسية في لبنان، علما أن الحزب كقوة سياسية وعسكرية لا يختلف عن سواه، وانخراطه في العمل السياسي، كما سيطرته على مواقع في السلطة، لا تسمح بهذا التمييز، بل تؤكد هذا الواقع. فإذا وضع الخلاف السياسي مع الحزب جانبا، فان تقويم خطاب الامين العام للحزب يفترض مناقشة المنطق الذي يسعى دوما الى تسويقه. فليس هناك من يناقش الحق ولا القدرة لدى الحزب على مواجهة اسرائيل، وقد يكون موضوع اسرائيل حساسا نتيجة احتمال سوق الاتهامات الفورية بالتخوين أو العمالة، علما أن النقاش يفترض السؤال عما إذا كانت الحرب مع اسرائيل بهذه السهولة. والسؤال الآخر هو: أليست اي حرب محتملة على هذا المستوى هي مسألة معقدة مرتبطة بدول وحسابات اقليمية ودولية دقيقة، وليست مسألة لبنانية داخلية او قرار فريق لبناني أياً بلغت قوته؟ وفي حال كانت الحرب مع اسرائيل من دون سقوف او من دون خطوط حمر، ألا تفترض أخذ احتمالات ما قد يصيب لبنان في المقابل في الاعتبار؟
هناك مجالات عدة للنقاش مع الحزب قد لا يكون مستعدا لها، وهو يحصر لقاءاته الاعلامية بقنواته الاعلامية، بما لا يسمح بأسئلة محرجة خارج الاطار الذي يمكن أن يحصل من الامين العام للحزب على أجوبة عن أسئلة كثيرة مختلفة. وما يمكن ان يكون موضوع نقاش هو كيف يمكن ان ينطبق موضوع المقاومة او صفة المقاومة على انخراط الحزب في سوريا او بعض الدول الاخرى التي سبق للسيد نصرالله أن أعلن عن مسؤولية اخلاقية ومعنوية ازاءها. فهذه الصفة تلتصق بمواجهة الاحتلال، والحزب حصل عليها بجدارة من هذه المواجهة، في حين ان اداءه في سوريا لا يختلف عن اداء اي فريق او قوة عسكرية تفيد تقارير دولية انها لا تخلو من ثغر كثيرة لا مجال للخوض فيها. والواقع أن ايران ليست الطرف الذي يضرب به المثل عن الترفع وعدم المسؤولية عما يحصل في العالم العربي أو حتى في الديموقراطية.
ما يحتمل النقاش ايضا هو كيف يستمر الحزب في دعم ترشيح حليفه العماد ميشال عون للرئاسة ولا يبذل اي جهد على غرار تأمين لوبي سياسي داعم معه لهذا الترشيح. فهو يواصل تكرار الدعم مرفقا بالقول إن هذا الدعم يستمر ما دام الزعيم العوني مرشحا. ويلقي الحزب بذلك كرة التعطيل في خانة حليفه المسيحي، فيكون التزام الحزب حليفه التزاما اخلاقيا ولو استمر الشغور الرئاسي سنتين، في حين أن المنطق يؤدي الى اعتبار عون مسؤولا عن هذا الشغور. وبالنسبة الى مراقبين كثر، لن يناسب الحزب وصول عون، على رغم دعم ترشيحه في ظل دعم رئيس حزب “القوات” لهذا الأخير. إذ إن الدكتور سمير جعجع، وفي مسعى لضمان وراثة عون سياسياً، سيحرج الحزب بالمنطق الذي يتمسك به هذا الاخير بعون راهنا، أي أنه الممثل لاكبر نسبة من المسيحيين والمدعوم من حليف مسيحي آخر، خصوصا أن تجربة التعطيل التي يختبىء فيها الحزب وراء عون قد يعتمدها سواه من أجل إجبار الآخرين على الخضوع للخيارات المطلوبة في الوقت المناسب. إذاً المشكلة تبقى تبعا لذلك في ملعب الزعيم العوني، فهو من يتحمل تبعة الشغور في موقع الرئاسة المسيحية الوحيد في المنطقة، بحيث يبعد عن الحزب مسؤولية إطاحة هذا الموقع، استنادا الى انه حزب شيعي يستهدف طائفة أخرى. لذلك ثمة خشية لدى البعض ان عون قد يتوج حياته بأنه هو من ساهم في فراغ تاريخي للرئاسة في لبنان إذا لم يتوجها بانتخابه رئيساً.
