بقاء بشار الأسد يعيق حل مشكلة اللاجئين
رندة تقي الدين/الحياة/16 أيلول/15
فجأة استيقظت الدول الأوروبية على اللجوء السوري الذي بدأ منذ ان شن بشار الأسد حربه على شعبه ودفعت براميله الى اللجوء الى الخارج والتشرد. لبنان تحمل اكثر من مليون لاجئ. وهو عبء كبير لبلد يعاني من انقسام سياسي عميق ومن اوضاع اجتماعية واقتصادية مزرية. والأردن وتركيا تحملا ايضاً عبئاً كبيراً.
لكن كل ذلك بفعل حرب ارادها الأسد وكان بالإمكان تجنبها والتجاوب الحقيقي مع مطالب الشعب بالحرية والإصلاح. بيد ان عائلة الأسد لا تعرف معنى الحرية. فكلما تحدث سوري او لبناني عن الحرية اما اعتقلته وعذبته او اغتالته او قصفته بالبراميل القاتلة. والآن وأوروبا تتنازع حول توزيع ١٥٠ الف لاجئ سوري في دولها، يتنافس الأوروبيون لزيارة اللاجئـــين في الدول التي تستضيفهم لإطلاق الوعود بمساعدتهم ودعمهم في وقت يتدفق اللاجــئون ويـــخاطرون بحياتهم متجهين الى الغرب الذي لا يمكنه استيعابهم بهذه الكثرة. وأصبح اللجوء السوري الى فرنسا وبريطانيا وألمانيا فجأة الموضوع الأساسي في الإعلام الغربي مع مشهد الولد ايلان الكردي السوري الملقى على الشاطئ التركي. لكن لماذا لم يتحرك هذا الرأي العام نفسه عندما قتلت قوات بشار الأسد في ٢٠١١ الطفل حمزة الخطيب في درعا عندما بدات الأحداث. فسلطات الأسد اعتقلته وقتلته قبل انتشار صوره على الشبكات الاجتماعية. ان مشهد ايلان الكردي مؤلم ومريع وغير مقبول.
لكن ينبغي التساؤل كم ايلان وقع قبله وكم حمزة بعده بسبب بشار الأسد. واللجوء بدأ منذ اربع سنوات عندما اندلعت الأحداث وتفاقمت عندما قتل الطفل حمزة الخطيب. وقال ذلك بوضوح امس رئيس الحكومة الفرنسي مانويل فالز ان داعش اتى على يد الأسد الذي اراد قتل المعارضة المعتدلة. فمسألة اللجوء اليوم تطرح نفسها في اوروبا بقوة في اوساط الرأي العام وأدت الى تأييده ضرب «داعش» الذي لن يحل مشكلة اللجوء ما دام بشار الأسد وجماعته على رأس الحكم. جاء السيد كامرون لزيارة خاطفة مشكورة يعلن فيها عن المزيد من الدعم الى اللاجئين. ان زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ستتبع ولكنها ستكون مختلفة لأنه يريدها مفيدة للبنان وللاجئين فيبحث عن ظروف تمكنه من جعلها مفيدة على الصعيد السياسي اللبناني رغم ان رأيه العام غير مهتم الا بمسألة اللاجئين لأن الجميع ملّ من لبنان وانقساماته السياسية المستمرة. وهولاند يقول الآن انه اصبح من الضروري ان يتم ضرب «داعش» في سورية وغالبية الرأي العام تؤيد هذه الضربة ما سيشجعه على القيام بها. ولكن ضرب «داعش» على عكس ما يعتقده بعضهم، سيزيد مأساة اللجوء لأن المدنيين الباقين سيحاولون الهروب من ضربات الائتلاف ضد «داعش» مهما كانت محددة ودقيقة لمراكزها. فدائماً في هذه الحروب يأخذ العدو المدنيين رهينة وحشيتهم. الحل ليس في ضرب داعش بل انهاء نظام الأسد. ولكن الغرب عاجز. وبعضهم في فرنسا في طليعتهم زعيمة «الجبهة الوطنية» مارين لوبن تقول انه ينبغي الاختيار والتحدث مع الأسد. وبعض النواب ايضاً من اليمين واليسار يقول الشيء نفسه. ولكنهم يغضون النظر عن ان كل المشكلة ظهرت وتراكمت من وحشية الأسد قبل «داعش».
