غسان سلامة… طائرٌ بلا أجنحة الأرز
بيروت – الراي/01 نيسان/16
حين أعلن الوزير السابق غسان سلامة ترشُّحه لمنصب الامين العام لمنظمة «اليونيسكو»، لم يكن يخطر ببال أحد ان وزارة الخارجية والحكومة اللبنانية سبق ان رشحا احداً لهذا المنصب، وان الديبلوماسية العامِلة منذ سنوات في المنظمة الدولية، فيرا خوري لاكوي، هي مرشحة لبنان الرسمية.
واذا كانت خوري تكاد ان تكون غير معروفة في لبنان، الا انها معروفة في الأوساط الفرنسية وفي المحافل المتخصصة ولا سيما انها تعمل في المنظمة الدولية لمدة طويلة. وبمجرد انتشار الخبر، أصبح هذا الترشيح مادة جديدة للسجال، خصوصاً مع دخول غالبية قوى 14 مارس وشخصيات سياسية على خط دعم سلامة، كالنائب وليد جنبلاط والوزير اشرف ريفي، اضافة الى الانتليجنسيا اللبنانية وسط اطلاق حملة على مواقع التواصل تأييداً لترشيح الوزير السابق.
كما أثار ارتباط اسم المرشحة خوري، وهي ممثلة بعثة سانتا لوتشيا (وهي جزيرة في شرق الكاريبي) في «اليونيسكو»، برجل الأعمال جيلبير شاغوري تساؤلات عن موقف وزير الخارجية جبران باسيل، ولا سيما ان شاغوري لعب دوراً في اللقاء الشهير الذي جمع الرئيس سعد الحريري بالنائب سليمان فرنجية في باريس وكرّس تأييد الحريري ترشيح الأخير لرئاسة الجمهورية، وهي التسوية التي يعارضها باسيل بقوّة لأنها اعتُبرت قطعاً للطريق على وصول والد زوجته العماد ميشال عون الى الرئاسة.
وبإزاء الصخب العارم الذي رافق تجاهُل لبنان الرسمي ترشيح سلامة، نُقل عن اوساط رئيس الديبلوماسية اللبنانية انه رشح موظّفة في اليونيسكو وانه «لم يطلع على خطوة سلامة، الذي لم يبلغ الحكومة او وزارة الخارجية بترشحه، إلا عبر الاعلام»، وان ترشيحه لخوري سابق لدخول سلامة السباق الى رئاسة «اليونيسكو»، مشيرة الى ان التحريات في شأن مكانة خوري والتي أُجريت في أروقة اليونيسكو والبعثات الديبلوماسية أظهرت «انها تتمتع بثقل كبير داخلها وتبوأت مناصب ادارية وديبلوماسية عدة على مدى أكثر من 20 عاماً وعندها قرّرت الحكومة اللبنانية ترشيحها رسمياً».
وعكست «الانتفاضة» الالكترونية دعماً لسلامة مكانة هذا الباحث والاستاذ الجامعي في باريس الذي بنى رصيدا في لبنان وفي فرنسا تحديداً، ليس فقط حين تبوأ منصب وزير الثقافة في إحدى حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري، انما ايضاً كإحدى الشخصيات التي اعطت للحياة السياسية بعدها الثقافي والعلمي والاعلامي.
ويولّد سلامة دائماً انطباعات انه مثقف لبناني على صلة بالدوائر الفرنسية ولاحقاً الدولية، وخصوصاً بعدما فتحت له أبواب الامم المتحدة، ما يثير بعض الانتقادات ضده، وخصوصا إزاء مواقفه المعروفة لبنانياً بأنها أقرب الى وجهة نظر قوى «14 مارس». وهو ظلّ يطلّ لبنانياً كوجه سياسي بين حين وآخر من العاصمة الفرنسية حيث يقيم ليدلي بدلوه في التطورات السياسية الداخلية والاقليمية والدولية.
هو غسان فريد سلامة من مواليد العام 1951 في بلدة كفرذبيان الكسروانية، كاثوليكي في قضاءٍ ماروني بغالبيته، متزوّج من سيدة أرمنية هي ميراي بوغوصيان، وله ابنتان: هلا وليا، والأخيرة إعلامية في إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية.
