فساد «حزب الله» .. العابر للقارات
علي الحسيني/المستقبل/20 نيسان/16
في نهاية العام الماضي أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة مشروع قرار ضد «حزب الله« شدد من خلاله الخناق عليه وعلى المؤسسات المالية والأفراد الذين يدعمونه، دعا فيه إلى إجبار الخارجية الأميركية على التعريف بوسائل الإعلام الداعمة للحزب والتي تموله، مثل قناة المنار و«توابعها« أو ما يندرج ضمن خطها السياسي وبعده الأمني، وفرض شروط قاسية على فتح أي حساب لأي جهة خارجية تسهل تعاملات الحزب أو تغسل أموالاً عائدة اليه.
ما كان بنظر «حزب الله» مُجرّد حبر على ورق والذي اعتبرته يومها مجموعة من قياداته بانه مُجرّد قرار غير قابل للتطبيق، أصبح اليوم قانوناً ثابتاً ساري المفعول بعدما شرّعته الولايات المتحدة الأميركية لتطال من خلاله عدداً من قادته في طليعتهم الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله وخليفة عماد مغنية في القيادة العسكرية مصطفى بدر الدين، بالإضافة إلى مجموعة من المؤسسات والأسماء التي تعمل تحت ستارته، وذلك بتهمة تبييض الأموال لصالح الحزب المُدرج على لائحة الإرهاب الدولي مثله مثل تنظيمي «القاعدة» و»داعش».
من يُقنع «حزب الله» اليوم بأنه تحوّل من مقاوم صاحب مشروع محق يحظى بتأييد واسع يسمح له بإستعادة أرضه، إلى مُرتكب ومُحتل ومُطالب أو مُلاحق دوليّاً. كل هذه الأسئلة أو الإستفسارات لم تعد مهمة بالنسبة الى «حزب الله» ولا هي عادت تؤثر بطبيعة عمله وأنشطته التي يمارسها في طول البلاد وعرضها من دون حسيب او رقيب ومن دون أن يُعير أي أهمية للتأثيرات الجانبية التي تنتج عن أفعاله هذه وارتكاباته، والتي تُغرق لبنان وتزيد من أزماته وتشويه صورة أبنائه الذين تنعكس عليهم سلبيّات هذه الأفعال داخل المجتمعات التي يتعايشون ضمنها، ويُلزمهم تحمّل تبعات أفعاله وإنزلاقاته ويفرض عليهم عزلة اجتماعية واقتصادية ليعود ويخرج بعدها ببيانات استنكار يمدح فيها نفسه ويضع الإجراءات والقرارات المتخذة بحقه في خانة العداء لخط «المقاومة«.
«المقاومة» هي حُجّة «حزب الله» الدائمة أو معزوفته المتواصلة. يتحجج بأن مقاومته مستهدفة على الدوام ومن وراء هذا الإستهداف، تصدر بحقه قرارات دولية وعربية، لكن هل طرح أو ناقش الحزب يوماً على هامش اجتماعاته، الاسباب التي أوصلته الى هذا المكان؟ وهل سأل نفسه عن ارتكاباته في بيروت والشمال والبقاع وعن حمايته المطلوبين وتهريبهم إما الى بلدات احتلها في سوريا مثل «القصير» و»الزبداني» وغيرهما أو الى قرى ومناطق لبنانية تخضع لدويلته؟ هل سأل «حزب الله» نفسه عن وجود تاجر مخدرات على جبهات قتال اعتبرها أشرف من تلك التي خاضها ذات يوم في جنوب لبنان؟ هل سأل نفسه ماذا يفعل في اليمن والعراق وسوريا التي ازهق فيها حياة اكثر من الفي شاب لبناني كانت اسرائيل نفسها تهابهم وتعمل لهم الف حساب؟ وهل سأل نفسه عن المنتصر من ادخال اليتم والألم والقهر الى بيوت عائلات كان اذلّ بعضها منذ فترة قصيرة على حواجز الأمن الذاتي؟.
من قال إن الفساد يُمثّل فقط بأشخاص مثل صلاح عز الدين وحسن تاج الدين وعبد اللطيف فنيش شقيق الوزير محمد فنيش وحاتم وهاشم الموسوي شقيقا النائب حسين الموسوي، ولم تسقط عنهم الحصانة الحزبية إلا بعد تسليم جزء من أموالهم للقيادة؟ للفساد وجه آخر يتمثل بقتل الناس وتهجيرهم وإحراق منازلهم ومن ثم مقايضتهم على بيع ممتلكاتهم مقابل أبخس الأثمان بعد حصارهم بقصد قتلهم جياعاً تماما كما يحصل اليوم في «مضايا» و»الزبداني». والفساد ايضاً يكون في حماية عصابات السرقة والاتجار بالمخدرات وفرض الخوّات على الآمنين بحجّة تأمين الحماية لهم وفي استغلال حاجات الناس في ظل تغييب الدولة عن مناطقهم لصالح الدويلة.
ليس السؤال اليوم ما إذا كان القرار الاميركي، أو غيره من القرارات، قابلاً للتنفيذ ام لا، بل السؤال هو إلى أين يريد أن يأخذ «حزب الله» البلد واللبنانيين وهو الذي يحمل مشروعا مجهولاً لا ينتج عنه سوى الموت ويفرض حالة شاذة على البلد ويُحمّل أبناءه ما لا طاقة لهم به، مرّة يفرض عليهم الموت والدماء، ومرّات يُغرقهم في الفساد وأخواته. لكن الثابت الوحيد أن ما من حالة شاذة يُمكن لها ان تستمر في أن تتحكم بمصير هذا البلد وأن تستمر في تطويع إرادة الناس وإلحاقها بمشاريع الموت خارج الحدود ولا بصناعة الكابتاغون.
