عناوين التسوية بين سطور خطاب نصرالله
نوفل ضو/جريدة الجمهورية/الأربعاء 17 آب 2016
في الخطاب الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله أكثرُ مِن قطبة مخفية تَستدعي التوقّف عندها، لِما تحتويه من رسائل وأبعاد سياسية، من شأنها أن تلقي الضوء على نظرة الحزب إلى الواقع اللبناني، وطريقة تعاطيه مع الملفات العالقة، وفي مقدّمها الحلول التي يقترحها لتسوية مسألة تكوين السلطات الدستورية، لا سيّما موضوع رئاسة الجمهورية.
فالذين اعتبَروا قول نصرالله بأنّ التزام «حزب الله» بترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية يعود إلى ما قبل حرب تمّوز 2006، بمثابة تجديد لتمسّكه بترشيح عون دون غيره، رأوا في هذه العبارة أحد أوجه الحقيقة، ولم يرَوا الآخر منها.
فالوجه الآخر لِما قاله نصرالله يَكمن في أنّ «حزب الله»، على الرغم من التزامه بترشيح عون منذ أكثر من 10 سنوات، نقضَ هذا الالتزام في العام 2008 وتخلّى عنه وقبلَ بتسوية وصَل بموجبها قائد الجيش يومها العماد ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية، على الرغم من أنّ هذه التسوية جاءت في وقتٍ كان حزب الله في موقع قوّة، نتيجةً لمبادرته إلى فرض أمر واقع عسكري على الأرض في 7 أيار 2008 عندما احتلّ بيروت وحاصَر رئيس الحكومة يومها فؤاد السنيورة في السراي الكبير والرئيس سعد الحريري في منزله في قريطم.
وبالتالي فإنّ لا شيء يَدفع بقارئي خطاب نصرالله إلى استبعاد أن يكون ما جاء على لسانه في هذا المجال رسالة فحواها الاستعداد للبحث في تسوية شبيهة بتلك التي حصلت في العام 2008، فيتخلّى حزب الله عن عون في مقابل سلّة سياسية متكاملة، خصوصاً أنّ وضعَ حزب الله اليوم ليس أفضل ممّا كان عليه في العام 2008، ووضعَ قوى 14 آذار اليوم ليس أسوأ ممّا كان عليه في 7 أيار 2008.
ولأنّ التناغم السياسي قائم في الجوهر والأساس بين حزب الله والرئيس برّي بمعزل عن بعض التفاصيل والشكليات، فإنّ برّي عادةً ما يأخذ على عاتقه مِن موقعه كرئيس لمجلس النواب إيجادَ الإخراج السياسي والتسويق الدستوري لِما يطالب به السيّد حسن نصرالله.
من هنا، فإنّ دعوة برّي إلى «دوحة لبنانية» وتذكيره قبل أيام بأنّ التسوية تقتضي تفاهماً على السلة المتعلقة بقانون الانتخاب وتركيبة الحكومة المقبلة وليس فقط على إسم رئيس الجمهورية، وبأنّ الاتفاق على ترشيح العماد ميشال سليمان في العام 2008 كان شِبه منجز قبل الذهاب إلى الدوحة لكنّ ملءَ الفراغ الرئاسي لم يتمّ إلّا بعد الاتفاق على قانون الانتخاب والتركيبة الحكومية، يمكن أن يشكّل إشارةً إلى رافضي ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية بأنّ أبواب التسوية الرئاسية ليست مقفَلة على أيّ صيغة في حال التوصّل إلى اتّفاق على السلة الحكومية – النيابية، لا سيّما إذا ما ربطت تلميحات بري بتلميحات نصرالله عن الاستعداد للبحث بإيجابية في موضوع رئاسة الحكومة.
أمّا قول نصرالله بأنّ مرشّح حزب الله لرئاسة مجلس النواب هو الرئيس نبيه بري «أياً تكن نتائج الانتخابات النيابية» فدليل على أنّ ما يريده حزب الله هو تسوية سياسية لمسألة إعادة تكوين السلطة في لبنان يتمّ إخراجها دستوريا في وقت لاحق. بمعنى أنّ رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة في نظر حزب الله لا يمكن أن تُملأ بأصوات الأكثرية النيابية، وإنّما باتفاق سياسي مسبَق يكون لحزب الله فيه الكلمة الفصل.
فالانتخابات الرئاسية والنيابية «إخراج تقني» لموازين قوى يتمسّك حزب الله بفرضها، واسم رئيس الحكومة مرتبط باتفاق مسبَق على موازين القوى داخل الحكومة في انتظار الظروف التي تسمح للحزب بإدخال ما يراه مناسباً لحجمه ودوره من تعديلات على النظام السياسي في لبنان.
• عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»