سليمان فرنجية لـ”النهار”: الوحيد الذي كان يمكن أن يمـون عليّ بالانسحاب هو عون للمسيحيين دور أساسي في تحسين وضعهم إذا أحسنوا التقاط الفرصة
ألين فرح/النهار/21 نيسان 2016
خرج من طاولة الحوار مباشرة الى جريدة “النهار”، في زيارته الأولى لها، التقى النائب سليمان فرنجية رئيسة مجلس الإدارة، المديرة العامة ورئيسة التحرير النائبة نايلة تويني وبعض الزملاء. ورافقه نجله السيد طوني ووزير الثقافة روني عريجي والمسؤول الإعلامي في “المردة” المحامي سليمان فرنجية. الحوار كان طويلاً ومتشعباً ومثيراً، وكعادته كان فرنجية طبيعياً وصادقاً وسمّى الأمور بأسمائها من دون تكلف، وبلا تردد أجاب عن كل الأسئلة، فكانت جولة آراء على ملفات سياسية مختلفة أبرزها الاستحقاق الرئاسي وتشعباته، وفي الختام جال في مكاتب “النهار”. يرفض سليمان فرنجية تعطيل حقوق المواطنين عبر تعطيل مجلس النواب، خصوصاً ان المؤسسات كلها معطّلة، ويسأل: “هل بالتعطيل نسرّع انتخاب رئيس الجمهورية؟ اذا كان هذا هو الأمر فلنعطّل مجلس النواب، وبماذا يربح المسيحي إذا عطّل التشريع؟ فالوضع الاقتصادي والمعيشي دقيق جداً، والمواطنون في مكان والدولة في مكان آخر”. بعد سنتين من الفراغ الرئاسي، لا يعتبر فرنجية نفسه في منافسة على الرئاسة مع النائب العماد ميشال عون، “ظروفه غير ظروفي”، أما عن حلّ قريب للاستحقاق، فيقول “إن الحل يجب أن يحصل في مكان ما، ثمة أمر يجب أن يحرّك الأمور ولكن لا أعرف ما هو، كما أني أرى للمرة الأولى ان الجميع ضائع ولا فريق يعرف ماذا يريد”. لا ينكر أن المشكلة في فريق 8 آذار، “فهل نحن ننتظر الوضع الإقليمي أم ثمة عامل داخلي؟ وأين المصلحة في التأخير؟ داخلياً، على الأقل كان يجب علينا كقيادات 8 آذار ان نجلس معاً لنتكلم ونبحث الوضع مستقبلاً، واذا كان اثنان من الفريق غير متفقين فهذا لا يعني اننا لا نستطيع أن نجتمع، خصوصاً أن قوى 8 آذار ما زالت كما هي”. أما اذا كان الحل خارجياً “فنحن ننتظر حلاً يكمن في التفاهم السعودي – الإيراني، ولكن لا احد يتنبّه الى ان هذا الاتفاق هو طائف جديد، يعني أن تفاهمهما سيكون تفاهم السنة والشيعة في لبنان. لكن للمسيحيين دوراً اساسياً في تحسين وضعهم اذا ما أحسنوا اغتنام الفرصة وأداء هذا الدور في شكل صحيح، واذا تعاملوا بإيجابية مع الاتفاق وكانوا جاهزين لكل الاحتمالات. فثمة من يقول ان الطائف وضع على حساب المسيحيين، جزء من هذا الكلام صحيح، أي أنه جاء نتيجة تفاهم سني – شيعي، ولكن لم تكن النية إقصاء المسيحيين، بل تكبير الدور وكان ذلك تلقائياً على حساب المسيحيين لأن الدور الأكبر في لبنان كان لهم”. يشدد فرنجية على الإيجابية حيال المجتمع المسيحي وبث تفاؤل فيها: “إذا لم يصل شخص محدد الى رئاسة الجمهورية فهذا لا يعني ان المسيحيين انتهى دورهم وأن المسلمين لا يريدونهم. يجب عدم “تيئيس” المجتمع المسيحي على قاعدة اذا أتيت أنا رئيساً تكون موجوداً وقوياً وإذا لم أكن رئيساً فلن تكون موجوداً، بصرف النظر عن الشخص. وبصرف النظر عمن يكون الرئيس، المهم أن يشعر المجتمع المسيحي بوجود الدولة وان ثمة مستقبلاً له في هذا البلد مع شريكه”.
