عمامتان لإرهاب واحد
أحمد عدنان /العرب/25 آذار/16
كصحافي، أصابني الملل من الكتابة عن الإرهاب، فمع تكرار الإدانات وكثرتها تفقد الإدانة قيمتها ومعناها، وتصبح جزءا من فلكلور الإرهاب نفسه، وكأن العملية الإرهابية أصبحت تتألف من فكرة بشعة ومجرم معتوه وضحايا أبرياء، ثم إدانة الساسة والكتاب.
حتى التحليل فقد جدواه قبل معناه، لقد أصبح اجترارا، ما كتبناه في مقالات سابقة نجتره في مقالات لاحقة، لأنه ببساطة لم تتغير المعطيات حتى نبدّل التوصيات أو النتائج. ثلاثة أحداث عصفت بنا في الأيام المنصرمة موضوعها الإرهاب، الأول هو الحكم القضائي الأميركي الذي أدان إيران بالضلوع في أحداث 11 سبتمبر 2001، والثاني هو “حوار العام” في قناة الميادين مع أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، والثالث هو تفجيرات بروكسل التي نفذها داعش.لوهلة أولى تبدو الأحداث متباعدة، لكنها بقليل من التأمل تشكل نسيجا واحدا، فالظاهرة الداعشية تم استيلادها في مناطق النفوذ الإيراني بمزيج من برمجة متعمّدة وردود فعل ناقمة، أنظر إلى العراق وإلى سوريا، لسنوات طوال قام نوري المالكي بمشروع عنوانه محاربة الإرهاب، اكتشفنا لاحقا أنه استهداف للسنة لا للإرهابيين، ودليل ذلك أن الإرهاب تنامى واستولى على بعض العراق، وفي سوريا قام بشار الأسد وزبانيته برفع لافتة مماثلة، محاربة الإرهاب، لكن المستهدف هذه المرة هو المعارضة، وبصفاقة يعلن النظام البعثي عن عمليات ضد داعش في مناطق ليس فيها داعشي واحد وبصفاقة موازية يقوم الدواعش باستهداف المعارضة وتشكيل جدار بينها وبين النظام. الدعاية الإيرانية تتبجّح السعودية متهمة بأبوة داعش، مع أن الدواعش قاموا بالعشرات من العمليات ضد المملكة دون عملية واحدة ضد إيران، وفور الانسحاب الروسي الجزئي من سوريا، يعلن داعش أنه يستهدف المسيحيين في لبنان وكأنه يتوسل من اللبنانيين دعم الحزب الإلهي ويقول لهم إيران مع الأقليات فاحتضنوها واهجروا العرب. حاول الأسد مع أسياده في طهران تشويه الثورة السورية، وقد نجح عبر تهيئة البيئة الحاضنة لداعش. الضغط الذي تعرض للسنة ونكل بهم، سوريا وعراقيا، من الطبيعي أن ترتد عنه ظواهر شاذة، فكان داعش من جهة، ومن جهة أخرى تمت رعاية الوليد المشوه بغير طريقة أهمها شراء النفط وغض الطرف العسكري. قام داعش برد الجميل وبث المقاطع المرئية لضحاياه، لم يكن هذا كافيا لإضعاف التعاطف مع الثورة السورية، فانتقل الإرهاب الداعشي إلى أوروبا، باريس ثم بروكسل ولا أنسى تركيا، وكأن الدواعش يتوسلون المجتمع الدولي: ادعموا بشار الأسد. الإعلام يركز على جانب واحد من الصورة، الجريمة الداعشية، متناسيا الجريمة الإيرانية-البعثية التي سبقتها، وهذا تنبيه لا تبرير، فإن واجهنا رد الفعل متناسين الفعل ستتوالد ردود الأفعال، وإن ميّزنا بين إرهاب وإرهاب لن ينتصر غير الإرهاب. والحذر من ألاعيب الإعلام الإيراني الذي يمد تعريف داعش ليشمل كل السنة مشرعا استهداف السنة لا الدواعش. يحتفي الإعلام بالإرهاب الداعشي ويتغافل عن الإرهاب الإيراني، وهذا أمين عام الحزب الإلهي يتحدث عبر التلفاز يتجاهل الحديث عن اليمن الذي ذاق حلفاؤه فيه أفدح الهزائم، يجدد حربه على الشعب السوري ويؤكد شله للدولة اللبنانية، ومن حسن الحظ أن مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية صنفاه كميليشيا إرهابية في قرار متأخر لكنه صائب. أمين عام الحزب الإلهي رأس الجبل في مشروع الإرهاب الإيراني الذي يتحمل جريمتين، الأولى جرم الإرهاب الخام، والثانية تأجيج الإرهاب الموازي، ومن هنا وهناك تستعر الفتنة الطائفية وتتلاشى الدولة.حزب الله وداعش عمامتان لإرهاب واحد ضحيته هي السنة، ومن الواجب التعامل معهما بذات الحزم، حين قرأت حكم القضاء الأميركي بضلوع إيران في أحداث سبتمبر، تذكرت قائمة من قادة القاعدة الذين التجؤوا إلى إيران وعملوا من أراضيها ضد العرب: سعد أسامة بن لادن، سيف العدل المصري، سليمان أبوغيث، أبوحفص الموريتاني وصالح القرعاوي. اشنقوا آخر إرهابي إيراني (هوية أو ولاء) بأمعاء آخر داعشي يسترد العالم قسطا من سلامه المنهوب، والسلام.
