الإنتخابات البلدية: جنبلاط متضايق.. والقوات – عون أمام لحظة الحقيقة
علي الأمين/جنوبية/ 19 أبريل، 2016
تظهر الإنتخابات البلدية المزمع إجراؤها خلال الشهر المقبل، نوعًا من الإرباك لدى مختلف القوى السياسية، ومنشأ الإرباك أنّ هذه الإنتخابات ستجري في لحظة سياسية باردة. المواجهة هذه المرة لا تتم تحت سقف صراع بين 8 آذار و14 آذار، ولا يشكل العصب المذهبي أو الطائفي عنصر تجييش في معظم المدن والبلدات. بالتأكيد أنّ العوامل المحلية العائلية والحزبية شكلّت العنصر المحوري في التنافس على المجالس البلدية في التجارب الثلاث الأخيرة للإنتخابات البلدية منذ العام 1998. لكن ظلّ العنوان السياسي والوطني عنصرًا مؤثرًا بحيث انشغلت القوى السياسية في انتخابات 2010 في تقسيم الأرباح والخسائر بين فريقي 8 و14، وراحت تدرج النتائج بطريقة أو بأخرى في سياق الصراع الذي كان على أشدّه بين الطرفين في ذلك الحين. الحماسة السياسية للإنتخابات البلدية تتراجع، فبعد التفاهم بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، صدر كلام من الطرفين على أنّ التفاهم سيشمل تعاونًا وتحالفًا في الإنتخابات البلدية. وأرفق هذا الكلام بمقولة أنّ هذا التلاقي بين القوتين المسيحيتين يترجم تمثيلاً يساوي 85 في المئة من المسيحيين. وبالتالي بدأ مناصرو الطرفين يتقاسمون افتراضيًا المجالس البلدية التي يشكّل فيها المسيحيون القوة المقررة. هذه النغمة تراجعت اليوم، وبدا واضحًا أنّ قيادتي القوات والتيار تحاولان نسيان مقولة ال85 في المئة والانتقال إلى مرحلة تقديم تحالفهما باعتباره عنصر توافق بعدما أثار هذا التلاقي ردود فعل سلبية في العديد من البلديات. الحسابات السياسية بدت غير مطابقة للحسابات البلدية، وبدا واضحًا أنّ طموح خوض الانتخابات سياسيًا ليس في صالح الطرفين وتتعارض مع الحسابات البلدية. وليد جنبلاط يدرك أنّ الحسابات الإنتخابية هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، وأنّ هدايا سعد الحريري البلدية ليست متاحة هذه المرة. فضلاً عن أنّ تمويل المعارك الانتخابية البلدية بات شحيحًا إن لم يكن منعدمًا. وهذا ما ستشهده مناطق إقليم الخروب والقرى الشوفية تحت مظلة التحالف العوني – القواتي، وفي جانب من المواجهة السياسية والإعلامية بين جنبلاط ووزير الداخلية ما هو متصل برسائل موجهة إلى الحريري من قبل جنبلاط، لا سيما أنّ البعض يتحدث عن معارك بلدية داخل القرى الدرزية بخلاف المرات السابقة. فضلاً عن انتزاع ما تبقى من حصص بلدية لجنبلاط في إقليم الخروب بقرار “مستقبلي”. ويعتقد بعض المراقبين أنّ جنبلاط متوجس من علاقات المشنوق وامتداداته داخل البيئة الدرزية على مشارف الانتخابات البلدية. تيار المستقبل ليس في أحسن أحواله. ربما أدرك الرئيس سعد الحريري أنّ ظروف خوض الانتخابات البلدية هذه المرة غير سابقاتها. فلا أولويات سياسية تتطلب مثل هذا الانخراط ولا الإمكانات المالية تتيح الانهماك في حملات انتخابية في كل الأمكنة. لذا هو مهتم، كما أعلن أكثر من مرة، بانتخابات بيروت وطرابلس وصيدا. أمّا غيرها من البلديات فيتركها للعائلات، لإدراكه أنّ المكاسب السياسية ليست على قدر من الأهمية تفترض التدخل المباشر من قبل تيار المستقبل في معاركها. أمّا في مناطق نفوذ حركة أمل وحزب الله، فالثابت السياسي أنّ الطرفين سيكونان متحالفين في معظم المناطق. وإن غاب التحدي السياسي في التنافس الإنتخابي، فإنّ الطرفين يجدان نفسيهما أمام عملية صوغ لوائح جديدة في كثير من الدوائر الإنتخابية. وإلى التنافس بين الطرفين على كسب المناصرين، ثمّة تحدّ آخر هو مواجهة مطالب تتصل بفشل معظم المجالس البلدية في مهامها خلال السنوات الماضية. لا سيما أنّ الانتخابات تمّت بفرض التحالف السياسي على البلدات وإضفاء البعد السياسي عليها دون سواه. على أنّ الإنتخابات البلدية هذه المرة يجري الترويج لها بتحالف أمل وحزب الله على أنّه رسالة ضد الإرهاب التكفيري. وربما يعاد رفع شعار المقاومة في سياق إسكات الأصوات المعترضة من داخل البيئة المناصرة لهما، باعتبار أنّ التنافس البلدي ومعاركه الإنتخابية قد يشكل طعنة في ظهر المقاومة. القوى السياسية ليست متحمسة لهذه الانتخابات، فنتائجها لن تضيف الى التوازنات السياسية ما يخل بها بل هي ستزيد من المتضررين إذ تفرض التحالفات السياسية على الناخبين من فوق، وستكشف أوهام من يريد أن يجير النتائج في الرصيد السياسي.