تلميذ الحقوق في الجامعة اليسوعية في بيروت قبل ان ينتقل الى باريس ليدرس الحقوق ايضاَ والعلوم السياسية والأدب، يفخر دائماً بأن يعرّف عن نفسه انه استاذ جامعي، وانه يحب ممارسة مهنة التعليم، رغم انه تنقل في وظائف عامة. وهو شارك في تأسيس معهد باريس للشؤون الدولية واستقال من عمادته بعد خمس سنوات، لرغبته كما يقول في الانصراف الى التأليف والكتابة.
وفي حديث الى تلفزيون «الجزيرة» العام 2006 روى سلامة فصولاً من سيرته الذاتية، وقال: «الوالد والوالدة كان عندهما هاجس كبير بالتعليم، وهما ضحّا بأملاكهما كي نتعلّم.أبي وأمي كانا طموحيْن في الجانب التعليمي، وإذا ضحى أهلك بأملاكهما ليعلّماك لا تستطيع ان تخذلهما».
أصبح وزيراً للثقافة بين 2000 و2003، وأشرف على تنظيم القمة الفرنكفونية التي عقدت في بيروت العام 2002، كما كان مشاركا في القمة العربية التي عقدت في العام نفسه في العاصمة اللبنانية.
والعام 2003 عُيّن مستشاراً لبعثة الامم المتحدة في العراق، ومن ثم مستشاراً للامين العام للام المتحدة بين 2003 و2005 ومجدداً عام 2012.
عُرف سلامة كإحدى الشخصيات التي كانت قريبة من الرئيس رفيق الحريري الذي أعاده الى لبنان ككثير من البارزين في مجالات علمية وأدبية وإعلامية، وقد عمل الرئيس الشهيد على ضمهم الى مشروعه عند تبوئه منصب رئاسة الحكومة. وكان سلامة تعاون مع الحريري في باريس لأعوام طويلة قبل ان يصبح وزيراً، وعُرف عنه انه كان يقدّم استشارات للحريري لسنوات وظلّ صديقاً مقرباً منه ومن عائلته. ومن باب هذه الصداقة تمكّن من صوغ الكثير من العلاقات الديبلوماسية في اوروبا، وفي الادارات الفرنسية المتعاقبة وخصوصاً في عهد الرئيس جاك شيراك الذي كانت تربطه علاقة وطيدة بالحريري.
وفي مقال عن سلامة العام 2008 كتب وزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق: «لمّاع في أفكاره، حاد في حركته، صارم في إدارته، لا تنقصه الرفعة في الكلام لإصابة هدفه ولو عن بُعد».
ويضيف: «لا يعرف عنه الكثيرون انه واحد من الذين ساهموا في صياغة تفاهم ابريل 1996، الذي ذاع صيته بانه الصيغة الادق لعمل المقاومة في مواجهة المحتل مع حفظ حق المدنيين في الحياة وعدم استغلال منازلهم مسرحاً للاشتباك او مقرا للانطلاق. ولا يذكر أحد عنه أنه ساهم عن بُعد وبتواضع في صياغة اتفاق الطائف ولو بسطر واحد عبر اصدقاء مشتركين مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري». ويضيف: «غلبت عليه سمعة المحترف في صناعة القرارات الدولية فأصابه منها اسوأها في العام 2005 حين أقر مجلس الامن القرار 1559 الداعي والمنفّذ للخروج العسكري السوري من لبنان».
عُرف سلامة في تلك المرحلة بأنه خصم للنظام السوري، وبأنه يدافع عن اتفاق الطائف، وهو تحدث في نهاية العام الماضي عن ثغر في الاتفاق كما يقول انطلاقاً من حرص العارِف بالاتفاق وأحد المشاركين فيه.
علاقته بالحريري فرضت نفسها ولا سيما بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق في 14 فبراير 2005، وكان لافتاً ما أدلى به النائب غازي يوسف في شهادته العام الماضي امام المحكمة الدولية حين قال: «سلامة التقى الحريري نهاية عام 2004 في باريس ونقل إليه أن الجانب السوري يرغب في اغتيالك سياسياً من خلال قانون الانتخاب… وإذا حاولت المقاومة، فجسدياً». وأضاف يوسف أن الحريري «استغرب هذه المعلومة، وأكد أن لديه تطمينات من الجانبيْن الأميركي والفرنسي».
