سعد الحريري اليوم أمين الجميّل 1984
ايلي الحاج/النهار/6 حزيران 2016
علّ أكثر من عاش ظروفاً تشبه ظروف الرئيس سعد الحريري اليوم هو الرئيس أمين الجميّل. في 23 أيلول 1982 انتقل رئيساً إلى القصر الجمهوري حاملاً إرثاً ثقيلاً جداً. جمهور المسيحيين في غالبيته كان يطالبه بأن يكون على صورة شقيقه الشهيد بشير الجميّل الذي انتُخب رئيساً ولم يدخل القصر. لكنه تعرّض لضغوط هائلة، عسكرية خصوصاً، لم يستطع مواجهتها بالمنطق “البشيري”، ومواقف الدول البعيدة والقريبة بدءاً بالولايات المتحدة وصولاً إلى سوريا تغيّرت ولم تعد مساعدة فاعتمد السياسة والديبلوماسية والمرونة . عندما قرر الحوار مع الخصوم المحليين والإقليميين ومحاولة التفاهم معهم قام عليه متشددون من رفاق بشير خصوصاً حمّلوه تبعة الخسائر الكبيرة التي مُنيَ بها المسيحيون وأطلقوا نحوه اتهامات شتى، وبدءاً من مطلع 1984 بدأت تتجمّع عوامل اجتماع اثنين من الأركان الرئيسيين في ميليشيا “القوات اللبنانية” كما في حزب الكتائب آنذاك: إيلي حبيقة وسمير جعجع، بسعي من كريم بقرادوني مع حفظ الألقاب.
إلا أن حبيقة وجعجع ما كانا ليجرؤا على أي خطوة ضد أمين الجميّل بوجود والده الشيخ بيار الجميّل على رأس الحزب. على ما قال جعجع لاحقاً، كلمة من “الشيخ بيار” كانت كافية للقضاء على حركتهما. بعد وفاته في 29 آب 1984 بدأ سبق مهول في ما كان يُسمّى بـ”المجتمع المسيحي” على الورثة السياسية لبشير الجميّل التي كانت في عهدة شقيقه الرئيس. ما هي إلا 7 أشهر حتى نزل “قواتيّو” حبيقة وجعجع إلى الشارع تحت لافتات العودة إلى الخط البشيري ساحبين البساط الشعبي من تحت قدمي رئيس الجمهورية الذي اتهمه المنتفضون عليه ذات 12 آذار 1985 بالتهاون، وما لبثوا أن وجدوا أنفسهم في الموقع نفسه تحت وطأة الضغوط نفسها وانسداد الآفاق. توافق جعجع وحبيقة على التفاوض مع دمشق وتفاوض حبيقة معها وتوصل إلى “اتفاق ثلاثي” لم يرضِ الجميّل وجعجع فاتفقا عليه وأسقطاه، ودخل على الخط بوضوح بعد ذلك مطالب آخر بجزء من إرث “الرئيس الشهيد بشير” هو قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون الذي كان من فريق المخططين باسم زائف لإيصاله إلى رئاسة الجمهورية. بقية المأساة التي نتجت من هذا التنازع معروفة ولا تزال تجرجر.
هذا عرض تأريخي موجز للمقارنة وليس إعادة قراءة. اعترض وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على إقحام “الشهيد” بل “الشهداء” في الكلام السياسي داخل فريقه وعلى ضفافه. قبله كان وزير العدل اللواء أشرف ريفي نزل باعتراضه على أداء قيادة “تيار المستقبل” ممثلة برئيسه سعد الحريري إلى الشارع في طرابلس وفاز فوزاً كبيراً تحت راية الشهداء. الناس في البيئة السنية حريريّو الهوى يفتشون عمن يذكّر بينهم بالرئيس الشهيد. ولولا ضغوط هائلة وظروف صعبة جداً وجد نجله الرئيس سعد نفسه محصوراً فيها، لما كان ممكناً تخيّل أوضاع ينازعه فيها “حريريّون” على الإرث المعنوي لوالده كما حصل للرئيس الجميّل مع رفاق شقيقه. بالطبع هناك الأخطاء والهفوات السياسية وظواهر سوء تقدير العواقب التي كان يجب أن تتراكم وتمرّ عليها سنوات، وكذلك أن يصل الحريري إلى وضع مالي مأزوم كي يتمكن المعترضون والمتنازعون ومن يعتبرون ذواتهم حافظين للأمانة أكثر من الخروج بآرائهم وأحكامهم إلى العلن. كان بيار الجميّل، بقامته التاريخية على رأس الكتائب، يعادل دعمه لعهد نجله الرئيس أمين في وجه مَن نازعوه وشككوا فيه، الدعم الذي لقيه الرئيس سعد الحريري من المملكة العربية السعودية في وجه الجميع. ما أشبه رحيل الجميّل الأب بحجب دعم المملكة وسط أقسى التحديات. لكن الرئيس الجميّل ارتأى في 1985 عدم الوقوف في وجه العاصفة العاتية موقتاً، أما الرئيس الحريري فمضطر إلى التحرك والمبادرة بسرعة لأن مستوى الغضب في المملكة لم يسبق له مثيل بعد كلام الوزير المشنوق بحسب معلومات متقاطعة، ولا ينفع معه اعتذار أو توضيح، والرد الكلامي عليه لم يبدأ بعد. عندما يغيب الأب القوي يصبح الإبن وجهاً لوجه مع الأعاصير.