بين الشرعيّة العربيّة و”الشريعة” الإيرانيّة
الياس الزغبي/23 تموز/16
لا غرابة في أن تُضاف إلى أزمات لبنان الداخليّة وفراغ مؤسّساته، أزمة غير بسيطة في علاقاته العربيّة، تطفو على السطح عند كلّ استحقاق عربي، سواء كان مؤتمر قمّة، أو وزراء خارجيّة، أو اجتماع على مستوى مندوبي الجامعة العربيّة. ذلك أنّ لبنان مأزوم في سياسته الخارجيّة العربيّة والدوليّة، لأوّل مرّة بهذه الحدّة، ليس فقط بسبب هبوط مستوى دبلوماسيّته منذ 10 سنوات على الأقلّ، وتعاقب وزراء خارجيّة قصيريّ النظر والباع، بل بفعل المشروع الإيراني القاضي بتغيير هويّته العربيّة، وربطه بميادين محور “الممانعة والمقاومة” ذي الصبغة المذهبيّة الفاقعة، في مواجهة العرب. والواضح أنّ هذه الأزمة استشرت واستفحلت، في غياب ضابط إيقاع السياسة الخارجيّة، رئيس الجمهوريّة، الذي يُشرف عليها بفعل موقعه وصلاحيّاته. ولعلّ أحد أخطر الأسباب الكامنة وراء تمديد الفراغ، هو هذا السبب بالذات، كي يكون مشروع تغيير هويّة لبنان طليق اليدين، بعيداً من رقابة رأس الشرعيّة. فما سبب إصرار “حزب الله”، بدفع إيراني واضح، على افتعال أسباب الاستمرار في خلوّ سدّة الرئاسة، برغم مآلها المحسوم لأحد حليفين من صلبه وعضده؟
الأكيد أنّ إيران ترتاح إلى “شبه الشرعيّة” اللبنانيّة القائمة راهناً، والتي تتمثّل في حكومة عاجزة وفاشلة، ومجلس نوّاب معطّل، ومؤسّسات مفكّكة. إنّها الحالة المثلى لمشروعها الذي يتغطّى بـ”قشرة شرعيّة” ملائمة تسمح لها بنظام التحكّم والإدارة. بينما وجود رئيس جمهوريّة على رأس الشرعيّة الدستوريّة، يعيد لبنان إلى الخريطة العربيّة، ويجدّد انتسابه للشرعيّة الدوليّة. وإيران تريد لبنان خارج الشرعيّتين، وداخل “شريعتها” وحدها. هنا يكمن مأزق لبنان العربي تحديداً. وليس عليه أن يلوم العرب، ويشكو بأنّهم يتركونه إلى قدره في مواجهة أزماته، وعلى رأسها أزمة النزوح السوري.
فليس من المنطق أن يتحمّل العرب، وتحديداً الخليج، نتائج كارثة تسبّب بها عدوّهم، سواء كان اسمه بشّار الأسد أو “الوليّ الفقيه”. لقد تحمّل العرب طويلاً أوزار حروب عبثيّة، في لبنان وعليه، وكان آخرها حرب تمّوز 2006، وسارعوا إلى مساعدته ونجدته برغم تفرّد إيران بفتح تلك الحرب. لكنّ المسألة اليوم باتت وجوديّة، يكون العرب أو لا يكونون، في مواجهة الخطر الإيراني. وقد انتقلوا من وضع الساكت والقابل، إلى وضع الصارخ والرافض. وبدأوا يواجهون إيران بلغتها وأسلوبها. والمواجهة ليست فقط في اليمن، بل في الميادين نفسها التي فتحتها إيران، ولبنان أحدها. ولا تستطيع بيروت السعي فقط إلى الغنْم العربي بدون الغرم. والغرم هنا تتمّ ترجمته بموقف سياسي ودبلوماسي واضح ومحسوم ضدّ التدخّل الايراني وفلتان “حزب الله”.
ولم يعد جائزاً أن “ينأى” لبنان بنفسه عن الاجماعات العربيّة في مواجهة الأخطار التي تهدّد العرب. والتذرّع بخصوصيّة لبنان و”سلمه الأهلي” والتخوّف من الفتنة لم يعد يقنع أحداً. فتحت هذا الشعار يتفلّت “حزب الله” من كلّ الضوابط، ويشنّ حروبه يمنةً ويُسرى، ويجرّ لبنان إلى مصير قاتم خارج بيئته وطبيعة توازناته وصيغة حياته.فلذلك، تقدّم قمّة نواكشوط فرصة للبنان كي يستعيد سياسته العربيّة الإيجابيّة، ويُعيد إدخال نفسه في النسيج العربي وانتمائه التاريخي. ولا مبرّر لارتباك رئيس الحكومة على خلفيّة المسايرة لـ”حزب الله” هنا، أو وزير خارجيّته هناك. وما على لبنان إلاّ أن يلتزم بالصوت العالي مقرّرات القمّة، بما فيها التصنيف العربي لـ”حزب الله” والخطر الإيراني. سياسة النعامة لم تعُد تجدي نفعاً، ولم يحصد منها لبنان سوى المزيد من الانزلاق في الأزمات. وهو يخسر نفسه بدون أن يربح العرب والعالم.