التقاذف الأوليغارشي وراحة «حزب الله» والثرثرة المستديمة من دون قضاء
وسام سعادة/المستقبل/20 نيسان/16
السيرك الأوليغارشي اللبناني عرض متواصل ومجاني.
في وضع محكوم أساساً، بتشمع السلطة التشريعية، وضعف السلطة الاجرائية، وضمور السلطة القضائية، يمكن لأي نفر أو «مرجع» أن يتولى صفة الإدعاء في فراغ، أو على الشبهة أو الرائحة أو القيل والقال، وأن يذهب كل نفر في ادعائه حيثما تقوده رغبته أو مصلحته. ويمكن للجميع في نادي النافذين «الخوشبوش مع القوانين»، أو «النادي الأوليغارشي»، أو اتحاد النوادي الأوليغارشية، مواصلة اللعبة التقاذفية للاتهامات الفسادية، والاستهلاكية لها، في أحضان سرّ يعلمه الجميع، وهو أنّ كل هذا للتسلية، ولتقطيع الوقت، دون أن يكون واضحاً الى متى ستستمرّ حال الشغور، والى متى سيظلّ الشغور طوراً متمادياً من تقطيع، أو تضييع الوقت، ليس أكثر.
مدهش، وطريف، كيف انتقلت اهتمامات هذا النادي، بجميع أركانه، من «الاهتمامات الاستراتيجية»، والبحلقة في حركة التاريخ والجغرافيا السياسية، الى هواية ممارسة الادعاء العام والخاص، في بلد معطل القضاء، وسيبقى معطلاً طالما لم يندفع تحريك شعبي ضاغط لتمكين القضاء من اصلاح نفسه بنفسه، ومن اتاحة المجال لنفسه ايضا، وبالضغط الشعبي اللازم في هذا المجال، من الاضطلاع بمهام السلطة التأسيسية، في مسائل محددة لكن مفتاحية، يأتي في أولها دور فاعل للمؤسسة القضائية، في انهاء حال الشغور الرئاسي، ما دامت المؤسسة التشريعية «غير ناوية»، والمجلس الدستوري غير نافع. من دون تحريك شعبي لاعادة احياء المؤسسة القضائية وتمكينها، من القضاء الدستوري حتى القضاء المالي، فإنّ كل حديث عن نهب وفساد في البلد هو شكل من أشكال التسلي بمصائب الناس، بداعي توعيتها وتنويرها. مثلما أنه، من دون انبثاق محكمة دستورية من هذا الجسم القضائي، تكون أولى مهامها تسمية رئيس مؤقت للبلاد، لتجاوز حال الكربجة، فإن الشغور الرئاسي مرشّح للذهاب أبعد وأخطر بكثير مما يتوقعه أكثر المتشائمين.
في الصيف الماضي، وعلى خلفية الاستهتار الرسمي بملف النفايات، انطلقت حركة احتجاجية لم تستطع التوسع، في غياب أحزاب جماهيرية جذرية، وأطر نقابية حية ومتصلة بقواعدها الاجتماعية المهنية المفترضة، بل لم تنجح في بلورة خطاب برنامجي مؤطر وموسّع لحركة احتجاجاتها، فكان ان تراجعت هذه الأخيرة، بعد أن غلب عليها مظهر «الافتقاد الى رؤية» بشكل سريع، و»حرقتها» بعض الوجوه «القديمة» غير المشجعة أبداً.
المضحك بعد ذلك، أن تكون الأوليغارشية نفسها، التي نهضت ضدها هذه الحركة الاحتجاجية تريد التنديد بها ككل، قد استعارت لغة مجموعات «بدنا نحاسب» و»طلعت ريحتكم» لتوظفها في حرب اعلامية داخلية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بين أركانها. هذا، ويشعر عدد كبير من المتابعين بأنه عليهم «التموقع» في هذه الصراعات الفقاعية المحتدمة، كما لو كانت ذروة الصراع الوطني الاجتماعي التحرري، في حين أنّها «سلوى الكبار»، وعارض من جملة عوارض كثيرة، على الحال التي وصلت اليها التركيبة السياسية اللبنانية، بل البنية الاجتماعية اللبنانية منظوراً لها من فوق.
لكن هذا المستوى التهتكي للنظام السياسي والاجتماعي اللبناني منظوراً له من فوق، يحتمي بالموت السريري للجمهورية الثانية ومعادلاتها ومؤسساتها الدستورية، فيطمئن بذلك الى «استقراره»، رغم الشغور ورغم الانهيار العام لوظائف الدولة ومرافقها. وهنا مكمن المفارقة، التي تستكمل بمفارقة «حزب الله» كعدو داخلي لهذا النظام، وحامٍ لتركيبته في شكل عام، مع احتفاظه لنفسه بـ»الحق في البطش».
طبعاً، على صعيد «الذاتيات الطائفية» فان شحنة التقاذفات الاستهلاكية الأخيرة لها بعدها الطائفي والمذهبي بشكل أو بآخر، وهي في معظمها تريح حالياً جبهة «حزب الله»، وتفسّر الى حد كبير لماذا كان التحالف العريض بين الطوائف المشتكية من مشروع الهيمنة الفئوية الذي يقوده الحزب واهناً الى هذا الحد.