جذور الحضور الماروني في فرنسا
مارون الخوري/النهار/11 نيسان 2016
صدر أخيرا كتاب جديد للمطران مارون ناصر الجميل، راعي ابرشية سيدة لبنان في باريس والزائر الرسولي على موارنة أوروبا الشمالية والجنوبية. يندرج هذا الكتاب ضمن سلسلة وثائق منسية (9) تتناول الحضور الماروني في باريس من خلال مراسلات البطريرك الحويك يوم كان مطراناً (1890) والآباء البترونيين بولس بصبوص وطوبيا يونس وعمنوئيل فارس (الفرخ) الذين تعاقبوا على النيابة البطريركية في سيدة لبنان في باريس. تتوزّع هذه الوثائق على محورين جوهريّين: أولهما، إعادة إحياء المدرسة المارونية الرومانية القديمة (1584)، وثانيهما، تأسيس الوكالة البطريركية المارونية في باريس (1914)، على غرار الوكالات الآخرى التي تأسّست في عواصم القرار يومذاك، أي في القدس وروما والقاهرة. وتكمن أهمية هذا التأسيس في أنه تحقّق قبيل زمن انتهاء حكم “الرجل المريض”، وقبل انشاء دولة لبنان الكبير. ليست هذه الوثائق سوى جزء يسير من مراسلات المطران الياس الحويك والآباء البترونيين الذين شكّلوا فريق عمله “الاوروبي”، وهم: بولس بصبوص من جربتا (مقّر القديسة رفقا)، وطوبيا يونس من تنورين، وعمنوئيل فارس (الفرخ) من صورات. وتحتفظ المكتبة البطريركية في بكركي بقسم كبير منها، في حين يرتع البعض الآخرفي مكتبات روما وفرنسا، أو في مكتبات الأديار أو المطرانيات التي كانت على علاقة بهم. فالمطران الياس الحويك (البطريرك في ما بعد) غزير الكتابة وقد لا يمكن حصر كلّ ما دبّجته يمينه لكثرته وتنوّعه وتبعثره. يستشفّ القارئ من خلال ذلك الكمّ الهائل من المراسلات أن أصحابها نسجوا شبكة علاقات وتواصل مع كبار القوم في مراكز القرار ووسائل التأثير الديني والسياسي والاجتماعي والتربوي. أما اليوم، وبعد مرور قرن كامل على تسلّم البطريركية المارونية كنيسة سيدة لبنان في باريس، فيمكننا القول إنها شكّلت مركزاً دينياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً ووطنياً واكب، على مرّ السنين، الحياة الكنسية والوطنية اللبنانية والمشرقية على مدى الحربين العالميتين وبخاصة الحرب الأخيرة على أرض لبنان منذ 1975، والتهجير والتشتّت والهجرة الكثيفة الناتجة منها. كما شكّلت بنوع خاص مركزاً لاستقبال الطلاب في جامعات باريس والجوار. كما أصبحت محوراً باريسياً للقاء والتفاعل بين العابرين والمقيمين من اللبنانيين والمشرقيين مع الفرنسيين، ولا غرو في ذلك، فهي المرجعية الدينية والوطنية الناشطة قبل اعلان دولة لبنان الكبير وبعده. وقد شهدت تحركات الوفود اللبنانية الى فرساي لبلورة معاهدة الصلح بعد سقوط الامبراطورية العثمانية في العام 1918.