حزب الله» و«خيار» الانتحار.. القسري
علي الحسيني/المستقبل/30 آذار/16
على الرغم من التناقضات التي تجتمع في هيكليته وطروحاته وعلى الرغم من الازدواجية التي تسيطر على منهجه وعلى طريقة تعاطيه مع الأحداث الداخلية والخارجية والتي غالباً ما توقعه في فخ أو شر أفعاله، إلّا انه يُسجّل لـ»حزب الله» بأنه يسير على خط متوازٍ في عمله السياسي والعسكري لدرجة أن عارفي أو متتبعي «شطحاته» السياسية وانزلاقاته العسكرية، أصبحوا يدركون جيّداً أن هناك مركز قرار واحداً يركن اليه في كل أفعاله وهو ما يجعله يغرق في كل يوم أكثر فأكثر من دون أن يكترث الى خطورة وعواقب ما يقوم به، سواء عليه أو على أبناء وطنه أو على أبناء طائفته على وجه الخصوص.
بين مشروع «حزب الله» السياسي القائم على مبدأ أن «كلام الليل يمحوه النهار» ومشروعه العسكري الذي يرتكز على إدعاء المظلومية وبأنه مُستهدف بسلاحه ومقاومته، ثمة تلازم وترابط بقرار خارجي يأخذه بشكل واضح إلى انتحار لا إرادي ضمن عقيدة لا تستلهم سوى الموت كطريق وحيد لتحقيق الأهداف، ومن هنا يُمكن ملاحظة سعي وحرص الحزب على ضمان المصالح الإيرانية وصولاً الى حد تمثيلها عسكرياً على ساحل المتوسط وبشكل خاص على طول الحدود مع إسرائيل، وهو ما يظهر بشكل جليّ من خلال المستنقعات التي يُغرق نفسه بها في أكثر من دولة عربية، بالإضافة إلى استماتته من أجل تثبيت موقع ايران عند الحدود السورية – الإسرائيلية والتي كلفته حتّى اليوم خسارة مجموعات نخبوية من قادته من بينهم جهاد عماد مغنيّة. لا بد للباحث بين سطور كلام سياسيي «حزب الله» أن يجد بينها كميّات هائلة من عبارة «الأجندات الخارجية»، عبارة أصبحت جاهزة لتُرمى بوجه كل من ينتقد أو يعترض على سياسة الحزب سواء كانوا من أبناء الوطن الواحد أو الجلدة الواحدة على غرار «شيعة السفارة» وما صدر بحقهم من عبارات عدائية وتخوينية وتحريضية استعادها قادة «حزب الله» من قاموس النظام السوري ومن فتاوى سابقة كانت أهدرت حياة مئات الشُبّان خلال السنوات الأولى لولادة الحزب من رحم «الثورة الإيرانية»، واليوم تتجدد هذه الفتاوى وتستمر مفاعيلها لتطال الأبرياء خارج حدود القرية والمدينة وما أشبه اليوم بزمن «إقليم التفاح».
في بيانه التأسيسي يوم 16/2/1985 وتحت عنوان «من نحن وما هي هويتنا؟»، يؤكد «حزب الله» التالي: «نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظله«، وبعد ثلاثين عاماً على البيان، يعود الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ليؤكد المؤكد ويقول «أنا أفتخر أن أكون فرداً في حزب ولاية الفقيه»، وهي الولاية التي تتعدى طموحاتها الحدود أو الأرض التي تسكنها وهي الحالة نفسها المفروضة على الحزب والتي تستدعيه لكي يكون في أكثر من ساحة حرب دفعة واحدة، جميعها فُرضت عليه تحت بدعة «الواجب الجهادي» وما ينضوي تحته من شعارات وعبارات جميعها تقع تحت خانة التحريض المذهبي ونبش الأحقاد. من أولويات الأجندة الإيرانية اليوم، تحويل بوصلة سلاح «حزب الله» إلى المنطقة العربية وتحويل أمنها إلى قلق دائم، إذ إنه وعلى الرغم من الخطاب السياسي الإيراني المناكف لإسرائيل إعلامياً، إلا أن الاعتبارات التي تحكم الاستراتيجية الإيرانية ترتبط بمخططها في الخليج وما تصبو اليه من توسيع لنفوذها من خلال «حزب الله» أحد أذرع الحرس الثوري الإيراني الخارجية المطلوب منه بشكل دائم، إنقاذ الانزلاقات والسقطات السياسية الإيرانية ولو على حساب الأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة وعلى حساب الدم العربي والشيعي على وجه التحديد. اليوم يحاول «حزب الله» إقناع جمهوره الشيعي، بأن معركته هي مع الدول العربية متناسياً أن لجزء كبير من هذا الجمهور أبناء وأقارب ومصالح في هذه الدول، وهو يسعى في الوقت عينه إلى خلق شرخ بين حكومات هذه الدول والنسيج الشيعي وإلى إيجاد مناخ عدائي بينهما، ليُؤلّب جمهوره ويضعه في المواجهة مع دول لم يبدر منها إلا كل خير تجاه هذا الشعب، وها هو تموز النكبات والأوجاع، ما زال ماثلاً في أذهانه ووجدانه، وها هي طرقات العديد من قرى الجنوب ومشاريعه التي تحمل أسماء لدول عربية كعربون شكر على دعمها، ما زالت أيضاً تحفظ الجميل وتُبادله بالموقف نفسه.