نيولوك ” ديموقراطية ؟
نبيل بومنصف/النهار/23 آذار 2016
نعود الى “ذكرى” سنتين على بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية التي تصادف اليوم مع انعقاد الجلسة الـ37 في سلسلة نأمل الا تبلغ يوما الـ50 وما فوق مما يستدعي اقامة صلاة البخور على النظام المأسوف عليه والتسليم بالقدر القسري الذي أزهق أنفاسه. ترانا اليوم تحديدا امام عامل قديم – جديد لا تترك لنا عملية التعطيل المنهجي للانتخابات الرئاسية المتصاعدة بلا هوادة الا ان نلملم بعض أطراف الحقائق المتعلقة به . نعني بالقديم الجديد إصرار “حزب الله” منذ اشتداد الأزمة الرئاسية وتحميله مع حليفه التيار العوني مسؤولية تعطيل الانتخابات، على ترسيخ الانطباع بانه ليس واردا لديه ممارسة الضغوط على حلفائه لانتخاب العماد ميشال عون فيما يصر في المقابل على معادلة عون او لا رئيس. والحال ان ما أعلنه السيد حسن نصرالله عبر محطة ” الميادين ” لا يخرج عن هذه المعادلة التي يرى فيها معظم خصوم الحزب اتباعا لازدواجية المعايير بما يبقي واقعيا أزمة التعطيل الى أمد غير منظور ربطا بالمصالح الاقليمية للحزب وإيران . ومع ذلك ثمة بعد آخر قد يصح تسليط الضوء عليه من الزاوية الداخلية الصرفة بعدما تمسك السيد نصرالله بتثبيته علنا وشكلا على الأقل. انه البعد المتعلق بمحاولة نفض الصورة النمطية عن “حزب الله” في استخدامه القوة المسلحة والضغوط القاهرة في الاستحقاقات الوطنية على ما تفصح مواقفه المتعاقبة منذ نشوء ظاهرة الترشيحين بين الزعيمين الأقربين له العماد عون والنائب سليمان فرنجية. لكأن هذه الظاهرة ادت في مفاعيلها غير المحسوبة لدى داعمي الجنرال وزعيم المردة الى اتاحة الفرصة امام السيد نصرالله لإسقاط الصورة النمطية العنفية للحزب خصوصا بعد ٧ أيار حيال تخليه عن استخدام القوة او العنف او الضغوط في الاستحقاقات السياسية . ليس ثمة ما يفسر إمعان الحزب في عدم التخلي عن ترشيح العماد عون من دون قطع شعرة معاوية مع النائب فرنجية سوى إبراز صورة ” حزب الله الديموقراطي ” ضمنا الى حدود عدم التدخل لدى أقرب الأقرباء كالنائب فرنجية لحمله على الانسحاب لحليفه السابق او لدى الرئيس نبيه بري لإقناعه بالجنرال . في فسحة الانتظار الطويل لقرار الافراج عن أزمة الرئاسة الشاغرة لن يضير الحزب اطلاقا اكتساب هذه الفضيلة ذات الدلالة الشديدة الاهمية في الإطلالات اللاحقة على استحقاقات انتخابية ودستورية متعاقبة . ولنقل انه ” نيولوك ” بالمقدار الذي يراه الحزب ملائما وقابلا للتصديق والتعميم من خلال إفادته من الوقت الطويل الذي يمليه قرار استراتيجي حديدي واضح بمنع الانتخابات الرئاسية قبل أوان اقليمي لم يتمكن احد بعد من استباقه وربما الأسوأ ان المقتدرين الدوليين لا يكلفون انفسهم عناء كسر معادلته .
