راشد فايد: إخراج الشيعة على عروبتهم يسهّل هيمنة طهران على المنطقة العربية
تيار المستقبل/13 نيسان/16
نظّم المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات مؤتمرا تحت عنوان “دور العرب الشيعة في مواجهة المخططات التآمرية”.
وألقى عضو المكتب السياسي في “تيار المستقبل” راشد فايد خلال المؤتمر كلمة جاء فيها:
“منذ مطلع ثمانينات القرن الفائت، بدأت تكثر الندوات والمؤتمرات، بعناوين مختلفة وموضوع واحد: المسلمون الشيعة – العرب وعلاقتهم بالمواطنة والهوية العربية، وكيفية احتوائهم، وعدم استعدائهم، ودور الشيعية السياسية في بلدانها.
كثرة المؤتمرات تحت هذا العنوان، إقرار بوجود مشكلة مذهبية في هذا الصدد، بل هي أكبر من مشكلة، هي قضية عربية اسلامية ملحة الى حد انها باتت أرقا فرديا وجماعيا لكل من يريد تقدم المنطقة وشعوبها. لكنها ليست مفردة، وان كانت الأكثر إلحاحاً. فعلى المستوى العربي، وهو ما يهمنا اليوم، هناك مشاكل أقليات دينية، يجب علاجها بحكمة وعقلانية.
لن أعود الى دلالات الاطاحة بحكم آل بهلوي في ايران، وتحكّم الملالي بالنظام الجديد. فما لا يتذكره كثيرون، أن أمر الهيمنة الايرانية، أو الفارسية، على المنطقة، لم يطرح مع حكم الملالي، فالشاه محمد رضا بهلوي لم يخف طموحاته الاقليمية الى حد التمايز عن الطابع الاسلامي للمنطقة بأنه اعتمد التأريخ الفارسي، وليس الهجري. الفارق بين النظامين الايرانيين، أن الشاه ارتدى بوضوح وجه فارس، بينما من خلفه قنّع فارسيته بوجه ديني وحدوي اسلامي، والتقى الاثنان على أهمية اخراج العرب المسلمين الشيعة على عروبتهم ليمررا هيمنة طهران على المنطقة العربية، ولم يكن ذلك الا بتأجيج المذهبية مغلفةً باستعارة العناوين القومية العربية، في مفارقة تاريخية تجلت في أصوات تنادي بهذه القومية لكنها تتمول، مطبوعات ومنتديات وكتبة ومعلقين ووسائل إعلام، من مصادر ايرانية فارسية.
لكن الدور الايراني ليس الفاعل الاساسي في الموجة المذهبية. فهذه موجودة منذ الأزل، ومزروعة في الضمير القومي العربي، والضمير الوطني اللبناني. فمن صفات العربي، التحزب، ليس بالمعنى السياسي، بل القبلي أساسا. والتاريخ لا يعدم الأمثلة على صراع القبائل والعشائر، وأحيانا داخل الجماعة نفسها، بين بطون وأفخاذ مختلفة، وما حرب داحس والغبراء الا نموذجا. لذلك، أخطّيء عنوان تنامي المذهبية، وأفضل عليه عودة المذهبية أو استعادتها.
الأمر نفسه في لبنان. وذاكرتنا الجماعية لا تنسى ما وصلنا عن فتنة 1860، وكيف تحول خلاف بين فتيان الى حرب بين طوائف امتدت الى الشام. إن حرب المذاهب والأديان ليست مستجدة على المنطقة ومنها لبنان، ألم يقل ابن خلدون “ان العرب لا يحصل لهم الملك الا بصبغة دينية، من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين، على الجملة”.
لم نتخل يوما عن النوازع الدينية والمذهبية، فهي توارت، مرة خلف حماوة القضية الفلسطينية، وأخرى تحت راية الصراع الطبقي، بين يسار ويمين، وثالثة وراء القومية العربية. لكنها بقيت في اللاوعي الجمعي، تصحو غب التحشيد السياسي، وتناقض المصالح السياسية، وحتى تلبية لمصالح السياسيين الشخصية او الانتخابية كما الاقتصادية والمالية.
