فساد «حزب الله».. داخل السلطة وخارج المسؤولية
علي رباح/المستقبل/29 أيلول/15
في مقابلة بثّتها قناة «المنار» يوم الجمعة الماضي، سأل الإعلامي عماد مرمل ضيفه، الأمين العام لـ»حزب الله« السيّد حسن نصرالله، إن كان شعار «كلن يعني كلن»، الذي رفعه بعض المتظاهرين في معرض اتهام الطبقة السياسية بالفساد، قد أزعجه أم أنه يتفهّم مضمونه. ضحك السيّد مطوّلاً وأجاب قائلاً: «لا نتفهّم طبعاً، فمن الظلم أن يعمّم الحراك الشعبي تهمة الفساد على كل القوى السياسية». واسترسل في شرح وجهة نظره، فقال، «في الشق الذي له علاقة بالدولة، فنحن قبل الـ2005 لم نكن شركاء في السلطة، وبعد الـ2005 فإن الوضع المالي للدولة كان صعباً والتركيبة السياسية كانت معطّلة«.
حسناً. ربما يتوجّب على «حزب الله« أوّلاً تقديم تعريف للسلطة؟. ما هي السلطة، وكيف تشكّلت قبل الـ2005 وبعد 2005؟ من حكم لبنان قبل الـ2005 وبعده؟ وكيف حُكم لبنان قبل خروج الجيش السوري منه وبعده؟ وقبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعده، مَن كان يسيطر على المرافق التي يشكو الناس من تعاستها؟ من يدير شركة الكهرباء، السيئة الذكر؟ ما اسم الميليشيا التي تسترزق من غياب كهرباء الدولة، فتنشر مولّداتها في الضاحية وكل بلدياتها في قرى الجنوب والبقاع؟ ماذا يُسمّي نصرالله السيطرة الميليشيوية على الرصيف الخامس في مرفأ بيروت؟ وماذا يُسمّي إدخال آلاف الأطنان من البضائع مقابل خوات ميليشيوية بدلاً من الرسوم الجمركية؟ أليست كل هذه من مظاهر السلطة؟ وأبعد من الشأن الخدمي، من ضرب يده على الطاولة وفرض اسم مدير جهاز أمن المطار على اللبنانيين؟ وماذا يُسمّي سياسة المفاضلة التي تنتهجها المحكمة العسكرية؟ فريق «حزب الله« يأخذ أحكاماً مخفّفة (عميل إسرائيلي- ناقل متفجرات من سوريا الى لبنان- قاتل الضابط سامر حنا مجموعة مسلحة تقتحم المطار إلخ إلخ). ماذا يسمّي انتشار القمصان السود لتغيير أجواء الاستشارات النيابية؟ ماذا يُسمي «غزوة« بيروت والجبل لتغيير معادلات سياسية تحت شعار العداء لأميركا وعملائها؟ ماذا يسمي تورط شقيق وزير في الحزب بقضية الأدوية الفاسدة وآخرين في قضية اللحوم الفاسدة؟ ماذا يسمي التستّر على الخارجين عن القانون في منطقة البقاع؟ أليست هذه هي السلطة بأعتى وجوهها؟ قبل الـ2005، ما اسم الفريق السياسي الذي كانت بيده أكثرية الثلثين داخل مجلس الوزراء؟
لم يكن «حزب الله« ممثّلاً في حكومات ما قبل الـ2005؟ جميل! لكنه كان ميليشيا تُغطّيها الوصاية السورية الحاكمة في لبنان. لم يكن حاجز للجيش أو للدرك يجرؤ على توقيف عنصر من عناصر الحزب. كما منعت الوصاية الجيش اللبناني والدولة من التواجد في الضاحية والجنوب. وأسّس «حزب الله« دويلته في عهد الوصاية، وفرض سلطته الكاملة بقوة السلاح بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان.
لم يكن «حزب الله« ممثّلاً في حكومات ما قبل الـ2005؟ جميل! لكن فريق حليفه السوري، الذي بنى نصرالله دويلة لا تُسأل عما تفعل في عهده، حكم البلد بقبضة من حديد، ليس بالثلت زائداً واحداً، بل بالثلثين. منذ عام 1990 حتى عام 2005، لم يكن للرئيس الشهيد رفيق الحريري أي أكثرية عددية في الحكومات، ولا حتى الثلث زائداً واحداً. وفي المرة الوحيدة التي حاز فيها الحريري على ست وزارات ما بعد انتخابات العام 2000، أُجبر على الاستقالة لتتشكّل حكومة جديدة تأكل من حصته.
