وساطة بين “حزب الله” والحاكم
منير الربيع/المدن/الإثنين 13/06/2016
يبدو أن الإنفجار الذي استهدف بنك لبنان والمهجر في فردان، مساء الأحد، حفز حركة الوسطاء للدخول على خط تبريد الأجواء بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة و”حزب الله” في شأن العقوبات المالية الأميركية، على ما كشفت مصادر مطلعة لـ”المدن”. وهذه المفاوضات الجديدة التي فتحت بين الحزب وسلامة، تتركز على التدقيق أكثر في كيفية فرض العقوبات أو إقفال الحسابات، ولا سيما عبر عدم التسرّع في التطبيق، بل الإستمهال أولاً، وثانياً عدم شمول الحسابات كلها.
هذا الاتجاه التفاوضي، الذي تزامن مع نفي سلامة أن يكون قد طلب من المصارف تنفيذ الإجراءات الخاصة بالقرارات الأميركية، ليس بعيداً من مسارعة الأطراف المعنية إلى الاستنتاج، بعد حصول الإنفجار، أن “حزب الله يقف وراء تفجير عبوة بنك لبنان والمهجر”، خصوصاً أنه جاء في سياق تراكمي من تنامي الخلاف بين الحزب والقطاع المصرفي على خلفية قانون العقوبات الأميركي لمكافحة تمويل الإرهاب.
في البعد السياسي، وبعد سلسلة من المواقف الحادة من الحزب تجاه المصارف وحاكم مصرف لبنان، يصب الإستنتاج في خانة واحدة: “حزب الله” هو من أراد إيصال الرسالة وإن بهذا الشكل المفضوح للقول إن العقوبات لن تمرّ، ولن يسكت عنها. أما في البعد الأمني، فغالباً ما يوسّع الأمنيون دائرة “أنظارهم” وتحقيقاتهم، حتى أنهم يضطرون إلى التمحيص في الأسباب والارتدادات البعيدة قبل القريبة. هذه هي “أسرار” مهنة التحقيق، وفق مصادر أمنية رفيعة لـ”المدن”. على اعتبار أن مرتكب الجرم، يستخدم أسلوب لعبة البيلياردو، في ضرب طابة معينة لإصابة أخرى في الهدف. هذه الفرضية، توافق عليها مصادر الحزب لـ”المدن”، وتقول: “قد يكون هناك طرف معين، أراد إتهام الحزب، وبالتالي اختار توجيه الضربة لتعميق الحصار على الحزب، وإتهامه بشكل بديهي بما جرى، على خلفية مواقفه من العقوبات. وهنا، تصحّ وجهتا نظر بكل استنسابية. هناك من بإمكانه القول إن الحزب هو المفجر بعد كل ما تقدّم، بينما في إمكان الحزب القول إنه لا يمكن أن يفجّر لأن الهدف سيكون مفضوحاً، وأصابع الإتهام ستوجه إليه مباشرة”.
ما يعزز هذه الفرضية، وفق هؤلاء، هو أن “بلوم بنك” أحد أكبر المصارف وأكثرها تعنّتاً في تطبيق العقوبات ضد الحزب، وأسرعها تطبيقاً. وتعتبر المصادر الأمنية، أن كشف المرتكب ليس مستحيلاً هذه المرّة، نظراً لوجود كاميرات المراقبة وخيوط في يد الأجهزة المعنية. وتشير المصادر إلى أن التحقيقات لا تكتفي بالكاميرات التي أظهرت سيارة ترجّل منها شخص ووضع العبوة. ما تؤكده المصادر هو أن عملية التفجير غير عادية، سواء لجهة توقيتها، شكلها، هدفها، وزنة العبوة. وتقول: “من قام بذلك محترف، أولاً لجهة اختيار التوقيت، والتأكيد أنه لا يريد سقوط ضحايا، وثانياً، لجهة زنة العبوة، بالإضافة إلى كيفية توجيه قوة عصفها، نحو المصرف. كل ذلك، بالإضافة إلى إشارات أخرى، تصب في خانة اتهام الحزب”.
لدى الحزب، هذا الإتهام غير قائم، لأنه لا يمكن أن يرتكب مثل هذا العمل، خصوصاً أنه مفضوح، بحسب ما تقول مصادر قريبة منه لـ”المدن”، وتلفت إلى أن ما يجري يشبه ما جرى في المرحلة التي أدت إلى 7 أيار 2008، لجهة القرارات المتخذة ضد الحزب، وتحميله مسؤولية الأمور.
اب نحو الشغب، وتقول المصادر: “إذا أراد الحزب القيام بأي خطوة، فستكون خطوات نوعية، وليس على هذه الشاكلة، بل ربما سحب الودائع، وما شابه، من اعتراضات مدنية على الإجراءات”.
