الشيعة: طائفة منتهية الصلاحية
الشيخ محمد علي الحاج العاملي/جنوبية/ 16 يونيو، 2016
قد يخال البعض أن واقع الطائفة الإسلامية الشيعية هو أحسن حالاً من أخواتها في لبنان، نتيجة جملة معطيات سياسية وعسكرية ومالية… لكن مع إمعان النظر، في حقيقة الأمر يتضح عكس ذلك تماماً!
بعد انهيار عدد من الأنظمة في عالمنا العربي، ومع تصاعد المطالب بالإصلاح والتحديث، لا سيما مطلب “المحاسبة والمساءلة” على الصعيد اللبناني، وانحسار وضعف النظام على الصعيد السوري؛ يظهر جلياً أن الطبقة السياسية اللبنانية الحاكمة قد شاخت وهرمت وأضحت في مراحلها الأخيرة. وما العجز المستحكم في كل بنيتها إلا دليل حي على المدعى.
فإنه بقدر تميز الشيعة راهناً بقدر ما سينقلب لعكسه، فقد تنهار قوى سياسية لطوائف، لكن بمستوى محدد، وأما منسوب الانهيار المتوقع للشيعة فهو بقدر قوتهم وحضورهم الحالي.
الانحدار
اتسمت مرحلة ما بعد الطائف بالتنمية والتطور السريع لدى أبناء الطائفة الشيعية، الذين تمكنوا من إعداد كوادر مميزة على مستوى الوطن، في مختلف الشؤون العلمية، على مستوى التخصصات بمختلف مجالاتها.
وعلى المستوى الاقتصادي تكوّن لدى الشيعة طبقة رجال أعمال ومتمولين، معتد بهم، وتكاثر رجال الأعمال الشيعة في الغرب والخليج وأفريقيا، حتى حظوا بمكانة رفيعة.
كما كانت محطات تاريخية في واقع الشيعة وسياقهم العام، بالمكانة التي تمكنوا من الوصول إليها عقب تحرير جنوب لبنان في أيار 2000، وتضاعف حضورهم في العالمين العربي والإسلامي عقب حرب تموز 2006 وحينها توطدت هذه العلاقة السنية – الشيعية، بشكل لافت ومميز، بل أصبح للشيعة مكانه غير مسبوقة في العالم الإسلامي.
الشيعة في لبنان
أما اليوم:
– فإن شباب الشيعة منشغولون في كل شيء إلا في مجال تطوير واقعهم، يتلهون في قضايا غير ذات أهمية، البطالة ارتفعت، وتدنى منسوب المقبلين على التخصصات – قياساً مع نسبة ازديادهم -، وأضحوا عديمي الطموح، فضلاً، عن انصراف جزء منهم لمتابعة الشأن السوري.
– وقد وضعت تعقيدات مالية واقتصادية كبيرة على أبناء الشيعة، وأغلقت العديد من الأبواب أمامهم، ناهيك عن لوائح الإرهاب “المطاطة”، والتي ستترجم تداعياتها لاحقاً.
– وفيما يمت للمكانة السابقة التي تمتع بها الشيعة في المجتمعات الإسلامية خلال الحروب مع إسرائيل؛ فإن مفعول ذلك تلاشى مع الدخول في الحرب السورية؛ بل انقلب الاحترام لضده.
الخطر الوجودي
إن لعنة ثالوث: إسرائيل، فلسطين، سوريا، أنتجت واقعاً مأساوياً على الطائفة الشيعية في لبنان، حيث أضحى عدد الشيعة لا يصل إلى 20 بالمائة من سكان لبنان، (مع احتساب الفلسطينيين والسوريين وغيره من جنسيات… يشكلون بمجموعهم نصف سكان لبنان تقريباً) ولعل الشيعة قرابة ثلث اللبنانيين!!
