السيّد محمد حسن الأمين: الدولة الدينية دولة غير شرعية
حاوره: وسام الأمين/جنوبية/13 أبريل، 2016
للعلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين موقف حاسم من مسألة الدولة الدينية فهو يقول أن “لا شرعية للدولة الدينية على الإطلاق”، ولكن على ماذا بنى السيّد موقفه هذا في ظل تنافس المذاهب الاسلامية على تظهير نماذج من الحكم الديني في أيامنا هذه مسبغة عليها شرعية النصوص والاحاديث الشريفة؟
ينفي السيد الأمين منذ البدء امكانية المقارنة بين مفهومين يجري الصراع والجدل حولهما، وهما ما يسميان: بالدولة الدينية، والدولة المدنية”.أما عدم جواز المقارنة فيعيدها السيد الأمين الى “أن الدولة اللادينية هي دولة الحاضر والمستقبل، وأن الدولة بالضرورة، هي دولة مدنية ولا علاقة لها بالشأن الديني، فإذا كانت الدولة الدينية تعني السلطة بإسم الدين وهي فعلاً كذلك، فمن وجهة نظري فإن هذه السلطة لا شرعية لها على الإطلاق إذ لا يجوز أن يكون الدين غطاء لأي سياسة بما يعني أن مصدر الشرعية للدولة هو الدين الذي يقضي بالضرورة أن يكون ممثلوه هم رجال الدين، فقد أصبح من الضروري أن يحسم هذا الجدل لصالح أن الدولة لا تكتسب شرعيتها أو السلطة، إلا بالعقد الذي يقوم بين السلطة وشعبها، أي الذين تمثلهم وتمثل اختياراتهم، وفي هذه الحالة، قد يكون الطابع لهذه الدولة في بعض البلدان طابعاً دينياً ولكنه ليس نابعاً من أن الدين هو مصدر شرعية الحاكم أو السلطان أو الحكومة، فهذا الطابع الديني الذي أشرنا إليه قد يكون ناشئاً عن التوجهات الدينية الغالبة في هذا المجتمع والتي من شأنها أن تنتج قوانينا مستلهمة من الدين، وبالتالي فهي حين تفعل ذلك تمارس حريتها واختيارها الحرّ للقوانين التي تطمح إلى تطبيقيها في إطار الاجتماع السياسي والاجتماعي والأخلاقي وعلى كل المستويات، وهذه في نظري هي دولة شرعية ولكنها ليس دولة دينية، أي أن السلطة لا تحكم فيها بوصفها ممثلة لله على الأرض كما كان شأن الكنيسة في العصور الوسطى، وكما كان شأن الخلافة الإسلامية بعد العهد الأول لهذه الخلافة أي الخلافة الراشدة، حيث أصبح الخليفة وهو السلطان الحاكم يستمد شرعية سلطته من أنه يمثل إرادة الله على هذه الأرض “.
ويفصل السيّد الأمين قائلا: “إن الدولة هي شأن بشري وليست شأنا إلهياً كما هو الدين، والدين ثابت لا يتغير ولا يتحوّل، بينما الدولة صيغة متحركة ومتغيرة ومتطورة وتختلف سماتها بين عصر وآخر وشعب وآخر، إنها اختيار شعب ما لسلطته وللأحكام القانونية التي تحد من صلاحيات الحاكم وتقيدها ولا يمكن بالتالي للسلطة أن تتجاوز الحدود والقيود”.
وتابع : “بصورة عامة فإن كل مفكري عصر الإحياء والذين تتلخّص وجهتهم الفكرية والسياسية إلى استعادة الكيان السياسي للمسلمين، التي كان آخر من يمثلها هو الدولة العثمانية، إن كل هؤلاء الإحيائيين يجب إعادة النظر في تفكيرهم وتراثهم وثقافتهم، فمن الملاحظ أن النزعة العاطفية وأستطيع أن أقول الرومانسية الإسلامية كانت تطغى على تفكريهم وكانوا يظنون أن إقامة دولة في الإسلام سيكون كفيلاً بحدوث النهضة التي يطمحون إليها، وهذا ما يتجلى في نزعة هؤلاء المفكرين الإسلاميين، ولكن نحن الجيل الذي تلا، يجب ان نكون أكثر تحرّراً من الصدمة التي أصابت هؤلاء المفكرين جراء سقوط الدولة العثمانية، أي الكيان السياسي الإسلامي، وأصبح لدينا القدرة والمعطيات التي تسمح لنا بأن نتجاوز رؤيتهم إلى اعتبار الخلاص من مراحل التشتت والتخلف والضعف بتجديد النظرة إلى معنى الدين ومعنى الدولة في آن.
وبالنسبة للشعارات الكبرى التي تعنون وتحرّك الاسلام السياسي، برأي السيّد الأمين أن “أوّل شعار يجب أن نضعه على المحك والذي شكل الأساس الفكري لهؤلاء الإحيائيين في تصورهم لمفهوم الدولة وأعني به شعار أن “الإسلام دين ودولة” لنقول أن الدين باق سواء أقامت دولة باسمه أم لم تقم، يعني أن للدولة مفهوماً آخر غيرلمفكر به كان يجب ان يعرفه الذين كانوا يريدون استعادة الخلافة أو استعادة أي شكل من أشكال السلطة التي تتناسب مع اتباع كل مذهب من مذاهب المسلمين”.
وبالنسبة للفكر الاسلامي الشيعي الذي نشأ في النصف الأخير من القرن الماضي مع الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي عرفه جيداً السيد الأمين وقرأه بكل العمق والشموخ على حدّ تعبيره فيقول “لقد اعتبرت اغتياله من قبل النظام السابق أفظع جريمة ترتكب بحق العلم والمعرفة وأنا أريد أن أقول له وأنا أقرأ كتابك “اقتصادناً الذي يحوي علما جميلا ومثاليا ترتكز عليه رؤيتك لإطلاق مشاريع التنمية الكبيرة وهي رؤية تشدد على أن قيام نظام إسلامي سوف يستولد بالضرورة لدى الشعوب الإسلامية حوافز للعمل والإنتاج والإبداع والأمانة، مما سيغيّر في الواقع الاقتصادي الفاسد لأنظمتنا القائمة آنذاك وأتابع لأقول ما أعرفه ويعرفه الشهيد جيّداً أن البشر هم البشر، وأن التطور الأخلاقي للأمة هو نتاج مخاض حضاري دائم ومستمر، وأن دولة تحكم بإسم الإسلام تقفز فجأة إلى سدّة السلطة لا يمكن أن تحقق هذه الأحلام الجميلة والنوايا الطيبة التي كتبت أطروحتك الاقتصادية تحت تأثيرها”.
وأضيف في نهاية هذا الخطاب: قم وتأمل العراق اليوم أيها الشهيد، والذي يفترض أن حزباً إسلامياً هو الذي يتولى إن لم يكن السلطة بالكامل، فشطراً واسعاً من سلطتها، فهل منع الإسلام هذه السلطة أن تقدم بكل أسف هذا النموذج الأسوء بين سلطات العالم، كما تشير كل الإحصاءات إلى ذلك في العراق”.
ويؤكد السيّد الأمين في النهاية ان هذا الخطاب يمكن توجيهه لكل من الشهيد الشيخ حسن البنا والشهيد السيد قطب والمودودي وسواهم ممن توخوا تجديد الحضارة الإسلامية وإعادة حضورها الفاعل في هذا العالم.