إعلام الممانعة ومجد الانتصارات الزائفة
علي الحسيني/المستقبل/21 تموز/16
في كل مرّة يعلن فيها إعلام «الممانعة«، سيطرة قواته على موقع عسكري أو بلدة سورية، سرعان ما تعود المعارضة السورية لتستعيد مناطقها مُكبدة قوات النظام السوري وحلفائه خسائر بشرية جديدة تُضاف إلى خسائرها مجتمعة، والتي تسقط عادة أثناء لحظات الهجوم. وهذه المعاناة قد لاحقت الحلف «الممانع» إلى أكثر من منطقة، ولا تزال تُلاحقه في حلب اليوم، وتحديداً في منطقة مزارع «الملاح» وطريق «الكاستيلو» شمال حلب والذي يفاخر جيش النظام و«حزب الله» طبعاً بأنه المنفذ الوحيد للمعارضة السورية.
لا سيطرة ميدانية فعلية لأي فريق في سوريا حتى اليوم، فالأوراق العسكرية تختلط بين يوم وآخر، ومن يفرض سيطرته اليوم على موقع أو تلّة أو حتى بلدة بأكملها قد يضطر لاحقاً الى الاستماتة ودفع عشرات القتلى ومئات الجرحى لاستردادها، ما يعني أن لا غلبة لأي فريق على آخر سوى لجهة أعداد القتلى الذين يسقطون من كل الجهات، وهنا تُسجل الخسارة الأكبر لـ»حزب الله» وجيش النظام اللذين يدفعان بكل ثقلهما ومن دماء عناصرهما لتسجيل «انتصار» يُمكن أن يوازي ثقله حجم الخسائر البشريّة التي يتكبدها الطرفان في الأرواح، لكن من دون أي جدوى.
ما زالت تُعتبر حلب، قبلة مقاتلي «حزب الله» خصوصاً بعد إعلان السيد حسن نصرالله أخيراً، بأن «المعركة الكُبرى هناك». واليها يزداد توافد عناصره في كل يوم، من جميع المناطق اللبنانية والسورية مثل «الزبداني» و»مضايا» و»القلمون» وذلك بسبب النقص الشديد الذي يُعاني منه في عديد عناصره وهو الامر الذي يضطره في كثير من الأحيان، إلى تعريض مواقعه للخطر من جرّاء إنتقال مقاتليه من نقطة إلى اخرى وبحسب ما تستدعي الحاجة. ووسط الإرباك الواضح الحاصل في عملية تنظيم صفوف المُقاتلين والتي يفتقد اليها الحزب، تخرج معلومات من داخل بيئته لتؤكد أن عملية الإستعانة بالقاصرين والذين بمعظمهم هم من كشّافة «الإمام المهدي»، هي دليل واضح وفاضح على عمق أزمة نقص العناصر التي يُعاني منها «حزب الله» منذ نحو سنتين.
بعد المعلومات التي أطل بها إعلام «الممانعة» خلال اليومين المُنصرمين والتي تحدثت عن سيطرة «الحلف» على مزارع «الملاح» وطريق «الكاستيلو» في ريف حلب وبأن المنطقة أصبحت آمنة تماماً، تحدث الثوّار في سوريا أمس، عن معركة كرّ وفرّ في المنطقة المذكورة وقتل عدد من «ميليشيات الشبيحة» وتدمير مدفع مضاد للطائرات من عيار 23 ملم وجرافة عسكرية وعربة «بي إم بي» ومدفع ثقيل وعربة ذخيرة لقوات الأسد على جبهة الملاح، بالإضافة إلى راجمة صواريخ على تلة «الشيخ يوسف«. وبأن المعارك ما زالت مشتعلة، في محاولة من الثوار لإستعادة مزارع الملاح الجنوبية و»الكاستيلو» الذي يعتبر الشريان الوحيد للمدينة، والذي إن استمر إغلاقه، سيتسبب بكارثة إنسانية في مناطق حلب المحررة، وهو الأمر الذي بدأ فعلاً بالظهور كون الطريق مقطوعاً عملياً لوجوده تحت مرمى النار حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل جنوني على غرار ما حصل سابقاً في «مضايا» عندما ارتفع ثمن كيلو غرام «الأرز»، إلى أكثر من مئة وخمسة وعشرين دولاراً. وهي سياسة حصار وتجويع عادة ما يتبعها «حزب الله» والنظام من أجل الضغط على الأهالي والتسليم لهما.
يحظى طريق «الكاستيلو» شمالي مدينة حلب بأهمية كبيرة، إذ يُعد المنفذ البري الوحيد لمناطق سيطرة المعارضة في حلب، كما أنه الشريان الرئيس الذي تعيش المدينة وسكانها عليه عبر حركة نقل البضائع ومساعدات الإغاثة والمواصلات مع الريف الشمالي والغربي. وليلاً تمكنت المعارضة السورية من السيطرة على التلة الجنوبية المطلة على طريق الكاستيلو في جمعية الملاح شمالي حلب، كما سيطرت على مواقع استراتيجية عدة في منطقة «الملاح» بعد هجوم مشترك على قوات النظام المتمركزة هناك. كل هذا يعني، أن ما يصدر عن إعلام «المُمانعة» أثناء الليل، تعود وتنفيه المعارضة في النهار، وعادة ما تكون الرؤية في حلب نهاراً أوضح من الليل. المأزق السوري الذي يتخبّط فيه «حزب الله»، يجعله دائم البحث عن انتصار يحفظ من خلاله ماء وجهه أمام جمهوره، لكن الإنتصار هذا ما زال بعيد المنال خصوصاً في ظل الضياع والتشتّت اللذين تُعاني منهما «الممانعة» من كافة الجوانب وغياب التنسيق الميداني بينها. وبما أن الإخفاقات وصلت إلى هذه الدرجة من التأزم، راح الحزب يبحث بالأمس عن مُبرّر لانزلاقه في هذه الحرب ونتيجة ميدانية تجعله يتصالح مع جمهوره، فلم يجد غير «جرّافة» لـ»جبهة النصرة» في جرود عرسال في وادي الخيل، ليوجه إليها صاروخا ليعود ويُصدر إعلامه الحربي بيانا يتبنّى فيه «العمليّة».
في خطابه الاخير، أكد نصرالله أن المعركة في محافظة حلب هي المعركة الاستراتيجية الكبرى في سوريا، متعهدا بزيادة عدد قواته فيها. وقال: «عددنا في حلب كبير على قدر المعركة لأنها تستوجب ذلك والذين يتحدثون عن اننا تلقينا ضربة في المنطقة هم يخترعون الكذبة ويسوقون لها«. وأوضح أن «عدد قتلى الحزب في معارك حلب لم يتجاوز 26 شهيدا وأسيرا واحدا ومفقودا واحدا«. هذا الكلام كان منذ شهر تقريباً، ومع احتدام المعركة إنقلب هذا العدد وتحوّل إلى رقم سريّ لا يُمكن التكهّن به أو معرفته، إلا في حالة واحدة، رصد خطابات المآتم التي تُقام والتي يتسيدها نوّاب «حزب الله» منذ يوم إعلان نصرالله «أهميّة حلب».