أحد الفوارق الكثيرة بين رفيق الحريري و«حزب الله«، هو أن الأول أنتج على الرغم من حصّته الصغيرة في السلطة. عزّز قطاع السياحة وأتى بالعملة الصعبة. حتى أن الوسط التجاري الذي يريد البعض تحويله الى سوق «أبو رخوصة»، هو الذي اجتذب السياحة وجمع للمصرف المركزي احتياطات بالعملة الصعبة، لولاها لما بقيت الليرة صامدة، ولما ظل اللبناني قادراً على شراء رغيف الخبز. وعلى الرغم من حصّته الصغيرة في السلطة، إلا أن ماكينة إعلام «حزب الله« الضخمة عملت على تحميل رفيق الحريري مسؤولية كامل السلطة. حُمّل مسؤولية الدين العام، والجميع يعلم أين ذهبت أموال الدين: رواتب لآلاف الموظفين الذين تم «حَشوَهم« في القطاعات العامة. هدر في قطاع الكهرباء كلّف الدولة مئات ملايين الدولارات سنوياً من دون أن يبصر اللبنانيون نورها. في المقابل، سيطر «حزب الله« عملياً على مرافق الدولة ومفاصلها، من دون استعداد لتحمّل المسؤولية! لماذا؟ لأنه يريد أن يحكم بالميليشيا ويأكل حلاوة السلطة من دون أن يحمل وزر المسؤولية. لو أراد «حزب الله« أن يسيطر على الحكومات لفعل بقوة سلاحه. قالها نصرالله في المقابلة، «نحن لا نملك عدداً كبيراً من الوزارات». تماماً! فما حاجته للوزارات إذا كان يسيطر فعلياً على المفاصل الأمنية والاقتصادية بقوة الأمر الواقع؟ سيطر على المرفأ والمطار ومافيات المولدات من دون أن يكون لديه وزير واحد في الحكومة. ولأن سياسته قامت على مبدأ «الشراكة في السلطة وليس في المسؤولية»، يرمي السيّد مسؤولية تعطيل انتخابات رئيس للجمهورية على السعودية والرئيس سعد الحريري. وفي حديثه إلى «المنار»، أطلق السيّد «نكتة»، إذ وصف من يرفض قانون النسبية بـ»الدكتاتوري»! من يصدّق أن من دعم بشار الأسد وساهم في قتل وتهجير مئات آلاف السوريين، يمكن أن يتحدّث عن الدكتاتورية؟ من يصدّق أن من يرفض المشاركة في جلسات انتخاب الرئيس إلا بشرطه، ويفرض على اللبنانيين النائب ميشال عون رئيساً أو لا انتخابات، يمكن أن يتحدّث عن الدكتاتورية؟ مَن يصدّق أن مَن هدّد الحراك المدني لمجرّد رفع صورة لنصرالله بين صور الزعماء المتّهمين، يتحدّث عن الدكتاتورية؟ وفي دفاعه عن السلاح، قال نصرالله، إنه «في العام 2005 حصل الرئيس فؤاد السنيورة وفريقه على الأغلبية بظل وجود السلاح، وفي العام 2009 أيضاً، وهذا يعني أن السلاح لم يؤثّر في المعركة». صحيح أن السلاح لم يُستَعمل في المعارك الانتخابية، إلا أن فريق «14 آذار»، الذي فاز في انتخابات عامي 2005 و2009، لم يستطع أن يحكم بفعل سلاح الميليشيات. الفساد بقوة السلاح أسوأ وأخطر بألف مرة من الفساد بقوة السلطة. من يملك سلطة السلاح خارج إطار الدولة، يقدر من خلاله فرض مدير أمن المطار وشبكة اتصالات خاصة واستشارات نيابية على هواه وتغيير معادلات سياسية وكل ما يشتهي. يمكن للحراك أن يحدث تغييرات ما في سلطة فاسدة، لكن لا يمكنه أن يسقط سلطة السلاح. إذا كان الحراك قد فشل في رفع صورة «السيّد الديموقراطي»، فكيف ينهي المافيوية المسلحة، المختبئة خلف شعارات كبيرة؟!
«خريطة» جديدة للنفوذ وليس للحدود!
أسعد حيدر/المستقبل/29 أيلول/15
الانتصار الشامل والناجز بالضربة القاضية في سوريا، مستحيل. الانتصار يكون بالنقاط، أو سقوط المتحاربين من الإنهاك والنزيف. الحرب في سوريا عدة حروب في واحدة. الحسم يكون في واحدة لمصلحة حرب أخرى. الحسم النهائي ما زال بعيداً.
