حراك مدني يخدم الانقسام السياسي
عبد الوهاب بدرخان/النهار/16 أيلول 2015
وافق مجلس الوزراء على الخطة التي اقترحها الوزير أكرم شهيب لمعالجة قضية النفايات، لكن الحراك المدني رفضها. ويمكن المراهنة سلفاً على أنه سيرفض أي خطة. لماذا؟ لأن الحراك تسيّس، والمفارقة أن من يطالبونه بعدم التسيّس هم الذين يدفعونه اليه، على الرغم منه بإرسال المندسّين لافتعال مواجهة مع القوى الأمنية، أو بعلمه من خلال الضغط لتغيير شعاراته وفرض استثناءات من صوَرها. نعم، يحظى الحراك بتأييد شعبي، بعدما طفح الكيل ومسّت الحاجة الى مَن يرفع صوته ليقول للجميع “كفى يعني كفى” و”كلّكن يعني كلّكن”. غير أن التظاهرات الموجّهة، مبدئياً، ضد الحكومة بمجملها، تلقّفها فريق لتوظيفها ضد الفريق الآخر، فصار مع المتظاهرين ضد الحكومة كما لو أنه هو نفسه في صفوف المعارضة وليس له ممثلون الى طاولة مجلس الوزراء. عندما تحدّث الرئيس تمام سلام في بدايات الحراك، كمدنيٍّ يخاطب مدنيين، وكمسؤول يريد تلبية مطالب المجتمع، كانت مداخلته مساهمة مع التظاهرات في كشف أين توجد السلطة حقاً وفعلاً. إنها في أيدي مَن يعطّلونها، لشروط وأسباب باتت معروفة ومكرورة (فرض المرشح الأوحد رئيساً، تعيين الصهر قائداً للجيش أو ترقيته وتسليمه فوجاً بإمرته…). فهؤلاء موجودون في الحكومة ومتكفّلون بإفشالها وعرقلتها، لا ليتحمّلوا المسؤولية معها ويعطوا زخماً لفاعليتها، بل ليفرضوا عليها أجندتهم السياسية. وهؤلاء يدّعون اليوم أنهم مع الحراك المدني، بل يحذّرونه من “الانقسام”، فيما هم يتصرّفون وكأن الحراك طوع أصابعهم يستخدمونه لطرح مطالبهم لـ “التغيير” وللضغط على حكومة هم “شركاء” فيها. لا شك في أن هناك جزءاً من الحراك مدني فعلاً، لكنه لا ينفكّ يتهمّش بفعل “الحملات” التي تفرّخها الماكينات الحزبية يومياً لتصبح مجرّد “شغل سياسي” مبطّن، وأي شغل سياسي مرتبط باللعبة الطائفية – أليست أقدم أحزاب “اليسار” تعيش بتمويل من “حزب الله”، وماذا عن “سرايا زعران المقاومة” التي سجّل لها ظهورٌ في التظاهرات؟ وحتى، مع التسليم بحسن النيات لدى الجميع (بمن فيهم مَن ذهبوا للاعتداء على مطاعم!)، أصبح مجهولاً أين “مدنية” هذا الحراك، إذ يتأكد أكثر فأكثر أن المستفيد الوحيد منه هو الجناح “الأسود – البرتقالي” في الحكومة، أي جناح أعداء الدولة الذين ينادون بـ “إلغاء الطائفية” ويستقوون بـ “سلاح المقاومة” للمطالبة بـ “حقوق” طوائفهم. خلافاً لأي ادّعاء، من الواضح أنه لم يكن للحراك المعبّر عن نقمة الشعب أي أثر في تحريك مواقف المتحاورين في مجلس النواب. وقد يتأكد ذلك بانتهاء الجولة الثانية من هذا الحوار. فأقطاب السياسة مختلفون على استحقاقات دستورية، لكنهم يغطّونه بالنفايات التي يختلفون أيضاً على حل مشكلتها. هل يعني ذلك أن لا جدوى من الحراك؟ بالعكس، لكن الأَولَى أن يوجّه كلّه لكسر هذا الاستعصاء الحكومي والسياسي.