لذا ينبغي الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعلى النظام الإيراني من اجل الحل دون الأسد قبل تفكيك سورية. ووحدها الإدارة الأميركية وربما ألمانيا بإمكانهما القيام بذلك. وحدها باريس الآن ورئيسها هولاند وفالز يؤكدان ضرورة حل من دون الأسد.
عندما يشتري العراق الديزل الإيراني!
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/16 أيلول/15
في العام الماضي كانت الحكومة العراقية تدفع لإيران فواتير كبيرة بالدولار، وكان ذلك خلال الحظر على الحكومة الإيرانية من التعامل البنكي بالدولار وخلال مقاطعة مبيعاتها النفطية دوليًا. لماذا يدفع العراقيون لإيران؟ في البداية بررت حكومة نوري المالكي الصفقة بأنها ثمن مشتريات سلاح إيراني، وبعد أن ردت واشنطن بأن في ذلك مخالفة لقرارات مجلس الأمن، تراجعت واعتبرتها صفقة خدمات. وقد اتضح لاحقًا أن حكومة طهران كانت تستخدم الحكومة العراقية ماليًا لتمويل نشاطاتها العسكرية في المنطقة وسوريا تحديدًا. حكومة حيدر العبادي يبدو أنها لا تستطيع الفكاك من الهيمنة الإيرانية، التي ازدادت بحجة مقاتلة تنظيم داعش، وقد فاخر المسؤولون الإيرانيون بأنه لولاهم لسقطت بغداد في يد الإرهابيين. المثير أن العراق، الذي هو الدولة الثانية نفطيًا في العالم، بدأ يستورد من إيران بترولاً! فقد أعلنت إيران أنها بدأت بتصدير الديزل للسوق العراقية؛ أن يشتري العراق منتجات بترولية من إيران وبالريال الإيراني، وليس بالدولار، بخلاف المألوف في سوق البترول، يؤكد أن إيران تقوم بحلب البقرة العراقية دون مراعاة أن العراق يعيش في أزمة مالية خانقة، نتيجة النهب الذي مارسته حكومة المالكي ثماني سنوات متواصلة، وها هي تستخدم الأموال العراقية لتمويل حاجاتها مستغلة نفوذها الأمني والسياسي على القوى المختلفة.
ثم يتضح وهن حكومة العبادي، التي تعتبر أقل اتّكالية وتبعية لإيران من حكومة المالكي التي سبقتها، برضوخها لطلب الإيرانيين بالسماح بالجسر الجوي الروسي بعبور الأجواء العراقية، لنقل الأسلحة إلى سوريا ضاربة بعرض الحائط الاعتراضات الأميركية. والمفارقة أن الأميركيين هم من يقود الحرب على تنظيم داعش والقوى العراقية المسلحة المعارضة للنظام في بغداد، ومع هذا لا يستطيعون أن يقبضوا مقابل هذا الموقف المهم، قرارًا بسيطًا مثل منع القوات الجوية الروسية من عبور الأجواء العراقية! وهذا يُبيّن مدى نفوذ إيران على بغداد، التي بالتأكيد هي من فرض على حكومة العبادي قرار الترخيص للروس بالمرور عبر الأجواء وعدم الالتفات للطلب الأميركي! التغول الإيراني في بغداد سيزداد، خاصة مع شعور قيادة الحرس الثوري الإيراني بأنه يطبق على الحكم في العراق ويستخدمه حصانًا يركبه للسيطرة على الموارد المالية والمائية والطائفية، والانطلاق من خلاله لفرض نفوذه الإقليمي. في السابق كان الإيرانيون حريصين على إيهام الأميركيين بأنهم شركاء في العراق، وتأمين سلامة بعض المنشآت والمراكز الأميركية، لكنّ الأميركيين ضحّوا بأكثر من أربعة آلاف جندي من رجالهم ونسائهم، وفي الأخير إيران هي من استولى على العراق قيادة ومقدرات. الآن، إيران تسيطر على معظم الفرقاء السياسيين ومعظم الميليشيات، وموارد البلاد، وكذلك المياه المشتركة، ومن المؤكد أن العراقيين سينتفضون ضد هذا الاحتلال الإيراني الذي يأتي اليوم في صورة المنقذ. والفارق كبير بين الاحتلال الأميركي الذي جاء للتخلص من نظام صدام وسعى لإدخال الديمقراطية في المنطقة من البوابة العراقية. ودفع الثمن غاليًا بالدم والدولار وماء الوجه. أما الإيرانيون فإنهم يستولون على العراق على حساب العراقيين بالمال والدم أيضًا. لهذا أعتقد أن الصدام العراقي الإيراني أمر حتمي، خصوصًا أن الوجود العسكري للحرس الثوري على التراب العراقي يزداد عددًا ونفوذًا.