من يمثّل لبنان في “البازار” الدولي؟
عبد الوهاب بدرخان/النهار/23 آذار 2016
مع شيوع انطباع عام بأن الصراع السوري يقترب من نهاياته، يسود توجّس لبناني من مآلاته أكثر إقلاقاً من الخوف الذي ساد سابقاً من تداعياته. ومردّ ذلك الى دخول مصطلحات “الفيديرالية” و”التقسيم” و”اللامركزية” سوق التداول السياسي مستبقة الانطلاق الفعلي للمفاوضات. وفيما انبرت فئة من الأكراد، هي التي باتت نقطة تقاطع بين الولايات المتحدة وروسيا وايران والنظام، الى طرح خيار الفدرلة، تبنّت المعارضة اللامركزية كاقتراح اداري. ويكرّس هذان الخطّان وجود دولة واحدة وحكومة مركزية مشرفة، غير أن السؤال الذي طرحته الأزمة بمساراتها الدموية القاسية هو عن هذه “الدولة” تحديداً وكيف يمكن تغييرها ونقلها من تماهيها المزمن مع عائلة ومذهب معيّنين الى وضع “طبيعي” يتيح تمثيلاً سويّاً للمكوّنات كافةً. الأرجح أن الاميركيين والروس بلغوا اقتناعاً مشتركاً بأن نظام بشار الاسد، حتى بعدما أنقذه الروس، ليس مستعدّاً للإنخراط في حل انتقالي، ولا قادراً على تلبية شروطه البديهية، بل ظنّ أن روسيا تدخلت لتعيد اليه السيطرة على كامل البلد ليستأنف الحكم من حيث خسره. ولعل صعوبة هذا “الانتقال”، أو ربما استحالته، هي التي تجعل التقسيم خياراً قائماً ومفضّلاً لدى النظام، ولدى الايرانيين أيضاً باعتبار أنه الوحيد الذي يبقي الاسد كضمان لمصالحهم. لكن بروز الاشكال الكردي في تركيا دقّ جرس تحذير في رؤوس الايرانيين. ثم إن الحملة الخليجية – العربية على “حزب الله” دقّت جرساً آخر. ففي الحالين كانت هناك حسابات ايرانية غير دقيقة. اذ إن استدراج المساومة الى حلٍّ تقسيمي تجاهل البعد الكردي داخل ايران نفسها، واعتقد بداهةّ أن سطوة “حزب الله” وسلاحه وارهابه كفيلة بإجراء التغييرات المطلوبة في لبنان، جغرافياً وديموغرافياً، لمصلحة “الدويلة العلوية – الشيعية” المفترضة في سوريا. بات الانتظار الايراني لهذا الحلّ هو التفسير الوحيد الذي يُعطى الآن لإصرار “حزب الله” على استبعاد انتخاب رئيس للجمهورية، رغم أن المرشّحَين المتبقّييَن هما من حلفائه وتياره. وإذا كان عجباً أن يرضى المرشّحان بخطط مريبة أبسط ما فيها أن حليفهما الأكبر يستمهلهما في تآمره المكشوف على الأرض والسيادة، فالأعجب أن يُراد من اللبنانيين الآخرين “تفهّم” أسباب تلكؤ “حزب الله” وانتظاريته. إذ يتوقّع أن لا يكون الحلّ التقسيمي ايذاناً بـ “عودته” من سوريا الى لبنان، بل يبقيه هنا وهناك، مع اطلاق يده في لبنان. وطالما ان اللعبة دولية، والأوراق الايرانية – الاسدية مكشوفة الى هذا الحد، فما الذي تنتظره الأطراف اللبنانية الاخرى. فالأكيد أن سكوتها وعجزها لا يحفّزان أي طرف دولي أو عربي على الدفاع عن لبنان بجغرافيته الحالية. والواقع أن ثمة بازاراً على وشك أن يُفتَح وليس فيه مَن يمثل لبنان كدولة أو حتى كطائفة/ طوائف ضنينة بكيانيته.