فهؤلاء يتكئون على علاقة تبادلية مع رجال الدين، تحفظ للطرفين مصالحهم، وتبرر تدخل كل منهما في شؤون الآخر، مع حفظ حيز اختصاص كل فئة. لذا، تعلو الطائفية والمذهبية، عموما على صراع الطبقات، الى حد ان نقاشا دار ابان الحرب اللبنانية استند الى تساؤل مفاده: هل يمكن ان تشكل طائفة طبقة بذاتها!
واذا كان محور النقاش اليوم هو دور المسلمين الشيعة في مواجهة المخططات التآمرية، فإن الأمر يجب أن يستتبع بنقاش دور الجماعات كلها في هذه المواجهة. فخبرة الحياة أطلعتنا على منطق للتضامن الأهلي يسري في سلسة صارت معتادة، وتلقائية، عند كل خطر: يتضامن أهل المذهب الواحد، أولاً (وقبلهم العائلة، أو العشيرة، فالحي، ثم القرية، فالمنطقة)، ثم الطائفة، فيذوب السني مع الشيعي والدرزي الخ، ويتكاتف الماروني مع الارثوذكسي والسرياني و… و … وحين يصبح الخطر أشمل يظهر التضامن وطنياً. لكن عند أصغر اختلاف في الرأي، بين مكونات المجتمع، تطل المذهبية والطائفية بأنيابها.
لمسنا ذلك حديثاً في بنية الجمهور الحزبي لـ 14 آذار، عند حصر الترشيحات للرئاسة بإسمين، لنكتشف ان القداسة التي يضفيها جمهور “حزب الله” على أمينه العام، مستنسخة لدى قوى مضادة له، لمصلحة قائدها، ولنتبين ان منطق الإنصياع الأعمى لهذا القائد، الذي يوصف به جمهور الحزب، يصلح للآخرين، وعلى الضفة الأخرى.
هذا نموذج يؤكد ان الهويات الصغرى القاتلة، من مذهبية وعشائرية وما يشابهها، لا تموت لكنها تختفي عندما يطغى خطر عام، ويصبح جماعياً، أو يعمم النصر المعنوي، كما الحال في حرب تموز 2006، اذ يومها سقطت كل التمايزات من أقصى المغرب العربي، الى اقصى المشرق، واختفت الهويات الصغرى.
وفي الأساس، الأرض خصبة لزرع المذهبية والطائفية، تحديداً في لبنان، طالما ان الهوية الوطنية الجامعة، لم ترتق الى فاعلية الهويات الصغرى، في المجتمع. ولا بد من الاشارة الى الدول العربية الأخرى، التي أظهرت اعلاء للهوية الوطنية، لم يكن أمرها في ذلك تعبيراً عن اقتناع، بل نتيجة قمع مارسته الانظمة الديكتاتورية على مجتمعاتها لاظهار وحدة وطنية، بان اصطناعها، وزعم جوهرها، عند سقوط هذه الانظمة، أو تهديدها، كحال العراق وسوريا اليوم، حتى ليبيا ذات المذهب الواحد، لم تسلم من حروب المذاهب داخل هذا المذهب. للتذكير، فان زعم الاتحاد السوفياتي الراحل انه حل مشكلة القوميات، انفضح عند انهيار المنظومة الشيوعية، وتفكك شعوبها.
عودةالى صلب الموضوع، وهو اسباب تنامي المذهبية في مجتمعنا.
تحمل ذاكرتي ما كان يرويه والدي عن اساءات مذهبية سنية للشيعة، وانا من جيل انتجت الدولة التي بناها فؤاد شهاب، وعيا وطنيا لديه، كرست الناصرية، تحديدا، بُعده القومي، وفرض اليسار بكل أشكاله عولمة اهتماماته، كل ذلك في جو ثقافي عام ومتنوع محا التمايزات المذهبية والدينية والطبقية.
لكن تقلبات الحرب، أو الحروب، ما لبثت ان اغتالت التسامي على هذه الامراض. ويوم غادرت لبنان عام 1978 مهاجراً كنت أمني النفس بالعودة وقد اندمل الجرح المسلم – المسيحي، لكن ما لبثت ارادة نظام الاسد ان فرضت تصفية حركة المرابطون المتنوعة اسلاميا، على الاقل، على يد حركة “أمل” الشيعية، مدعومة بالحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي، ورافق ذلك تنكيل من “أمل” بمقاتلي المرابطون، وأهالي الطريق الجديدة، ما استنفر الحس المذهبي النائم. (كان ذلك في نيسان عام 1985).