ربط أزمة اللاجئين بـ«النووي» الإيراني
إيد روجرز/الشرق الأوسط/16 أيلول/15
قضيتان تشغلان اهتمام وسائل الإعلام – أزمة اللاجئين في أوروبا، والاتفاق النووي الإيراني – ينبغي ربطهما معا في النقاش السياسي الدائر حاليا في الولايات المتحدة، فلا تُظهر أزمة اللاجئين التي تجتاح الحدود الشرقية الأوروبية أية بوادر على الانحسار، وقد يتوقف تدفق اللاجئين مؤقتا خلال الخريف المقبل بسبب ازدياد قسوة الطقس، غير أن المشكلات التي تسببت في الأزمة سوف تزداد سوءا بالتأكيد، كما أن أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في تفاقم أوضاع اللاجئين هو التنفيذ المرتقب للاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس الأميركي باراك أوباما مع إيران. وينبغي للجمهوريين تذكير الجميع بأن القضيتين مرتبطتان بعضهما ببعض. تنتظر إيران – وهي العامل الرئيسي في عدم استقرار المنطقة – تدفق الأموال إليها بعد الاتفاق النووي، كل ذلك بفضل الرئيس باراك أوباما وحلفائه في الكونغرس. فما الذي سيفعله القادة الإيرانيون بهذا التدفق في الأموال؟ ستتركز بعض الأمور التي سيفعلونها بالتأكيد على زيادة قدرة مقاتلي جماعة حزب الله اللبنانية الشيعية، وزيادة تمويل المذابح التي يرتكبها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتغذية الصراع الطائفي المتنامي بين الشيعة والسنة في العراق، فضلا عن سكب مزيد من الموارد في أيدي حلفائهم في الحرب الأهلية اليمنية. كل هذه الأمور لن تتسبب فقط في تأجيج مزيد من الاضطرابات والفوضى في المنطقة بأسرها، وإنما أيضًا ستؤثر بشكل مباشر على تدفق مزيد من اللاجئين. دعونا أيضًا نتذكر أن أوباما لم يستطع – أو لن يستطيع – التفاوض على إطلاق سراح الأميركيين الأربعة المحتجزين أو المفقودين في إيران، في مقابل مليارات الدولارات التي يحصل عليها القادة الإيرانيون نتيجة الاتفاق النووي مع الرئيس الأميركي، لكن هذا لا يعني أن الناس لن يتأثروا بشكل مباشر من الاتفاق، فأنا أتوقع أننا سنرى عشرات الآلاف من اللاجئين الإضافيين نتيجة الاتفاق النووي الإيراني، وسيدخل الولايات المتحدة نصيب لا بأس به من اللاجئين. ينبغي لكل عضو في الكونغرس وكل ديمقراطي مرشح لانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، ويدعم الاتفاق النووي الإيراني، أن يتحمل بعض المسؤولية السياسية عن العواقب الوخيمة التي يسفر عنها هذا الاتفاق. وتنذر الكاتبة بيغي نونان، في مقال تحت عنوان «المهاجرون والنخبة» بصحيفة «وول ستريت جورنال»، بأن الجدل السياسي المقبل في الولايات المتحدة سيكون بشأن عدد اللاجئين الذي يمكننا استيعابه. وكما قالت نونان، فإن أزمة اللاجئين هي «كارثة تتكشف أمام أعيننا»، وإن «الضعفاء غير المحميين