حزب الله” يتفرّج على أرباحه ولا يجمعها عن الطاولة التضحية بـ”الحركة الإستقلالية” تبيّن أنها بلا مقابل
ايلي الحاج/النهار/19 آب 2016
لا يزال لبنان فاقداً توازنه منذ انحلال الجبهة الوطنية والسياسية التي شكلتها “انتفاضة الاستقلال” في 14 آذار 2005 من دون نشوء بديل منها وبفعل ارتكاب أطراف أساسيين فيها عدداً من الأخطاء الكبيرة.
يكفي لتبيان المدى الذي ذهبت إليه التضحية بالحركة الإستقلالية، من غير طائل ولا مقابل، تذكير بترشيح رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية من دون تحسب للعواقب وأيضاً من غير قدرة على إيصاله إلى قصر بعبدا، وهو من هو بالنسبة إلى النظام في سوريا و”حزب الله”. وبعده ترشيح النائب العماد ميشال عون لا بل التحالف معه من دون توقف عن المجاهرة بالتصدي لـ”حزب الله” ومخططاته، وهو الحليف الأوثق للحزب نفسه، ومن دون قدرة على إيصاله أيضاً.
جعل هذان التطوران “حزب الله” يتفرج على أرباحه المكدسة على الطاولة ولا يكلف نفسه عناء جمعها، مرتاحاً إلى وضع يشعر في ظله الأمين العام لهذا الحزب السيد حسن نصرالله بأنه قادر إذا شاء، ليس على تسمية من يكون رئيساً للجمهورية اللبنانية ومن يكون رئيساً لمجلس النواب فحسب، بل أيضاً على استدراج عروض لتسمية من سيكون رئيس الحكومة أيضاً. في مرحلة ما بعد بعد هذه التسميات يمكنه أن يعرض ما يناسب الحزب في تشكيلة الحكومة وبيانها الوزاري، وأي قانون للإنتخابات النيابية يتوجب اعتماده للإنتخابات المقبلة.
ربما لم يتح لأحد امتلاك هذه السلطة الكاملة على الدولة اللبنانية منذ أيام المفوضين السامين الفرنسيين. ولكن رغم هذه النعمة التي هبطت عليه لا يستخدم “حزب الله” نفوذه الإستثنائي لتركيب سيبة حكم تلائمه. بل يعتمد تطويل مدة بقاء الدولة ومؤسساتها معلقة إلى أجل غير مسمى.
لماذا كل هذا التمهل والأوضاع الاقتصادية في لبنان تترنح وكل الناس تشكو بمن فيهم “شعب حزب الله” طبعاً ؟
الأرجح أن “حزب الله” لا يريد أن يلزم نفسه التعامل مع أي رئيس للجمهورية في الظروف الحالية، فأي حل منطقي للأزمة اللبنانية يتطلب البدء بانتخاب الرئيس في مجلس النواب، ومن ثم تشكيل حكومة تضع قانوناً للإنتخابات النيابية وبعده تُجري الإنتخابات وتتشكل حكومة جديدة.
يفضل الحزب المسلّح والغائص في مستنقعات الحرب في سوريا جلاء الصورة التي سيرسو عليها البلد المجاور قبل أن يحدد أين تكمن مصلحته ويقرر ما يناسبه في لبنان، خصوصاً أنه يشرف عملياً على إدارة الأوضاع، والحكومة الموقتة برئاسة الرئيس تمام سلام تؤدي المطلوب منها بما يوافق “حزب الله” تماماً.
غني عن الشرح في السياق هذا أن بقاء النظام السوري- إذا بقي- يستتبع في حسابات الحزب تركيبة مختلفة للبنان تختلف عن التركيبة الممكنة في حال سقوطه. وبقاء سوريا موحدة شيء وعدم بقائها موحدة شيء آخر. وانتخاب رئيس اليوم، أي رئيس حتى لو كان الحليف الموثوق به العماد عون، سوف يكون تثبيتاً للنظام اللبناني الحالي، حين الأفضل لـ”حزب الله” ترك كل الخيارات والأبواب مفتوحة أمامه، حتى أكثرها راديكالية مثل الدعوة إلى إعادة نظر شاملة في النظام وإدخال تعديلات أساسية عليه، سواء تحت سقف “اتفاق الطائف” بعد تفريغه من مضمونه، أو من خلال مؤتمر تأسيسي وإن باسم مختلف. “مؤتمر حوار وطني شامل” أو ما شابه. تغطي هذه السياسة التعطيلية للدستور حيلٌ وحملات تحمّل الطرف الرافض انتخاب النائب الجنرال عون المسؤولية عن الفراغ الرئاسي وما يتولد عنه، ولا سيما “تيار المستقبل” المطلوب منه أن يستسلم نهائياً لمطالب “حزب الله” وإلا اعتبر هو المعرقل لانتخاب الرئيس وليس الطرف الذي يمنع اكتمال النصاب القانوني لجلسة انتخابه. والأسوأ أن “حزب الله” لا يقبل بإسناد رئاسة الحكومة بعد انتخاب عون إلى الرئيس سعد الحريري. كلام السيد نصرالله في خطابه الأخير السبت الماضي على رئاسة الحكومة كان موجهاً بحسب هذا المنطق إلى حليفه عون من أجل إرضائه، هو المستعجل موافقة “المستقبل” على انتقاله من الرابية إلى بعبدا، والملحّ في طلب نجدة من الحزب على أمل إغراء بمقابل للتيار الأزرق لعلّه يعيد النظر.