وبشيء من استشراف المستقبل، فإن هجرة الفلسطينيين والسوريين إلى لبنان ليست هجرة مؤقتة أو عابرة – وهم من لون طائفي واحد بالإجمال -؛ بل إن وجودهم يتجه مع “مرور الزمن” لمزيد من الاندماج في المجتمع اللبناني؛ وبأحسن الأحوال، وإذا لم تحصل هجرة شيعية في لبنان، وإذا بقي عددهم كما هو؛ فإن العقود المقبلة ستبلور الطائفة الشيعية كإحدى طوائف الأقليات في لبنان… وهذا مصير متوقع.
قوى… خاوية
بنظرة عابرة على قوى الطائفة كافة، نرى الخواء يعتريها، وقوتها الوحيدة مستمدة من استمرار الصراع الطائفي فقط.
أ – المؤسسات الدينية الرسمية
كأنه قد انتهى دور المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إلى غير رجعة، وأقصى ما يمكن تحقيقه هو إعادة الاعتبار للمؤسسة على المستوى القانوني، دون أن يتمكن من إعادة حضوره ومكانته التي حظي بها في مراحل زمنية سابقة، فقد استهلك خلال عشرات السنين من الركود الداخلي، وخفَّ وهجه، وضعف حضوره.
وعليه، وبأحسن أحواله يمكن أن يحظى بجملة قضايا رسمية سطحية، غير ذات أهمية في الجوهر والمضمون، وسيبقى عصر الإمام الصدر هو المرحلة الذهبية التي مرت على المجلس الشيعي.
ومع فقدان الشرعية في دار الإفتاء الجعفري؛ فقد كانت المحاكم الشرعية الجعفرية هي المؤسسة الشيعية الوحيدة ذات الشرعية في المرحلة الماضية، لكن عقب تقاعد آية الله الشيخ حسن عواد – منذ عدة أشهر – فقد شغر هذا المنصب ولم يتم تعيين خلف له، مضافاً لشغور عدد من المراكز القضائية الأخرى… وهذه سابقة خطيرة!
حيث لم يحصل شغور في سدة رئاسة المحاكم الشرعية حتى خلال فترة الحرب الأهلية!! ولكنها اليوم، بظل الرخاء، بل التخمة التي يعيشها الشيعة في مؤسسات الدولة اللبنانية فإن الأمر انقلب!!
ب – المرجعيات العلمائية
فرغت الساحة الشيعية – ومنذ عدة سنوات – من وجود أي مرجعية دينية علمائية روحية، وهذه سابقة أيضاً لم تحصل من قرون عديدة… فبعد رحيل المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله، وقبله الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وقبله المرجع الديني الشيخ محمد تقي الفقيه، لم يعد في الساحة الشيعية من يشكل مرجعية حقيقية، وانحسار دور الشخصيات الدينية ذات الوزن كان لمصلحة القوى السياسية.
ولمن كان يراهن على دور قد يلعبه أبناء المرجع الراحل السيد فضل الله، فإن الأيام أثبتت عدم استقلالية هذا البيت، وأنه يسبح في فلك الثنائية وأن سياسة “التذاكي” التي يمارسونها لإظهار شيء من التميز ما هي إلا محاولة فاشلة في ظل ارتباطهم بجملة مصالح مالية وخاصة.
ج – القوى السياسية
رغم كل ما يبدو من حضور وازنٍ للثنائية الشيعية (حزب الله وحركة أمل)، إلا أن الواضح جلياً لأي مدقق أن هذه القوى قد ترهلت كثيراً، ليس بالعوامل الطبيعية التي تتأتى من مرور الزمن الذي يستولد بدوره ما يوجب الوهن فحسب؛ بل إن هذه القوى لم تعد تملك مشروعاً استنهاضياً كما في السابق.
فلا “الحرمان” ينسجم مع السيطرة على المراكز الرئاسية والوزارية والنيابية!!! ولا “مقاومة إسرائيل” ما زالت مقاومة مع “مقاومة غير إسرائيل”!!!