لديهم الحق في القلق». وبينما تزداد الكارثة سوءا، سيتخذ الجدل السياسي في بلادنا المسار المألوف بتوجيه الليبراليين الاتهام للجمهوريين بعدم الرحمة وما إلى ذلك. وسيكون من الإنصاف للجمهوريين أن يذكروا الديمقراطيين بأن أزمة اللجوء حدثت تحت أعين أوباما، وأنها – في الحقيقة – تفاقمت نتيجة إخفاقات سياسته الخارجية في سوريا، وكذلك إصراره على الإذعان لإيران. إن النتائج المترتبة على تعزيز قوة إيران هي بالتأكيد مزعجة وقد تكون كارثية. وينبغي مساءلة الديمقراطيين الذين أيدوا الاتفاق النووي، وبخاصة وزير الخارجية جون كيري، والمرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة هيلاري كلينتون، ومن هم أعلى في المنصب. الأمر يرجع إلى الجمهوريين في التأكد من ربط النقاشات حول الاتفاق النووي الإيراني بأزمة اللاجئين في عقول الناخبين، ومواصلة هذا الحال طيلة فترة الحملة الانتخابية المقررة عام 2016.*خدمة «واشنطن بوست»
ما موقف واشنطن بعد قدوم الروس إلى سوريا؟
جوش روغين/الشرق الأوسط/16 أيلول/15
خلصت إدارة الرئيس أوباما وأجهزة الاستخبارات الأميركية إلى أن روسيا سوف تبدأ في تنفيذ المهام القتالية الجوية من قاعدة جوية جديدة لها داخل سوريا، ولكن هناك خلافا داخل الحكومة الأميركية حول ما يتعين عليهم القيام به إزاء ذلك. عقد اجتماع لكبار المسؤولين يوم الخميس في البيت الأبيض على مستوى لجنة نواب مجلس الأمن القومي الأميركي لبحث كيفية الرد المناسب على الزيادة المطردة في عدد الأفراد والمعدات العسكرية الروسية في مدينة اللاذقية، وهي المدينة الساحلية السورية الخاضعة لسيطرة حكومة بشار الأسد. ولقد دعا الرئيس أوباما مسؤولي الأمن القومي في حكومته، لإعداد خطة في أقرب وقت ممكن، في الوقت الذي تتواصل فيه تقارير الاستخبارات حول الخطط الروسية لبناء قاعدة جوية هناك. والخيارات المطروحة تتمثل في محاولة مواجهة روسيا في الداخل السوري، كما يدعو البعض داخل أروقة البيت الأبيض، أو التعاون مع روسيا هناك في المعركة القائمة ضد تنظيم داعش الإرهابي.
بدأت وزارة الخارجية الأميركية بالفعل في اتخاذ خطواتها لمواجهة التحركات الروسية، على سبيل المثال، عن طريق مطالبة كل من بلغاريا واليونان رفض السماح بتحليق الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا عبر أجوائهما. غير أن وزارة الخارجية اتخذت تلك الخطوات من تلقاء الذات، ولما علم الرئيس أوباما بالأمر أعرب عن استيائه من الوزارة بسبب عدم متابعة المسار الاعتيادي المشترك بين الوكالات الحكومية الأميركية في ذلك الصدد، على نحو ما أفاد به بعض المسؤولين هناك. ويريد الرئيس من فريق الأمن القومي الأميركي أن يصل إلى توافق في الآراء في أقرب وقت ممكن من الأسبوع المقبل.