تخبزوا بالأفراح !!
نبيل بومنصف/النهار/30 آذار 2016
لا نريد الظن بان الوزير جبران باسيل تفوته التجربة الأشد سوءا التي رافقت عهد الرئيس أميل لحود في مسألة التوطين . رفع شعار محاربة التوطين سحابة تسعة اعوام من العهد كشماعة لمزيد من المعارك الداخلية ولا من أزاح حجرا من واقع التوطين الفلسطيني ولا من يحزنون ! لا نسوق هذه المقارنة بما يحصل الآن في إثارة المخاوف المشروعة من توطين اكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري الا لخشيتنا المتعاظمة من استعادة أساليب مدمرة في الدفاع عن قضية محقة . قصة تعديل العودة “الطوعية” الى العودة ” الآمنة ” للاجئين السوريين لا تمر لا بمقاطعة وزير الخارجية لزيارة الامين العام للأمم المتحدة ولا باي اُسلوب آخر غير ناجع ما دام لبنان لم يتعلم من تجارب الخراب التي ضربته تباعا ، الى حدود استفاقة بعض الممانعين الاشاوس الآن مثلا على ان لبنان لم يقدم فروضه الواجبة لترسيم حدوده البرية والبحرية . ترى اين كان هؤلاء طوال حقبة الوصاية السورية التي قمعت كل محاولات الترسيم انطلاقا من مزارع شبعا ؟ ولماذا استفاقوا اليوم ؟ قد لا يكون هناك شك لدى احد في أحقية المخاوف من توطين اللاجئين السوريين على قاعدة النفخ في اللبن بعد الاكتواء بالحليب . ولكن الامر يستدعي مساءلة من نوع آخر وسط الفوضى السياسية المتفشية والمنذرة بتبديد كل الحقوق المشروعة . هل لدى الحكومة استراتيجية موحدة وواضحة لمواجهة خطر التوطين السوري وتوظيف كل العلاقات الدولية والعربية ( ما تبقى منها ) للدفع نحو ازاحة هذا الخطر عن لبنان؟ اذا كان ما رافق زيارة بان كي مون لبيروت هو النموذج فلنقل ” تخبزوا بالأفراح ” ! ثم هل خطر لأهل الممانعة ان يتذكروا ان فريقهم هو الأولى بمسؤولية الحلول العاجلة لمواجهة عبء اللجوء السوري لانه وحده قادر على المونة على النظام السوري ودفعه نحو ايجاد مناطق آمنة لعودة متدرجة لابناء سوريا الى ارضهم التي هجرهم منها اسوة “بشركائه ” في تدمير سوريا ؟ اذا كان رد وزير الخارجية على هذا الطرح من طراز التعامل مع زيارة الوفد الاممي لبيروت فلنقل “حرير راح نلبس ” ! وما دام الشيء بالشيء يذكر فوجئ الناس بنغم أطلقه أخيرا احد رموز الممانعين من بعلبك عن رفض عودة المارونية السياسية من دون إيضاحات كافية طبعا ولا تحديد للجهة التي أرسلت اليها الرسالة . ترى الا تحفز هذه الرسالة الذين يضربون الآن بسيف استعادة الحقوق المسيحية ” السليبة ” على حض الحزب الحليف الذي كان رافعة اساسية من رافعات انقاذ النظام السوري على البدء بالضغط الفعّال لاعادة مئات آلاف اللاجئين السوريين الى ارضهم وتجنيب لبنان اي مغامرات “طائشة” من نوع الحنين الى المارونية السياسية لئلا نقول أكثر ؟
وزير “العزلة” اللبنانية
