حساب بيدر “حزب الله”
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/14 أيار/16
حقول “حزب الله” الواسعة، التي تمتدّ من العمق اللبناني إلى الأعماق العربيّة والدوليّة بفعل “تكليفه الشرعي” الإيراني، أعطت محاصيلها الوفيرة على أرضها، وبدأ الآن يجمعها على بيادره، ليكتشف بذهول الفرق الشاسع بين حسابَي الحقل والبيدر.
هناك في الحقل، “انتصارات إلهيّة” و”أيّام مجيدة” وأدوار ووظائف معقّدة وإدارة وتحكّم.
وهنا على البيدر، مآزق وتخبّط وخسائر بالجملة تُظهر كم أنّ الحصاد الأخير كان هزيلاً لا يتناسب مع غلال الحقول والميادين.
ولم يكن اغتيال قائده العسكري مصطفى بدر الدين “ذي الفقار”، سوى الحلقة الأخيرة، وليست الآخرة، في سلسلة الأثمان الباهظة التي يدفعها نتيجة توريطه في حروب الآخرين وصراعاتهم، وتنفيذه أوامر “وليّه” بدون أيّ اعتراض، لا سابق ولا لاحق.
وفي جردة سريعة أوّلية لهذه الأثمان، يمكن إحصاء الآتي:
- خضوعه لحصار مالي شديد بفعل قانون العقوبات الأميركي والاجراءات الدوليّة الجادّة، ما جعله يخرج عن طوره، ويهدّد ويتوعّد حاكم مصرف لبنان والمصارف اللبنانيّة والحكومة، ويتّهم الجميع بالضلوع في “الحرب الكونيّة” لإلغائه.
وهنا نعود بالذاكرة إلى اتهامه حكومة السنيورة سنة 2008 بالتهمة نفسها لإلغائه عبر ضبط شبكته الهاتفيّة الخاصة، وكانت غزوة 7 أيّار لبيروت. فهل يتحضّر الآن لغزوة جديدة أو ما شابه؟
- معاناته من حصار عربي سياسي وإعلامي ومالي، تظهر نتائجه على غير صعيد، ولم يعد ألمه خافياً.
- انكسار أحاديّته المزمنة في تمثيل طائفته وتعليب قرارها وإرادتها منذ ربع قرن، بعدما واجهته معارضة شديدة في ساحته وعقر داره، خصوصاً بعلبك والهرمل والضاحية.
فليس تفصيلاً أن تحصد اللوائح المنافسة للوائحه أكثر من 40% من الأصوات بعدما كان يتباهى بأكثر من 90% منها. هذا الرفض الشعبي الشيعي ليس فقط نتيجة تنافس عائلات ووجود طموحات شخصيّة واعتبارات محليّة، بل هو ناتج عن تململ سياسي وبداية انتفاضة على توريط الطائفة وشبّانها في حروب سوريّا والعراق واليمن، وما هو بعد بعد.
- اضطراره للانكفاء عن انتخابات بيروت، وتغريده وحيداً خارج لائحة حلفائه، بسبب جوهري هو رفضه حالة التنوّع والتعدّد المناقضة لطبيعته الأحاديّة المقفلة.
- ظهور أزمة علاقات جديّة بينه وبين بعض حلفائه، خصوصاً “التيّار العوني”، بعدما خذله في أكثر من استحقاق، بدءاً من التمديد والتعيينات، وصولاً إلى الرئاسيّات والبلديّات. وقد بدا عمق أثر هذه الأزمة، برغم “قداسة” التفاهم بينهما، في فلتات لسان حسن نصرالله وكتمانه الغضب حين تحدّث عن مشكلة زحلة مع حليفه.
ولم تكن رمّانة زحلة سوى رأس جبل الجليد القائم على تراكمات القلوب “الرئاسيّة” الملآنة. وللرئيس نبيه برّي حصّة وازنة في هذا التوتّر.
وفي نظرة بانوراميّة شاملة، يتّضح كم أنّ “حزب الله” بات محاصراً في بيئته، وبين حلفائه، وأمام العرب والعالم.
وليس ما يوحي بأنّ إيران تستطيع فكّ عزلته، وهي لا تزال تدفع ثمن عزلتها العالميّة التي لم تنتهِ بعد، برغم عطف أوباما واعوجاج سياسته، التي لا بدّ من تصحيحها بعد رحيله خلال بضعة أشهر.
والتطوّرات الأخيرة في سوريّا تكشف فداحة الأثمان البشريّة والمعنويّة التي تتكبّدها إيران، وخلفها “حزب الله”. والأخبار تتحدّث يوميّاً عن عشرات القتلى الإيرانيّين، وبينهم ضبّاط وخبراء.
وليس مقتل بدر الدين، المتّهم الرئيسي باغتيال رفيق الحريري ورفاقه، في سوريّا بالذات، بعد اغتيال مغنية وابنه والقنطار وعشرات الكوادر الآخرين، ومئات المقاتلين، سوى نذير نهاية صعبة لكلّ هذه السياسة المتهوّرة. ولا تغيب المحكمة الدوليّة عن خلفيّة كلّ هذا المشهد.
وسواء كان مقتل “ذي الفقار” اغتيالاً أو تصفية، على غرار رستم غزالة وآصف شوكت ومغنيّة نفسه، فالنتيجة واحدة: مصير أسود لكلّ متجبّر، ودروس التاريخ القديم والمعاصر لا تُخطئ.
فأحياناً كثيرة تسبق عدالةُ السماء عدالةَ الأرض. تتعدّد الأسباب والموت واحد.