الأهمّ انتخاب رئيس
الياس الديري/النهار/16 أيلول 2015
استقبلنا يوم وصولنا إلى باريس في الهجرة الأولى إضرابان وتظاهرتان دفعة واحدة. وعلى ضفّتي نهر السّيْن، من السان جرمان إلى الشانزيليزيه: تظاهرة احتجاجاً على رفع سعر الكرواسون سنتيمَين. وأخرى تطالب بخفض ساعات العمل، المخفَّضة قبل ستة أشهر، ساعة واحدة. أما الإضرابان، فكانا على ما أذكر ضد شركة لصنع السيارات، وأخرى للخشب. عند المساء كانت باريس تتهيَّأ للسهر والانتشار بين المطاعم والملاهي والمقاهي. إنما هذا لم يمنع أننا صحَونا في اليوم التالي على تظاهرات وإضرابات مطلبيَّة جديدة، كما في الأيام الثاني والثالث والرابع… وعلى امتداد الأيام والأسابيع والأشهر. لكن اللافت والمثير للاهتمام أننا لم نسمع، ولم نقرأ، ولم نصادف أيَّ حادث. أيَّ غلطة مسلكيَّة. أيّ تصرّف غير لائق. وبالطبع والتأكيد لم تتحدَّث صحيفة أو إذاعة أو تلفاز عن ضربة كفِّ عابرة، أو ضربة حجر في اتجاه متجَر، أو اعتداء على عمود كهرباء، أو محاولة لقطع طريق، أو التعرُّض، لعابر سبيل… طبعاً من الظلم مقارنة بيروت بباريس، وخصوصاً بعد حرب بوسطة عين الرمانة وما تلاها، ولا مقارنة اللبنانيين بالفرنسيين. أين ذاك الشعب الذي عنده فرنسا قبل كلّ شيء في هذا الوجود، من هذه الشعوب التي تعامل لبنان على أنه مصدر ارتزاق، منفعة، ضربة كُمّ، تمريقة معاملة “ملغومة”… الإضرابات، والاحتجاجات، والمطالبات بالحقوق والتحسينات والتغييرات، ومحاربة الفساد والفاسدين، كل الناس معها ومن دون أيّ سؤال أو تحفُّظ. وخصوصاً بعدما سُيِّبت الدولة، وفُرِّغت، وأضحت تحت رحمة مَنْ لا يعترفون بالرحمة. إلا أنه لا بدَّ من الإشارة هنا إلى أن بعض التحرُّكات، بعض التظاهرات، بعض التجمُّعات تعرَّضت على ما يبدو للاختراق من أناس وفئات وأهدافٍ مغايرة لكل ما من أجله قصَدَ الناس الساحات والشوارع للتعبير عن الغضب والاحتجاج والرفض. والناس قلوبهم ملآنة من الإهمال والتسيّب والفلتان والاستلشاق بحياتهم وأبواب رزقهم ومآل لبنانهم الذي بدأت الهجرات الجماعيَّة تفرِّغه من الأجيال الجديدة التي كان من المتوقّع أو المفترض أن تتولّى هي لا “الإهمال” عملية التغيير والإصلاح والنفضة التنظيفيَّة الشاملة. لم يفُت الأوان بعد. ولا تزال عاطفة الأكثريَّة مع الأصوات المحتجّة بأعلى نبرتها. ومع التظاهر للتعبير عمّا يجول في خواطر المواطنين المغلوبين على أمرهم. وما أكثرهم. وما أكثر مؤيِّدي الحركات الاعتراضية، مع تمنّ أو تمنِّيين: المحافظة على سلمية التظاهر والتجمع والتصرف و… ثم، وهنا الأهم، ليكن انتخاب رئيس جديد يملأ هذا الفراغ، ويُعيد إلى الدولة وجودها ودورها، هو الهدف الأول والدائم إلى أن تتحقق هذه الأمنية. الأمور الأخرى، لاحقون عليها. ونحن معكم.
التحرّك المدني يُغامر بفقدان البوصلة والزخم رصيد 29 آب والشركة في القرار مهدّدان
روزانا بومنصف/النهار/16 أيلول 2015
تخشى مصادر سياسية أن تفقد الحركة المدنية الشعبية التي انطلقت على خلفية ازمة النفايات واستطاعت أن تستقطب المواطنين الغاضبين والساخطين على اداء السلطة والسياسيين زخمها كما بوصلتها تحت وطأة الارتباك في كيفية توظيف انجاز تحقق لها في موضوع النفايات والبناء على هذا الانجاز في روزنامتها المستقبلية. فحتى بالنسبة الى غلاة الداعمين للتحرك المدني ومن بينهم ديبلوماسيون يرون في التعبير الشبابي المدني والسلمي وسيلة ديموقراطية ضاغطة على الحكومة والسياسيين من أجل القيام بواجبهم وعدم التقاعس بذريعة تقديم اولوية مصالحهم المباشرة على مصالح الناس وفق ما بات عليه الوضع السياسي، فان هؤلاء لا يخفون اعتقادهم بان التحرك المدني بدأ يفقد زخمه على رغم نجاحه في عبور امتحانات صعبة في الاسابيع الاخيرة. فما تم توقعه من هذا التحرك لا يتصل لا بالتشجيع على الانقلاب على السلطة أو تفجير ثورة داخلية ولا الاندفاع نحو فوضى قد تودي بالبلد الى المجهول، بل جل ما تم توقعه هو أن يساهم الضغط المدني وديناميته في تحريك