من يحمي لبنان؟
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/20 آب/16
لم يكن مفاجئاً ما قاله الشيخ نعيم قاسم عن فضل “حزب الله” في حماية لبنان.
ففي العقيدة السياسيّة الأولى (1985)، والثانية (2009)، والثالثة الثابتة؟ لا يُخفي “حزب الله” إيمانه برسالته “الإلهيّة” التي كلّفه بها مرجعه الأعلى “الوليّ الفقيه”، سواء في لبنان، أو في سائر “الهلال الإيراني”، أو في “الجبهة العالميّة لمواجهة الاستكبار”.
فمنذ إنشائه سنة 1982، يتولّى “حزب الله” هذه المهمّة بدقّة والتزام:
- وحّد الساحة الشيعيّة بعد حرب 1987 في إقليم التفّاح ضدّ “حركة أمل”، فاستتبع قرارها العسكري وترك لها منافع السلطة.
- وحّد مقاومة إسرائيل تحت راية “المقاومة الإسلاميّة في لبنان”، بعدما عمد إلى تصفية مكوّنات “المقاومة الوطنيّة” من شيوعيّين وقوميّين وعلمانيّين.
- صادر قرار الحرب والسلم من الدولة، وشنّ حروباً مدمّرة وصفها بـ”انتصارات إلهيّة”، ما بين صيف 2006 في لبنان، وصيف 2016 في سوريا وسواها.
- انخرط في السياسة الداخليّة بوهج سلاحه وماله، في مجلسَي النوّاب والوزراء، واستخدم السلاح في اجتياح العاصمة 2008، وفرض بدعاً دستوريّة جديدة في “الدوحة”، مثل “الثلث المعطّل” وتغيير الأكثريّة بـ”القمصان السود”، وعطّل انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ 2014.
وكان دائماً يمنّن اللبنانيّين بأنّه لا يريد شيئاً لنفسه، لا سلطة ولا مالاً، ولا يترجم “انتصاراته” الخارجيّة في الداخل، كما فعلت كلّ مقاومات الأرض.
ومنّته الجديدة القديمة اليوم، هي أنّه يحمي لبنان، ولولاه لكان المصير مشؤوماً.
السيّئ في ادّعائه هذا هو تجاهله الدور المحوري للجيش اللبناني والمؤسّسات الأمنيّة الشرعيّة في حماية لبنان تحت مظلّة الشرعيّتين العربيّة والدوليّة، والأشدّ سوءاً هو في تنصيب نفسه وصيّاً مطلقاً على الدولة والوطن ومستقبلهما.
وقد كان كلام أمينه العام حسن نصرالله قبل بضعة أيّام واضحاً جدّاً في توزيع الرئاسات الثلاث على من يرتأيه من الأسماء، ناسباً لنفسه حقّ التسمية والتعيين، خارج منطق الدستور والمؤسّسات والانتخابات والاستشارات.
ففي ذهنه أنّ الغلبة للأقوياء، والقوي يفرض إرادته. ومقولة “لا نريد شيئاً لأنفسنا” تسقط، ومعها مكرمة “لا نترجم انتصاراتنا في السلطة”.
وفي الواقع، لم يكن “حزب الله” يوماً مصدر أمان واطمئنان للبنان، بل سبب قلق دائم من حروب مفتوحة فيه وعليه. وليس التباهي بتشييد المنازل على الحدود الجنوبيّة سوى اعتراف غير مباشر بتحوّله حرس حدود لإسرائيل، يحمي مصالحها من حلب إلى الجولان وبنت جبيل. وكلّ ادّعاء لقوّة الردع وتوازن الرعب يخفي حقيقة التجاور السلمي والتوافق بين أصدقاء.
وليس تحالف روسيّا مع إيران وإسرائيل في الوقت نفسه سوى مظلّة واقية لهذه الجيرة المسالمة.
من هذه الزاوية فقط يحق لـ”حزب الله” القول إنّه يحمي لبنان، أي عبر انخراطه في السلام غير المباشر مع إسرائيل وارتياح الساحة الجنوبيّة إلى درجة “العمران والاخضرار” على الشريط!.
أمّا انخراطه في الحرب السوريّة فلم يكن سوى استدراج للخطر الدائم على الحدود الشرقيّة، ولا يتحمّل وزر هذا الخطر سوى الجيش اللبناني.
وما يحمي لبنان فعلاً، حتّى الآن، ليس سلاح الميليشيا، بل القرار الدولي والإقليمي، والتسليح المتواصل للجيش من الولايات المتحدة والغرب عموماً، والتزام القرار 1701.
ليس التفريغ الإيراني للدولة اللبنانيّة، بدءاً من رأسها، هو ما يحمي لبنان. ولا تورّط ذراعها في الدم السوري يحمي الحدود الشرقيّة والشماليّة، ولا الصراخ الدعائي على المنابر يلجم إسرائيل.
وكلّ هذا التودّد لـ”داعش”، ودعوتها إلى المصالحة، ليس دليل قوّة حامي الحمى ومنقذ الأوطان، بل نداء استغاثة للخروج من الوحل السوري الأحمر.
ومن يستغيث بـ”عدوّه التكفيري” المفترض، ليس جديراً بحماية شعب وأرض. بل، برثاء على حاله، وقوافل ضحاياه.