التحالف الدموي الإيراني- السوري وخسائر الحرس الثوري
داود البصري/السياسة/15 تشرين الأول/15
بات واضحا, وبشكل لا لبس فيه, أن تحالف نظاما طهران ودمشق قد وصل لمرحلة حاسمة مع تسارع الأحداث لقرب سقوط النظام السوري الذي لا يمكن للعمليات العسكرية الروسية أن تحرفه عن مساره, أو أن تمنع تحققه, فهزائم قوات النظام وحلفائه أضحت كارثية وفقا لمختلف المقاييس والرؤى والتوقعات, والتغطية الجوية الروسية رغم وحشيتها المفرطة وتعرضها للمدنيين ولجوئها لإستعمال الأسلحة المحرمة دوليا, لم تمنع هزيمة جحافل النظام. العمليات العسكرية تحسم في البر, وليس من الجو, وحتى لو تدخل الروس بريا فإن الهزيمة ستفضحهم, فالأرض سورية والمقاتلون سوريون والروس وحلفاؤهم الإيرانيون غرباء و مهزومن لا محالة! مع سقوط جنرال الحرس الثوري الإيراني حسين همداني في ريف حلب الشمالي تتعزز خسائر التحالف السوري- الإيراني وتضاف أسماء وأرقام جديدة لسجلات ضحايا الحرس الثوري الإيراني في الحرب الكونية المصغرة التي تعيشها سورية, والتي تسير بإتجاه توسيع أطر التورط الإقليمي, وبما هو أبعد من المجال الحيوي السوري. فخسائر الحرس الثوري من كبار المستشارين الحرسيين والقادة العسكريين الذين قادوا صفحات الحرب ضد العراق, مثل الجنرال فرشاد حسوني زاده, والجنرال حامد مختار بنده وما سيضاف لهم من جثث وخسائر في القريب العاجل وحتى إعلان يوم الهزيمة الإيرانية الكاملة, تشكل معضلة حقيقية لنظام حليف للنظام السوري منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي وتقاسم معه حروبه وتحالفاته وتشكيلاته الإستخبارية بل أن الملفات الجامعة لعمل نظامي دمشق وطهران تشكلان ملفا متضخما لأهم أحداث ومنعطفات وتطورات الشرق القديم طيلة العقود الثلاث المنصرمة من عمر المنطقة.
لقد شكلت الحرب السوريةالشرسة تحديا حقيقيا لأنظمة عاشت وترعرعت على الشعارات المرفوعة , وهي شعارات متناقضة, لكنها تعبر عن مصلحية وإنتهازية فظة مثلت حقيقة النظام السياسي الإقليمي! فالنظام السوري مثلا ظل ولعقود طويلة, بدأت منذ أوائل ستينات القرن الماضي, يتغنى بشعارات الوحدة العربية والإشتراكية العلمية و العمل القومي, ثم تلطى لسنوات ومراحل طويلة أيضا خلف شعار الصمود والتصدي والتوازن الستراتيجي! لكن تحالفاته وتصرفاته وعلاقاته وخططه السرية والعلنية لا علاقة لها أبدا بتلكم الشعارات الزاعقة بل أن هويته الفكرية الحقيقية ظهرت حقيقتها في وقوفه العلني و الصريح مع النظام الإيراني خلال مرحلة الحرب مع العراق ( 1980/1988) وناوئ خصمه اللدود النظام البعثي العراقي السابق العداء رغم الهوية العقائدية المشتركة ظاهريا! مما خلق تناقضا لم يفهمه أو يبرره الكثير من المراقبين , فالنظام الإيراني لم يكن أبدا يخفي عدائه للقوميين العرب ولفكرة الوحدة العربية ولكنه في الحالة السورية كان يتعايش وينسق مع النظام القومي السوري! وهي حالة لم تمنع أبدا من تواجد قطاعات الحرس الثوري الإيراني في العمق السوري وفي البقاع اللبنانية أيام الإحتلال السوري للبنان وهم الذين إستطاعوا بناء اللبنات الأولى لتنظيم «حزب الله» اللبناني, وكذلك مارسوا أدوارا مباشرة وصميمية في إدارة عمليات الإرهاب في الشرق و الخليج العربي وضرب المصالح الأميركية والغربية في لبنان والعراق و الكويت و الخليج العربي في منتصف الثمانينات والتي إستمرت بشكل متصاعد حتى عشية الغزو العراقي للكويت عام 1990 وتغيير كل قواعد اللعب والتحالفات والمواقف!, مما جعل من أعداء الأمس حلفاء اليوم!!, ولكنها كانت حالة إضطرارية مؤقتة قامت بسبب فوضوية الغزو ومفاجأته الزلزالية والتي قلبت كل القواعد والتحالفات و اسست لمرحلة طويلة من الفوضى والتداخل في الشرق توجت بالغزو و الإحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وتدشين مرحلة «الفوضى الخلاقة» وحيث إنهارت الدولة العراقية تحت مؤثرات الطائفية والإحتلال و تهشيم القواعد الأخلاقية والمجتمعية ودخول المتناقضات الاقليمية لمرحلة تصفية الحسابات. اليوم يبدو التحالف السوري- الإيراني القديم أمام حقيقة التفكك والإنهيار بسبب وصول النظام السوري لحالة الإفلاس التام بعد سقوط الستار بالكامل عن «شرعيته الثورية» التي تهاوت تحت ضربات الثورة الشعبية ولجوء النظام لحقيقته القمعية والإرهابية ثم الإنضواء تحت العباءة الطائفية الرثة التي جعلت من أرض الشام الطاهرة محطة للعصابات والعشائر الطائفية القادمة من كهوف وسراديب العراق ولبنان وأفغانستان والتي دخلت البلد تحت عنوان الحفاظ والدفاع عن المواقع الدينية والمذهبية المقدسة, لتتحول لإحتلال طائفي بغيض يمارس مهمة إستئصال وتدمير الشعب السوري بعد أن أضحت الخارطة السورية بأسرها مجالا حيويا وملعبا لها, وها هم جنرالات الحرس الثوري يسقطون في مختلف المواقع السورية من دون تجاهل مئات التوابيت المغلفة بعلم «حزب الله» الأصفر وهي تعبر الحدود نحو ضاحية بيروت الجنوبية!! وأمام إحتمالات التورط البري لقوات النخبة الروسية في العمليات القتالية فإن مصارع الجنرالات تظل إحدى أهم سمات تطور الصراع السوري المفتوحة إحتمالاته المرعبة على مختلف النهايات… شرق يزحف بإمتياز نحو دراما مرعبة للأسف.
