«رشوة» أميركية للمعارضة السورية
حسان حيدر/الحياة/15 تشرين الأول/15
من المتوقع ان ينجز خبراء عسكريون من الولايات المتحدة وروسيا قريباً جداً تفاصيل اتفاق يتيح تلافي الصدام في الأجواء السورية، في تسليم أميركي واضح بأن الحملة الجوية المدمرة التي تشنها موسكو في سورية ستستمر وفي طريقها إلى التوسع، وأن من الأفضل تجنب أي احتكاك يورط واشنطن في ما لا تريد ولا تسعى إليه. وفي المقابل تلقي طائرات أميركية بعض الذخائر إلى المعارضة، في ما يصح اعتباره «رشوة» سخيفة لتغطية التخلي الأميركي الإرادي عن نجدة الثورة السورية. وكانت الولايات المتحدة ألغت قبل أيام برنامجاً لتدريب معارضين أخضعوا لفحص «سي آي إي» لكشف «الاعتدال»، بعدما مني بفشل ذريع، وأرفقت ذلك بالحديث عن وصول دفعات جديدة من صواريخ «تاو» المضادة للدروع الى مناهضي نظام بشار الأسد لموازنة التدخل الروسي. لكن على عكس ما تشيعه، فإن هذه الصواريخ تسلمها المعارضون في جبهتي إدلب وحلب بشكل خاص، من جهات خليجية قبل سنة تقريباً، وظهر تأثيرها الواضح في التقدم الذي أحرزه الثوار منتصف العام الحالي على رغم غارات الطيران السوري، وهددوا عبره دمشق واللاذقية، ما دفع الجيش النظامي إلى حافة الانهيار وسرّع التدخل الروسي. وبكلام آخر، فإن دخول صواريخ «تاو» المعركة سابق على انخراط موسكو المباشر فيها، والمعارضة السورية باتت الآن بحاجة إلى أكثر من ذلك، أي إلى صواريخ مضادة للطائرات للحد من التأثير المستجد للطيران الروسي. ذلك أن استمرار موجات القصف الجوي والصاروخي الروسي العنيف، وتأمينه التغطية لعمليات برية وشيكة تشنها قوات من «الحرس الثوري» الإيراني وميليشيا «حزب الله» اللبناني، سيضطر المعارضة في النهاية إلى إعادة الانتشار والتخلي عن مناطق خاضت معارك طويلة ومضنية لانتزاعها. غير أن القرار الأميركي بهذا الخصوص لا يمكن أن يكون سهلاً، وقد لا يتخذ أبداً. فهو يتعلق بأمن الولايات المتحدة نفسها، لكنه يتعلق أيضاً، وربما بدرجة أكبر من الأهمية بالنسبة الى واشنطن، بأمن إسرائيل. إذ يكرر الأميركيون المخاوف من أنه لو تسرب صاروخ واحد من هذا النوع إلى أيدي مجموعة متطرفة، وهناك منها الكثير في سورية حالياً، لاستخدمته على الفور ضد الطائرات الأميركية والحليفة التي تغير على مواقع «داعش»، أو ضد الطائرات الحربية الإسرائيلية، أو أي طائرة مدنية تقع في مجاله. ولهذا يتشدد الأميركيون في شروط بيع هذا النوع من الصواريخ الى دول حليفة ويحظرون عليها تسليمه الى طرف ثالث من دون موافقتهم المسبقة. ويعرف بوتين هذه الحقيقة القائمة منذ بداية الانتفاضة السورية، ولهذا اطمأن إلى أن طائراته لن تواجه أي مقاومة مثلما حصل في أفغانستان قبل عقود، بسبب وجود إسرائيل التي نسق عملياته معها تحاشياً لأي صدام عرضي.
لكن المعارضة السورية المعتدلة التي تلح على منحها وسائل التصدي للطيران الروسي ومروحيات البراميل المتفجرة التي يرسلها بشار الأسد، تعتبر هذه الحجة التفافاً أميركياً على طلبها وتهرباً معداً سلفاً من التعاون الفعلي معها، حتى في مستويات أخرى لا تتحفظ واشنطن عنها، وتؤكد أن هدف الأميركيين الحقيقي ليس فقط عدم الصدام مع الروس، بل خصوصاً الاستجابة لرغبة إسرائيل في إنقاذ النظام السوري. فاستمرار الرفض الأميركي لتزويد المعارضة بما يتيح لها موازنة التدخل الروسي سيؤدي عملياً الى «تعويم» نظام الأسد وفرضه مفاوضاً أساسياً، ليس فقط في المرحلة الانتقالية، بل في ما بعدها، في حال نضجت ظروف التسوية السياسية، وستكون موسكو حققت هدفها بالحفاظ على حليفها وصانت نفوذها في شرق المتوسط، وتكون واشنطن حققت هدف إسرائيل بالحفاظ على حليفها غير المعلن نفسه، وأنجزت خروجها من المنطقة بما يتوافق مع خطة أوباما المعلنة بإنهاء عهده من دون تدخلات أميركية في الخارج.
