مقتل بدر الدين.. علامات استفهام
إياد أبو شقرا/15 أيار/16 الشرق الأوسط
في كل مرة يفقد فيها “حزب الله” اللبناني شخصية قيادية له وسط ظروف غامضة داخل سوريا، تبادر بعض الجهات الحزبية، أو المقّربة من الحزب، إلى توجيه تهمة تصفية القيادي القتيل إلى إسرائيل.
هذه العادة درجت، منذ اندلاع الثورة السورية وتدّخل الميليشيا “الحزبو طائفية” بهدف وأدها بموجب أوامر إيرانية، لكنها لم تبدأ بعد مارس (آذار) 2011 .إذ سبق للجهات المتصلة بالنظامين الإيراني والسوري أن وّجهت تهمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، يوم 14 فبراير (شباط) 2005 ،إلى إسرائيل وعملائها، بل، حتى قبل ذلك التاريخ، عندما كانت هناك تنظيمات منها الراديكالي ومنها المشبوه ومنها الأجير تمارس جرائم الاغتيال السياسي على هواها، تارة باسم العروبة، وتارًة باسم تحرير فلسطين، كانت الأصوات ترتفع والأصابع لاتهام “الموساد” الإسرائيلي.
ما أقصده ليس تبرئة إسرائيل وأجهزتها الأمنية من جرائم الاغتيال السياسي، لا سيما أن كثيرا من دول العالم مارست أسلوب التصفية الجسدية لخصومها، بما فيها دول ديمقراطية راقية. ومن دون الذهاب بعيًدا في هذا المجال، يكفي الإشارة إلى أنه كانت ترصد ميزانيات خاصة في بعض الدول الديمقراطية الكبرى لـ”العمليات السرية” operations Covertعبر التصويت داخل البرلمان، وكانت هذه العمليات تتراوح بين الاغتيال والتخريب والانقلابات العسكرية. وبما يخّص إسرائيل، بالذات، معروف أن أجهزة الأمن الإسرائيلية نّفذت عبر السنين عدة اغتيالات داخل فلسطين المحتلة وخارجها، منها اغتيال “أبو يوسف” يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان في بيروت عام 1973 .وخليل الوزير “أبو جهاد” ورفاقه في تونس عام 1988، وصولاً إلى اغتيال محمود المبحوح في دبي عام 2010.
ولكن لماذا اتهام بعضهم إسرائيل بتصفيات واغتيالات بعينها؟
زعم وجود أسباب مختلفة، وأحياًنا متناقضة، أبرزها: أولاً، وجود سوابق إسرائيلية في هذا المضمار ما يجعل الاتهامات قابلة للتصديق. وثانًيا، حرص الطرف الجاني على إبعاد الشبهة عنه ما يدفعه إلى إلصاق التهمة بطرف آخر. وثالًثا، عطًفا على السببين السابقين، ثمة جهات تعد اتهام إسرائيل بقتل أفراد محسوبين عليها “شهادة وطنية” بحقهم، وتالًيا، بحقها.
في موضوع اغتيال الحريري، مع أن قوى سياسية تابعة لطهران ونظام دمشق دأبت على اتهام الزعيم اللبناني المغدور أحياًنا وجهاًرا أحياًنا أخرى بأنه “يخدم سياسة توطين الفلسطينيين” الأميركية إسرائيل، ثم “استغراب” كيف يستبعد متهمو نظام الأسد في دمشق احتمال توّرط إسرائيل ويركزون بدلاً الإسرائيلية، وبأنه “مرتبط إقليمًيا بمحور الرياض القاهرة”، اضطر الجناة إلى توجيه أصابع الاتهام إلى من ذلك على اتهام الأسد وأجهزته الأمنية. في جريمة اغتيال الحريري التي وجه ادعاء المحكمة الدولية المشّكلة لنظرها تهمة القتل إلى مجموعة من حركيي “حزب الله” على رأسهم مصطفى بدر الدين اضطر الجناة والمدافعون عنهم لذلك .. حماية لأنفسهم ولمعسكرهم، بعدما اكتشفوا كيف فّجرت الجريمة البشعة غضًبا شعبًيا عارًما غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث.