من الواضح أن هناك من يريد حشر الحزب إلى درجة كبيرة جداً، تقول المصادر، خصوصاً أن هناك من يصر على حشر “كتلة شعبية كبيرة”، فما المطلوب منها أن تفعل؟ وعليه، يستحيل على الحزب أن يمرر ما جرى ببساطة. ما يعني أن التصور ليس واضحاً بعد ولكن هناك عدداً من الخيارات التي يتم درسها، ولا سيما أن ما يجري يعتبره الحزب، قتالاً بأخطر الأسلحة ضده، وليس عبر المصارف، بل عبر تضييق الخناق على بيئته.
المصارف خائفة من أميركا والعملاء
خضر حسان/المدن/الإثنين 13/06/2016
لم يسجّل الإنفجار الذي ضرب مبنى الإدارة العامة لبنك لبنان والمهجر، في منطقة فردان في بيروت، مساء الأحد 12 حزيران/ يونيو، خسائر بشرية، حتى ان زنة العبوة (نحو 5 كلغ من مادة “تي.أن.تي”) تشي بأن ما خُطّط له لم يكن يستهدف مدنيين أو إيقاع خسائر إقتصادية عشوائية، بل ما كان مقصوداً هو مبنى المصرف ليس إلاً. اتّضحت معالم التفجير وأضراره المادية منذ الدقائق الأولى لوقوعه، لكن الحساب الإقتصادي الذي فتحه الانفجار، لن يكون بالسهولة التي يعتقدها البعض. فرغم عدم الإستقرار الإقتصادي الذي يمر به لبنان منذ نحو 5 سنوات، إلا أن قطاع المصارف كان يُحيّد. بينما يشي المشهد الحالي بأن القطاع المصرفي بات مهدداً، مع أن مصادر في بنك لبنان والمهجر تشير في حديث مع “المدن”، إلى “إستحالة الحديث عن إنهيار القطاع أو الليرة”، فمثل هذه التوتّرات “لا تدمر قطاعاً مبنياً على أسس مالية ونقدية داخلية وخارجية”. أما التهديد فهو بالدرجة الأولى نفسي، وبالدرجة الثانية، زيادة للأعباء على الشركات والأفراد لناحية طلب المصارف ضمانات مالية وشروطاً أخرى قد تعرقل إتمام العمل عبر المصارف، فضلاً عن تشدد المصارف حيال إعطاء القروض للأفراد والمؤسسات. وقد تعيد المصارف حساباتها في ما يتعلق بتقليص فترات السماح التي تعطيها للمؤسسات لسداد إلتزاماتها للمصارف، وذلك من باب تقليص المخاطر. وهو ما يعتبر نقطة سلبية تجاه المؤسسات.
وهناك ضغوط قد تواجهها المصارف، تتعلق بسحب الرساميل الأجنبية من المصارف اللبنانية، مع تصاعد خطر التفجيرات في ظل توقع إمتداد مسلسل التفجير إلى مصارف أخرى. لكن هذا السيناريو ما زال مستبعداً، لأن قطاع المصارف متين كفاية لمواجهة أخطار “بسيطة”، فالقطاع تجاوز حرباً أهلية وحروباً إسرائيلية، ولم يسقط. وإستعدادته لمواجهة المخاطر، أكدته جمعية المصارف بالقول إن “مصارف لبنان اعتادت العمل في بيئة مليئة بالتحديات، وقد خرج القطاع المصرفي منها دائماً أكثر متانة وسلامة”، وذلك وفق بيان للجمعية أشارت فيه إلى أنها “تعمل وفق أعلى الممارسات المهنية وضمن القواعد السائدة في الأسواق الدولية كما تخضع للقوانين اللبنانية المرعيّة ولتعاميم مصرف لبنان حفاظاً على مصالح جميع اللبنانييّن”.
وحتى اللحظة “لم تصدر المصارف أي قرار يعيد ترتيب علاقتها مع الأفراد والمؤسسات في ضوء التفجير”، بحسب المصادر، “لكن لا شيء مستبعداً، خصوصاً بالنسبة إلى بنك لبنان والمهجر، المستهدف الأول في مسيرة تطبيق القرار الأميركي”. وعن موقع المصرف المركزي و”وجهة نظره” في ما يحصل، تؤكد مصادر في مصرف لبنان أن “لا تداعيات خطرة لهذا التفجير، وما ينجم عنه يمكن السيطرة عليه”. لكن، لا تخفي المصادر إمكانية التصعيد في حال “إصدار قانون أوروبي مماثل للقانون الأميركي. وفي هذه الحالة، لكل حادث حديث”. مع تطمين كل القوى السياسية تقريباً بأن ما حصل لا يرتبط بأحداث أمنية تطال البلاد، يبقى القول إن التفجيرات قد تزيد من تشدد المصارف مع عملائها من بيئة “حزب الله”، وهو سيف ذو حدين، قد يكون ذا فائدة للعملاء، إذا ما خافت المصارف وباتت أقل تشدداً، لكنه قد يكون حافزاً لتشديد القيود. وعلى الخيار الثاني أن يكون مترافقاً مع تطمينات خارجية للمصارف، بعدم المقاطعة وعدم تحذير المستثمرين ورجال الأعمال من التعامل مع المصارف اللبنانية.. أو ما شابه، لتأكيد عدم تأثر المصارف بأي “خضّات” يمكن أن تتجدد.