وبرغم ان “أمل” شملت بالتصفيات الجسدية مقاتلين مسلمين شيعة من “المرابطون”، وهم كانوا أكثرية في صفوفه، فان الطابع المذهبي كان واضحا وفجاً.
بين رواية والدي وما تابعت من خارج لبنان يتبين ان الظالم والمظلوم تبادلا الادوار لكن الظلم، أو الاعتداء بقي هو نفسه. لكن، مع البنية الثقافية – الاقتصادية الاجتماعية والمالية، التي شيدها “حزب الله” بلغة مذهبية ذكية، بات ما قامت به حركة “أمل” في نيسان 1985، مغامرة ومراهقة بلا سند فكري، فيما ما خطا فيه الحزب منذ منتصف الثمانينات بتؤدة، مشروع أبعد من لبنان، اثبتته الأيام في سوريا والبحرين واليمن والعراق والكويت والسعودية، يقضي بإستتباع الشيعة العرب لإيران، لا سيما اللبنانيين، الذي هم من علّم الفرس مذهب التشيع بفضل علماء جبل عامل. يذكرنا ذلك بما فعلته الوكالة اليهودية لالحاق اليهود العرب بمشروعها لاحتلال فلسطين، عن طريق الترغيب والترهيب، والمال والخطاب الديني، وأساطير شعب الله المختار.
ما يجمع بين مشروعي “أمل”، بعد تغييب الإمام موسى الصدر، والحزب، المذهبيين، أنهما من نتاج الخارج، الأول اراده حافظ الأسد ليبرر عودة عسكره الى لبنان بعدما طرده الاجتياح الاسرائيلي، ومن جهة أخرى، لضرب قوة ميليشياوية قريبة من منظمة التحرير الفلسطينية، وغير ودودة مع نظامه، ودخلت في تقارب مع سلطة الدولة اللبنانية، أو ما كان بقي منها، اضافة الى مشروعه الأقلوي، وحلمه بالإمساك بقرار سوريا، ولبنان والأردن ومنظمة التحرير.
أما مشروع الحزب، فلا يحتاج الى استعلام، لان أمينه العام، وأدبياته، لا يخفيان تبعيته، عملانيا وقرارا، للولي الفقيه في ايران، وتلبية أوامره، وفي الطليعة تحقيق الهيمنة الفارسية على المنطقة.
تظهر خلاصة هذا العرض أن المذهبية أو الطائفية، تقارب ان تكون موروثة تنتقل بالجينات، لكن اليس من درب الى حصارها ووأدها؟
لا يمكن اعتبار القضية واحدة في كل الدول العربية المعنية، فاختلاف الأنظمة يصعب طرح رؤية واحدة، واعتماد علاج واحد موحد للجميع خصوصاً حيث تكون العصبية المذهبية إبنة إضطهاد سياسي وتمييز إجتماعي وغالباً ما يشمل الإثنان فئات أخرى، لكن الإضاءة تقع على جماعة بذاتها، بفضل الصراع على قرار المنطقة.
لكن، على صعيد لبنان، يمكن القول أن الماضي شهد تجربة الشهابية: لم يخض فؤاد شهاب حربا على الطائفية، بل حاصرها، وحصرها، وضبط أدوار أهلها، بإنشاء مؤسسات دولتيه تراقب أعمال الدوائر الرسمية، كالتفتيش المركزي، وديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية، ما اتاح تقدم الكفوئين من كل الطوائف، وتعزيز إنتمائهم، ومحيطهم، إلى الدولة، باعتبارها المظلة الأعلى والأفعل، والقادرة على توفير الفيء للجميع، وكلما زاد حضور الدولة انحسر دور الطائفية والطائفيين وتفرعاتهما.
لا يمكن الزعم ان الشهابية أنهت غول الطائفية، لكنها أعلت من شأن الهوية الوطنية، بفضل إعلاء دور الدولة في الحياة العامة، وتأكيد دورها مرجعا وملاذا وسلطة أعلى.
لم يستمر الحال على ما أرسته الشهابية، إذ غاب المشروع الوطني الإندماجي، بسبب توترات المنطقة الناجمة عن غياب جمال عبد الناصر عام 1969، ونزاعات الحالمين بوراثة زعامته، وصولا إلى إتفاق “كامب ديفيد”، وخروج مصر من الموقف العربي الجامع، على هشاشته، فيما سقط نظام الشاه في ايران، وورثه نظام الملالي، وحلمه بـ”تصدير الثورة” وتكريس المرجعية الشيعية في قم على حساب النجف الأشرف.