عبد الوهاب بدرخان/النهار/30 آذار 2016
لكي تعرف لماذا قاطع جبران باسيل زيارة الأمين العام للأمم المتحدة عليك أن تعرف لماذا امتنع باسيل عن تأييد قراري الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي بإدانة ايران بعد احراق السفارة والقنصلية السعوديتين. فالسبب واحد. إنه يطبّق “سياسة خارجية” يرسمها “حزب الله”، الذي دأب منذ 2006 على مهاجمة بان كي – مون بعد كل تقرير يرفعه الى مجلس الأمن عن مستوى التقدّم في تنفيذ القرار1701. وبات معروفاً أن ما خسره “حزب الله”، وما خسرته ايران، بتجميد الصراع الحدودي مع اسرائيل، ما لبثا أن عوّضاه بوضع اليد على الداخل اللبناني. كانت لزيارة بان كي – مون رمزية التذكير بأن ثمة “دولة” في لبنان لا تزال معترفاً بها دولياً، وهذا أمر مزعج لـ “حزب الله” وأتباعه، لذلك تمّ توجيه باسيل للتعامل مع بان على أنه “موظف” لا يستحق أن يستقبله وزير بهذه العظمة والفخامة، بل تمّ توجيهه لإشعار بان بأن من يتعاطى معهم، بمن فيهم رئيسا المجلس والحكومة، ليسوا السلطة الفعلية في البلد. والحال أن المنظمة الدولية حائرة منذ أعوام بهذه “السلطة الفعلية” التي تتمحور اجتهاداتها على وضع كل الحواجز أمام اي مساعدة للبنان، من دون أن توفّر بدائل، على رغم أن وزيرها يحضر المؤتمرات الدولية ليطالب بهذه المساعدة، خصوصاً في ما يتعلّق بعبء اللاجئين السوريين. وإذا بباسيل يعلّق، كمراقب، على محادثات بان كي – مون، ليفصح بأن المساعدة المرجوّة هي إخراج اللاجئين وكأنه يجهل سبب وجودهم في لبنان ومساهمة حليفه “حزب الله” في تهجيرهم، وكذلك ليدفع ديماغوجيته الى اقصاها برفض “التوطين” وكأن بان مخوّلٌ البحث في مشاريع كهذه.
هذا وزير خارجية لم يعد قابلاً لـ “تصدير” أو لتمثيل البلد. لا ينفكّ يفتعل مشاكل مع الخارج، خصوصاً مع العالم العربي، ولا يريد أن يحلّها، مع افتراض أنه مؤهل لحلّها. يمثّل سلوك باسيل نموذجاً للوزير الملتصق بـ”مرجعيته” /”حزب الله”، المسترشد بتوجيهاتها، ويكاد يصبح كمنسوبيها من وزراء أو موظّفين غير مرغوب فيهم في أي محفل عربي أو دولي. والمفارقة أنه قد يكون وزير الخارجية الوحيد في العالم الذي يتمتّع بمعوّقَين يعتقدهما ميزتَين، فهو أولاً يُخضع عمله الخارجي لمصالح داخلية، وهو ثانياً يهجس بتحصيل مزيد من العزلة لبلده، ليس فقط لافتقاده حسّ رجل الدولة ونباهة الديبلوماسية بل لفائض في التزامه “تصدير الثورة”!
حتى محمد جواد ظريف لا يذهب الى هذا الحدّ، بل يعمل على اخراج ايران من خانة البلد المشتبه فيه والمُختزَل دولياً وعربياً بالمرشد و”الحرس الثوري” و”الباسيج”. أكثر ايرانية من ظريف، يعمل باسيل “وزيراً” في خدمة “حزب الله” الذي يتفاقم نبذه وعزله خليجياً وعربياً الى حدّ يضع متعاطفين معه وغير ملطخة أيديهم بالدماء العربية تحت الشبهات.