القاتل حمية والقتيلة الفلوجة
أحمد عدنان/العرب/27 أيار/16
في العام 2014 قامت جبهة النصرة بإعدام عسكري الجيش اللبناني محمد حمية، وفوجئنا أخيرا، بأن والد الشهيد (معروف حمية) قام بقتل حسين الحجيري، وهو شاب محسوب على ناشطي المجتمع المدني واليسار، ومتعاطف مع الثورة السورية كجل أهالي بلدة عرسال البقاعية الحدودية.
وما فاجأنا أكثر، أن والد الشهيد الذي تحول إلى مجرم إرهابي قاتل، قام بالظهور في غير تلفاز لبناني متباهيا بجريمته على رؤوس الأشهاد، معلنا عن موقعه (منزله)، ومتوعدا بقية آل الحجيري بالثأر، مستهدفا ثلاث شخصيات على وجه التحديد، الشيخ مصطفى الحجيري (أبوطاقية)، ورئيس بلدية عرسال السابق علي الحجيري (أبوعجينة)، وشقيق أبوطاقية، الذي أصبح والد الشهيد الجديد، مختار عرسال السابق (العمدة) محمد الحجيري الملقب بأبي علي العصفور، ويمتد استهدافه لهم إلى أبنائهم أيضا.
أبوطاقية مطلوب للدولة اللبنانية، إذ تنسب له اتهامات عدة، منها تكوين ميليشيا مسلحة تقدم الدعم اللوجيستي لداعش وجبهة النصرة، وتحوم حوله شبهات المساهمة في خطف الجنود اللبنانيين لمصلحة داعش والنصرة، ولم يصدر بحقه حكم قضائي إلى الآن بسبب تعذّر توقيفه عمدا أو سهوا، ولست أدري لماذا ضم معروف حمية إلى قائمة ثأره شقيق أبوطاقية ورئيس البلدية السابق، وافتتح ثأره بابن الشقيق الذي لا شأن له بالجماعات المسلحة أو بجريمة خطف الجنود وقتل بعضهم، وحتى لو كان هؤلاء، بعضهم أو كلهم، على صلة بجريمة خطف الجنود وتبعاتها، فإن الجهة الوحيدة المسؤولة عن تطبيق العدالة هي الدولة، لتتراكم على جريمة القتل التي ارتكبها حمية، جريمة الاعتداء على الدولة. على صعيد آخر، انطلقت في العراق معركة تسمّى “تحرير الفلوجة”، هدفها، كما يقال، إخراج داعش من الفلوجة وبسط سلطان الدولة، والعملية استبقتها فتاوى طائفية جعلت السنة والإرهاب نسيجا واحدا، وتم استهداف المدينة بالمدفعية الثقيلة عبر قصف عشوائي، ومن يحارب على الأرض هي قوات الحشد الشعبي بغطاء من الدولة العراقية المزعومة، لتتضح الصورة باكرا كما جرى سلفا في ديالى وغيرها، فالفلوجة ليست تحت سلطة تنظيم داعش وحده، إنما فيها داعش وغيره، والقصف المدفعي لم يوفر أحدا، لأن الهدف الحقيقي ليس محاربة الإرهاب، إنما تفريغ حزام بغداد من السنة، لتستمر الميليشيات الإيرانية والأحزاب الطائفية التي تحكم العراق في سياساتها الدائمة، وهي إبادة السنة تحت عنوان محاربة الإرهاب.
الحدثان مرتبطان كليا، فالفلوجة وما حولها، آخر ما تبقى للسنة في حزام بغداد، وإيران وشيعتها هجّروا البقية أو قتلوهم، ومأساة حسين الحجيري لا يمكن فصلها عن سياق ملف بلدته عرسال، التي قدمت الكثير للثورة السورية، ومن ذلك استضافة عشرات الآلاف من اللاجئين، ودفعت ثمنا باهظا نظير موقفها السياسي، ومن ذلك استهداف أمني من جهة، واستهداف إرهابي من جهة أخرى، لكن عرسال، أيضا، هي آخر مراكز السنة في شريط الحدود اللبنانية – السورية بعد أن قام حزب الله بتهجير أهل الزبداني والطفيل ويواصل حصار مضايا.