كان أبرز أنماط ما سمي بـ”تصدير الثورة” بث الفهم الإيراني للتشيع كمدخل لهيمنة سياسية فارسية، عبر أدوات منها “حزب الله” في لبنان، ومفاهيم وأقاصيص مستنبشة من عمق تاريخ الإسلام، بعضها بدع، أو منحول بلا أسانيد، تساعد على التحشيد المذهبي، يغذيها تاريخ من “المظلومية” موزعة بين حقيقة وزعم”، بهدف الإيحاء بكيان متخيل عابر للزمان والمكان، وهوية بديلة، تلغي المواطنة، والإنتماء القومي.
في هذه الأثناء كان “النظام العربي” المفترض في غفلة من أمره، غارقا في نزاعات فرقائه، أو مطمئنا إلى ضمانات أميركية، أو غربية، طواها الزمن والمصالح، من دون أن يعي أهله مغازي الإحتلال الأميركي للعراق، وتعاون طهران مع واشنطن، وقفزهما عن العداء المتبادل والعقوبات.
وفي هذه الأثناء، أيضا، تنامى دور “حزب الله” بتغذية ايرانية مباشرة، فذلل رفض الأهالي، في الجنوب والبقاع تحديدا، لدوره، وسيطر على الحسينيات والمساجد، وجعلها منابر لدعواه السياسية، ومفاهيمه الدينية، يساعده احتكار مقاومة اسرائيل، بدعم من تفاهم أسدي – إيراني هدف، على المدى البعيد، إلى ما نشهده حاليا، من هيمنة على الدولة، بديلا من هيمنة الوصاية الأسدية، وفرضا لدور متحول هو حماية لبنان بديلا أو قرينا لدور الجيش اللبناني.
أبرز ما يشي به دور الحزب، في لبنان، سقوط الرابط القومي العربي، وقبله الهوية الوطنية. فالأول كان إيديولوجيا ونظريا، لم يترجم بالوقائع الحياتية، ولم يبنَ على تكامل المصالح الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، فيما الثانية لم تنجح يوما في التمرد على حكم الطوائف والمذاهب. يضاف إلى ذلك، الطبيعة الديكتاتورية العسكرية، والإقطاعية الطائفية، والعشيرية للانظمة، وتناحرها الأزلي، بدليل أن أجهزة استخبارات كل منها كانت تبذل جهودها للتجسس على الأنظمة العربية المجاورة، أكثر مما على اسرائيل، ولاحقا ايران، وحتى تركيا، أي الدول المعتدية، أو الطامحة إلى الهيمنة على المنطقة العربية.
استخدم الحزب ما يناسبه من الماضي الديني العميق بلغة راديكالية، كما فعلت طهران، فاستفز راديكالية مقابلة عند المسلم الآخر، لم تجد داخليا آذانا صاغية بقدر ما تخوف كثر، على عكس ما يجري في المنطقة، حيث التعصب يواجه بتعصب أشد واعلى عنفا.
في الخلاصة، يمكن إجمال أسباب تنامي المذهبية بالآتي:
1- غياب، وتغييب الهوية الوطنية.
2- ضمور دور الدولة في الحياة العامة، واهتراؤها.
3- عدم فصل الدين عن الدولة. فالراهن أن الطبقتين السياسية والدينية تتغذى إحداهما من الأخرى، وتتبادلان الغطاء والمصالح، ولا يتعالى صوت الأولى ضد الثانية، وبالعكس، إلا حين تتناقض مصالحهما.
4- سقوط الرابط القومي العربي، واستحالة الرابط الديني الإسلامي، وأصلا عدم صلاحيته كبوتقة للعرب المتنوعين دينيا ومذهبيا.
5- غياب التكامل الإقتصادي والإجتماعي بين الدول العربية.
6- الإنكفاء السياسي وافتقاد الرؤية الإقليمية المستقبلية، كذلك الوطنية.
7- المذهبية ابنة الطائفية، ومن يقبل الطائفية يصل إلى قبول المذهبية. ففي الحرب اللبنانية شهدنا طبيعة طائفية لها، ثم مذهبية في كل معسكر على حدة، فعائلية وعشائرية في الزواريب والأحياء.
