خريف الرئيس الحلبي
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/13 آب/16
لم يتعلّم بعد أهل الرهان على تطوّرات سوريا، أنّ انتظارهم فارغ كفراغ قصر بعبدا.
فقد انقضت سنتان ونصف السنة، منذ دخلت رئاسة لبنان حيّز استحقاقها، ولم يملّ الطامحون إلى كرسي القصر، من قراءة بختهم في الفنجان السوري، وإطلاق الوعد تلو الوعد، والوعيد تلو الوعيد، بين ثلثاء وآخر، وبين ربيع وخريف.
بل قبل ذلك بسنتين، ركّزوا رهانهم على “انتصارات” القصير وحمص، ثمّ القلمون وجرود عرسال والجولان، ثمّ ريف دمشق ودرعا والسويداء، ثمّ تدمر وريف اللاذقيّة، والانغماس الإيراني حرساً ثوريّاً وفصائل شيعيّة عراقيّة وأفغانيّة ولبنانيّة، ثمّ اليد الثقيلة للدبّ الروسي… وأخيراً كان رهان تمّوز الفائت على حسم جميع هؤلاء حرب حلب.
وانتهى رهان حلب مع بداية آب الجاري إلى ضرب موعد جديد في أيلول، وإلاّ فـ”المواجهة” حتميّة في تشرين، وأُعذر من أنذر!
وبهدوء رجال الدولة، سخر الرئيس تمّام سلام من هذا التهديد، وسأل ببساطة: التهديد ضدّ من؟ فالجميع مأزومون، ولا إمكان أو ظروف لأيّ مواجهة، فلنفكّر برئيس من 7 أسماء خارج الرباعي.
وقد سبق هذا التهديد الجديد تهديدٌ سابق غير مرّة، بزلزلة هنا وتسونامي هناك و”تحالف وجودي” هنالك، وظلّت الأمور تدور على نفسها في الفراغ المفتوح.
وبعد تراجع الرهان على حلب، فتّش المراهنون عن مشجب آخر لتعليق آمالهم، فاكتشفوا أنّ سعد الحريري يواجه أزمة مثلّثة الأبعاد: مالية وسياسية وشعبية، ولا بدّ له من السقوط عاجلاً في خطّتهم للرئاسة الأُولى، فيستسلم لقرارهم الرئاسي بعد ترغيبه بجنّة الرئاسة الثالثة، وما فيها من تعويم سياسي ومالي!
لكنّ الثابت الوحيد في كلّ هذا المشهد السوداوي، هو أنّ أيّ رئيس جديد للبنان لا يمكن أن يكون نتيجة رهان على ضعف قوّة سياسيّة أو زعيم، ولا على تبدّل ميزان إقليمي، في سوريّا تحديداً، حيث الحسم بات سراباً، والحرب سجالاً.
ولم تغيّر قمّة أردوغان - بوتين شيئاً واضحاً في هذه المعادلة، كما لا يمكن انتظار حلّ واضح المعالم من اتفاق موسكو – واشنطن، ولا في معرفة هويّة الرئيس الأميركي الجديد.
وفي هذه الحال، يصبح التهديد بـ”مواجهة” في الخريف مجرّد تعبير عن الخيبة من الرهانات المتوالية، واليأس من اختراع الآمال والفرص.
وطالما أنّ رئيس لبنان لا يمكن أن يكون وليد رهانات على ضفّتَي الاصطفاف السياسي، وعلى استحقاقات انتهى بعضها ويقترب بعضها الآخر من الانتهاء، فإنّ ما طرحه الرئيس تمّام سلام، في انتخاب واحد من السبعة الآخرين، أقرب إلى المنطق والمعقول.
وأيّ اسم من هؤلاء المجهولين المعروفين، لا يمكن أن يُحسب في خانة هذا الفريق أو ذاك، ولا في هذه الجبهة الإقليميّة أو تلك.
وحين ترى إيران، عبر واجهتها “حزب الله”، أنّها لن تكون غالبة في لبنان، ولا مغلوبة، ستوعز بتسهيل انتخاب الرئيس. وهذا يتطلّب وقتاً للحسابات البراغماتيّة تجعلها تقتنع بأنّ لبنان خارج المقاصّة على حصصها في العالم العربي.
فلبنان غير قابل للدخول في حساب صندوقها، بفعل توازناته التاريخيّة الدقيقة. وهذا ما لمسته أكثر من مرّة بعد 7 أيّار واتفاق الدوحة، وتلمسه الآن في استحالة حلمها بـ”مؤتمر تأسيسي”، وحتّى بـ “سلّة” نبيه برّي الخارجة حديثاً فارغة من “طاولة الحوار”.
لقد حان الوقت كي يخرج المسترئسون من رهاناتهم الإقليميّة، ويفتحوا الطريق أمام أصحاب السيرة الهادئة والعاقلة، وغير المصطفّة في الجبهات المتقاتلة.
وإذا استمرّ الرهان على رئاسة حلبيّة أو إيرانيّة للبنان صيفاً بعد صيف وخريفاً إثر خريف، فابشري بطول فراغك أيّتها الكرسيّ الأُولى.