متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده في قداس الفصح: انتخاب الرئيس أولى خطوات الاستقرار وبئس المسؤولية إن كانت بابا لبيع الضمير وتسخير القيم
الأحد 01 أيار 2016
وطنية – ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده خدمة الهجمة وقداس الفصح في كاتدرائية القديس جاورجيوس، في حضور النائب عاطف مجدلاني، الوزير السابق طارق متري، الوزيرة السابقة منى عفيش وأعضاء من مجلس بلدية بيروت وعدد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية والاجتماعية والمؤمنين.
بعد الإنجيل ألقى عوده عظة بعنوان “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور”، قال فيها: “إنجيل اليوم يحدثنا عن الكلمة ابن الله الذي كان منذ البدء وهو الله “الذي كل به كان وبغيره لم يكن شيء مما كون به كانت الحياة والحياة كانت نور الناس”. هذا الإله الذي “أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس” (فيليبي 2 7) “وصار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوءا نعمة وحقا” كما يقول الإنجيلي يوحنا (1 14) الذي عايش الرب يسوع ورآه وسمعه ولمسه وكتب عنه لنؤمن به أنه هو حقا ابن الله. وهو حي إلى الأبد. وقد جاء إلى الأرض ليهب البشرية رجاء حياته الأبدية ونورها وهو الذي تألم من أجل الإنسان وصلب ومات وقام من بين الأموات غالبا الموت دائسا الجحيم ومعتقا إيانا من براثن الخطيئة والشر معيدا إيانا إلى المجد الإلهي الذي انفصلنا عنه بالمعصية. هذا الإله التام والإنسان التام هو الذي نعيد لقيامته المجيدة اليوم. وإن لم نكن نؤمن بقيامة المسيح فباطل إيماننا وباطلة أيضا كرازتنا”.
أضاف: “في السبت الذي يسبق أحد الشعانين نعيد لإقامة لعازر من الموت بعد مرور أربعة أيام على موته وكان قد أنتن. لكن يسوع تأخر عن الذهاب إلى حيث كان لعازر ليظهر مجد الله. أحيانا كثيرة يتأخر الله لقصد معين. قد نظن أنه لا يستجيب لصلواتنا أو أنه لا يأبه لآلامنا إلا أن له توقيته وقصده. لعازر مات لكي تظهر قوة يسوع وسلطانه على الموت. قد نضطر أحيانا إلى اختبار الألم أو اليأس أو ما شابه لكي يتكشف سلطان الله على الألم واليأس وكل شيء. نحن في لبنان نمر بامتحان قد يقول البعض إنه طال كثيرا وهذا صحيح. فدولتنا بلا رأس منذ أكثر من سنتين والجميع يدرك الخلل في عمل المؤسسات وتعطل الحياة الديمقراطية وعدم الإستقرار في البلاد والفوضى المستشرية في كل مكان فيما البؤس يفتك بالناس والضمير الوطني معطل. أليس مشهدا سورياليا منظر النفايات تغزو الشوارع في القرن الواحد والعشرين ويتأخر إيجاد الحل لها لا لأن الحل مستعص بل لأن الإستجابة للمصالح المتضاربة عسير وهل الإتجار بالبشر واستعبادهم وإجبارهم على ممارسة الدعارة مسموح هل استباحة الحدود والمرافئ وإدخال البضائع الممنوعة أو الفاسدة مسموح وماذا عن التهاون بحياة المواطن والإستهانة بلقمة عيشه وانتهاك القوانين والتستير على من يسرق البلد وتغطية أبطال الفضائح ومن يتاجرون بالأخلاق وبالوطن وبالمصير والمؤلم في كل هذا أن هؤلاء ينصبون أنفسهم ديانين للآخرين يلقنونهم الدروس في الأخلاق وتحمل المسؤولية؟”
وتابع: “نحن في بلد يعير فيه الصادق بصدقه والمستقيم باستقامته. يخافون الصادق ويخشون من يحترم القانون ويلتزم الدستور لأنهم يريدون من يغطي صفقاتهم أو من يغطي معهم صفقات أزلامهم. لكنهم يفضحون الصفقات ويتشاتمون متى اختلفوا على المغانم. يريدون أزلاما يسهرون على مصالحهم فيما المطلوب مواطنون صالحون يستظلون القانون ولا ولاء لهم إلا لله والوطن. الأزلام لا يبنون أوطانا بل يخدمون أسيادهم على حساب الوطن. بئس المسؤولية إن كانت بابا لبيع الضمير وتسخير القيم. إن كنت تحترم النظام وتطبق القانون فأنت جاهل لا تحسن التشاطر وغير مرغوب بك في جنة المحظيين المرشحين لتبوء المراكز فيما هي أو يجب أن تكون مجالات للخدمة يرضي بها من يشغلها الضمير والله. مؤسف أن يكون بعض من كنا نظنهم حماة الحق والقيم حماة للفساد والفاسدين يريدون الدولة على قياسهم وقياس مصالحهم حتى كاد هذا البلد يصبح بلد النفايات من كل نوع. وفي ظل غياب رئيس للجمهورية عوض جعل مجلس الوزراء خلية عمل مستمر ودؤوب لمواجهة التحديات الأمنية والإجتماعية والإقتصادية والإنسانية نراهم يحولونه ساحة سجالات ومبارزات وتبادل اتهمات”.