وليس للحزب الإلهي مطلب غير تهجير أهل عرسال، ولا مانع عنده في قتلهم، لربط الاتصال الجغرافي بين العواصم الأربع، طهران وبغداد ودمشق وبيروت، وهذا هو سر تطهيرهم العرقي والطائفي في خط سير العواصم العربية، ولتحقيق هذا الهدف في عرسال تحديدا، زرع بعض عناصر داعش في عرسال، كلّهم كانوا من عناصر (سرايا المقاومة)، الطابور الخامس السني. وبين يوم وليلة ومن دون مقدمات، أنزل الطابور يافطة المقاومة ورفع راية داعش، والأجهزة الأمنية الرسمية، تعرف مواقع دواعش الغفلة في عرسال، لكنها تتجاهل توقيفهم رغم جرائمهم حتى تحين ساعة الصفر ويجري على عرسال ما جرى على غيرها، ولم يكن توقيت جريمة حمية عبثيا، بل هو محاولة خبيثة من الحزب الإلهي لتعزيز شعبية النصرة بعد تهاويها الملحوظ بين العراسلة، فيتخذ ذلك ذريعة لحصار عرسال وقصفها وتهجير أهلها.
الفلوجة آخر مراكز السنة، تقريبا، في الحزام البغدادي، وعرسال آخر معاقل السنة في الحزام اللبناني – السوري، وفي الدول الثلاث نفوذ إيراني واضح، وما من قاسم مشترك بين هذه الدول إلا انهيار الدولة. حكمت إيران منذ عشر سنوات العراق كله، والنتيجة هي ما نراه اليوم، الدولة الأعتى فسادا، فثار عملاء إيران على عملاء إيران وغضب المواطن العراقي من الجميع، وقبل ذلك قام نوري المالكي بتسوّل المليارات وصرفها بحجة الحرب على الإرهاب، واكتشفنا أن الحقيقة هي مكافحة السنة، فسقط ثلث العراق في يد الإرهاب فعلا، ولجأ المالكي نفسه إلى تشكيل ميليشيات طائفية بعد انفضاح وهم الأجهزة الأمنية العراقية، ونصف الشعب فضل الفوضى على أن يُحكم من طهران ومن عملائها. ومن العراق إلى سوريا ولبنان تمتد القواسم المشتركة، أغلب الشعب السوري فضل اللجوء والموت والفوضى على حكم إيران وعميلها، وكلما زعم بشار الأسد محاربة الإرهاب ضعف أكثر، وسبب ذلك أنه يحارب شعبه بدلا من محاربة الإرهاب، إضافة إلى أن بشار الأسد هو أبو الإرهاب وأصله وتعريفه، والطريف أن الأساطير التي سمعناها عن الأجهزة الأمنية السورية ثبت اندثارها، فاستنجد الأسد بالروس وبإيران وميليشياتها لقتل شعبه. وتمتد “البركة” الإيرانية المدمّرة للدول إلى لبنان، بتعطيل شامل عبر الحزب الإلهي للدولة، وفراغ رئاسي للسنة الثانية رغم أن لا مرشحين للرئاسة إلا حلفاء الميليشيا، ووصل الأمر إلى عودة شريعة الغاب بارتفاع منطق “الثأر”، فأصبح القتلة يتباهون بجرائمهم على الملأ ويعلنون الضحايا المستقبليين أيضا، والدولة في سبات مقصود، لأن القتلة من البيئة الحاضنة للميليشيات ومغطاة منها أيضا. تطورات لبنان والعراق، فضلا عن النزيف السوري اليومي، هي الحقيقة الدامغة لسواد المشروع الإيراني وفشله، فبسط النفوذ الإيراني أصبح مرادفا للفساد والإرهاب وانهيار الدولة، ومن يرغب في هكذا مشروع فليشرب سمومه منفردا.ولا بد هنا من تذكير عملاء إيران والمتعاطفين معها بمشاهد افتراضية، أرى أن السياسة الإيرانية ستقود إليها بغير قصد عاجلا أو آجلا، وكأنني أرى مواطنا سوريا يصرح كمعروف حمية “نحن ضد الفتنة، والشيعة على رأسنا، لكنني وكل سوري في لبنان وسوريا سنقتل أي عنصر لحزب الله، أو متعاطف مع الحزب ومؤيد، ثأرا لأهلنا الذين قتلهم الحزب”، والمشهد الآخر الذي لا يقل مأساوية، يعبر عنه الافتراض التالي “الجيش اللبناني يحاصر الضاحية الجنوبية ويقصفها بالمدفعية الثقيلة لتطهيرها من الإرهاب”، ليس في الأمر ما يضحك، فعلى الباغي تدور الدوائر والعاقبة للمتقين.