أما عن المعايير التي اتفق عليها في اجتماع الأقطاب الأربعة في بكركي، “فهي لم توضع على قياس شخص واحد بل اتفقنا على مواصفات معينة يجب أن تتوافر في الرئيس، ووضعناها في طاولة الحوار أيضا. اذا اتفقنا فعلينا التزام هذا الاتفاق، فلا نستطيع أن نخرج من الاتفاق اذا لم يعجبنا، واذا أعجبنا نسير به. وهذا الكلام ينطبق علينا جميعاً”. أما كلمة الميثاقية فيعتبرها مطاطة، “اتفقنا نحن الأقطاب الأربعة على أن أي واحد منا ميثاقي، واتفقنا في الحوار على ان الرئيس يجب ان يكون له تمثيل قوي وأن يكون منبثقاً من البيئة التي ينتمي اليها، لكن عندما لم تأتِ كما يريدون انتفت الميثاقية. ما هي الميثاقية؟ هل هي عون وجعجع وإلا لا وجود لميثاقية؟ اذا لم يأت عون ولا جعجع ولا حتى فرنجية رئيساً يعني لا وجود للمسيحيين في البلد؟
إذا حصل تفاهم اقليمي، أنا غير مقتنع ان السعودية او ايران يريدان إلغاء المسيحيين، بل خوفي على المسيحيين أن يلغوا انفسهم. علينا ان نكون جاهزين لكل المراحل، وألا نتكلم كلاماً ينعكس على البيئة المسيحية التي تتفاعل وتتأثر بهذا الكلام مما يولد إحباطاً ويأساً وهجرة. ما يهمني أن يصل رئيس مسيحي يمثل وينبثق من بيئته، آدمي وشريف، ويمكن ان يكونوا أكثر من 4 تنطبق عليهم هذه المواصفات أو حتى أكثر من 10. لا أحد يستطيع تجاوز المنطق، ولكن عندما تكون المطالبة غير منطقية، يتم تجاوزها، كما ان لا منطق اسمه أنا أو لا أحد”.
واذ يُسأل فرنجية ان اللامنطقي ألا يشارك في انتخاب رئيس الجمهورية وهو مرشح، يجيب بلا تردد: “نعم أنا مقتنع أن هذا الأمر غير منطقي ويحرجني، لكن لا يمكن أن أشارك في جلسة لا يتأمن فيها النصاب وأخرج مختلفاً مع اصدقائي وحلفائي من دون انتخابي رئيساً”. وما سبب عدم انتخاب رئيس الى الآن؟ “لأن ثمة جواً اليوم داخل فريق 8 آذار يقول لا مصلحة لنا الآن في رئيس، وأنا أقول إن هذا الطرح غير محق ولا أعرف ماذا ننتظر لانتخاب رئيس. لكن لو حضرت وتم انتخابي هل أستطيع أن أحكم إذا تمّ “كسر” فريق ما؟ بالطبع لا”. يستطرد فرنجية: “أنا لست ضد انتخاب عون رئيساً، وغالباً ما يقال إن حظوظي تراجعت، ويجب ان يوجد طرح بديل. إلا أنني انا أؤمن بالوقائع التي تقول بوجود مرشحين اثنين اليوم هما فرنجية وعون، وحالياً أنا أملك الأكثرية في مجلس النواب، لكن في حال وجد طرح آخر تصبح حظوظي صفراً. فالطرح الذي سيأتي برئيس هو الوفاق الوطني وبموافقة الجميع، وانتخاب الرئيس ليس في خطوة الانتخاب فحسب، بل ثمة عملية انتقال من مرحلة جمود الى مرحلة نهوض، أي حكومة جديدة وتفعيل حكومة وتفعيل مجلس النواب وكل المؤسسات. الجميع جاهزون لهذه المرحلة لكن الاختلاف على تفاصيلها”.