بعكس اغتيال الحريري، تعّمد إعلام “حزب الله” وحلفائه وداعميه اتهام إسرائيل باغتيال قياديه الأمني البارز عماد مغنية ثم “حليفه” سمير القنطار، بهدف إسباغ هالة النضال والوطنية والمقاومة عليهما، وذلك بعد تحويل الحزب بندقيته بعيًدا عن “تحرير فلسطين” وتوظيفها في قتل السوريين وتهجيرهم وتشريدهم.
في حسابات “الماكينة الإعلامية” التابعة لـ”محور طهران دمشق (حزب الله)” كان لا بد من “استحضار” النضال ضد إسرائيل، المجّمد منذ 1973 عبر خط الهدنة في هضبة الجولان، لاستثماره سياسيا، دفاًعا عن الحرب التي يشنها “المحور” منذ سنوات على الشعب السوري. ومن ثم، ربطَمن تنعتهم هذه “الماكينة” بـ”التكفيريين” ليس بإسرائيل فحسب، بل بالولايات المتحدة أيًضا.
بيد أن المفارقة التي ربما كانت بالأمس وراء تحويل الاتهام من إسرائيل إلى “التكفيريين” في مقتل مصطفى بدر الدين، هي أن مواصلة اتهام إسرائيل مباشرة غدت مستعصية على التصديق، وخصوصا، في ظل التفاهمات الروسية الإسرائيلية حيال الملف السوري أولاً، وانكشاف حقيقة موقف واشنطن السلبي من الثورة السورية ثانًيا. في ضوء هاتين الحقيقتين، غدا متعذًرا إحراج موسكو التي تقاتل الثورة في خندق واحد مع إيران وميليشياتها الطائفية وبينهما “حزب الله” بمباركة من تل أبيب. كذلك، ما عاد سهلاً الترويج لأكذوبة “الممانعة” و”المقاومة” في ظل سياسة باراك أوباما الودّية تجاه إيران، وهي السياسة التي جعلت واشنطن تغض النظر عن دور “الحرس الثوري الإيراني” القتالي داخل سوريا، وتوكيلها الكرملين لرسم ملامح أي تسوية مقبلة بقوة السلاح. بناًء عليه، بات الخيار الأسهل اتهام “التكفيرين”، وهذا مسمى فضفاض يتراوح بين جماعات إرهابية ومتطّرفةُمدانة دولًيا وعربًيا وسورًيا، وفصائل معارضة معتدلة تتمتع بالصدقية السياسية وتشكل البديل المنطقي للنظام الحالي. في المقابل، ثمة احتمال آخر لا مصلحة لنظام الأسد ولا أي من حلفائه في الإقرار به، ألا وهو وجود اختراقات أمنية وسياسية داخل نظام دمشق. وهو ما قد يعني أن مجموعة ممن جرت تصفيتهم إنماُصّفوا وفق حسابات داخلية أو خلافات استقطابات داخلية داخل منظومة النظام الأمنية. هذا الاحتمال كان قد طرحُ بَعيد تفجير مبنى الأمن القومي السوري بدمشق في يوليو (تموز) 2012 .وفيه قتلت مجموعة من كبار المسؤولين الأمنيين “النظاميين” بينهم آصف شوكت صهر الأسد، ووزير الدفاع داود راجحة، ورئيس “خلية الأزمة” حسن تركماني.
تبقى تساؤلات أخيرة حول اتهام إسرائيل يمكنَسوقها كي تتكامل الصورة. هل يشعر متطرفو إسرائيل، وعلى رأسهم حزب الليكود الحاكم، بالضيق لنشوب حرب أهلية في سوريا، أو حرب إسلامية إسلامية، (سنية – شيعية) على مستوى المنطقة؟ ألا تضمن حرب من هذين النوعين مستقبل إسرائيل لعشرات السنين؟ وإذا كانت سياسة إيران في سوريا تؤجج نيران الحرب الإسلامية الإسلامية، كما نرى، فلماذا إذن تقتل إسرائيل أركان “حزب الله” الذين ينّفذون هذه السياسة؟