مساع إيرانية لتـفتيت كردستان العراق واتخاذ السليمانية حزاما أمنيا
إيران التي تفنّنت في توسيع دائرة أعدائها في المنطقة، تتوقّع دخول مرحلة من عدم الاستقرار، وتخشى أن يكون إقليم كردستان العراق مصدرا للتهديدات، وتحاول استباق ذلك باستمالة السليمانية وفصلها عن إربيل وجعلها حزاما أمنيا، مستفيدة من الخلافات الحادة بين الزعامات السياسية في المحافظتين.
العرب [نُشر في 22/07/2016
أربيل (العراق) – أعربت جهات سياسية بإقليم كردستان العراق عن توجّسها من زيارة قام بها مؤخرا رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي إلى محافظة السليمانية، وجاءت مباشرة بعد تهديدات وجهتها إيران إلى الإقليم على خلفية اتهامات له بإيواء جماعات معارضة لها على أراضيه.
ورأت تلك الجهات أن زيارة المالكي المعروف بولائه الشديد لإيران هي جزء من مساعي الأخيرة لتعميق الخلافات بين الفرقاء السياسيين داخل الإقليم تمهيدا لضرب استقراره النسبي وجرّه إلى دائرة الصراع الإقليمي الذي تخوضه طهران في المنطقة، خصوصا وأنّ تهديداتها له تضمنت اتهاما صريحا للمملكة العربية السعودية باستخدام أراضي الإقليم لإقامة مقرات لجماعات مناهضة لإيران.
وتعمل طهران على عرقلة المصالحة بين السليمانية وإربيل المختلفتين راهنا حول قضية رئاسة الإقليم، وتحاول ضمان تبعية ورثة الزعيم جلال الطالباني ودفعهم إلى الانفصال في إقليم مستقل يكون ضعيفا ومرتهنا للمساعدة الإيرانية، وليصبح بمثابة جدار أمني لإيران التي تبدو مقبلة على فترة من الاضطراب وعدم الاستقرار.
وفي مؤتمر صحافي عقده رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان البارزاني لبيان الموقف من زيارة نوري المالكي إلى السليمانية، قال المسؤول الكردي “نحن لا نعلم نية المالكي، ولكن لو كانت نيته خيرا لزار إربيل”. وكانت الزيارة المفاجئة التي قام بها نوري المالكي زعيم حزب الدعوة، الإثنين الماضي إلى محافظة السليمانية، قد أثارت علامات استفهام عديدة خصوصا وأنها جاءت إثر تهديدات إيرانية صريحة باجتياح الإقليم في حال استمرار ما سمّته طهران “دعما” للمعارضة الكردية الإيرانية.
ونفت حكومة الإقليم في وقت سابق قيام السعودية بتقديم مساعدات وفتح مقرات للمعارضة الإيرانية في مدينة إربيل، معقل حزب الرئيس مسعود البارزاني.
نيجرفان البارزاني: لو كانت نوايا نوري المالكي خيرا لبادر بزيارة إربيل
وجاء ذلك بعد أن قال الأمين العام لمجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران محسن رضائي إن السعودية قدمت مساعدات لأحزاب المعارضة الإيرانية، وفتحت القنصلية السعودية بإربيل مقرات للمعارضة.
وادعى رضائي أن السعودية قامت أيضا ببناء قواعد ومقرات لهذه الأحزاب قرب الحدود الإيرانية، وإذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال ولم تفكر حكومة إقليم كردستان العراق في حل لهذه المشكلة، فإن إيران ستقوم قريبا بعمليات عسكرية ضد مقرات هذه الأحزاب وستحمّل رئيس الإقليم مسعود البارزاني المسؤولية كاملة.
وأكد بيان صادر عن حكومة كردستان العراق أن “كل ما ورد على لسان رضائي بشأن الأحداث على الحدود الإيرانية مؤخرا معلومات خاطئة ولا أساس لها، وإذا كان هناك دليل واحد على صحة هذا الكلام، فإن هناك لجنة أمنية مشتركة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإقليم كردستان ويتم التباحث بشأن أي مشكلة داخل اللجنة وتتم معالجتها ومتابعتها”.
وفي بيانه لدوافع زيارته للسليمانية، عمّق زعيم ائتلاف دولة القانون القلق الكردي بدل تبديده، حيث قال نوري المالكي إنّه ذهب لمباركة الاتفاق السياسي الأخير المبرم بين الاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة ورثة جلال الطالباني، وحركة التغيير المنشقة عنه بقيادة نوشيروان مصطفى. وكلا الحزبان دخلا منذ حوالي سنة في خلافات حادّة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني على قضية رئاسة الإقليم، حيث يعتبران أن ولاية البارزاني انتهت منذ أغسطس من العام الماضي ولم تعد قابلة للتمديد.
وسرعان ما ترجمت تلك الخلافات إلى حوادث على الأرض تمثلت في استهداف عناصر ومقرات الحزب الديمقراطي في السليمانية، وبالمثل ردّت سلطات إربيل بمنع الوزراء والنواب التابعين للتغيير من دخول المدينة ومزاولة مهامهم. وركّزت إيران على هذا الشرخ مستخدمة أذرعها السياسية من كبار قادة الأحزاب الشيعية في العراق، وعلى رأسهم نوري المالكي.
وتأخذ القيادة الكردية هذه المساعي على محمل الجد وتحاول تداركها.
وكشفت النائبة عن التحالف الكردستاني نجيبة نجيب، الخميس، عن إيفاد رئيس الإقليم مسعود البارزاني، رئيس ديوانه فؤاد حسين إلى مدينة السليمانية حاملا رسالة إلى الاحزاب والقوى السياسية هناك، مبينة أنّ أبرز ما تضمنته الرسالة الدعوة إلى عقد اجتماع شامل بين مختلف أحزاب الإقليم، لتجاوز الخلافات بشأن موضوع الرئاسة المعلّق منذ قرابة السنة.
وكانت الخلافات حول منصب الرئيس قد أدت إلى بروز قطبي السليمانية وإربيل من جديد في تذكير بالواقع الذي تشكّل في العام 1994 إثر الحرب الأهلية التي اندلعت آنذاك وتسببت في انقسام كردستان العراق بين حزبي البارزاني والطالباني وتشكيل حكومة للأول في إربيل ودهوك، وحكومة للثاني في السليمانية. ويبدو أنّ إيران تريد التأسيس على تلك السابقة التاريخية لخلق واقع في إقليم كردستان العراق يخدم أهدافها الأمنية في ظل توّقع ساستها وخبرائها الأمنيين دخولها مرحلة من الاضطراب وعدم الاستقرار وظهور جماعات مسلّحة مناوئة لها على أرضية الوضع الاقتصادي والاجتماعي المترّدي، ونتيجة أيضا لكثرة تورّطها في النزاعات المسلّحة والصراعات الدموية في محيطها ما جعلها توسّع دائرة أعدائها بشكل غير مسبوق. وتخشى قوى سياسية بكردستان العراق أن يكون الأقليم أحدث ضحايا إيران الكثر في المنطقة.