وقد أضحى ارتباط الشعب مع هذه القوى رهن بالمصالح الضيقة والشخصية فقط، بخلاف أجواء النضال والعطاء والتفاني والإخلاص… التي كانت تسود المرحلة الماضية.
ربع قرن مضت على دخول “الثنائية” للحلبة السياسية اللبنانية عبر البرلمان اللبناني، تجربة – بمعزل عن تقييمها – إلا انها استهلكت بالكامل، وأضحت عديمة الدسم.
شخصانية في “الحركة” مفرطة قد تقضي على هذه المؤسسة في حال جاء “القدر المحتوم”، لا سيما وأن قائدها على مشارف “الثمانينات” من عمره. ومؤسسة معقدة في “الحزب” تصهر الأشخاص فيها بطريقة تمنع نمو الطاقات؛ وتالياً تجعل التنظيم عدد “رؤوس” فقط.
إفراط وتفريط سيولدان انفجاراً مرتقباً لطائفة منتهية الصلاحية في مؤسساتها الدينية، وفي مرجعياتها الروحية، ومنتهية الصلاحية مع ثنائية يتربع على عرشها شخصان أحدثهما منذ ربع قرن!!
ولا أتصور أن السنن البشرية التي لا استثناء فيها ستتجاهل جسماً يصيبه الخواء، رغم تمكنه “سابقاً” من تحقيق منجزات تاريخية!
أخيراً: إن حال أجيالنا الناشئة – والتي لم تنشأ على مفاهيم أسلافها – تقول: ليت ظلم “الإقطاع” دام لنا وعدل “الثنائية” في النار.
اقرأ أيضاً: المرجع الديني العلامة السيّد محمد حسن الأمين: أدعو الشيعة إلى أن يكون انتماؤهم الوطني لا الديني هو الأساس
أقرأ في أبصار الشباب غضبهم العارم، الذي سيترجم بلفظ الطبقة الراهنة. وأستمع من دقات أفئدتهم لهدير الجحافل القادمة للتغيير. وأتلمس من نضارة وجوههم معالم طريق المستقبل المفعم بالخير والبركة. وأرى في براءة عقولهم رفضاً لثنائية بعد ترويكا.
قصف بالطيران واتفاق روسي – سوري لتحجيم حزب الله… فكيف الرد؟
نسرين مرعب/جنوبية/ 16 يونيو، 2016
ثمانية قتلى سقطوا مؤخراً لحزب الله بعدما استهدفهم جيش الفتح بصاروخ تاو في خان الطومان، وكان قد سبقهم نعي قتيلين من وسائل إعلامية حزبية.
هذه الخسائر البشرية ليست وحدها ما مني به حزب الله، إذ تعرض ليلاً، لثلاث غارات إثر معركة حامية اشتعلت بينه وبين جنود النظام في تلة الميسات والبريج.
الاشتباكات التي اندلعت بعدما انسحب الجيش السوري من مراكز دفع ثمنها حزب الله من جنوده ودمائهم، أزّمت الوضع وحوّلت التحالف الميليشياوي، لعصابات متناحرة.
كذلك في السياق نفسه أوردت معلومات صحفية متابعة للملف السوري، ومنها ما ورد على صفحة الإعلامي “جاد يتيم”، وقوع اشتباكات عنيفة بين الطرفين حول منطقتي نبل والزهراء كان نتيجتها سقوط 7 جنود للنظام وضابط.
مواقع معارضة للنظام السوري، تشير إلى أنّ هذه الاشتباكات ليست جديدة بين الحزب وجيش النظام، وتضع الحادثة بين قراءتين:
الأولى: في إطار الخيانة المكررة التي يتعرض لها الحزب من النظام السوري.
الثانية: نتيجة تراكمات بين الجانبين ومحاولة النظام تهذيب الحزب الذي لديه أجندة خاصة.