بالنسبة لبعض المسؤولين داخل البيت الأبيض، فإن الأولوية تكمن في حشد المزيد من الدول في القتال ضد تنظيم داعش، كما أنهم أعربوا عن قلقهم من تعريض العلاقات الأميركية الروسية إلى مزيد من التوتر. وإنهم ينظرون بجدية في قبول التصعيد العسكري الروسي في المنطقة كأمر واقع، ثم العمل مع موسكو لتنسيق الغارات الجوية الأميركية الروسية في شمال سوريا، وهي المنطقة التي تقود الولايات المتحدة فيها جهود قوات التحالف الدولي بصورة يومية.
وبالنسبة للكثيرين داخل إدارة الرئيس أوباما، وعلى الأخص أولئك المعنيين بالملف السوري، فإن فكرة قبول المشاركة الروسية في القتال ضد «داعش» تعد أقرب ما تكون بالاعتراف الصريح بأن جهود إسقاط نظام حكم الرئيس السوري قد فشلت. بالإضافة إلى أنهم يخشون أن روسيا سوف تهاجم الجماعات السورية المعارضة التي تحارب نظام الأسد مستخدمة الحرب ضد تنظيم داعش كغطاء لذلك. يقول أحد المسؤولين بالإدارة الأميركية، إن «النيات الروسية هي الاحتفاظ بالأسد على رأس الحكومة، وليس محاربة (داعش). لقد ظهرت بطاقاتهم على الطاولة الآن».
تُظهر الاستخبارات الأميركية في الوقت الحالي أن روسيا تخطط لإرسال قوة عسكرية إلى سوريا قادرة على ضرب الأهداف البرية. ولقد أخبرني مسؤولان أميركيان أن أجهزة الاستخبارات الأميركية جمعت أدلة تفيد بأن روسيا تخطط لنشر مقاتلات «ميغ 31» و«سوخوي 25» في اللاذقية خلال الأيام والأسابيع القادمة. وتتضمن المعدات العسكرية التي وصلت سوريا بالفعل أبراج مراقبة الحركة الجوية، ومعدات صيانة الطائرات، ووحدات الإعاشة لمئات من الأفراد. أجرى وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصالا هاتفيا بنظيره الروسي سيرغي لافروف السبت الماضي لحثه على إيقاف الحشد العسكري الروسي في سوريا، غير أن الوزير الروسي أخبر السيد كيري بأن المؤسسة العسكرية الروسية لا تفعل شيئا خطأ وأن الدعم الروسي لسوريا لن يتوقف. يعد ذلك تحولا في الأحداث عما كان عليه الوضع خلال هذا الصيف. ففي يوليو (تموز)، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالا هاتفيا بالرئيس باراك أوباما، ووفقا لما أفاد به السيد أوباما، كان الرئيس الروسي قد بدأ في التحرك بعيدا عن مساندة الرئيس السوري الضعيف. ولقد صرح الرئيس أوباما لصحيفة «نيويورك تايمز» قائلا: «أعتقد أنهم يساورهم شعور بأن الأسد يفقد قبضته تدريجيا على مساحات أكبر وأكبر من الأراضي السورية بمرور الوقت، وأن هزيمة النظام الحاكم السوري ليست وشيكة الحدوث، ولكنها باتت التهديد الأكبر يوما بعد يوم. مما يمنحنا فرصة جيدة لإجراء محادثات جادة معهم».
ولكن منذ ذلك الحين، ظل الرئيس الروسي بعيدا عن إجراء أي حوار جاد مع الولايات المتحدة، حيال التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة السورية. وفي الوقت الذي بدأت التعزيزات العسكرية الروسية في الوصول إلى سوريا الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الروسي على الملأ أن الرئيس السوري بات مستعدا للتفاعل مع أطياف المعارضة «الصحية»، وهو الموقف الذي يبتعد كل البعد عما كانت تروج له الولايات المتحدة، والذي من شأنه جلب حركات المعارضة السورية المدعومة من جانب الولايات المتحدة إلى جولة جديدة من المفاوضات مع النظام السوري الحاكم.