وسأل: “ألا يدري من يسيئون إلى لبنان وأبنائه أن الموت لا بد آت وأن الدينونة لا مفر منها؟ ألا يعرفون أن من يشاركون في قتل لبنان ومؤسساته ومن يتغاضون عن هؤلاء سوف يقفون معا أمام الله ويسألون عما اقترفت أيديهم مهما اختزن الإنسان على هذه الأرض هو فان وعندما يموت سوف يترك هذه الفانية خالي اليدين وسوف يحاسب على أعماله وهكذا يكون قد خسر الحياة الأبدية دون أن يربح الأولى؟ لذا أيها المؤمنون لا تهتموا إلا بخلاص نفوسكم “لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض… بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء… لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك” (متى 6 19-21). لا تدعوا الشر يطغى على حياتكم أو الحقد يفتك بقلوبكم أو سوس المفاسد يتغلغل في نفوسكم. ولا تيأسوا أمام التجارب والصعوبات لأنها تقوي الإيمان. أشكروا الله على كل شيء وافرحوا في الرب كل حين. أحبوا بعضكم بعضا كما أوصانا الرب وكونوا أمناء له ولوطنكم. إن لم يقف اللبنانيون مع لبنان ويعملوا على إنقاذه من سيقف معه وينقذه نحن بحاجة إلى استقرار سياسي من أجل تجاوز الأزمات الاقتصادية والمعيشية والأمنية. إنتخاب رئيس للجمهورية أولى الخطوات على طريق الإستقرار. حان الوقت لكي يرجع المسؤولون إلى ضمائرهم والإهتمام بوطنهم ومصيره وعدم استرهانه لمصالح خارجية أو فئوية وعدم تحكيم المصالح الشخصية في الإستحقاقات الوطنية. الديمقراطية لا تستقيم إلا إذا وضع المسؤولون المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة ووعوا أن مصالحهم تكون بخير عندما يكون الوطن كله بخير. ورجاؤنا أن تكون الإنتخابات البلدية الخطوة الأولى على طريق إعادة الحياة الديمقراطية إلى لبنان”.
وقال: “في الستينات من القرن الماضي رئيس جمهورية ذو عقل نير وكف نظيف أرسى قواعد المؤسسات الرقابية في لبنان وكانت خطوة لو كتب لها البقاء لكنا في عداد الدول الديمقراطية العريقة التي يفتخر بها أبناؤها. في مثل هذه الدول إن وجه لمسؤول اتهام استقال وإن قصر في أداء واجبه استقال وإن فقد ثقة الشعب استقال. أين نحن من هذا العالم المتحضر أين معايير الأخلاق عندنا مؤسسات الدولة تتهاوى والفضائح تتضاعف والمسؤولون يتراشقون بشتى الإتهامات والصفقات والمواطن يئن والوطن يضيع. عسى ألا تدفع السمكات الصغار ثمن اقترافات الحيتان الكبار”.
أضاف: “الحكم هيبة والهيبة تفرض بالصدق والجدية والمثابرة والعدالة. التهاون وغض النظر يعيقان فرض الهيبة والقانون. ومن أراد فرض التزام القوانين والأنظمة عليه أن يلتزمها أولا ويطبقها. هنا لا بد من الإشارة إلى أهمية التربية في بناء المواطن الصالح تربية الأهل لأولادهم على المحبة والإيمان والصدق والصراحة واحترام القوانين وغيرها من القيم والفضائل وتربية المدارس والجامعات لطلابها على المواطنة وقبول الآخر واحترامه وبناء نفوسهم على قيم الحق والعدل والمساواة والإبتعاد بهم عن التطرف والتعصب والحقد والأنانية وكل ما يسيء إلى نفوسهم وإلى وطنهم ومواطنيهم ودفعهم إلى التفوق على الفساد ونتن الأخلاق بالعلم والثقافة والفن والإبداع”.
وتابع: “صحيح أن جلجلتنا طالت إنما إرادة الحياة أقوى من الموت ولا بد لهذا الليل أن ينجلي ولا بد لفجر الإنعتاق من ظلمة هذا السواد أن ينبلج. نحن نعيد اليوم لقيامة ربنا يسوع المسيح من الموت وانتصاره على الجحيم. نحن أناس قياميون نؤمن بأن إلهنا الذي غلب الموت ليخلصنا لن يتركنا في الألم واليأس والإحباط ونحن على الرجاء نعيش سائلينه بلسان النبي داود “إصرف وجهك عن خطاياي وامح كل مآثمي قلبا نقيا أخلق في يا الله وروحا مستقيما جدد في أحشائي”. صلاتنا إلى الرب الغالب الموت أن يصرف وجهه عن خطايا الجميع وأن يخلق فيهم قلبا نقيا وروحا مستقيما لتستقيم الحياة في هذا البلد وتعود دورة الديمقراطية إلى العمل ويعود الأمل إلى نفوس اللبنانيين. كذلك نصلي من أجل أن يعم السلام في منطقتنا وفي العالم أجمع وأن يعود كل مهجر إلى بيته سالما وكل مخطوف إلى أهله سليما معافى وأن يعيد إلينا أخوينا المطرانين بولس ويوحنا اللذين نفتقدهما منذ ثلاثة أعوام سالمين معافيين”.
وختم عوده: “حفظكم الرب الإله واشرق نور قيامته في قلوبكم ومنحكم أن تحتفلوا بهذا العيد المقدس إلى سنين عديدة. المسيح قام حقا قام”.