اما سلامة فيروي في حديثه الى «الجزيرة» لقاءه الأخير بالحريري قبل اسبوع من اغتياله، ويقول: «كان حين يأتي الى باريس إجمالاً يتصل بي فور وصوله. جاء هذه المرة ومكث ثلاثة أو أربعة أيام من دون أن يتصل، فقلتُ في نفسي إما أنه مريض واما مشغول بأمور العائلة واما انه في حال انكفاء، (…) كنتُ أدرّس في الجامعة يوم الاثنين صباحا وكان دائماً مجال التنكيت عنده التعليم، أنه «ما زلت بتعلِّم بيتحمَّلوك التلاميذ؟ أنا تحملتك بس التلاميذ بيتحملوا». خرجتُ من الصف وفتحت هاتفي النقال فوجدت سبعة أو ثمانية اتصالات من بيته فاتصلتُ، وقال لي: وينك؟ قلتُ له أمام منزلك، لأنني كنت عائدا إلى بيتي وأمرّ أمام منزله كي أصل إلى بيتي، فقال أُدخل فوراً، فدخلت (…) كان يتكلم بالهاتف مع بيروت بالنسبة لتقسيم الدوائر الانتخابية وكان مشغولاً بذلك، وعندما وضع الهاتف قلتُ له: اتصلتَ سبع أو ثمان مرات بي ومع أنك مهتمّ بأمر ليس من اختصاصك، فهل أنت باقٍ في باريس وهل يمكنني أن أدعوك إلى الغداء نتغدى معاً؟ كانت قرابة الساعة الواحدة فقال لي: لا أنا مسافر الآن، فقلتُ له لماذا اتصلتَ سبع أو ثمان مرات؟ توقّف ووق، وضع يده على كتفي الأيمن وقال: بس بدي شوفك… كان بس بدي شوفك، ما بدي سافر من دون ما شوفك. لذا ودَّعتُه هكذا، وكان اللقاء الأخير».
لسلامة مؤلفات عدة ومقالات ومقابلات اذاعية وتلفزيونية عدة. وكانت له مساهمات ونقاشات حول الوضع الداخلي والاقليمي، وخصوصاً بعد تجربته في العراق ودوره الى جانب الامين العام للامم المتحدة.
من كتبه، المجتمع والدولة في المشرق العربي، السياسة الأميركية والعرب، نحو عقد اجتماعي عربي جديد، من الارتباك الى الفعل، اميركا والعالم، السياسة الخارجية السعودية منذ عام 1945.
وعن العراق الذي كان أحد الموفدين الدوليين اليه، قال في الذكرى الخامسة للحرب لجريدة «الحياة»، «الحرب مثّلت، على المستوى الاقليمي هدية استراتيجية لإيران وعزّزت التيار المحافظ فيها ومكّنتها من تصدير ثورتها إلى خمس ساحات: العراق ولبنان وفلسطين وأفغانستان وبعض مناطق البحر الأحمر». وهو يتحدث مراراً في مقابلاته عن لقائه بالمرجع الشيعي اية الله السيستاني وعن حرصه ولإبلاغه الى الاميركيين بضرورة وضع العراقيين دستورهم وعدم وضعه في مكاتب المحاماة الأميركية.
وعن الوضع السوري، كتب أكثر من مرة مؤكداً عبثية الحل العسكري. وهو قال في محاضرة له في بيروت في نوفمبر 2015: «منذ اليوم الأول، ولم أغير رأيي منذ ذلك اليوم، فان الأزمة السورية لا يمكن أن تُحلّ عسكرياً، بل هي تستدعي عاجلاً أم آجلاً حلاً سياسياً قد يبنى على بيان جنيف وعلى مبادئ فيينا التسعة».
سلامة القومي العربي، يتحدّث بواقعية عن الفيديرالية ويقول في حديث الى اذاعة «مونت كارلو» في نهاية العام الفائت: «في مرحلة الحرب الباردة كان الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي يقوم على نوعيّة الأنظمة السياسية وليس على حدود الدول. يتوجب علينا كعرب ألاّ نتشبث بالدفاع عن فكرتين، إما ثبات حدود الدول وإما التقسيم». ويسأل: «لماذا لا يفكر العرب بخيار ثالث كالفيديرالية مثلاً. فعندما تريد جمع ما يكون قد تفرّق وتشتّت تكون الفيديرالية دواءً، وحين تريد تقسيم ما هو موحّد تصبح الفيديرالية هي الداء».
… هكذا أعلنت الخارجية اللبنانية ترشيح خوري رسمياً
في إعلان رسمي ضمني عن ملابسات ترشيح السيدة فيرا خوري الى الامانة العامة لليونيسكو، كشفت محطة «او تي في» التابعة لـ «التيار الوطني الحر» الذي يترأسه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، مراحل تبنّي هذا الترشيح ومجرياته.