أخبرني السيناتور بن كاردين، النائب الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي يوم الأربعاء قائلا، إن «الدعم الروسي لنظام الأسد ليس مفيدا في شيء على الإطلاق، بل سوف يعود بنتائج عكسية.
يخطط الرئيس الروسي للتركيز على مكافحة «الإرهاب» في خطابه في وقت لاحق من هذا الشهر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. كما تعتزم روسيا كذلك استضافة اجتماع على مستوى الوزراء على هامش الاجتماعات يدور حول مكافحة التطرف، والذي تصفه بأنه سوف يضم كل الجماعات التي تقاتل نظام الأسد في سوريا، ومن بينها المدعومون من الولايات المتحدة. هناك حالة من القلق داخل أروقة الإدارة الأميركية، حتى بين أولئك الداعين إلى مواجهة الإجراءات الروسية في سوريا، ومنشؤها أن الولايات المتحدة لا تتمتع بالنفوذ الكافي لمواجهة التحركات الروسية. فإذا ما قرر الرئيس أوباما عدم قبول وجود القوات الجوية الروسية في سوريا، فسوف تكون أمامه عدة خيارات، ولكل منها عيوبه أو قيوده. يمكن للولايات المتحدة فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا، على الرغم من أن العقوبات الدولية الحالية والمتعلقة بالأزمة في أوكرانيا لم تغير من حسابات الرئيس الروسي في شيء، وهناك فرصة ضئيلة للغاية في أن تنضم الدول الأوروبية إلى جولة جديدة من فرض العقوبات على روسيا. وقد توجه الولايات المتحدة تحذيرا إلى روسيا أن قاعدتها الجوية الجديدة في سوريا، هي من قبيل المبررات الكافية لكي تزيد المعارضة من هجماتها، ولكن ذلك التحذير قد يدفع السيد بوتين إلى مضاعفة نشر قواته العسكرية هناك. ويمكن أيضا للولايات المتحدة محاولة إيقاف تدفق الأسلحة الروسية إلى سوريا، ولكن ذلك قد يعني الضغط على دول مثل العراق للوقوف في وجه بوتين وإيران، وقد لا يوافق الجانب العراقي على ذلك.
صرح السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الأربعاء الماضي قائلا إنه «قد يحاول فرض العقوبات على روسيا من جانب الكونغرس الأميركي إذا لم تتحرك إدارة الرئيس أوباما في ذلك الاتجاه». وأضاف أن «التدخل العسكري الروسي في سوريا من شأنه أن يزيد من تفاقم التهديدات الإرهابية ومشكلات اللاجئين السوريين بأسوأ مما عليه الوضع الآن». وتابع النائب الجمهوري يقول «إنها فرصتنا لصفع روسيا وبقوة، لأن ما يقومون به يعرض أمن أميركا للخطر. إن الروس يوجهون صفعات للرئيس أوباما ولوزير خارجيته كيري. إنها إهانة كبيرة لجهودهما ومحاولة الوصول إلى تسوية دبلوماسية في سوريا. كما أنهم يزيدون من احتمالات بقاء الأسد في السلطة، مما يعني ألا تصل الحرب السورية إلى نهاية أبدا». إن مخاوف البيت الأبيض من تصاعد حدة التوتر مع الجانب الروسي داخل سوريا مخاوف مشروعة فعلا، ولكن التعاون مع القوات الروسية على الأرض أو في الجو من شأنه تقويض كافة مستويات المصداقية المتبقية لدى الولايات المتحدة لدى المعارضة السورية ولدى دول الخليج العربي الداعمة لها. قد لا تتمكن الولايات المتحدة من إيقاف مشاركة روسيا في القتال بالحرب الأهلية السورية، ولكن على أدنى تقدير لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تظهر بمظهر المتواطئ مع موسكو. فإذا ما حدث ذلك، فسوف تتأكد الشكوك بأن الرئيس أوباما يعمل فعليا، وبصورة غير مباشرة، على المحافظة على نظام حكم الرئيس الأسد. *بالاتفاق مع «بلومبيرغ»