لاسا ولباسا وحلاسا!
ميرفت سيوفي/الشرق/11 آب/16
في أواسط القرن التاسع عشر، وتحديداً في عام 1863، اشترت الكنيسة المارونية معظم أراضي لاسا، اشترت ثلاثة ملايين متر مربع من أصل أربعة ملايين تشكل المساحة الاجمالية لأراضي القرية، ومن ضمن ما اشترته الكنيسة المارونية ودفعت ثمنه مصلى صغير كانت تصلي فيه سيدات آل حمادة.
ربما لم ينسَ كثيرون الحادثة الشهيرة التي وقعت في لاسا عام 2001 فوجئت الكنيسة بالشيخ محمد علي قاسم العيتاوي يدخل الى كنيسة السيدة الاثرية في لاسا والتي جرى بناؤها عام 1963، معلنا ان هذه الكنيسة متنازع عليها عقاريا وهي مصلى لآل حمادة الذين كانوا يسكنون المنطقة منذ مئات السنين وأنه يريد إعادتها الى آل حمادة»، ووضع الشيخ في الكنيسة سجادا ومصحفاً واضعاً بذلك يده عليها… وسيبقى الوضع في لاسا على حاله إلى حين يتمّ تغيير «حلاسا ولباسا».
ليس بخافٍ أنّ حزب الله يسعى إلى تغيير الهوية الديموغرافيّة في أماكن كثيرة في لبنان سعياً للسيطرة على مناطق السنّة والشيعة، وغلب على سلوك الشيعة طوال سنوات الحرب اللبنانية، وما يزال، وضع اليد على أراضي الغير بقوّة السلاح، أو بحجّة التهجير، وهنا علينا التذكير بحديث أمين عام حزب الله حسن نصرالله ، قبل أن يصبح أميناً عامّاً: «إن لبنان وهذه المنطقة هي للإسلام والمسلمين، ويجب أن يحكمها الإسلام والمسلمون [السـفير في 12 تموز 1987]، هذه عقيدة ثابتة عند حزب الله وإن أخرجها حالياً من السياق، يوماً ما سيخرجها من كمّه ويدّعي أنّه سكت حفاظاً على السّلم الأهلي، يعتقد حزب الله يقيناً أنّ «بلاد كسروان وجبيل كانت بلاد شيعة»…
سيبقى حزب الله ومن معه يسعى لفرض أمرٍ واقع ليس في لاسا وحدها بل في بلاد جبيل كلّها، ولكن للعبرة والتاريخ ـ مع أن حزب الله لا يعتبر ـ ننقل عن موقع شهادتنا، توثيقاً لمعركة تاريخية أسماها «معركة برج الفيدار» وهي من أهمّ المعارك في تاريخ المقاومة اللبنانيّة، والتي للمفارقة كانت دائماً «مقاومة مسيحيّة» ـ وهذا أمر علينا الإعتراف به كمسلمين ـ وفي تفاصيل تلك المعركة التي وقعت عام 1293 أنها عرفت بمعركة المثلث «الفيدار – جبيل – المدفون»، حين جمع السلطان المملوكي قلاوون حوالى 100 ألف جندي وقرّر مهاجمة بلاد جبيل من محورين: محور من بيروت باتجاه جبيل بستة آلاف جندي، ومحور طرابلس باتجاه المدفون بأربعين ألف جندي، وكان أمام أهالي جبيل خياران: إما الاستسلام وتسليم المدينة لأنّ جيشهم مع المقدّمين المردة الجراجمة لا يتجاوز ثمانية عشر ألف جندي، وإما المقاومة والصمود، وكان اختيارهم المقاومة فقسّموا جيشهم إلى قوّتين، قوة تتمركز في منطقة المدفون، والقوة الثانية تتمركز في منطقة برج الفيدار وعلى التلال التي تشرف على مدينة جبيل (بلاط، حبوب…).
هاجم المماليك من المحور الأول بيروت – جبيل بحوالى ستين ألف جندي فرصدتهم القوة المتمركزة على تلال جبيل، ولم تعترضهم، وتركتهم ليدخلوا المدينة، بعدما طلب قادة المقاومة المسيحية من النساء والأطفال أن يغادروا المدينة وأن يتركوا محاصيلهم في المخازن ويصعدوا في المراكب ويبحروا بمحاذاة الشاطئ الجبيلي. وبعدما دخل الجيش المملوكي الى مدينة جبيل رأى السكان في مراكبهم في البحر فظنّ أنّهم هربوا، فبدأوا ينهبون ويأكلون ويشربون احتفالاً بالنصر، فتضعضع وضعهم التنظيمي. وعند المساء هاجمتهم «القوات المسيحية» المتمركزة على تلال جبيل وتمكنّت من قتل قسم كبير منهم ووصلت الى القيادة وقضت عليها، وعندما حاول من تبقى من الجيش المملوكي الهروب جنوباً، كانت قوة من المردة الجراجمة بانتظارهم في منطقة الفيدار وقضت عليهم.
وعلى المحور الثاني، وعندما وصل الجيش المملوكي وتعداده أربعين ألف جندي إلى المدفون وصلته أخبار تقهقر جيشه على المحور الأول فقرر عدم دخول المعركة والانسحاب، الاّ أن «القوات المسيحية» استمرت في ملاحقة الهاربين وقتلهم في منطقة المدفون ويقال إن اسم هذه المنطقة يعود الى تلك الحقبة حيث قتل عدد كبير من الجيش المملوكي».
لتذكير البطريركية المارونية فقط، حتى لا تتكل على البحث عن حلّ بين بطريركها بشارة الراعي والشيخ عبد الأمير قبلان، نضع هذا التصريح لقبلان بين يدي القارىء والذي تناولناه في مقالة نشرت في تموز العام 2011 وحملت عنوان لاسا والتصريحات المستفزة ، «في العقد الماضي من الألفية الثالثة استفزّ الشيخ عبد الأمير قبلان اللبنانيين جميعاً والبطريركية المارونية بشكل خاص في تصريح شهير له قال فيه: «الشيعة هم أهل لبنان قبل أن يأتي أحد من حلب واسطنبول، نحن متجذرون في الأرض من أب وأم لبنانيين لم نترك لبنان لقمة سائغة أمام الأعداء ودافعنا عنه بأرواحنا وأجسادنا وسنحفظه بكل جهدنا ودمائنا وسيتبين للجميع إن أبناء الطائفة الشيعية في لبنان هم من حافظوا وحفظوا لبنان».