نصر الله على «منصات» التهديدات
علي الحسيني/المستقبل/16 تشرين الأول/15
وقف الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله أمس الاول في أول يوم من عاشوراء هذا العام، ليخطب في الجموع التي احتشدت للاحتفال بالذكرى، فإذ بالخطاب يتسيّس ويتحوّل إلى تهديد مُبطّن ضد شركاء الوطن والمن عليهم بإبقائه على الحكومة، ثم ليعود ويفرد مساحات واسعة لسلاحه واستراتيجية جديدة موعودة بالإبقاء على السلاح طالما أنه الأمل الوحيد بالنسبة الى نصرالله وحزبه، لإبقاء البلد خارج تهديد الإرهاب. ومن المن على اللبنانيين بالأمن والأمان بفضل سلاح حزبه، قفز نصرالله ليرمي سهامه باتجاه السعودية متهماً إياها بالتلكؤ والإهمال المتعمد في قضية حجاج منى.
منذ فترة بعيدة و»حزب الله» منشغل عن قضاياه الأساسية التي على حجتها بنى نشأته وهيكليته وتصوراته المستقبلية وعلى رأسها، مواجهة العدو الإسرائيلي، تحرير القدس، نصرة المظلومين ومحاربة الفساد بأشكاله المتعددة وصولاً إلى تحرير المجتمعات من عبودية الحكومات. واليوم وبعد أكثر من ثلاثين عاماً على رفعه هذه الشعارات، تجوز مساءلة الحزب عن الأهداف التي حققها أقلّه داخل بيئته وليس على مستوى البلد الذي يدّعي حرصه عليه فقط في بياناته الإسبوعية.
بات اللبنانيون ينتظرون إطلالة نصرالله ونواب كتلة حزبه من منطقة تحولت منذ العام 2006 من عاصمة للمقاومة إلى منصّة إعلامية لإستهداف شركاء الوطن والدول الجارة والشقيقة، ولتتحول البقعة الجغرافية ذاتها مع محيطها الديموغرافي إلى مركز استراتيجي تُدار منه حملات التهديد والتخوين والتحريض واستغلال أوضاع الناس ومآسيها أبشع إستغلال من أجل تحقيق سبق سياسي ولو على حساب أوجاع هذه الناس ومنها حادثة حجّاج منى التي يُصرّ نصرالله على تحميل مسؤوليتها للسعودية ليبني عليها حسابات ضيقة خاصة بالمشروع الذي ينتمي اليه، بالكاد تستطيع أن تمر في إحدى حارات الشام أو أزقة صنعاء.
يبدو أننا نعيش اليوم في وقت تجوز تسميته بزمن «الشراكة» عند «حزب الله». لا ينفك نصرالله ونوابغ يدعون في إطلالاتهم المتكررة إلى الحوار والشراكة الوطنية واستئناف الحياة الدستورية والعودة إلى الإستقرار الامني الجماعي، وقد تناسوا أن الأزمات السياسية والأمنية التي يمر بها البلد سببها ممارساتهم وأنهم أول من عملوا على إلغاء الآخر من خلال إنقلابهم على المواثيق والأعراف يوم أطاحوا حكومة الوحدة الوطنية التي كانت مثلت الفرصة الاكبر أمام اللبنانيين لكي يخرجوا من الاصطفافات الطائفية والمذهبية وذلك بأمر من النظام السوري الذي كان قد بدأ يتأكّل من الداخل ويتهاوى كيانه ومشروعه المصطنع القائم على ظلم شعبه واستبداده. يطرح نصرالله قانون النسبية كمقدمة وحيدة لعملية إنتخاب رئيس جمهورية ثم يدعو إلى مواصلة الحوار للوصول إلى تفاهم حول قانون للإنتخابات، تماما كما يُعلن اسم النائب ميشال عون كمرشح وحيد للرئاسة ثم يعود ويدعو للإتفاق حول اسم شخصية، وهو ما يندرج ضمن الإزدواجية والتناقض اللذين يمارسهما في سياسته على غرار دعوته الجيش والقوى الأمنية الى ملاحقة المخلّين بالأمن والمرتكبين الذين يسيئون بممارساتهم الى منطقة البقاع وأهله ويشكّلون عامل قلق واضطراب وتهديد للسكان ومصالحهم، في وقت هو من يوفر فيه الحماية لكل هؤلاء إما من خلال منحهم بطاقات حزبية تسهل مرورهم على نقاط التفتيش وتحصنهم من المداهمات، وإما من خلال إرسالهم إلى مناطق آمنة وخاضعة له مثل القصير والقلمون والزبداني وآخرهم تاجر المخدرات نوح زعيتر الذي حظي منذ فترة قصيرة بيوم «استطلاعي» من رتبة «مقاوم». ومن ضمن الأولويات التي تبدلت لدى «حزب الله» هي جمهوره وتحديداً في ما خص تنصله من المسؤوليات تجاهه، فبعد غياب خطابات الوعود بالنصر ومنها قرب الإنتهاء من «القلمون» و»الزبداني» وقبلها دعوات التحضر لاحتلال «الجليل»، غابت أيضاً لغة إنماء مناطق هذا الجمهور المحرومة من المياه والكهرباء وفرص العمل بحيث تحوّلت كل هذه الخدمات إلى شركات حصرية بيد رجال الحزب فقط وبعض المحسوبين عليه. ومن «عجائب» تبدل الأولويات لدى «حزب الله» أن تتحول المناسبات ذات الطابع الديني «المذهبي» في أحيان عديدة، إلى منصّات يُطلق من خلالها نصرالله و»رجاله» رسائل تهديد إلى الداخل وأخرى تتوعد الأشقاء في الخارج.