الرئيس بشار الاسد، سجل نقطة كبيرة لمصلحته. نجح مع حلفائه، في وضع معادلة سوداء. أنا أو «داعش». العالم بدأ يميل نحو التحالف ضدّ «داعش»، على قاعدة أن التنظيم خطر عالمي وداهم، في حين أن الأسد خطر سوري. غاب عن العالم وتحديداً الغرب أنّ «داعش» يتغذى وينمو وينتشر من وجود الأسد وحربه. لذلك الحروب مستمرة، والخسائر متصاعدة، والحل ما زال بعيداً. الرئيس بشار الأسد «قاتل الأطفال» كما وصفه الرئيس باراك أوباما من منصة الأمم المتحدة، يكاد يضمن وجوده في «المرحلة الانتقالية». العقدة لم تعد في مشاركته في المرحلة الانتقالية، وإنما هل يكون جزءاً من الحل النهائي، مهما كانت صيغة النظام الجديد، وسوريا التي ستخرج من قلب نيران «الحروب» فيها. «النقطة» التي ربحها الاسد، لم تكن كما يقال شعبياً «بذراعيه«. الحلف الذي وقف معه هو الذي صنع هذا «الفوز» المحدود. تحالف روسيا وإيران والصين، وضع استراتيجية متحرّكة ووزع المهمات ببراعة. إيران فتحت خزائنها المالية ومخازنها الحربية منذ الطلقة الأولى، وهي كلما اختل توازن الأسد سندته، حتى وصل الأمر إلى إقحام «حزب الله» بكل قواه في الحرب والى جانبه كل الميليشيات الشيعية المشكّلة في العراق وافغانستان وباكستان، إضافة إلى الشيشانيين السُنَّة. موسكو ومعها الصين استخدمتا سلاح «الفيتو» في الأمم المتحدة إلى جانب الخبراء من الجنرالات والتقنيين، وصولاً إلى التدخّل المباشر في نشر قواتها الجوية وحتى البرية على الأرض. هذا الحلف «الممانِع» لم ينتصر رغم كل قوته. الروس لم يتدخلوا إلاّ لأنّ الجيش السوري لم يعد يقوى على الصمود، ولأنّ الاستراتيجية العسكرية الإيرانية فشلت فشلاً واضحاً مما يفتح الجبهة أمام كل الاحتمالات. ما دعم قوّة «الحلف الممانِع»، أنّ المعارضة «معارضات» ممزّقة ومتصارعة في وجه «النظام الأسدي« الشرس الذي لا يحسب أي حساب للخسائر. الأخطر ان الجبهة التي ساندت «المعارضات» تنافست وتزاحمت فيما بينها، وعمّقت بذلك الخلافات السورية، وزادت التشرذم السوري المعارض. واشنطن شاركت في الحرب الجوية فقصفت «داعش» لتجرحه وليس لتقتله، لأنّ الوقت لم يحن. الرئيس باراك أوباما، واضع استراتيجية «الحرب» بصفر خسائر بشرية ومالية، يتابع تنفيذها بدقّة. دان الاسد بقوّة، وفي الوقت نفسه اعترف بالدور الإيراني الروسي بالحل في سوريا. بهذا ضمّ أوباما إيران رسمياً إلى «مجلس» الحل والربط في الحروب المشتعلة في المنطقة عبر «البوابة» السورية. مرة أخرى يتأكد أنّ المفاوضات النووية كانت في الأساس مفاوضات سياسية، أخذت إيران بموجبها «الشرعية» السياسية لدورها الاقليمي. السؤال هو حدود دورها مستقبلاً، وهل كان القبول الأميركي والصمت العربي بالدور الروسي الجديد جزءاً من عملية مدروسة لتطويق «الشهية» الإيرانية ووضع «نقاط مساحة« للدور الإيراني المستقبلي؟ ما يعزّز هذا التوجه، أن الوجود الأميركي في العراق يترسّخ مع نجاح واشنطن في تشكيل «قوّات سنّية» في الموصل والأنبار، مما حقق تطوراً نوعياً في الحرب ضدّ «داعش»، وحقّق إقامة توازن حقيقي مع الجبهة «الشيعية» أو «الحشد». إنشاء حلف عسكري وأمني رباعي مشكّل من طهران وموسكو وبغداد ودمشق، هو لمواجهة التمدّد الأميركي. سواء نجح هذا «الحلف الرباعي» أو فشل، فإنّه «يقضم» حصّة مهمّة من الوجود الإيراني في بغداد. أصبح لإيران «شركاء» أقوياء في العراق بعد أن انفردت فيه طويلاً. لا يمكن فصل ما يجري في سوريا عن العراق. يمكن القول ان واشنطن أعطت «الشرعية» للدور الإيراني بيد، وتعمل على تحديد مساحة هذا الدور وحجمه باليد الأخرى. كل ما يُقال عن خطط ومخططات للحلول في سوريا، يبقى احتمالات. الحل النهائي ما زال بعيداً، لأنّ الهدف ليس فقط إنهاء الحرب في سوريا، وإنّما رسم «خريطة» لنفوذ القوى الدولية والاقليمية وليس لحدود جديدة للدول في الشرق الأوسط.