8- كما لم تكن الطائفية السبب الحقيقي لاندلاع الحرب اللبنانية، بل تناحر المصالح الدولية والإقليمية، كذلك هي المذهبية اليوم. وطهران لم تخف مصلحتها، لكن العتب على من يسمع ولا يفقه. ربما يمكنه أن يتساءل :كيف يستوي العداء للمستكبرين ومساعدة المستضعفين، مع القتال إلى جانب المستكبر بشار الأسد ضد الشعب السوري المظلوم؟
الخروج من التوتر المذهبي والطائفي، الذي يكمن خلف مظاهر ضحلة، لا يكون إلا بالآتي:
1- كرس الدستور اللبناني لبنان وطنا نهائيا لجميع أبنائه، لكن أغلب هؤلاء الأبناء يشركون بهذا الوطن إنتماءهم الطائفي والمذهبي، ويريدون الدولة أن تخدم تطلعاتهم المذهبية أو الطائفية، وحتى الشخصية، ليؤمنوا بها. ولا مخرج من ذلك إلا بمشروع اندماج وطني فعلي، وليس بتكاذب وطني.
2- تتولد المواطنة من شعور عميق بوجود مظلة عدل وأمن وأمان، اجتماعي واقتصادي، حاضر ومستقبلي، لا توفره سوى الدولة، بقدراتها المتأتية من تخلي كل فرد وجماعة فيها عن جزء من حرياته لتكوين حيز جامع لمصالح الجميع، يساوي بينهم بلا انحياز ولا مراعاة.
3- لا تستقيم المواطنة من دون تأكيد إرادة ناجزة بالعيش معا، ليس بعنوان العيش المشترك، بل العيش الواحد. فالعيش المشترك، لغة ومضمونا، يوحي بأن الفرقاء مستعدون لإيجاد قواسم مشتركة، من دون التخلي عن الإنطواء على الذات المذهبية والطائفية، أي فتح نوافذ بين الطوائف والمذاهب، من دون إزالة الجدران الفاصلة.
4- إخراج النقاش الديني من التوظيف السياسي، وترسيم الحدود بين الديني والسياسي، ليقوم رجل الدين بما يمليه عليه ايمانه، ورجل السياسة بما يتطلبه دوره، فلا يتعدى أحدهما على دور الآخر.
5- الراديكالية الشيعية المتنامية في لبنان منذ ثمانينات القرن الفائت، وهي مسلحة، استدعت راديكالية سنية كامنة، ومحدودة، ومسلحة، والإثنتان تستنفران حاليا راديكالية مسيحية كامنة ومحدودة وغير مسلحة. الأمر الذي يتطلب وعيا بحقائق الحرب اللبنانية السابقة، والتي توضح أن العصبيات لا تجدي، وأن الاستقواء هنا، أو هناك بلحظة تقاطع مصالح، دولية واقليمية مع محلية، لن يؤدي إلى نصر لأي طرف على الآخرين. فالجدار الذي يسقط عنده كل طمع بزيادة وزن معنوي، سيصطدم بجدار اسمه التوازن الوطني ممثلا بفحوى الميثاق الوطني.
6- ما يساعد على تخطي لحظة التأزم الراهن، أن ينصرف أهل المعارف الدينية إلى استشراف المستقبل باستخراج ما يجمع بين الناس، من نصوص، بدل النبش في الماضي عما يفرق ويفرض التناحر والتنافر.
7- لا يمكن الدولة في لبنان أن تكون مسلمة أو مسيحية، ولا تستطيع اتخاذ أي من الديانات، أو المذاهب، هوية دينية لها، لكنها أن تستطيع احتضان كل الديانات ومنحها الهوية اللبنانية، طالما أهلها تحت حماية الدستور اللبناني، ويحترمون قوانينه.
8- إن وجود مشروع مذهبي أو سياسي ايراني لا يجب أن يكون مبررا لنظرة شمولية إلى اللبنانيين المسلمين الشيعة، أو إلى العرب المسلمين الشيعة، ككتلة متجانسة.
9- ليست المشكلة في أن ايران، كما دول اخرى في العالم، تنزع إلى مد نفوذها وهيمنتها على محيطها، بل المشكلة في قصور العرب في التنبه إلى ما يجري، واستكانتهم، فلا يعاقب الشيعة العرب، جمعا، على ما ليس من مسؤوليتهم، ولا قرارهم”.