الفاتيكان قلق حيال لبنان و”يضع الجميع أمام مسؤولياتهم” كاتشا: لا سلام بلا رئيس وعدم الاستقرار يؤدي إلى الدمار
ريتا صفير/النهار/16 تشرين الأول 2015
على وقع الشلل الحكومي والبرلماني الذي تعيشه البلاد، اكتسبت الدعوات الى تحريك الملف الرئاسي زخما متجددا، من باب الفاتيكان هذه المرة، وذلك في ضوء معطيات عن “تحذير” وجّهه البابا فرنسيس الى القيادات المسيحية، لجهة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية. تحذير ما لبث ان استتبع بكلام عن “تقرير اسود” صدر عن السلطات الفاتيكانية حيال وضع المسيحيين في لبنان. ومعلوم ان الدخول الفاتيكاني على خط الازمة اللبنانية ليس بجديد، ولا سيما ان الكرسي الرسولي كان ارسل اكثر من موفد الى بيروت، للوقوف على حقيقة النزاع القائم، ليس آخرهم وزير خارجية الفاتيكان السابق الكاردينال دومينيك مومبرتي.
من هنا فان التحرك الاخير للكرسي الرسولي، ينطلق من تقاطع سلسلة معطيات حفلت بها الساحة اللبنانية والاقليمية في الآونة الاخيرة. ووفقا لمطلعين على حركة السفير البابوي المونسنيور غابريالي كاتشا، فهو كان أكد لسائليه أن “التحذير” الذي بعث به البابا الى الزعماء الموارنة لجهة ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، يكرس موقف الكرسي الرسولي الذي “عبّر ويعبر منذ زمن عن قلقه حيال الوضع في لبنان، علما ان الزيارة الاخيرة للكاردينال مومبرتي الى بيروت اندرجت في هذه الخانة”. ووقت يشير الى ان “الكرسي الرسولي لا يقوم بوساطة محددة بهدف ايجاد حل”، يوضح ان الموقف الفاتيكاني المستجد هدفه “وضع الجميع امام مسؤولياتهم وتكرار انه يجب عدم التلاعب بالمؤسسات”. ويضيف امام سائليه: ” اطلقنا نداء الى (الاطراف) لتحمل مسؤولياتهم ونتطلع الى انتخاب رئيس للجمهورية، لكن يبدو ان احدا ليس مستعجلا. فالبابا يأمل، ويشجع، ويدعم (هذا التوجه)”… ووفقا لكاتشا فان الكرسي الرسولي يتحدث الى الجميع “وكل طرف يتخذ قراره وفقا لمسؤولياته. من هنا، اطلقنا نداء لتحمل المسؤولية وللقول ان الوضع ليس جيدا”. وعن آلية ترجمة هذا النداء، بعد زيارة الكاردينال مومبرتي، يوضح كاتشا: “النداء بعد مومبرتي اتخذ اوجها عدة. البابا لا “يستدعي” احدا. نناشد كل اللبنانيين وليس فقط القادة المسيحيين معالجة مشكلة المؤسسات، وخصوصا اننا نعتبر ان بلدا بلا مؤسسات ليس بلدا مستقرا. وبلد غير مستقر هو على طريق الدمار، وهذا ينطبق على كل المجموعات (اللبنانية)”. وعن الاتصالات الدولية والاوروبية التي يجريها الفاتيكان في هذا الخصوص، يقول كاتشا لسائليه إن “ثمة اتصالات دائمة مع الاوروبيين وغير الاوروبيين، انطلاقا من اقتناع مفاده انه اذا لا رئيس جمهورية للبلد، فان البلد ليس في سلام”. في اي حال، يبدو ان الموقف الفاتيكاني يتقاطع ومجموعة معلومات باتت في متناول قوى مسيحية “آذارية”، وذلك على خلفية مروحة من الاتصالات المحلية والاقليمية الجارية. ويتبين وفقا لهذه القوى:
- ان المواجهة الاقليمية ولا سيما بين الرياض وطهران مستمرة، علما ان ايا من الطرفين ليس في وارد الشروع في تسوية. ويبدو، بحسب تقويم اولي للمسار التي تتخذه الاحداث، ان الايرانيين ليسوا في وارد تقديم تنازلات في الملفات الاقليمية، خلافا للاعتقاد المتفائل الذي طبع المرحلة الاولى لإقرار الاتفاق النووي مع الغرب.
- التشدد نفسه ينطبق على السلوك الغربي حيال الاوضاع المستجدة في سوريا، ولا سيما بعد الدخول الروسي على خط الازمة. واذا كان بعض الدول الاوروبية يلمح الى امكان حصول “تسويات” محدودة، عبر ترجيحه مرحلة انتقالية في سوريا بمشاركة الرئيس السوري بشار الاسد، فان هذه المواقف لا تعني في المقابل، ان الغرب في وارد الشروع في “تسوية بأي ثمن”. وبحسب العاملين على الملف السوري، فان التدخل الروسي “دوّل” في مكان ما الازمة. فتغلّب نتيجة هذا التدخل، “العامل” الدولي على الاقليمي، وتحولت المواجهة من منافسة اقليمية “يتبارى” على حلبتها الاطراف الفاعلون في المنطقة، الى مواجهة اميركية – روسية.
- يبدو منطقيا، وانطلاقا من المناخ السائد، ان يتأثر لبنان “بالعواصف” الاقليمية والدولية، الامر الذي يترجم استمرارا في الشلل ولا سيما على المستوى الحكومي. لذا، بات الكلام على استقالة محتملة للحكومة اللبنانية غير ذي فائدة، باعتبار ان الحكومة مشلولة اساسا، وتحولت حكما الى تصريف الاعمال سواء اعلنت ذلك أم لم تعلنه.