المواطنين على اساس غير سياسي وغير طائفي من أجل تكوين ما يمكن أن يعتبر قوة ثالثة يحتاج اليها البلد من جهة وتساهم في الضغط على السياسيين من أجل تصويب ادائهم والتنبه اكثر الى مصالح المواطنين. وفيما وظف كثر التشجيع الديبلوماسي للدينامية الشبابية على أن ما يحصل هو بتمويل من بعض السفارات ولأهداف سياسية مشبوهة، لا يخفى انه تم تضخيم هذه المسألة واستمر التعويل على حركة شبابية يمكن أن تحسن استقطاب اللبنانيين من أجل توظيف التحرك خارج الاطار الطائفي والحزبي لمصلحة قوة تتجاوز هذه الاعتبارات ويمكن أن تنمو من أجل أن تأخذ مكانها حين يحين الوقت. ما يتصل باحتمال فقدان الحركة الشبابية بوصلتها وأدى الى تضاؤل زخمها وقدرتها على استقطاب المواطنين كما حصل في 29 آب الماضي يندرج في اداء مرتبك كان من ملامحه الدخول الى وزارة البيئة بهدف الاعتصام فيها وإرغام وزير البيئة على الاستقالة. يحتاج الشباب المضربون عن الطعام حتى الحصول على استقالة وزير البيئة الى مخرج للعودة عن اضرابهم علماً أن خطوتهم في الاساس غير قوية من حيث أن الاضراب عن الطعام أمر مهم جداً انما لقضية مهمة يمكن أن تؤلب الناس من حولهم من أجل دعمهم كقضية حريات أو ما شابه على هذا المستوى. وبات واضحاً أن المخرج المطلوب لن يكون ممكناً باستقالة الوزير محمد المشنوق في حين أن لقاء المضربين معه كان يمكن أن يساهم في إيجاد حل ما علماً أن التحرك الشبابي فقد الفرصة في توظيف الخطة التي قدمها الوزير أكرم شهيب من أجل معالجة موضوع النفايات على انها من نتاج حركتهم. فالوزير شهيب قدم لهم ما تم التوصل اليه على انه من ثمار تحركهم، وهي نتيجة مرضية من أجل التوقف عن الاضراب عن الطعام مثلاً والإعلان عن الانتقال الى مراقبة التنفيذ علناً جنباً الى جنب مع الانتقال الى بند آخر من بنود المطالبات الاجتماعية الحياتية بعدما تم التوصل الى انجاز حقيقي لم يتم التعامل معه على انه كذلك. فثمة نجاح آخر حققه التحرك وهو دعوته الى أن يكون شريكاً في ايجاد الحلول على طاولة وزير البيئة اي شريكاً في القرار والحل. وهي خطوة جيدة جداً بالنسبة الى التحرك تضاف الى وعي الطبقة السياسية أن القمقم فتح على تحرك لن يتم اسكاته أو تجاهله بسهولة في الوقت الذي باتت الرهانات عليه قوية من أجل المتابعة بروزنامة عمل اجتماعية حياتية يستطيع من خلاله الإبقاء على التفاف الناس حوله باعتبار أن اي انزلاق الى اي بند سياسي سيؤدي الى انفراط عقد من تجمعوا حوله لأسباب طائفية وحزبية وسياسية معروفة على غرار ما حصل في المحطات التي تلت 29 آب واهمها تلك التي حصلت يوم انعقاد الجلسة الاولى من الحوار في مجلس النواب. يضاف الى ذلك أن اليسار السياسي الذي حاول توظيف التحرك المدني لمصلحة شعاراته وأهدافه حضوراً ومشاركة وشعارات سياسية قد افرغ أو يكاد يفرغ التحرك المدني من شموليته اللبنانية من خلال قولبته سياسياً في اتجاهات معينة.
في التقويم الذي ينبغي أن يأخذه التحرك المدني في الاعتبار انه لم يعد ينطبق على ما يقوم به صفة العفوية والانفعال. ولذلك كان يمكن أن تتجه الامور الى التنظيم المدروس واحداث صدمة لدى السلطة كما لدى الناس، ولكن ثمة شكوكاً في أن تبقي “الغارات” التي تستهدف الوزارات على وهج التحرك بعد فشل الاعتصام في وزارة البيئة وهي لم تكن اصلاً خطوة ناجحة من أجل محاولة تكرارها. يومها خسر التحرك نصف داعميه وهو على طريق خسارة مزيد في ظل الاسلوب نفسه. فاقفال الطرق من أجل تحفيز الناس على الدعم اظهر عقمه بدليل انه يثير سخط المواطنين وغضبهم ولم يعد يثير تضامنهم. والمطلوب أن يدرس المنظمون خطواتهم ومطالبهم من ضمن ما يمكن أن يضمنوا تحقيقه لكي يضمنوا نجاحهم في الوقت نفسه كما حصل في موضوع النفايات تحت طائل أن تذهب المطالب المستحيلة سدى في ظل عدم قدرة الطبقة السياسية على تحقيقها أو حتى قدرة الشباب على تغيير الطبقة السياسية راهناً ما لم تكن المطالب السياسية تخدم اطرافاً سياسيين في ظل الصراع القائم في البلد.