داعش’.. قبل أحداث بروكسل وبعدها
خيرالله خيرالله/العرب/25 آذار/16
ليس في الإمكان التمييز بين إرهاب وإرهاب، لذلك ليس كافيا إعلان الحرب على “داعش” الذي ضرب في بروكسل، بعد باريس، مستهدفا أبرياء بمقدار ما أن الحاجة تدعو إلى مقاربة شاملة لهذه الآفة. مثل هذه الآفة التي اسمها “داعش” تحتاج إلى حرب حقيقية تشمل الأماكن الذي يوجد فيها هذا التنظيم والبحث عن الأسباب التي أدّت إلى قيامه وتوسّعه، فضلا بالطبع عن الاعتراف بتقصير المسلمين، خصوصا العرب، في التصدي الباكر لهذا المرض الخبيث. فكما يقول الملك عبدالله الثاني الذي كان في مقدّمة الذين تصدوا لهذه الظاهرة “هذه الحرب هي حربنا أوّلا” قبل أن تكون حرب أي أحد آخر. يشير العاهل الأردني، في كلّ مناسبة، إلى أن من يرتكب مثل هذه الأعمال الإرهابية لا علاقة له بالإسلام من قريب أو بعيد، مشددا على أن هؤلاء “خوارج”. هذا لا يعني في طبيعة الحال أن الغرب، على رأسه الولايات المتحدة، ليس مسؤولا عن قيام “داعش” وعن وصولها إلى المجتمعات الأوروبية. فالولايات المتحدة قامت بكل ما يجب القيام به من أجل توفير حواضن لـ“داعش” وقبل ذلك لـ“القاعدة”. ترافق ذلك مع تراخ أوروبي لم يتنبه إلى أن التغاضي عن التطرّف والمتطرفين وعن وجود غيتوات في مدن ومناطق أوروبية معيّنة ليس مقبولا لا باسم الديمقراطية، ولا باسم المحافظة على الحريات وحقوق المواطن.
يفترض بمن يأتي إلى أوروبا التعايش مع قيم المجتمع الأوروبي والتأقلم معها، بدل الاكتفاء بما تقدمه له الحكومات الأوروبية من مساعدات وخدمات. فصل هذا المجتمع، منذ قرون عدّة، بين الدين والدولة وأنشأ مجتمعات ودول مدنية تؤمن بالقانون وسيادته وليس بالفتاوى التي تصدر في غالب الأحيان عن رجال دين جهلة، تخرّجوا من مدرسة الإخوان المسلمين. لدى رجال الدين هؤلاء علاقة بكل شيء باستثناء الدين. كان ملفتا أن “داعش” بدأ ينتشر ويقوى مع استمرار التدهور في سوريا ورفض المجتمع الدولي، خصوصا إدارة باراك أوباما، وضع حدّ لعملية ذبح الشعب السوري أكان ذلك بالسلاح الكيميائي أو القصف المدفعي أو البراميل المتفجرة أو الميليشيات المذهبية التي تحرّكها إيران.. أو، أخيرا، بواسطة سلاح الجو الروسي. كان ملفتا أيضا انتشار “داعش” في العراق في وقت، عملت إيران كلّ شيء من أجل جعل السنّة العرب يلجأون إلى الإرهاب في مواجهة إرهاب آخر مارسته ميليشيات مذهبية صار اسمها في العراق، وفي مرحلة معيّنة، “الحشد الشعبي”. رفض الغرب منذ البداية الاعتراف بأنّ في أساس “داعش” النظامين في إيران وسوريا اللذين أرادا استغلال هذا الوحش من أجل القول إن النظام السوري يخوض معركة مع الإرهاب وأن الميليشيات المذهبية اللبنانية والعراقية والأفغانية لا تقاتل الشعب السوري، بل تقاتل “التكفيريين”. ما هذه الحجة السخيفة التي لم تنطل سوى على إدارة أميركية كان همّها الأوّل والأخير حصر الإرهاب بأهل السنّة؟ أكثر من ذلك، لم يكن هناك من تصد جدي لـ“داعش” بعد اجتياحه مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، وانكشاف مدى تواطؤ حكومة نوري المالكي المدعومة من إيران مع التطرّف والمتطرّفين ومدى استثمارها في كلّ ما من شأنه زيادة الانقسام الطائفي والمذهبي في العراق وتعميقه بشكل منهجي. لم يكن من تصد من الميليشيات المذهبية المدعومة من إيران ل“داعش” في أيّ وقت، لا في العراق ولا في سوريا. كان همّ هذه الميليشيات في سوريا تلميع صورة النظام، فيما كان همها في العراق منصبّا على كيفية طرد السنة العرب من أراضيهم وتغيير طبيعة بغداد. هذه التصرفات التي وراءها النظامان في سوريا وإيران وما يسمى “محور الممانعة” كانت في أساس تمدد “داعش” ومبرر وجود هذا التنظيم. هل من دليل على ذلك أكثر من أن “داعش” لم يقم يوما بعملية تستهدف إيران.