عن موقف “حزب الله” من ترشيح حليفيه، يؤكد فرنجية ان التواصل دائم مع الحزب حول الرئاسة وسواها. الحزب ملتزم مع العماد عون، وإذا لم يعد يريده رئيساً هناك فرنجية. أتفهم مرحلة الانتظار التي مرّت، ولكن أكرر أن على فريقنا الجلوس معاً ووضع خطة للمستقبل. لا أحسد الحزب على موقفه، فهو محرج تجاهنا وتجاه العماد عون، ومخطئ من يعتقد ان الحزب يمون على أحد للانسحاب. ولا مرة كانت العلاقة بين الحزب وحلفائه تسير وفق هذا المنطق، وفي كل تاريخ مسيرتي السياسية كل ما قمت به هو عن اقتناع، حتى في موقعنا الجغرافي والسياسي وفي أوقات كثيرة كانت اقتناعاتنا تتغلب على مصالحنا. اليوم في موضوع انسحابي من السباق الرئاسي الوحيد الذي كان يمكن أن يمون عليّ هو العماد عون شخصياً. لأنه لو قال لي اننا واحد ولن نسمح لأحد الدخول بيننا، وعلينا التفاهم ووضع خطة موضوعية معاً، لكنت انسحبت من دون تردد. ولكن عندما اصبح أنا غير موجود فتصبح المسألة مسألة كرامة وتحدّ. واليوم اذا قبلوا به رئيساً أكون مسروراً. ولا أعتبر أن انسحابي الآن يجعله رئيساً، لكن ما يؤخر الانتخابات قد يكون رفض الجنرال او الموقف معه، أو حتى أمور اقليمية أو دولية. واقتناعي اننا ننتقل الى مرحلة جديدة هي مرحلة رئاسة وحكومة ومجلس نواب، أي مرحلة دولة. نحن لا نريد رئيساً لتعبئة فراغ الكرسي فقط بل نريد دولة حقيقية”.
وفي رأيه أن “الانجاز الكبير الذي حققناه مع البطريرك الراعي في بكركي أننا جعلنا شريكنا المسلم لا يفكر بعد الآن في مسيحي ضعيف، وأنه من الصعب بعد الآن على مرجعيات أو دول تخطي هذه المواصفات، ولا يمكن فرض رئيس على المسيحيين من دون موافقة اثنين أو ثلاثة من الأقطاب الاربعة أو من خلال تجاوزهم. علماً انه ليس الاقطاب الاربعة فقط هم الذين يشكلون مواصفات الرئيس القوي، إذ يجب ان تتوافر فيه خامة معينة يمكن ان تكون اقتصادية او سياسية او عسكرية. يجب وضع معيار للرئيس، والشركاء في الوطن يختارون ضمن هذا المعيار. إذا كنا نختار الأقوى في الطائفة المسيحية فيعني أن لا انتخاب بل تعيين، وإذا كنا نختار الأقوى في الطوائف الأخرى فنكون نحترم ارادتهم، لكن هذا لا يعني اننا مجبرون. اليوم شئنا ام ابينا الاقوى في الطائفة السنية هو الرئيس سعد الحريري وهو نائب من 10 سنين، لكنه ليس رئيس الحكومة، فالظروف هي التي تقرر”.
مقتنع فرنجية بالاتفاق مع الرئيس الحريري الذي “تبيّن مع الوقت انه طبيعي وعملي ولا مؤامرات من خلاله، والسيد حسن نصرالله لم يشك من اليوم الأول بهذا الاتفاق، لكن الحزب هيكلية، وثمة أشخاص ضمن هذه الهيكلية كانوا غير مطمئنين، واتضح للجميع لاحقاً ان الاتفاق طبيعي. لم أتفق مع الحريري على سلة متكاملة، بل على أن الأمور التي نختلف عليها نضعها جانباً، والأمور التي نتفق عليها نسير بها. نحن بحاجة الى ورشة عمل والنهوض بالدولة ورفع الدخل القومي وعندما تقوى نعالج الثغرات الصغيرة. يجب ان ننتهز الفرص ليس لأمور شخصية بل للوطن وتطويره. أتتنا فرصة الطائف، ومنذ 15 سنة لو بنينا دولة لما كان أحد استطاع أن يكسرنا، ولكن بنينا نفوذاً شخصياً ونظاماً هشاً. وأرى اننا اليوم في مرحلة شبيهة بالعام 2004، واذا حصل أمر ما فيمكن ان تحصل ثورة شعبية ضد الجميع والنظام”. وفي رأيه ان “اتفاق معراب غيّر الصورة لكنه لم يغيّر المضمون”. وعن أحوال فريقي 8 و 14 آذار اليوم، يؤكد فرنجية ان هناك خلافات ثنائية، “مثلاً بيننا وبين الجنرال ولا أراه خلافاً اساسياً، واليوم أعود وأؤكد اذا انتخب رئيساً فلا مشكلة لدي وليس لدي شيء ضده، كما أن هناك خلافاً بين “المستقبل” و”القوات اللبنانية”. ويختم فرنجية: “اقتناعي أنه اذا اتفق السعودي والايراني تحصل التسوية في المنطقة ولبنان، ويسير البلد ويوضع قانون انتخاب يشبه هذا الاتفاق، لأن القانون ينبثق منه مجلس ينتخب رئيساً يرسم اتجاهات البلد، كما تشكّل حكومة جديدة، وبذلك نكون انتقلنا من الاصطفافات الى الدولة”.