القتيل الفلسطيني والقتيل السوري
حـازم الأميـن/لبنان الآن/15 تشرين الأول/15
كاذبون أولئك الذين هبّوا على صفحاتهم لنجدة القتيل الفلسطيني على أيدي سلطات الإحتلال الإسرائيلي، ولم ينبسوا بكلمة حق عن القتيل السوري على أيدي جماعة بشار الأسد. كاذبون فعلاً، وكذبهم أساء لقتيلنا الفلسطيني قبل أن يسيء للقتيل السوري. فإشاحة النظر عن الثاني تكشف مرةً جديدة عن حقيقة أنّ الإنحياز للأول هو جزء من خطاب الحروب الأهلية التي يخوضونها. تلك الحروب التي تُخاض بإسم فلسطين وأهلها، وتلك الأنظمة التي استبدت بمجتمعاتها مغلفة استبدادها وإجرامها بخطاب القضية. والحال أن القتيل السوري هو امتداد لنظيره الفلسطيني، وهو توسيع لمفهوم القتل عبر جعله عاماً وصلفاً وغير مكترث بصورة أو بمعنى. وما السكوت عن قتيلنا في سوريا سوى نزع للقناع عن فضيحتنا بقتيلنا في فلسطين. فبشار الأسد قتل القتيل الفلسطيني بعد أن قتله بنيامين نتنياهو، بأن جعله في مرتبة رقمية أدنى. مئة قتيل سوري في اليوم في مقابل عشرة نظراء فلسطينيين لهم في كل موسم عنف هناك. أليس في ذلك افتئات على المأساة السورية؟ أليست فجيعتنا بالنظام في سوريا أكبر من فجيعتنا بنظام الاحتلال في فلسطين؟ بشار الأسد أتاح لنتنياهو رفع أرقامه، وهو إذ تمسك خلال قتله السوريين بخطاب اللغو القومجي دفع نحو سوء تفاهم بين القضيتين، وقد صار لزاماً على فلسطين أن تقول كلمتها في القضية السورية، ذاك أن نظاماً يقتل شعباً باسمها. اليوم تبدو فلسطين مسرحاً لقتل نخبوي ومُعزز بخطاب وخطة ووجهة. لدينا قتيل هناك وقتلى هنا، ولدينا نظام يغذي نظاماً. هذا حرفياً ما يجري. فنتنياهو أطلق العنان لآلة القتل على وقع زيارة جنرالات روس تل أبيب. وقام رئيس أركان جيشه بتأجيل لقائه في تل أبيب مع نائب رئيس أركان الجيش الروسي لمدة ثلاث ساعات، قام خلالها الأول بزيارة مواقع جيشه في الضفة الغربية، وقالت الصحافة الإسرائيلية إن خطوة تأجيل الاجتماع هي نوع من استثمار التنسيق بين الجيشين الروسي والإسرائيلي في انتزاع شرعية إضافية للعنف حيال الفلسطينيين. القتيل هناك هو امتداد للقتيل هنا، وبينما يعلن الممانعون تفهّمهم لتنسيق الجيش الروسي خطواته في سوريا مع الجيش الإسرائيلي، يستحضرون القتيل الفلسطيني بصفته قرينة على صحة خطابهم. فأي صفاقة هذه، وأي إساءة للقتيل وتسهيل لمهمة القاتل. قبل بدء المأساة السورية، كان واحدنا يعتقد أن ثمة مؤمنين فعلاً بأن “الممانعة” وجهة لاستعادة الحق السليب في فلسطين. المأساة السورية كشفت أن هؤلاء لا يشكلون أكثر من 5 في المئة من حملة هذا الخطاب. فقد امتُحِن هذا الخطاب في سوريا فتساقطت أوراق التين عن المضمون الانقسامي والاستبدادي لـ”الممانعة”.النظام في سوريا ساوم على بقائه بحفظ أمن إسرائيل، واستمر الممانعون في الوقوف إلى جانبه. وهام هم الروس يُقدّمون على نحو علني ضمانات للإسرائيليين فيما الممانعون يحتفلون بقدومهم إلى سوريا. وها هو الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيين معززاً هذه المرة بغطاء دولي إضافي، والممانعون ينتزعون القتيل من أهله هناك ويعلنونه قتيلهم. يجب تحرير القتيل الفلسطيني من أيدي هؤلاء. هذا على كل حال ما فعلته متظاهرة في القدس عندما رفعت هناك علم الثورة السورية.