السؤال في تركيا «داعش» أو «لا داعش»
الياس حرفوش/الحياة/15 تشرين الأول/15
ربما كان أخطر من التفجير الذي شهدته أنقرة نهار السبت الماضي وأودى بحياة ما يقارب مئة شخص وإصابة أكثر من 500 بجروح، حال الانقسام العميق في المجتمع التركي وبين أحزابه السياسية، منذ انتخابات 7 حزيران (يونيو) الماضي، التي لم تُظهر نتائجها أغلبية حاسمة لحزب «العدالة والتنمية».
تُرافق الانقسام هذا حملات تخوين واسعة من الجميع ضد الجميع. الحكومة تتهم معارضيها بالتواطؤ مع الأكراد، وهم مواطنون أتراك يتجاوز عددهم 15 مليون شخص، أصبحوا كبش محرقة، مع أنهم هم الذين يتعرضون للتفجيرات ويكون أكثرهم من ضحاياها، كما في تفجير بلدة سوروج الحدودية مع سورية في تموز (يوليو) الماضي وفي تفجير أنقرة الأخير. وعلى رأس المعارضين المتّهمين، حزب «الشعوب الديموقراطي» بزعامة صلاح الدين دميرطاش، الذي ساهم تفوقه المفاجئ في الانتخابات الأخيرة في حرمان حزب رجب طيب أردوغان من الأكثرية الحاسمة، وأصبح دميرطاش بالتالي هدفاً للحملات من جانب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو. أردوغان يترفع بكبرياء مقيتة عن لفظ اسم دميرطاش في إحدى مقابلاته التلفزيونية، أما رئيس الحكومة فقد استثناه من المشاورات التي أجراها مع قادة الأحزاب بعد التفجير الأخير. وفي الجانب الآخر، لا يتردد المعارضون وقسم لا يستهان به من الرأي العام التركي في اتهام الحكومة بالتواطؤ مع منفذي التفجيرات وبغض النظر عنهم. أما الذين لا تصل نواياهم السيئة الى هذا الحد، فإنهم في أحسن الحالات يتهمون الحكومة بالتقصير في حماية المتظاهرين، على رغم معرفتها بأجواء العنف التي تعيشها البلاد، والاختراقات الأمنية المتكررة.
ولم يساعد توجيه الاتهام الرسمي الى تنظيم «داعش» بالمسؤولية عن تفجير أنقرة، ثم إقالة مسؤولين أمنيين في شرطة العاصمة، في تخفيف الاحتقان الداخلي. إذ إن الاتهام وقرارات العزل جاءت بعد أن سبق السيف العذل، كما يقال. فالأكراد في تركيا يشعرون الآن أنهم الجهة التي تتعرض لغضب أردوغان أكثر من سواها. والمفارقة أن الرئيس التركي يقف في عدائه المستجد للأكراد في بلاده في صف واحد مع تنظيم «داعش»، الذي كانت المقاومة الكردية في شمال سورية، وخصوصاً في كوباني (عين العرب)، سبباً أساسياً في هزائمه.
من هنا تصل نظريات المؤامرة، المنتشرة في تركيا على نطاق واسع، إلى حد الربط بين المصلحة المشتركة لأردوغان و «الداعشيين» في القلاقل التي تشهدها المدن التركية. أردوغان يحيي المشاعر القومية التركية وأحلام السلطنة الغابرة، بهدف تحسين فرصه الانتخابية من خلال الإيحاء بأن حزبه (مع أن المفترض أن منصب الرئيس يجب أن يكون مستقلاً عن الانتماء الحزبي) هو الأقدر على حماية أمن الأتراك والحفاظ على مستوى معيشتهم الجيد الذي توافر لهم خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية. وتنظيم «داعش» يستغل مناخ العداء السائد في تركيا ضد الأكراد لتنفيذ عمليات الانتقام منهم بتفجير القنابل والسيارات المفخخة في تجمعاتهم الانتخابية. وكان لافتاً في هذا السياق، التحقيق الذي نشرته صحيفة «راديكال» التركية المعارضة، ونشرت «الحياة» مقتطفات منه في ملحق «صحافة العالم» في عدد أمس (الأربعاء)، وفيه معلومات مفصلة عن إهمال الأمن التركي لملاحقة إرهابيين من «داعش» نفذوا سلسلة تفجيرات في تجمع انتخابي لحزب «الشعوب الديموقراطي» في حزيران الماضي ثم في سوروج وربما الآن في أنقرة. وفي إطار الاتهام تصل الصحيفة إلى نتيجة: لو أولت الحكومة اهتماماً بظاهرة المنتسبين إلى «داعش» ومن سافروا للقتال في سورية وعادوا إلى تركيا، وتتبعت خطواتهم لما وقعت تلك التفجيرات، لكن الحكومة لم ترَ أنهم وأمثالهم مصدر خطر!