واوردت المحطة في تقرير إخباري، اعتُبر رداً غير مباشر من باسيل على الانتقادات بحقّه ان هذا الترشيح «لم يكن تهريبة كما يسوّق البعض»، موضحة «ان الدولة اللبنانية بوزاراتها المعنية ورئاسة مجلس الوزراء فيها، عملت في شكل علني، متبعة الاصول على هذا الصعيد، منذ اكثر من سنة».
وروت otv ان قصة ترشيح خوري جرت على الشكل الآتي:
«بدأت خوري حملتها قبل عام ونصف العام وأتت الى لبنان والتقت المعنيين من وزارتيْ الخارجية والثقافة ورئاسة الحكومة.
في مارس من العام 2015، قدّمت ترشيحها فأرسلتْه الخارجية وفق الاصول الى وزارتي الاختصاص التربية والثقافة والدوائر المختصة في رئاسة الحكومة، وتبيّن ان الترشيح مناسب ويساعد لبنان ليلعب دوراً في هذا المجال وأن حظوظه بتبوء المنصب متاحة.
في مارس 2016، وافقت رئاسة الحكومة على ترشيح خوري الى منصب المديرة العامة التنفيذية لمنظمة اليونيسكو، فتحرّكت الخارجية اللبنانية لإبلاغ الدول بذلك، وأعلنت ترشيح خوري رسمياً».
وأضاف التقرير: «تتمتع خوري بخبرة وكفاية في هذا المجال، وقد باتت مرجعاً تلجأ اليه الدول بعدما عملت في المنظمة على مدى 25 عاماً، وكانت لها بصماتها في مجال المعاهدة الدولية للتنوع الثقافي. وفي الدورات السابقة، عُرض على خوري تبوء منصف المدير العام، لكنها رأت ان الظرف غير مناسب لذلك. اليوم، يقول المعنيون والعارفون إن الظرف الملائم التقى مع الشخص المناسب لتكون خوري مرشحة لبنان، بحظوظ كبيرة للوصول الى هذا المنصب، وهي العالمة بكيفية عمل المنظمة وادارة شؤونها».
واحد من ثلاثة
مساء الخميس 4 يناير 2001، دعا الشيخ محمد مهدي شمس الدين ثلاثة أشخاص للتشاور معهم وذلك قبل وفاته ببضعة أيام، وقال لهم: «لا تخذلوني أنتم لستم فقط أمل المسيحيين، أنتم أملي وأمل لبنان». والثلاثة هم: غسان سلامة وسمير فرنجية وطارق متري.
العرب مطالَبون بتجنُّب «الفيفا» في «اليونيسكو»
ماذا لو ترشّح لبنانيان الى رئاسة «اليونيسكو»، السيدة فيرا خوري مرشّحة الحكومة اللبنانية، والدكتور غسان سلامة مرشّحاً من دولة غير «بلاد الأرز»؟
هذا السؤال سيعني، حسب اوساط مطلعة، إمكان التقليل من فرص لبنان في الفوز بهذا المنصب للمرة الاولى في تاريخه خلفاً للبلغارية إيرينا بوكوفا، في وقت تُثار مخاوف من ان تضيع الفرصة ايضاً امام الدول العربية في بلوغ رئاسة «الاونسيكو» هي التي يمثّلها في المجلس التنفيذي للمنظمة كل من لبنان وسلطنة عمان وقطر والسودان، وخصوصاً ان أكثر من شخصية عربية برزت على مسرح الترشيحات كون الاتجاه هو نحو انتخاب عربي لهذه الجولة.
علماً ان من أبرز المرشحي العرب الوزير والديبلوماسي القطري حمد بن عبدالعزيز الكوّاري، فيما لم تحدّد مصر في شكل نهائي من سيمثّلها من بين أسماء متداولة مثل وزير التعليم العالي أشرف الشيحي، ومندوب مصر في الاونيسكو محمد سامح عمرو، والسفيرة مشيرة خطاب.
وثمة مَن دعا الى أخذ العِبرة من خسارة العرب لرئاسة «الفيفا» (الاتحاد الدولي لكرة القدم) بعدما بقي حتى اللحظة الأخيرة ترشيح الأردني والبحريني، فخسرا المنصب فهل يتكرر ذلك في «اليونيسكو» حين يحين موعد انتهاء إدارة بوكوفا، إما بعد نحو عام واما خريف 2017 (وفق النتائج التي ستحققها في انتخابات الامانة العامة للأمم المتحدة)؟