هناك تقاعس عربي في التصدي لـ“داعش”، لكنه لا يمكن تجاهل أن هذا التنظيم الإرهابي لم ير النور إلّا بعدما عمل المجتمع الدولي كل ما في وسعه لإبادة الشعب السوري وتهجيره وتفتيت سوريا. لم يعمل هذا المجتمع شيئا من أجل منع النظام السوري ومن خلفه إيران من إطلاق “داعش”. لم يدرك حتّى معنى خطورة ترك “داعش” يصل إلى أوروبا وقبل ذلك إلى تونس وليبيا والنتائج المترتبة على ذلك. من المسؤول عن تحول الأرض الليبية إلى قاعدة ينطلق منها مسلحون لتهديد كل شمال أفريقيا، خصوصا تونس؟ لماذا لم تحصل عملية عسكرية واحدة ضد “داعش” في ليبيا حماية للمنطقة كلّها؟
تفتقد الحرب على “داعش” إلى مكونات عدة. يتمثل المكون الأول في الاقتناع بأن “داعش” نتاج للنظام السوري وداعميه على رأسهم إيران. لا مجال للتخلص من “داعش” ما دام النظام السوري الذي تعتبره إيران “خطا أحمر” قائما، حتى لو كان ذلك صوريا.
هل من نيّة في اقتلاع “داعش” والانتهاء منه؟ متى تبين أن هناك عودة إلى الجذور يمكن القول إن هناك جدّية في الحرب على “داعش”. في غياب هذه العودة، سيظل “داعش” يُستخدم مبررا لتحقيق أهداف عدة. من بين هذه الأهداف العمل على تفتيت سوريا وتصوير الإسلام بأنه عدو للمجتمعات الغربية.
هناك بين العرب من يدرك خطورة “داعش” والواقع المتمثل في أنّ هناك من يستخدم هذا التنظيم لتحقيق أهداف تصب في نهاية المطاف في غير مصلحة الاستقرار في الشرق الأوسط، أي في مصلحة المشروع التوسّعي الإيراني. هذا الواقع لا يعفي أوروبا من مسؤولياتها، خصوصا في ظل إدارة أميركية قرّرت سلفا أن تكون في موقع المتفرّج.أن تتحمّل أوروبا مسؤولياتها يعني، بكل بساطة، رفض وجود مجتمعات منغلقة على نفسها، لا في باريس ولا في بروكسل ولا في لندن ولا في أي مدينة أو قرية أوروبية. هل جاء عرب أو مسلمون إلى أوروبا للتحريض على الثقافة الأوروبية، وعلى القيم التي تؤمن بها هذه المجتمعات الأوروبية؟ هل جاء هؤلاء العرب والمسلمون إلى أوروبا بفكرة الغزو؟
العرب والمسلمون مسؤولون عن محاربة “داعش”. هذا أمر مفروغ منه. مسؤوليتهم تتقدم على مسؤولية أي طرف آخر. الأميركيون والأوروبيون مسؤولون أيضا. المهم أن تكون هناك رغبة حقيقية تحركها إرادة قوية في مواجهة هذه الظاهرة. مرة أخرى، هل من يريد الذهاب إلى الجذور أولا؟ هل من يريد الاقتناع بألا فائدة من حرب على “داعش” في ظل التمييز بين إرهاب وإرهاب، بين إرهاب سنّي وإرهاب شيعي، وأن النجاح في هذه الحرب يبدأ بالاعتراف بأن النظام السوري مكون أساسي من مكونات “داعش” بل عمود من أعمدتها. هذا ينطبق على الوضع قبل الأحداث الأخيرة في بروكسل وبعدها.