الصحافي والمحلل السياسي مصطفى فحص وفي قراءة للتطورات الأخيرة على الساحة السورية، أشار لـ”جنوبية” أنّ “للحدث شقين، إذ أنّ الاشتباك العادي ممكن أن يكون بين مجموعات مسلحة غير متجانسة وتحارب في خندق واحد، ويكون الحادث بسبب خلل ميداني واحتكاك ولا يعود للقيادة، وهذا يحدث أحياناً بين الجيوش، ولكن الأخطر هو استخدام الطيران الذي يحتاج لقرار سياسي عسكري رفيع مستوى، واستخدامه يدل أنّه هناك رسالة قوية نتيجة التراكمات بين طرفي النزاع في الخندق السوري أي بين مليشيات حزب الله ومليشيات الأسد ومن يريد إثبات أولويته وقيادته في الميادين.”
وأوضح أنّ “الأسد أصبح بحاجة لإثبات انتشاره الميداني وتقليل فكرة أهمية اعتماده على حزب الله وهذا في مكان ما قد يكون مطلبا روسيا، والذي يؤكد المطلب الروسي أنّ لا الطيران ولا المدفعية الروسية غطت المليشيات الإيرانية في معركة خان طومان“.
وأضاف فحص ” قد يكون هناك بعدٌا آخر اللاشتباكات لا يرتبط لا بالأسد ولا بجماعته، وإنّما بطرف في جهاز الأسد يرفض الهيمنة الإيرانية وهذا دليل على تشظّي وتخلخل النظام السوري“.
وعن تداعيات هذه الاشتباكات أكدّ أنّ “هذه الأمور ظهرت للعلن بسبب استخدام الطيران، ولكن منذ أكثر من سنة الاشتباكات تتكرر، وحزب الله قد اتهم النظام السوري في أكثر من موقع بالخيانة“.
بدوره أكد الصحافي والسياسي اللبناني نوفل ضوّ لـ”جنوبية” أنّه “حينما يكون هناك معارك واشتباكات وقوى متعددة في ساحة حرب ولو كانت القوى متحالفة، يكون هناك نوع من الخلافات ومن وجهات النظر المختلفة بطبيعة خوض المعركة وشكلها، ولا سيما حينما لا تكون المعارك رابحة بشكل كبير يحمّل كل فريق الفريق الاخر المسؤولية وتحدث مواجهات من هذا النوع“.
وأضاف “أنّ المشكلة الأساسية في سوريا أنّ الأطراف التي تظهر بمظهر المتحالف بالشكل، بالمضمون كلّ فريق لديه مشروع استراتيجي مختلف عن الآخر، فحزب الله وإيران مشروعهم مرتبط المشروع الإيراني في سوريا والشرق الأوسط، أما بشار الأسد فغير معني بهذا المشروع إلا بقدر ما يحمي نظامه ويحافظ على وجوده، وبالتالي مصالحه على الأرض تختلف عن مصالح حزب الله وإيران. أما روسيا فمصالحها إقليمية على مستوى المنطقة، وتوازن القوى واستراتيجيتها تخدم هذا الهدف بمعزل إن كانت تتقاطع مع إيران أو بشار الأسد“.
وتابع ضوّ “حتى الفريق الواحد الذي يقاتل بالشكل باتجاه واحد لديه مجموعة معارك جانبية ممكن أن تترجم أحياناً عسكرياً لها علاقة بمصالحه التي تختلف عن مصالح الاخرين“.
وعن الطرف الذي يتحمل مسؤولية الاشتباكات قال ” ان كل الأطراف ستدفع أثمان، وهناك عملية تنافس وصراع على الأرض وهي تتحرك بشكل مستمر، وهذا مرتبط بموازين القوى المحلية الموجودة“.
وأوضح “أنّ المهم في سوريا ليس هذه الزوايا التفصيلية مع أنّها قد تنعكس على المسار العام للأمور، وإنّما هو المعركة الأساسية الكبرى المتعلقة بمصير النظام والتسويات الدولية الكبرى بين روسيا والولايات المتحدة الأميريكة والغرب”.